( الحلقة السابعة عشرة )
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم، هيا بنا نستكمل لقاءنا مع قصة موسى، وشعارنا سنحيا بالقرآن.
ترى كم عدد الختمات التي قمتم بها؟ ماذا عن الهمة والعزيمة؟ وها قد مرت نصف أيام رمضان، ونود الاقتراب أكثر من الله، وليلة القدر على الأبواب، نريد ختمات وختمات أكثر في رمضان، تحلوا بالهمة والعزيمة، ونود أن نتشارك جميعًا في حملتنا سنحيا بالقرآن، ونتمنى الحصول على عشرة ملايين ختمة، الهدف ليس صعب المنال، وعندما ينتهي كل شخص من إتمام ختمة فليرسل لنا، لنضع الرقم بالعداد الخاص بالموقع.
حزم موسى:
توقفنا عند الكارثة التي كان يعمل موسى كقائد عظيم على معالجتها، وهي أن بني إسرائيل عبدوا العجل بعد أن فتنهم السامري، تدرج موسى في معالجته للموقف من اللين إلى الشدة ثم إلى الحزم، وحسم موسى الأمور مع السامري؛ حيث قام بطرده ونبذه بعيدًا [قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ...] {طه:97} كما قام بحسم أمر العجل [... لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي اليَمِّ نَسْفًا] {طه:97} ثم التفت موسى إلى الفئة التي عبدت العجل من بني اسرائيل، يا ترى كيف سيكون تصرفه تجاههم؟
لقد شعر موسى أنهم نادمون على ما دفعهم السامري إليه، بل ويودون حقًا التخلص من هذه الكارثة، لكن لابد وأن يحسم الأمر معهم لأنها ليست المرة الأولى، ففي المرة السابقة قالوا: [... اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ...] {الأعراف:138} واليوم عبدوا العجل، فلابد من إنزال عقوبة شديدة بهم، وعاود موسى طريقته المعتادة وصبره الكبير في معالجة الأمر: بدأ باللين ثم الحسم، بدأ بشرح الأمر لهم ثم الحسم، وقال كلمته الشهيرة لهم:[إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا] {طه:98}، [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ...] {البقرة:54}، ولننتبه أنها المرة الأولى التي نسمع كلمة "توبوا" في قصة بني اسرائيل، وهي كلمة مازالت غير مفهومة بالنسبة لهم، فالتوبة عند المسلمين هي: أستغفرك يا ربي وأتوب إليك، أشعر بالندم، ولن أفعل هذا الشيء مرة أخرى، وأعتزم التوقف عنه مستقبلًا، وهو شعور نفسي بينك وبين الله، علاقة غير ملموسة، لا نستطيع أن نلمسها بأيدينا، أمة محمد تفهم هذا المعني بسهولة، أما بنو اسرائيل فلابد أن تكون التوبة شيئًا ملموسًا لديهم، أي أن تكون حسية يراها بعينيه، والإيمان بالغيب بالنسبة له مازال ضعيفًا، لماذا؟ لأن هناك فارق كبير في مستوى النضج بينهم وبين أمة محمد، فأول آية في القرآن نزلت على أمة محمد في سورة البقرة هي: [الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ] {البقرة:1-2}، من هم المتقون وما هي أول صفاتهم؟ [الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ...] {البقرة:3}، وأنا دائمًا أضرب المثل على ذلك بتشبيههم بالطفل الذي إن أبلغته أنك قد وضعت في حسابه بالبنك مبلغ مليون جنيه لن يمثل له الأمر شيئًا، بينما لو قدمت له لعبة ثمنها خمسة جنيهات سيفرح بها فرحًا كبيرًا، وهذا هو النضج فهو لن يشعر بما لا يراه، يجب أن يكون بين يديه، احذروا يا إخوتي أن نكون أصبحنا كذلك نتسم بالمادية، فأجمل لذة لدينا هي"يؤمنون بالغيب"، وهم مازالوا في حرمان منها، موسى يريدهم أن يتوبوا والله يريدهم أن يتوبوا، ولكن لن يتم ذلك بالمعنى الإيماني، فلابد أن يحدث ذلك بشيء حسي في البداية.
توبة بني إسرائيل:
انظر إلى الآية التي تقول: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ...] كيف يحدث ذلك؟ [... فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ...] ليأخذ كل منكم سكينًا، ويقتل نفسه، أو يقتل شخصًا آخر من بني اسرائيل، وهل يعقل أن يحدث ذلك؟ لن يحدث بالطبع، ولكن ليتخيلوا موقفًا حسيًا، لقد ارتكبت خطأ جسيمًا للدرجة التي ستفقد فيها حياتك، ولقد سمعوا ونفذوا الأمر لأنه لا يزال بهم شيء من الإيمان، وكل منهم سيحمل سكينًا، وتقول كتب اليهود الآن أنهم قتلوا أنفسهم بالفعل، ولكن القرآن يقول شيئًا آخر، فما إن حملوا السكين وأصبحوا على استعداد لتنفيذ القتل حتى قال لهم موسى -واسمع الآية مرة أخرى-: [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ...] {البقرة:54} أي أنهم لما هموا بالتنفيذ قال: [...ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ...] عفا الله تبارك وتعالى عنهم، إذن لماذا كل هذه القصة؟ حتى يشعروا بشيء حسي يفهموا به معنى التوبة.
ما هي شروط التوبة لدينا؟
· الشعور بالندم.
· إيقاف الذنب.
· العزم على عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى.
هل علمتم الآن الفارق بين الماديين وبين من جمعوا بين المادة والروح (أمة محمد صلى الله عليه وسلم )؟ هل عرفتم الآن لماذا هي خير أمة أُخرجَت للناس؟ يا تُرى هل تشعر بالتوبة سريعًا أم لابد وأن تمر بإحدى المصائب لتفهم معنى التوبة؟ من أي الأنواع أنت؟
أسباب سوء الخاتمة:
خرج موسى من مصر وعبر البحر، ثم ذهب لميقات ربه وتلقى التوراة، ونزل من الطور، وذهب لمقابلة بني اسرائيل، وفوجئ بأنهم قد عبدوا العجل، ثم نُفي السامري، ونُسف العجل في البحر. وبدأ بنو إسرائيل يتعلمون معنى التوبة، ثم أخذهم موسى إلى القدس. ونحن نروي قصة موسى نتذكر قيمة هامة، سأروي لكم قصة لها علاقة بقصتنا، في إحدى الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، كان من بين الصحابة رجل يقاتل بشدة، فقال الصحابة: هنيئًا له الجنة فقد مات شهيدًا، فأخبرهم النبي أنه في النار، فسألوه لم يا رسول الله؟ قال" كثُرَت عليه الجراح في جسده، فوضع سيفه، فاتكأ عليه فقتل نفسه"، أي أنه لم يستطع الصمود في القتال، هل هذه هي خاتمته؟ نريد أن نفهم لماذا كانت الخاتمة هكذا؟ يقول النبي:" إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها". هناك سر في الأمر نريد أن نفهمه.
مثال آخر: صحابي من العُباد، وهو علقمة، طلبوا منه لحظة وفاته أن ينطق بالشهادة، ولكنه لم يقدر، كأنه يحمل جبلًا على لسانه، فذهب الصحابة للنبي يروون له قصة علقمة، فقال النبي:" أله أم؟" قالوا: نعم، يا رسول الله، قال:" ائتوا بها"، قال:"هل في قلبك وصدرك شيء من علقمة؟"، قالت: نعم، يا رسول الله، كان يأتي إلى زوجته وأولاده بأجمل الفاكهة، ويأتيني بما يتبقى منها، وأنا أمه يا رسول الله، نعم في قلبي شيء منه. فقال النبي: "احفروا له حفرة، وأوقدوا فيها النار"، إذا لم ترض عنه هذا هو مصيره سنحدده له في الدنيا، وفعل الرسول ذلك حتى يرقق قلبها على ابنها، فما لبثت أن قالت: عفوت عنه يا رسول الله، فإذا بعلقمة يحرك لسانه،ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. يا جماعة، احذروا، هذا كان ألم قلب أم فعل ذلك بعلقمة، فليساعدنا الله لو كان أحد الوالدين يشعر بالغضب تجاهنا، أصل الموضوع هو حسن الخاتمة، ولذلك كان النبي كثيرًا ما يدعو بهذا الدعاء :" اللهم إني أسألك حسن الخاتمة"، "اللهم اجعل خير أعمالي خواتيمها"، ويقول لنا النبي:"سلوا الله حسن الخاتمة"، ما هو حسن الخاتمة؟ حسن الخاتمة وسوء الخاتمة كلاهما مرتبط بقلبك: هل كان نقيًا أم به مرض، مثل: الريبة، الحقد، الحسد، الغل، الكراهية، الأنانية، الكِبر، العُجب، إذا كان في قلبك قدر من أي من هؤلاء عليك أن تخاف من سوء الخاتمة، وإذا كانت لديك ذنوب وقلبك خالٍ من هذه الأمراض الشديدة، فاطمئن سيتوب عليك الله ويغفر لك إن شاء الله.
انظر داخل قلبك:
عندما قرر أبو بكر أن يتولى عمر بن الخطاب الخلافة، سأله الناس: أتوليه علينا وهو شديد؟ فأجابهم برد عجيب قائلًا: ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته. هل تعرف جبل الجليد؟ عشرون بالمائة منه فقط يكون فوق سطح البحر، وثمانون في المائة منه تحت سطح البحر، هذا الجزء هو ما يجعله ثابتًا، كلنا يعمل بالعشرين في المائة الظاهرة للناس من حسن الهندام والملبس، ولكن من يهتم بأمر الثمانين في المائة الموجودة بداخلنا؟ ومن يعمل على تنقيتها؟ ولذلك كان النبي عندما ينظر في المرآة يقول: "اللهم كما حسنت خَلقي فحسِن خُلُقي"، كلنا ينظر في المرآة لنتأكد من حسن الطلعة، والنبي يعلمك عندما تنظر ابحث عما بداخلك لأنه الأهم، فالجميع يهتم بالمظهر، اهتم أنت بالداخل.
كلما توغلنا في قصة موسى -نحن لا نقوم بسرد رواية_ نربط الأحداث بالقيم، فسيمر اليوم موسى برجل تبدو عليه مظاهر الإيمان الشديد والعِِلم، ولكنه مريض من الداخل بمرض الأنا، قبل حسن الخاتمة ابحث عن قلبك، هل هو نقي أم به أحد الأمراض؟ عندما يمرض أي منا يذهب إلى الطبيب، ويبدأ في علاج جسده مما ألم به، جميعنا يهتم بأمراض جسده، ولكن من يكترث لأمراض قلبه؟ إن مرض الجسد ينتهي بالموت، بينما مرض القلب يلازمك حتى يوم القيامة، من الجائز أن يعيق مرض الجسد حركتك في الدنيا، بينما يتسبب مرض القلب في أن تخسر الدنيا والآخرة. هل تستطيع استكشاف قلبك؟ أن تكشف عليه، ولكن ليس الكشف الطبي.
بلعام باعوراء:
لنكمل مع موسى، ونراه وهو يستكمل سيره إلى الأرض المقدسة كما يصفها القرآن [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ...] {المائدة:21}، ستبدأ الأحداث القادمة من الأردن، وهذا المكان عبارة عن وادٍ يُشرف عليها من أعلى جبل ممتد، والجبل الذي سيذهب إليه موسى اسمه نيبو، وهو غاية في الأهمية ومن أهم المعالم السياحية بالأردن الآن، ومن أهم الجبال، وجاء ذكره بالتوراة والإنجيل، وهذا الجبل هو أقرب الطرق التي تطل على المسجد الأقصى وفلسطين. سيمر موسى بهذا الوادي الذي يعيش فيه قوم بني كنعان، يود موسى المرور من على قمة جبل نيبو من خلال الوادي، وعندما يتم له ذلك يستطيع رؤية القدس، وقد دُفن موسى بهذا الجبل، وأثناء رحلة النبي في الإسراء والمعراج ذكر أنه رآه عند الكثيب الأحمر عند جبل نيبو، وأؤكد لكم أننا نسير وفق الاتجاه الصحيح طبقًا للخريطة، ومرور موسى إلى هذا الوادي للذهاب لجبل نيبو لتقع هذه الحادثة الإنسانية الهامة، قصة قصيرة، أليست قصة موسى قصة طويلة في القرآن، ومتواجدة في مشاهد كثيرة، ولكن هناك قصص قصيرة [نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ...] {يوسف:3}، سيقابل رجلًا أثناء سيره، هذا الرجل به مرض من أمراض القلب على الرغم من حسن المظهر الذي يبدو عليه، هو عالِم مؤمن، ولكنه مريض من الداخل، سيقابل رجلًا يُدعى: بلعام بن باعوراء، ويتجسد فيه حسن وسوء الخاتمة، وبلعام من العلماء- ليس من بني اسرائيل- ولكنه مؤمن بالله، ويعي جيدًا أن موسى حق، وأنه نبي، هو يملك العلم الغزير، [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا...] {الأعراف:175}، وتقصد الآية بلعام بن باعوراء، الذي كان يبحث عن الشهرة وعلى استعداد للتضحية من أجلها بكل شيء. هناك نقطة تسببت في إفساد نقاء الرجل، هناك كارثة تستقر بقعر القلب، الشهرة لديه أهم من العلم ومن الإيمان ومن الدين، فهو يريد المكانة الرفيعة والزعامة. كان هذا الرجل يسكن عند قبيلة تُدعى بنو سمعان، وسيمر موسى، ويقيم خيمته وقت الغروب ليذهب في الصباح إلى جبل نيبو ثم المسجد الأقصى والقدس، إذن سيبيت ليلته هنا، ومن الجائز أن تكون هناك أكثر من ليلة واحدة، لا تهتم بنو كنعان ببلعام لأنه متدين وعالِم، وهو يريد أن يشعر بذاته ويُشار إليه بالبنان، فعندما مر موسى خاف بنو كنعان من الأعداد الضخمة لبني اسرائيل، وهم يشعرون بالقلق والخوف حيالهم، ولا يدرون ما الذي يجب عليهم القيام به. وكان لدى البعض من بني كنعان علاقة قوية بفرعون وأصدقاء له، والعلاقة بين فرعون وموسى ليست على ما يرام، وهم لا يريدون ل موسى المرور بأرضهم، وهم لم يستطيعوا التصرف إزاء ذلك، فاتجهوا إلى بلعام وسألوه: ألم تخبرنا أنك متدين وعالِم وأن موسى نبي وأنت تؤمن به، ادع عليه، وجاء رده: ماذا تقولون؟ أأدعو على نبي الأمة؟ لا أستطيع القيام بذلك، فقالوا له: لو فعلت ذلك واستُجيب دعاؤك سنصدقك القول أنك عالِم، سنضعك في منزلة كبيرة. وهم الآن يلتمسون المشكلة التي يعاني منها، هل نحن على استعداد للتضحية بالعلم، الإيمان ، الدين من أجل مكانة ما؟ هل تضحي بالحق من أجل السلطة، أو من يقبل الرشوة، لا يوجد فارق بينك وبين بلعام بن باعوراء، وعندما ألحوا على بلعام والمكانة التي وعدوه إياها دعا على موسى وبني إسرائيل، ولكن كيف يُستجاب دعاؤه؟ ثم قالوا له: أنت لست بعالم، دعوت على موسى، ولم يُستجَب لك. فغضب بلعام لما أصابه، وأكد أنه سيثبت أنه قادر على ذلك.
حيلة بلعام باعوراء:
أما وأن بلعام قد خسر آخرته، فلقد قرر أنه لن يخسر دنياه؛ فأشار على قومه بحيلة ماكرة للقضاء على بني إسرائيل، حيث قال لقومه: زينوا نساءكم وعطروهن، وأرسلوهن بالبضائع ليبعن لبني اسرائيل، وقولوا للنساء لا تمنع أي امرأة منهن نفسها عن أي رجل من بني إسرائيل يريدها، هل سيقدم عالِم على فعل ذلك؟ تلك أحد أسباب سوء الخاتمة، هناك مرض بالقلب. أطاعوا بلعام بن باعوراء، وبدأ التنفيذ، وأرسلوا النساء من بني كنعان تبيع لبني إسرائيل، ويذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أول فتنة لبني اسرائيل كانت بسبب هذه الحادثة. وعلم موسى بالأمر، وأن بلعام هو السبب وراء ذلك فدعا عليه، عندما تنسلخ من آيات الله لا يُستجاب دعاؤك، لكن موسى الموصول بالله استجيب دعاؤه، هل تستطيع أن تنزع دينك؟ من يفعل ذلك كأنه انتزع جلده، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزوة أحد:" دينك دينك لحمك دمك"، يا من نزعِت الحجاب، احذري، ويا من كنت تصلي واتسمت أفعالك بالفجور، ويا من كنت موصولًا بالله ثم وقعت في شرك المعصية، احذر سوء الخاتمة، بإمكانك العودة والإصلاح، [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ...] {الأعراف:175-176}، هذا ليس سبابًا لل***، فقد أثني على الكلـــب في القرآن في آيات أخرى [... رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...] {الكهف:22}، لماذا إذن الالكلـــب ؟ لأن من طبيعته أن يلهث سواء عند جريه أو وقوفه، والآية توضح أن بلعام كان يلهث وراء الدنيا وأنه كان غير قادر على الوصول إليها، هذا هو عقابه، يريد أن يأخذ ولا يعرف كيف يقوم بذلك فأصبح مثل ال***، الهث وراء الدنيا يا بلعام [... ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {الأعراف:176}، هذه هي قصة بلعام بن باعوراء وسوء الخاتمة وهي غنية بالمعاني.
فُتن بلعام وأخلد إلى الأرض، يا بلعام بن باعوراء عام 2009 اتق الله، وإلى النساء اللاتي أصابهن النسيان أو أخطأن أو تركن حجابهن، احذروا نتيجة بلعام بن باعوراء، بلعام بن باعوراء هو مرآة مخيفة للجميع، يا تُرى ما هي خاتمتنا؟ أنا أيضًا أشعر بالخوف، يا رب، ارزقنا الإخلاص، لأنه ينقي القلب من مصائب كثيرة، ادعوا لنا بالإخلاص، وادع لنفسك بحسن الخاتمة.
أمثلة لحسن وسوء الخاتمة:
أود أن أختم بقصص لحسن وسوء الخاتمة، وكل منا يختار ما يريد، بلال وهو يموت تقول زوجته: وامصيبتاه، فيرد عليها قائلًا: "لا تقولي: وامصيبتاه، ولكن قولي: وافرحتاه؛ غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه".
معاذ بن جبل وهو يموت يسأل: "أي وقت هذا؟"، فيقولون: وقت السحر، فيقول: اللهم إني أسألك موتةً في ليلة يكون صبحها في الجنة، ثم تدمع عيناه، فيسألوه:علام تبكي؟ فيقول: والله ما أبكي على ثواب الدنيا، ولكن أبكي على ثواب قيام الليل وقراءة القرآن.
وهذه موتة معاصرة: الشيخ كشك عليه رحمة الله يموت وهو ساجد، والشيخ محمد الغزالي يموت وهو يدافع عن الإسلام في مناظرة وتصيبه ذبحة ويموت، ويُدفن بالمدينة المنورة في مكان لم يجد من دفنه أفضل منه؛ بين الإمام مالك وإبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهناك موتة عكس ما سبق، موتة معاصرة أخبرني بها أحد أصدقائي، الذي يحكي ويقول إنه كان مسافرًا بالطائرة، وبجواره رجل يرتدي أفخر الثياب ومعه زجاجة خمر يحملها، وأنت تعلم أن ملك الموت لا يستوقفه مكان، فجاءه ملك الموت وأخذ الرجل يتصبب عرقًا وأصابه التشنج، فقلت له: قل لا إله إلا الله، فصار يقول لي: اعطني الحقيبة، بها عقود شركاتي، ويقسم صديقي أن هذا ما حدث، فعاود صديقي الكرة لينطق بالشهادة، فقال له الرجل: كلما حاولت لا أستطيع النطق بها، ثم مات، تقول الآية [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}.
قيمة اليوم.. اكتشف قلبك وعالجه:
هل تريد حسن الخاتمة؟ قيمة اليوم هي.. اكتشف قلبك، وعالجه مما به من أمراض، بلعام بن باعوراء كانت لديه الأنا، وهي التي قتلته وأضاعت دنياه وآخرته.
المفضلات