بسم الله الرحمن الرحيم
فمهما سطَّر البنان، وتكلم العلماء بكلِّ لسان؛ فإن سير هؤلاء يعجز
عن وصفها إنسان.
فهم أولى بالحديث من قول العباس بن الأحنف عن محبوبته:
وَحَدَّثْتَنِي يَا سَعْدُ عَنْهًا فَزِدْتَنِي جُنُونًا فَزِدْنِي مِنْ حَدِيثِكَ يَا سَعْدُ
فهم مصابيح الدُّجى، وينابيع الرشد والحجى، خصوا بخفي
الاختصاص، ونقوا من التصنع بالإخلاص، وهم الواصلون بالحبل،
والباذلون للفضل، والحاكمون بالعدل، هم المبادرون إلى الحقوق من
غير تسويف، والموفون للطَّاعات من غير تطفيف.
هُم الرِّجَالُ وَعَيْبٌ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ *** لَمْ يَتَّصِفْ بِمَعَانِيَ وَصْفِهم رَجُلُ
أبو بكر الصديق:
السّابق إلى التَّصديق، الملقب بالعتيق المؤيد من الله بالتوفيق، {ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [سورة التوبة: 40]
كان رقيق القلب غزير الدَّمع، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، أَتَاهُ
بِلَالٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ، قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ
أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاة دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاة،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الصَّدَقَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ من تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ
تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ.
كان صِدِّيقًا ما اهتز إيمانه ولا تزعزع وجدانه، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله
عنها - زَوْجِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ - يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ - فَقَامَ عُمَرُ
يَقُولُ: وَاللَّهِ، مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: وَقَالَ
عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ
أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم - فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ
عَلَى رِسْلِكَ! فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ [إِنَّكَ
مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ] وَقَالَ [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ
الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى
عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ] قَالَ فَنَشَجَ النَّاس
يَبْكُونَ.
المفضلات