نهض من سريره بتثاقله المعهود ..بعد أن سمع صوت أمه القادم من أعماق قلبها ..ياوليدي قم ترانا في الضحى الكبير..
كبير ..لاكبير إلا الله يا أماه ..قال وهو يعرك عينيه من أثر مارأى من أحلام وشاهد من رؤى المنام ..فتح عينيه فشاهد آثار بقايا سهرة الأمس ..كتب مطروحة على طاولة مكتبته أو طاولة النسيان كما يحب تسميتها ..تجمع أنواع المتناقضات مدارج السالكين..لاتحزن..أيام طه حسين..وذكريات الطنطاوي ..والعدامة..وجرو الذاكرة..و و و ..القاسم المشترك بينها هو نهمه بالقراءة والتهامه لكل كتاب يقع تحت يديه بالاطلاع والمعرفة..وفضلات من أكل كان قد أدلى به ليلة الأمس ..وأعقاب سجائر ملقاة في المطفئة..وصداع نصفي يحس أنه كالقنبلة الموقوتة في رأسه والمهيئة للإنفجار في أي وقت ..غير أنها قنبلة محمودة فهي على الأقل لن تضعه في قائمة الإرهابيين أو الاستشهاديين أو الانتحاريين ..تبعاً لرؤية أمريكا أو عقلاء المسلمين أو بعض مشايخهم ..
سمع صوت أمه منادياً ..الفطور جاهز ياوليدي ..حاضر ياأماه سوف أنزل حالاً..قالها بامتعاض وبصوت يملأه اله ..وأشعل سيجارة وأخذ يمتصها بقوة وينفث دخانها ..حتى بدأت تشكيلات سحب الدخان تملأ سماء غرفته عندها أحس بأنه أرضى غروره الغريب..قام إلى الحمام واغتسل ثم نزل تبعا لنداء أمه
..جبن.. مربى مشمش ..وكأس من الشاي الثقيل ..إفطاره المفضّل والذي تحرص والدته على تحضيره له دائماً..بدأ في تناول إفطاره ..ثم جاء صوت أمه يشق جدار الصمت ..ياوليدي ماتبي نخطب لك ..قالتها بصوتها الدافيء الحنون..والذي أحس من خلاله أن أمه تمهد لشيء من كلامها هذا ولكنه تجاهل إحساسه الذي لايخيب وقال لها..لا يا أماه ليس بعد ..وارتشف رشفة من الشي حتى أحس بحرارته تسري في أعماقه ..
أنا سجين بلاقيود فهل يوجد عاقل يبحث عن قيود ليقيد بها نفسه ..أنا سجين طموحي وهمومي وأفكاري التي تختمر في رأسي وتبعث فيني الأمل بتغيير شيء من واقع المجتمع الذي أعيش فيه..يكفيني ذلك ولن أزيد عليها قيد الزواج..قال في نفسه ..كما تذكر ماحصل لزميله خالد ليلة زواجه عندما كان في قاعة الاحتفالات وبدأت الزفة وجاءت قرباته للسلام عليه وتهنئته فلما أراد الجلوس بدلاً من أن يجلس في كرسيه جلس على الكرسي الآخر والي توجد به زوجته فتمنى لو ابتلعته الأرض ولم يتعرض لهذا الموقف والذي لعن يه الزواج وساعته لاسيما وأن كل القاعة المكتظة بالنساء لم يتمالكن أنفسهن وصرن يضحكن عليه من ذلك ..
ارتسمت على وجه صاحبنا ابتسامة ..لاحظت أمه ابتسامته قالت له ..اليوم يبي يجينا عمامك ..نظر إليها بعد أن هب من وجهه أثر تلك الابتسامة وحل محلها علامات الدهشة والاستغراب ..ماذا يريدون ..وهم الذين لم يفكروا في السؤال عن أحوالنا من بعد وفاة أبي؟ قال بصوت مرتفع وملامح وجهه آخذة في التغير نحو الغضب..وأراد إشعال سيجارة فتذكر أن والدته أمامه فأعادها إلى مكانها ..
يبون يخطبون أختك منيرة لولد عمك تركي ..عندها عرف بب مجيئهم الغريب
ولكني لن أكون متواجداً فأنا مشغول اليوم ..قالها وهو ممتعض فصاحبنا يكره هذه المجاملات ..ويريد أن يعتق من ربقة النفاق الاجتماعي وإن سمي بغير اسمه كصلة الرحم أو الواجب الأسري ..قال ذلك الكلام وخرج من منزله وامتطى صهوة سيارته وأخ يمخر بها عباب شوارع مدينته الهادئة دائما والتي لاتعرف للصخب مكاناً..وأخذ في التفكير..احتاج إلى نقاهة ..أحتاج إلى البعد عن الأجواء الروتينية المملة ..ولكن ماهي السبيل إلى ذلك ..!! السفر ..قالها بصوت مرتفع مكلما بها نفسه حتى ظن من رآه أن به مساً من جنون ..ولكن إلى أن..أورلاندو ..تلك المدينة الحالمة ..والتي تناقض مدينته في كل شيء ..فلايوجد في قاموسها شيء اسمه الهدوء ..تلك المدينة التي لاتمر عطلة صيفية إلا وقد ركب الطائرة موليا وجهته إليها ..يعشقها عشقاً جنونياً لارى له مبرر..ولكن هذه الصيفية ليست ككل الصيفيات ..فهي تعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ..ترجع عن فكرة أورلاندو ..فكّر في غيرها من المدن ..باريس ..روما..ماربيا ..كازا..بيروت ..ولكن لاتوجد مدينة ترضي عشقه الطفولي وحبه للصخب كأورلاندو..فكّر ملياً ..أليس في حائل مهرجان سياحي؟؟! أليسوا يقولون أن حائل صيفها هائل ؟! ذن سأبقى هنا لأستمتع بهذا الصيف الهائل ..وكذلك تشجيعاً للسياحة الداخلية ..قالها وقد ارتسم على وجهه ابتسامة صفراء
المفضلات