شمس الشرق
طاغور
" لاياصاح آمن بالحب ..
ولو كان ينبوع ألم..
لاتوصد دونهالابواب "
من مثله مُعَتْق في الحكمة الشرقية .. ناطق بالحكمة حتى في سكونهِ وسكوتهِ .. صورهٌ شعرية تتحرك أمامنا حين نطالعها ..
فيها حياة من نوع خاص .. فيها حيوية تسكرنا بنسمات عليلة تهب من وراء التاريخ ..
تروىقصة تأملات حكيم كان يعرف باسم "طاغور" شاعر الهندالعظيم...
ويقول فيها:
"سأنظم بدموع آلامي عقوداًمن الدرر أزين بها عنقكِ يا أمي، وحزني سيبقى لي وحدي، لقد انطفأ المصباح الذي كانينير ظلماتي" ...
ويقول فيما بعد:
"لقدحرمني القدر أمي وأنا بعد فتى صغير، فأصبحت وحيداً ألوذ بنافذتي
وأتأمل في الطبيعة وارتسم في مخيلتي ما يترقرق في الكون
من صور شتى،
لقد كانت الطبيعة رفيقي الذي وجدته إلى جواري دائماً".
وهكذا أصبحت الطبيعة الأم الثانية التي يأنس إليها طاغور ويناجيها ويتعلم منها،
وفي أحد أيام عام 1883م، عرف طاغور في رؤيا أن
الحب الإنساني واحد مع حب الطبيعة وحب الله يقول فيذكرياتـه:
"كانت الشمس تشرق بتؤدة فوق أوراق الأشجار؛وفجأة بدا وكأن نقاباً انزاح من أمام ناظري .. لقد أبصرت العالم كله مغموراً بمجد يفوق الوصف؛
أمواج من الفرح والجمال تومض وتتصادم من كل صوب ..
لم يكن ثمة شيء أو أحد لم أكن أحبه في تلك اللحظة،
وفي كلية رؤياي لاح لي أنني كنت شاهداً على حركات جسم الإنسانية بأسرها،
شاعراً بموسيقى وبإيقاع رقصة سرية".
وفي العام التالي انتحرت شقيقته، مما سبب له صدمة هائلة، وقاده ذلك إلى محبة الإنسانية جمعاء، بدلاً من التمسك بالحب الفردي والخاص ..
عبقري منذ الصبا
وظهرت عبقرية طاغور الشعرية وهو في بدء الصبا،
ولابد أن ذلك المنحى الروحاني للأب قد أثر بعمق في نفس الابن رابندارانات طاغور،
ففي الحادية عشرة من عمره رافق الابن أباه في رحلة إلى جبال الهمالايا حيث كانت لهماوقفة طويلة في منطقة بغرب البنغال تسمى (شانتينيكتان)-
وهي الناحية التي أنشأ فيها الابن فيما بعد عام 1918 مؤسسته التعليمية المعروفة باسم (فيسفا بهاراتي)
أوالجامعة الهندية للتعليم العالمي-وفي تلك الرحلة التأملية بالهمالاياغرس الأب في نفس ابنه المفاهيم البنغالية التقليدية وحرك في نفسه القيم الروحية ونمى فيه نزعة استقلال الذات والاعتماد على النفس، فقد كان يتركه وحيداً فيجولات طويلة يجوب فيها مسالك تلك الجبال الخطرة.
وأراد المهاراجدافدرانات طاغور لابنه أن يدرس القانون، فأرسله إلى كلية برايتون بانجلترا غير أنهخيب أمل والده ولم يكمل هذه الدراسة لأنه لم يجد فيها ما يرضي نفسه التواقةللفن والأدب، ولكنه استفاد جداً من وجودة في انجلترا بإطلاعه على روائع شكسبير وملتون
ووليم بليك، وأعلام آخرين تركوا بصمات واضحة في صفحات الأدب العالمي،فعاد إلى بلاده ليقدم للناس ديوانه الشعري الأول "أغاني المساء" الذي قوبل بالتشجيع.
وكان مدرسوه هم أشقاؤه إضافة إلى مدرس وحيد من خارج الأسرة
هو "دفيجندرانات" وكان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً، وكان يتردد
عليه أيضامعلم "الجودو"، وقد درس طاغور لغة قومه "السنسكريتيه" وآدابها ثم الإنجليزية التي تعرف من خلالها على آداب أوربا،
وقد تميز طاغور بين أشقائه وأبناء عمومته باستقلالية الرأي والشجاعة في اتخاذ المواقف الحاسمة في الأوقات الحرجة، وقد ظهرذلك - فيما بعد- في كثير من كتاباته، وفي حياته العامة، ومن أمثلة ذلكموقفه الواضح والمحدد من بعض مظاهر الوثنية في الطقوس الخاصة بطائفةالبراهمة التي كان يرتدي وشاحها المقدس وينشد تراتيلها وعندما عاد إلى (كلكتا)
وكان في الثانية والعشرين- اختارت له أسرته فتاة صغيرة زوجاً له، فأحبتهزوجته بشدة فغمرت حياتهما سعادة وسرور، فخاض معها في أعماق الحب الذي دعا إلى الإيمان القوي به في ديوانه "بستاني الحب" حتى قال فيها طاغور:
لقد هلت الفرحة من جميع أطراف الكون لتسوي جسمي
لقد قبلتهاأشعة السموات، ثم قبلتها حتى استفاقت إلى الحياة
إن ورد الصيف المولي سريعاقد ترددت زفراته في أنفاسها
وداعبت موسيقى الأشياء كلها أعضاءها لتمنحهاإهاب الجمال
إنها زوجتي لقد أشعلت مصباحها في بيتي وأضاءت جنباته
أنجبت له زوجته ثلاثة أطفال زرعوا في حياته السرور، إلاأن القدر يبلوه مرة أخرى، فقد توفيت زوجته وهي في مقتبل العمر،
ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متلاحقة متقاربة ما بين عامي 1902 - 1918، فخلفت تلكالرزايا جرحاً غائراً في نفسه وكادت تعصف بحياته لولا إيمانه العميق
"إن عاصفة الموت التي اجتاحت داري فسلبتني زوجي واختطفت زهرةأولادي أضحت لي نعمة ورحمة، فقد أشعرتني بنقصي وحفزتني على نشدان الكمال،
وألهمتني أن العالم لا يفتقد ما يضيع منه"
لقد أحس أنه مثل زهرة انتُزِعت بتلاتها واحدة تلو الأخرى، وأصبحت كالثمرة التي سيأتي الموت ليقطفها في كمال نضجها، ومع ذلك فقد جعل منه صفاؤه الواسع وضبطه لنفسه وخضوعه أمام الله الذي ورثه من والده، إنساناً نادرالعظمة، فكانت إحدى أغنياته التي استلهمهاغاندي منه تقول:
أنا هذا البخور الذي لا يضوع عطره ما لم يُحرق
أنا هذا القنديل الذي لا يشع ضوؤه ما لم يُشعَل
وقد غلب الموت على قصائده في ديوان ( جيتنجالي )
حتى قال الشاعر الفرنسي أندريه جيد: "ليس في الشعر العالمي كله مايدانيها عمقاًوروعة"، يقول طاغور مخاطباً الموت:
"يوما بعد يوم سهرت في انتظارك، من أجلك تذوقت هناءة الحياةوعانيت عذابها"
شانك نكتان
كان طاغور يتمتع بموهبة تحويل الألم إلى فرح،
ففي عام 1901 أنشأ طاغور في كلكتا مدرسة سماها مرفأ السلام أو "شانك نكتان"
بالهندية، وقدتراءى له أن تكون في الغاب، وقد كان منهج التلاميذ فيها على نحو رائع فعند تنفس الصبح يرتل التلاميذ الأناشيد العذبة؛
ثم يمضون إلى ترتيب غرفهم، وينطلقونإلى الملاعب، وبعد ذلك يأخذ كل طالب ركناً يفكر ويتأمل، وإذا انتهت تلك الوجبة الروحية
أقبلوا على تناول الفطور فالصلاة؛ ثم يذهبون إلى الدرس الذي أعدهلهم المعلم، وللطالب حينذاك أن يعتلي شجرة، أو يفترش الأرض مستمتعا بجمال الطبيعة وحلاوة الدرس في آن معاً .. في الظهيرة ينتهي برنامج الدراسة النظرية وينطلق التلاميذ - بعد الغداء وتنسيق الحدائق-
إلى القرى ليعلموا الفلاحين ويرشدوهم .. وبعد مغيب الشمس يعكف الطلبة على قراءة القصص أو تمثيل المسرحيات أوترتيل الأغاني، وفي العاشرة يأوون إلى الفراش.
هذه هي "الجنة" المدرسية التي أنشأها طاغور وألقى فيها محاضرات كثيرة جمعها في كتابهالشهير "سادهانا"، فلطاغور أسلوب رائد في التعليم، لأنه استنبط تجربة، لم يسبقه إليها أحد .. ف
هو يرى أن التعليم من خلال الطبيعة مدرسة من دون أسوار.. وبدون مقاعد خشبية..
في الغابة بين الأشجار.. التلاميذ أحرار في غدواتهم وروحاتهم .. ليتخذوا غصون الأشجار مقاعد إذا شاءوا وليستمعوا إلى الموسيقى إذا لم يحبوا درس الرياضيات، واللوحة الكبيرة المعلقة وسط الأحراش، كتب عليها:
«يُعبد الله الواحد الذي لا يُرى..»
فمن شروط هذه المدرسة محبة الله، ورفض أي جدل يكرس الكراهية، ويلحق الضرربالنفوس.. وقد عبرشعراً عن مدرسته هذه:
«حيث العلم حر لا قيد عليه..حيث تجمعت أشلاء الدنيا..التي مزقتها الشعوبية الضيقة ..حيث ينطلق العقل من إسار الخوف.. يرتفع رأس الإنسان عاليا.. »
وطنية طاغور
لن تنسى الذاكرة أبداً درس الوطنية العظيم الذي قدمه طاغور إبان ثورة البنجاب عام 1919 التي قابلتها سلطات الاستعمار البريطاني بسياسة الحديد والنار،
فقام طاغور بإرجاع لقب "سير" إلى ملك انجلترا الذي منحه إياه من قبل إعجابا ًبشعره واعترافًا بعبقريته، واستمر في نسج مقالات تؤجج الشعورالوطني وتحرض على مقاومة الاستعمار على درب الزعيم الهندي غاندي الذي اعتبره منارة الهند المرسلة أنواراً تضيء طريق الحرية والخلاص،
"فلا يمكن أن نفهم النهضة الحديثة في الهند بدون طاغور الذي هيأ الأسس
(كما قال راجاراو)، فقد واكبت كتاباته نضالات الشعب الهندي في مواجهة الإنجليز، وبذلك فقدتحولت أشعاره إلى نيران تلتهب وطنية صادقة:
"إيه يا وطني، أطلب إليك الخلاص من الخوف،
هذا الشبح الشيطاني الذي يرتدي أحلامك الممسوخة،
الخلاص من وقر العصور، العصور التي تحني رأسك
وتقصم ظهرك، وتصم أذنيك عن نداء المستقبل"
وكانت البنغال تموج بالاضطرابات، فلما ظهرت روايته (جورا) توترت العلاقة بينه وبين بني وطنه- متمثلين في دعاة التحرر والهندوس-
إذ كانت الرواية تفضح التعصب الهندوسي من خلال قصة حب بين فتى نشأ هندوسياً مخلصاً وفتاة من طائفة البراهمة، وقدلقيت الرواية استياء بالغاً من مواطنيه فنصحه خلصاؤه بالابتعاد في رحلة إلى إنجلترا في عام 1909، ولم تكن تلك أول مرة يزور فيها بلاد الإنجليز غير أنهاكانت زيارة ناجحة إذ كان قد أصاب بعض الشهرة في الأوساط الأدبية الإنجليزية من خلال بعض أشعاره المترجمة إلى اللغة الإنجليزية،،
وقد استمر اتصال طاغوربحركة الأدب في إنجلترا حتى بعد أن انتهت تلك الرحلة وعاد إلى وطنه فأصبح يحظى بمكانة متميزة في الحياة الأدبية الإنجليزية وذلك ما شجعه على معاودةالتفكير في الارتحال بأسرته في عام 1912م حيث تعرف في لندن على الشاعر الإنجليزي و. ب. ييتس؛ ونال إعجاب الشاعر إزرا باوند وبعض الناشرينالإنجليز، وكان طاغور خلال الرحلة البحرية الطويلة قد قام بترجمة
بعض قصائد من ديوانه (جيتانجالي) إلى الإنجليزية، نشرتها دارماكميلان الشهيرة،
إلا أن الوحيد الذي لم يرحب بوجود طاغور في لندن هوالفيلسوف الإنجليزي
برتراند راسل؛ وقد رد طاغور على ذلك التجاهل بأن علق على إحدى محاضرات راسل بأنها منبتة الصلة بالأمور الهامة في الحياة، خالية من البصيرة.
لقد كان طاغور منارة عالمية تشرئب إلى أنوارها الهادئة إلىشطآن الأمل هامات عالمية في الفكر العالمي
"لا أظنني عرفت في الآداب العالمية نبرة أسمى وأجمل من نبرة طاغور, إن ما يعجبني فيه ويملأني دموعا وابتسامات لك الحيوية الخصبة التي يفيض بها شعره فتجعل من التعاليم البرهمانيةالعويصة شيئاً خفاقاً نابضاً بالفرح"
الكاتب الفرنسي أندريه جيد
"لقد قام خير القيام بالمهمة الموكولة إليه، مهمة تنوير معاصريه وتوجيههم نحو السبيل السوي".
رومان رولان
عبقرية الرسم والموسيقى دخل طاغور، التاريخ من أوسع أبوابه، فإلى جانب كونه شاعراً مهماً،كان حكيما، وفيلسوفاً، وداعية إنسانية، ونصيراً للحق البشري،
وكان كمثل عباقرة الهند الأفذاذ، بيدبا وغاندي، وإذا ذكر اسم الهند فلابد أن يذكر اسم طاغورالشاعر الرومانسي الحالم بمدينة إنسانية فاضلة، وغد مشرق للبشرية..
لقد خاض طاغور أثناء حياته في مجالات إنسانية عديدة تبدأ ولا تنتهي، وآخر ما توصل إليها لخبراء في مجالات دراسته والتوثيق له، أنه كان رساماً من الطراز الأول، فإلي جانب الشعر والقصة، كان طاغور رساما ذا أسلوب متميز يتحدث لغة
شديدةالاختلاف عن لغته الشعرية، إذ انه يرسم البدائية، أي الرسم البدائي العفوي،ورسوماته تؤكد أصالة الفنان وتفرده، ولا عجب فقد
كانت الطبيعة أمه الثانية.
فخلال زيارته لليابان عام 1916 تأثر طاغور مباشرة بالفن الياباني الذي رأى فيه فناً مؤثراً، واضحاً، يتميز بالبساطة في التنميلواللون،
وقد رسم طاغور أكثر من ثلاثة آلاف لوحة، لذلك فإن أعماله بالطبع متفاوتة القيمة وكما يقال فهذه سمة نتاج الذين يبدعون بغزارة، وعن تجربته الفنية يحكي طاغور:
«عندما بدأت أرسم لاحظت تغيراً كبيراً في نفسي، بدأت اكتشف الأشجار في حضورها البصري، بدأت أرى الأغصان والأوراق من جديد،
وبدأت أتخيل خلق وإبداع الأنواع المخلفة منها، وكأنني لم أر هذه الأشجار مطلقا من قبل أنا فقط كنت أرى الربيع، الأزهار تنبثق في كل فرع من فروعها، بدأت اكتشف هذه الثروات البصرية الهائلة الكامنة في الأشجار والأزهار التيتحيط بالإنسان على مدى اتساع بموه»
كما يعتبر طاغور المجدد في الموسيقى الهندية، وفوق هذا وذاك فإنه كتب أكثر من ألفي أغنية، أسبغ عليها نوعاًمتميزاً من النظام اللحني يحمل طابع طاغور..
فطاغور الشاعر والقاص والرساموالموسيقي.. مذهل في مداه.. ومذهل في كميته.. ومذهل في نوعيته.
فله (12) رواية، و(11) مسرحية شعرية، أو موسيقية، و(3) مسرحيات راقصة،
و(4) مسرحيات هجائية أو ساخرة.. وبضعة مجلدات من القصص القصيرة،
إضافة إلى عدد من كتب الذكريات والأسفار، وقد كتب في شتى الموضوعات،
في الأدب واللغة والتاريخ والدين والفلسفة، والتربية، ولكن معظم انتاجات طاغور كانت تتمحور حول شيءواحد هو الحب حيث يقول :
« لقد جاء الحب.. وذهب
ترك الباب مفتوحاً..
ولكنه قال انه لن يعود
لم اعد أنتظر إلا ضيفاً واحداً
انتظره في سكون
سيأتي هذا الضيف يوماً
ليطفئ المصباح الباقي..
ويأخذه في عربته المطهمة
بعيداً.. بعيدا..
في طريق لا بيوت فيه ولا أكواخ».
جائزة نوبل
واستمرت شرنقة إبداعه في التفتح مقدمة بذلك للإنسانية تراثا خارقايلامس جميع أنواع الفنون والآداب، ليكون في عام 1914 أول أديب شرقي يفوز بجائزة نوبل للأدب والتي وهب قيمتها المالية لمدرسته "مرفأ السلام" وكما أراده أبوه شمسا مشرقة تنير هذا العالم فقد كان كذلك من خلال ترحاله وتجواله في العديدمن أقطار المعمورة التي أرسل إليها أشعة لامعة من الحب والخير عبر أشعاره الفياضة بهذه المعاني وكيف لا وهو القائل :
"سأحطم الحجر، وأنفذ خلال الصخور وأفيض على الأرض وأملأها نغماً سأنتقل
من قمة إلى قمة، ومن تل إلى تل، وأغوص في واد وواد،
سأضحك بملء صدري وأجعل الزمن يسير في ركابي"
نهاية الجسد
ولم يكن الموت ليفاجئ طاغور .. لأنه كان يستحضره كل حين، وقال في ذلك:
"أنا أعلم أنه سيأتي يوم أضيع فيه هذه الأرض عنناظري .. إن الحياة تغادرني في صمت، بعد أن تسدل على عيني الستارالأخير، ومع هذا فإن النجوم ستتلامح ساهرة في الليل، وسيسفر الفجر كما أسفرأمس، وستمتلئ الساعات كما تمتلئ أمواج البحر حاملة اللذات والآلام"
وكان يعتبر نفسه هديه قدمها راضياً للموت ويصف ذلك:
"أي هدية تقدمها إلى الموت يوم يقدم ليقرع بابك؟آه ، سأضع أمام زائري كأس حياتي المترعة ولن أدعه يعود فارغ اليدين .. كلقطوف كرومي العذبة، من أيام خريفي وليالي صيفي .. كل حصاد حياتي الدؤوب وجناها، سأضعه أمامه، حين ينتهي أجل أيامي، يوم يقدم الموت ليقرعبابي"
وقبيل وفاته بأيامٍ قليلة كتبَ رسالته الأخيرة التي يتطلع فيهابأمل إلى تحول مجرى التاريخ، وبأن الفجر الجديد سيبزغ من الشرق حيث تشرق الشمس..
وقبل أن يحتضر في آخر شهر يوليو من عام 1914 كتب طاغور آخر قصيدة له
أي قبل ثمانية أيام من وفاته عن عمر يناهز الثمانين قال فيها:
"أزفت ساعة الرحيل.. إني أسافر فارغ اليدين طافح القلب بالأمل.. الطير يحلق في الفضاء لا ليذهب في تحليقه إلى الخلاء.. بل ليرجع إلى أرضه العظمى"
وغابت شمسه النيرة في الثامن من أغسطس من نفس العام دون أن تغيب أشعتها الذهبية التي مازالت حتى الآن تجسد كل القيم النبيلة،
وكانت آخر كلماته قبل أن يسلم الروح:
«أمامك أيها البحار.. أمامك محيط السلام.. ادخل بقاربك ..
ادخل وارفع شعار الذهاب نحوالسلام..».
المفضلات