بيت العطار . . شاع صيته وذاع بين الأقطار . . وأصبح يتجول في المنازل بالليل والنهار . . يعتقدون
بأنه كالقنطار . . وأراه كذلك بإفتخار . . تابعه الكبار والصغار . . وخاصة من النساء الأحرار . . وجعلوه
البديل والإعصار . . لكل برامج الزيف والإنحدار . . ومع ذلك فيه ما أنتقده بإصرار . . فأنا رأيت من
زاويتي بالمنظار . . ما يستدعي النقد للعطار .
بيت العطار برنامج قناة البداية الفضائية والذي يتحلى بالزي الإسلامي والطرح الراقي لا سيما من
قبل ضيوفهم الأجلاء ، ومع ذلك هناك ما يدعوا لإنتقاد هذا البرنامج بل وبشدة فأنا هنا لا أنظر على
أنه إسلاميا لكي أعمي بصيرتي فلا أرى له عيوبا كما يفعل الكثيرين ويغضب منّا الكثيرين ، بل أنظر
إليه على أنه عمل بشري قابل للخطأ كما هو الصواب .
نعم بيت العطار قد يساهم مساهمة كبيرة من وجهة نظري بنشر صفة البخل بين أفراد المجتمع
وقد تخترق الصغار قبل الكبار ، والبخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير ولا يجتمع مع الإيمان بل
من شأنه أن يهلك الإنسان . فمما علمته وشاهدته بأن هذا البرنامج يدعوا متسابقيه بجمع أكبر
قدر من المال ومن يتمكن من ذلك يكون في بر الأمان وقد يبتعد عن ( النومونيه ) وينتقل لمراحل
متقدمة وقد يفوز بالبرنامج فهو وحسب تسميتي الخاصة لمن يفوز ( أفضل بخيل ) .
قال تعالى ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما أتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين
عذابا مهينا ) النساء (37) .
إخواني وأخواتي
ما دعاني أنتقد هذا البرنامج ما شاهدته من بخل متقشف ومتفشي بين المتسابقين أو لكي
أكون منصفا فهو في بعضهم وقد يلاقي استحسانا من المنظمين وربما المشاهدين على حد سواء
دون أن يلاحظوا تلك المعضلة بل ربما يرون بأنها أرقى أسلوب في التوفير .
كذلك مما إستفزني هو بعد بعضهم عن التعفف إضافة إلى البخل المتغلغل أو الذي سيتغلغل
للأعماق بسبب هذا السباق .
عموما سأسرد لكم ما شاهدته فاربطوا الأحزمة :
في أحد الحلقات أعدّ أحدهم الغداء بتوجيهات من إحدى السيدات فاتكأت على أريكتي مستلقيا
ومتابعا جيدا ، لا أعلم لماذا ربما لأنني كنت جائعا ، أو لأن الفكرة أعجبتني ، عموما لمّى إنتهى
من إعداد الطعام بدأ بالبيع على زملائه لمن يريد منهم الشراء . وفجأه إنتهضت واندهشت كون
أحدهم يبدوا عليه علامات الجوع ولكنه متردد بين أمرين فيما بين أن يشتري الغداء أو أن يدخر
المال لكي يفوز. وللأسف كان الإدخار في النهاية قراره وليت الأمر إنتهى على ذلك بل ما لبث إلا أن
رجع إلى زملائه ووقف ينظر إليهم وهم جلوس على طاولة الطعام ثم خرج ولكنه عاد مرة أخرى وهو
يحمل الدناءة وعدم التعفف ليأتي بصحن خالي ليمر به على زملائه ويسألهم ( لقيمات ) كل هذا
بسبب ماذا ؟ أليس هو بسبب طبيعة البرنامج لكي لا يخسر بضع جنيهات وربما لو فعل سيكون
خاسرا من وجهة نظره من أجل بطنه .
قال تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا )
الإسراء (29) .
وكما جاء في الحديث وفيما معناه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الذي يسأل الناس ويكثر من السؤال عليهم يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم )
ويقول الله عز وجل ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم
الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به
عليم ) البقرة (273) .
فكيف إذاً وهذا البرنامج يغذي صفة بشعة هي ( البخل ) بل ويصفق له الكثيرين بأنه البديل عن كثير
من البرامج الهابطة دون أن يلحظوا ما به من عيوب .
عزيزي القاري وأختي القارئة
نعم هو البديل فلا تظنوا بأني ضد البرامج الإسلامية بل أنا معها بكل مميزاتها فهذا البرنامج
إسلامي فيه ما يفيد يقيم الصلاة ، وخالي من الموسيقى والأغنيات ، وليس فيه ما يفتن من
الفتيات ، وبعيدا عن المنكرات . ومع كل هذا قد أكون بالإتجاه الآخر بمعنى أنني ضدها بكل أخطائها
فمهما كان يبقى على أنه عمل بشري قابل للخطأ كما هو الصواب بل وأرى أنه من واجبي نقدها
إن تبين لي ذلك لكي يتنبه لها ويُعمل على إتلافها .
يقول الشاعر :
يُفنى البخيل بجمع ِالمال ِعُدّته . . . وللحوادثِ والوارثِ ما يدعُ
كدودة القز مــــــا تبنيه يهدمها . . . وغيـرها بالذي تبنيه ينتفعُ
وأخيرا لو كان الجاحظ حيا لربما أضاف ذلك إلى كتابه ( البخلاء ) .
دمتم بعافية . . لكم الكلمة .
المفضلات