الســـلام عليــكم ورحمة الله وبركاته ،،
فرق كبير بين الرجال وأشباه الرجال ، بين القادة العظام والمهازيل الأقزام ، بين الشجعان والجبناء ، بين أصحاب العزائم وأرباب الشهوات وبين أهل الإيمان وأتباع الشيطان ، بين ذوي البصائر والعقول والصمّ البكم الذين لا يعقلون ، وبين المخلصين المخلصين والمنافقين المخادعين..... لا يستوون ، لا يستوون
وصدق الله ( لا يستوي الخبيث والطيب ولو اعجبك كثرة لخبيث ) سورة المائده 100
( وما يستوي الاعمى والبصير ) 19
( ولا الظلمات ولا النور ) 20
( ولا الظل ولا الحرور ) 21
( وما يستوي الاحياء ولا الموات ) سورة فاطر 22
( مثل الفريقين كالاعمى والاصمّ والبصير والسميع هل يستويان مثلا افلا تذكرون ) سورة هود 24
( هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) النحل 76
( لا يستوون عند الله ) التوبة 19
ولا عند الناس في أي ميزان ، أو ميدان .
إن ظهور الأبطال يسبقه مخاض وإرهاصات وأحداث ، فإذا أردنا أن نتحدث عن المخاضات التي أخرجت صلاح الين الأيوبي
فأولها : كانت تلك الفواجع الصليبية التي ايقظت المسلمين من نومهم وسباتهم ، وكان أرزؤها واشدها وقعاً ، كارثة بيت المقدس والاجتياح الصليبي لديار المسلمين حتى فتك الوحوش الهمج من الصليبين بالعزل الآمنين من النساء والأطفال في بيت المقدس في مذبحة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً .
يقول المؤرخ الفرنسي ميشوا : دخل الصليبيون بيت المقدس فذبحوا المسلمين في الطرقات وفي المنازل ، ولم يعد في بيت المقدس ملجأ للمسلمين ، فبعض الذين فروا من الموت ألقوا بأنفسهم من فوق الأسوار ، الآخرون جروا جماعات يختبئو في القصور والأبراج وبخاصة المساجد وذُبحوا ذبح الشياه ، وكنت لا تسمع إلا الحشرجات والأنين وصيحات الموت ، وارتفعت الدماء إلى ركب الخيل وأعنتها في المساجد ، ومن بقي أجبرهم الصليبيون أن يقتلوا أنفسهم وأولادهم بأن يلقوا بأنفسهم من أعالي الأبراج .
وقد نقل عن ابن الأثير قوله : " قتل الفرنجة بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً ، منهم جماعات كثيرة من علماء المسلمين وأئمتهم ، ثم زحف الصليبيون على بلاد المسلمين بهذا الهول فبدأ المسلمون بنبذ خمولهم وإعداد رجالهم وقيادتهم " .
الأمر الثاني : منبت طي ، حيث كان صلاح الدين من قوم جبلوا على الشجاعة والبأس والحرية والحمية رجالاً ونساء ، كانوا يتمتعون بالصراحة والوفاء ، وكان جد صلاح الدين بطلاً باسلاً .
الأمر الثالث : وجد صلاح الدين من زرع فيه الإيمان والتقوى والخوف من الله ، وقد استغل فيه موهبته ، وعرف كيف يوظف طاقاته ، من أمثال عماد الدين الزنكي ، ونور الدين الزنكي .
الأمر الرابع : شعوب مؤمنة متحرقة للدفاع عن إيمانها وديارها واعراضها بعد كوارث عدة ، وقادة نذروا أنفسهم لنصرة دين الله ، وكانوا بحق في مستوى المعركة إخلاصاً واحتساباً وشجاعة وبساً ، حتى قال قائلهم :
جرد السيف فالحسام دواء ** لا شفاء دون أن تراق دماء
فصلاح الدين إذن رجل رضع لبان دينه وطعم شهد عقيدته ، وشرب من كؤوس البطولة والمجد ، وعاف أساليب النفاق والعمالة والاستنواق ، حتى كان له ذلك طبيعة نفس ، وهمة قلب ، فقابل الحوادث التي تندك منها الجبال وتشيب لها الولدان برجولة خارقة وعزيمة ساحقة وثبات فريد ، حيث اجتمعت عليه الأهوال من الخارج والداخل ، من أعداء اتصفوا بكل أنواع الخسة والدموية تساندهم أوروبا كلها ، ومن حكام للمسلمين في حال دفعت البعض منهم إلى الأستعانة بالفنجه على إخوانهم وعلى صلاح الدين ، وانتصر الرجل وأخرج الغزاة وجمع الأمة ورد لها كرامتها وحرر مقدساتها .
فقلت ما أشبه الليلة بالبارحة غير أنه لا صلاح الدين بيننا .
وقد عشنا زمناً نادى فيه منافقو السلاطين البعض بصلاح الدين ، فقلت أخزاكم الله صلاح الدين .. ولا إيمان ، ولا نصر ، ولا إخلاص ، ولا طهر ، ولا خوض لمعركة ولكن زرع للهزائم ، ولله در القائل :
وفي الهيجاء ما جربت نفسي ** ولكن في الهزيمة كالغزال
كم تتحسر النفس من تلك الأسماء المكذوبة كما تتحسر النبوات من مسيلمة وسجاح ، وكم تكثرمنا الآهات في أزمان لا نملك فيها إلا الذكريات .
في فيـك يا ليـــل آهات أرددهــا ** أواه لو أجـدت المحــزون أواه
إني تذكـرت والذكــرى مؤرقــة ** مــجداً تليــداً بأيـدينــا أضعنــاه
أنى اتجهت إلى الأسلام في بلد ** تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنــا يــد كنــا نصرفهــا ** وبات يملكنــا شــعــب ملكنــاه
كان صلاح الدين بشعبه ، فبالله عليكم أين أكثر الشعوب من قادتها اليوم ، في وطنيتها ، في أفكارها وأرزاقها ومستقبلها ورجولتها وحريتها وأمنها ؟؟
كان صلاح الدين بإيمانه ، وأن نحن اليوم ممن يعادون أهل الإيمان واليقين حتى أن البعض يقدم المجاهدين المؤمنين والدعاة المخلصين قرباناً للأعداء وعربوناً للعمالة والإستجداء .
كان صلاح الدين بشرفه ، فأين الشرف ولا شرف في انتخاب ولا في مال ولا في عهود أو مواثيق أو حتى في معاملة الأبطال المخلصين .
لو كنت ماءً لم تكن طهوراً ** أو كنت غيماً لم تكن مطيراً
أو كنت ريحاً كانت الدّبـورا ** أو كنت برداً كنت زمهريـرا
كان صلاح الدين باستعداده ، فأين العدة يا عباد الله ؟؟؟
كيف نامت الأمة عن صنع سلاحها ؟؟
وكيف سمحت لأعداء أن يمنعوها من التصنيع الحربي والمدني ، لتظل فريسة سهلة لا ترفع رأسها أو ترد غازياً أو تحمي عرضاً ؟؟؟
كان صلاح الدين شجاعاً مقداماً لا يهاب الموت ولا يرهب النزال ، فكيف يريد الجبناء أن يكونوا صلاح الدين بغير جهاد أو كد وجهد أو عون لإخوانهم .
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
كيف وهم لم يجمعوا الزمار أو يكشفوا الغمة أو يمحوا العار ، والناس تستجيرهم ولا مجير ؟؟
كان لابد في هذه الأيام أن يعرف القاصي والداني وأصحاب الأفهام أنهم قد ضيّعوا واستبيحوا ، وأنهمقد شاركوا في صنع هذه الهزائم بكثير من الغباء وفيض من البله ، ولا أظن أن ذلك سيستمر .
__________
مقال / بقلم د. توفيق الواعي
المفضلات