أما بعد أيها الأخوة في الله ، حديثي إليكم ، بارك الله فيكم ، يدور حول موضوعٍ ، سبق وتحدَّث عنه جهابِذةُ لعلماء والدُّعاة ، الَّذين يؤخذ بأحاديثهم ، ويُعتمد على فتاويهم ، وهذا الموضوع ليس ولِيد اليوم لِيأتي مُتَطَفِّلٌ لِيُدلي برأيه ، إنما هم قديمٌ قِدم التَّاريخ بيَّنه الله في كتابه ، وأوضحهُ النبي صلى الله عليه وسلم بسُنَّته ، وتكلم عنه السلف ، وعلماء الخلف ، فلا مجال لجديدٍ في هذا الموضوع ، فما هي إلاَّذكرى والذِّكرى تنفع المؤمنين ، حديثي إليكم عن لهوا الحديث، عن الغناء ، عن بريد الزِّنا ، عن مُنبت النِّفاق بالقلب ، إنَّ أعظم ما يصد عن ذكر الله ، ويُشغِلُ العباد ، عن طاعة الله، استماع الأغاني والمعازف ، التي احتلَّت غالب بُويُوت المسلمين اليوم ، وسيَّاراتهم ، و هذا البلاء ، انتشر في زمانِنا هذا ، انتشاراً رهيباً ، كانتِشار النَّار في الهشيم ، وصار عند كثيرٍ من النّاس ، من الضروريَّات ، وقلَّ أن يخلوا بيتاً من هذا البلاء ، والعياذ بالله ، إلا من رحم الله
يا متعب الجسمِ كم تسعى لراحتهِ
أتعبت جسمك في ما فيه خسرانُ
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسـانُ
يا عامراً لخراب الدَّارِ مجتهـداً
باللهِ هلْ لِخـراب الدِّرِ عِمـرانُ
فالزم يديك بحبل الله معتصماً
فإنَّهُ الركنُ إن خانتك أركانُ لقد فُتِنَ كثيراً ، من الرِّجال والنِّساء بالأغاني والموسيقى ، فشغلت أوقاتهم وأصبحت سبباً رئيسياًّ ، في ضعف الإيمان ، من سمعها ضف إيمانه ، يقول ابن القيِّم رحمه الله :
حُبُّ الكتابِ وحُبُ الحانِ الغِنى ،
في قلبِ عبدٍ ليس يجتمِعانِ
، أيها الاخوة في الله ، الغناء وآلات اللهو ، من مصائد الشيطان ومن مكائده ، التي كاد بها من قلّ نصيبه من العلم ، والعقل والدين ففيه صد القلوب عن القرآن ، ويَجعلُها عاكفةً على الفسوق والعصيان ، فمن كان في شكٍ من تحريم الأغاني والموسيقى والمعازف ، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين ، ورسوله الأمين ، والمؤمن يكفيه دليلٌ واحد ، يقول الله تعالى ( وَمِنَ الْنَّسِ مَنْ يَشْتَرِيْ لَهُوَ الْحَدِيْثُ لِيُضِلَّ عَنْ سَبيِلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ويَتَّخِذُها هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين ) قال أكثر المُفَسِّرِينْ ، المراد بلهوا الحديث الغناء ، ومنهم الصحابي الجليل ، عبد الله ابن مسعودٍ رضي الله عنه يقول [ وَاللهِ الَّذِيْ لا إِلَهَ غَيْرُه إِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغِنَاءْ ] وكرَّرها ثلاث مرات ، وتفسير الصحابة حجة ، لأنهم أعلم النَّاس بالقرآن ، وفي سورة الإسراء ، يقول الله تعالى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلَِ وَرِجْلِكَ ، وشَارِكْهُم في الأمْوَالِ وَاْلأَوْلاَدِ وَعِدَهُمْ وَمَا يَعِدَهُمْ الْشِّيْطَانُ إلاَّ غُرُوْراً ) قال بعض المفسرين ، المقصود بصوت الشيطان : هو الغناء والمزامير وما شاكل ذلك ، فاسمعوا أيها العقلاء ، تارةً يأتي بأنه لهوا الحديث ، وتارةً بأنه صوت الشيطان ، فماذا بقي بعد هذا التوضيح والبيان ، أماَّ السنة التي هي المصدر الثاني من مصادر التشريع ، فاسمعوا إلى أحاديث نبيكم صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري ، يقول عليه الصلاة والسلام { ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون ، الحر والحرير والمعازف ، لينزلَنَّ أقوامٌ إلى جُنب علم ، أي [ جبل ] يروح عليهم بسارحةٍ لهم ، يأتيهم لحاجة ، أي [ يطلبُ حاجة ] فيقولون ، ارجع إلينا غداً ، فيُبيِّتُهمْ الله ، ويضع العلم ، ويُمسخُ آخرين ، قِرَدَةً وخنازير إلى يوم القيامة } والمعازف التي وردت في الحديث ، هي آلات اللهو بأنواعها ، فقال عليه الصلاة والسلام ،{ يستحلون } حيث أنها مُحرَّمة ، فانتبه يا عبد الله ، أن تكون من الذين ، يستحلون ما حرم الله ، بسببِ شهوةٍ أو شبهة ، وقال عليه الصلاة والسلام { صَوتَانِ مَلْعُونَانِ في الدُّنْيَا وَالآخِرة ، مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَهوَرَنَّةً عِنْدَ مُصِيبَة } وقال عليه الصلاة والسلام { إني لم أنهى عَنِ الْبُكَاءَ ، [ يَعْنِي عِنْدَ المُصِيبَة ] وَلَكِنِّيْ نَهَيْتُ عنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجِرَين ، صَوْتٌ عِنْدَ نِعْمه ، لَهُو وَلَعِبْ وَمِزْمَارُ الْشَّيْطَانِ ، وَصَوْتٌ عِنْدَّ مُصِيْبَةٌ ، لَطْمُ وجُوهٍ ، وَشَقُّ جُيُوبٍ ورنَّةُ شَيْطَانٍ } وقال عليه الصلاة والسلام { يَكُوْنُ في أُمَّتِيْ ، قَذْفٌ ، وَمَسْخٌ وَخَسَفٌ قيل يا رسول الله ومتى ذاك قال { إذا ظهرت المعازف وكثرة القيان [ يعني المغنيات وشربت الخمور ] وفي السنَّة أياً ، يقول عليه الصلاة والسلام {استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق }استماعها معصية ، وما هي نتيجة المعصية ؟ أقرءوها في قول الله تعالى ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضَ ولا يَكْتُمُونَ الله حَدِيْثاً ) قال ابن القيم رحمه الله ، في كتابه القيم ، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان في معرض كلامه ، وهو يتحدث عن تحريم الغناء ، قال رحمه الله [ فبينا ترى الرجل ، وعليه سمة الوقار ، وبهاء العقل وبهجة الإيمان ، ووقار الإسلام وحلاوة القرآن ، فإذا استمع الغناءومال إليه ، نقصى عقله ، وقل حياؤه ، وذهبت مروءته ، وفارقه بهاءه ، وتخلا عنه وقاره ، وفرح به شيطانه ، وشكا إلى الله تعالى إيمانه ، وثقل عليه قرأنه ، وقال :[يعني الإيمان] يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوِّك في صدرٍ واحد ، فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه ، وأبدى من سرهِ ما كان يكتمه ، وانتقل من الوقار والسكينة ، إلى كثرة الكلام والكذب ، والزَّهزة ، والفرقعة بالأصابع ، فيميل برأسه ، ويهز منكبيه ، ويضرب الأرض برجليه ، ويدق على أم رأسهِ بيديه ، ويثب وثبات الدِّباب ، ويدور دوران الحمار حول الدُّولاب ، ويُصفِّق بيديه ، تصفيق النسوان ،ويخور من الوجد ، ولا كخوار الثيران ، وتارةً يتأوه تأوه الحزين ، وتارةً يزعق زعقات المجانين ] انتها كلامه رحمه الله . ولذلك أيها الأحبة في الله مقت الصحابة الغناء ، وحاربوا سماعه ، وحذَّروا منه ، لمَّا علموا تحريمه ، من القرآن والسنَّة ، فهذا الصديق رضي الله عنه ، يقول الغناء والعزف مزمار الشيطان ، وابن مسعودٍ رضي الله عنه يقول ، الغناء يُنبت النفاق في القلب كما ينبت العشب في الحقل ، ويقول عقبة بن نافع لأبنائه ، يا أبنائي ، إياكم والغناء ، فوا الله ما استمعه عبدٌ ، إلاَّ وقع في الفاشة ، ويقول الإمام مالك ، إنما يفعله عندنا الفُسَّاق ، فهذا رأي الدين في الغناء ، وآلات الموسيقى وعليه فقد حرم العلماء الغناء والموسيقى ، بأي وسيلةٍ كانت ، ومهما كان نوع الغناء ، واستثنى علماء آخرون ، ما كان مدحاً للرسول صلى الله عليه وسلم وما يتناول عظمة الله ، والحث عل فعل الخير ، على شرطٍ ، أن يخلوا من صوت المزمار ، والآلات الموسيقية ، فأفتى بتحريمه ، شيخ الإسلام ، ابن تيميه رحمه الله وكذلك تلميذه ابن القيم ، وأفتى بذلك الألباني رحمه الله ، وسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وأفتى بذلك سماحةالشيخ العلاَّمة ، إمام أهل السنَّة في عصره ، الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله ،فيا أيها الأخ الحبيب ، هذه آيات ، وأحاديث ، وأقوالُ جهابذة العلماء ، سقتها لك في هذه العُجالة وأسأل ، الله عزَّ وجل ، أن ينفعني وإياك بها ، وإيَّاك ..إيَّاك أن تأخذ ، بفتوى جُملة النَّاس ، فنحن في زمانٍ ، كثر فيه أدعياء العلم الذين نصبوا أنفسهم بمصاف العلماء ، فأخذوا يفتون بغير علم ، فضلُّوا وأضلُّوا ، نسأل الله العافية والسّلامة………..
أبــو . ســامي
14/03/1423 02:13 م
المفضلات