يخطئ العرب كثيراً إذا وضعوا جميع الأكراد العراقيين في سلتي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني والحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني، وذلك لأن هناك أكراداً عراقيين شاركوا العرب حروبهم وتطلعاتهم، سواء في العراق أو سورية، أما من انضوى من الأكراد تحت مظلتي مسعود وجلال فهم يدركون أن من أساسيات العمل السياسي تغيير التحالفات بحسب الوضع القائم على الأرض، واستبدال الأيديولوجيا الحزبية متى أصبحت المصلحة على الطرف الآخر منها، لهذا لم يجد أنصار الحزب الديموقراطي الكردستاني ضيراً في العمل مع صدام حسين لتقويض صلاحيات الحزب المنافس على الأرض (الاتحاد الوطني الكردستاني)، كما لم ير أنصار الأخير خطأ في انقلاب رئيس حزبهم على ملا مصطفى برزاني، وهو الذي خرج من تحت عباءته، والاحتماء بوالد زوجته إبراهيم أحمد (أحد أقطاب الحزب الشيوعي في كردستان آنذاك) ومن ثمّ إلى بلاط شاه إيران (آل بهلوي)، ومنه إلى تحالفات لا حصر لها.
صحيح أن البرزانية القدامى عطلوا فروضاً دينية واجبة، كما يشير إلى ذلك الباحث الكردي ممخان شيرواي، وان الطالبانية يصرحون جهاراً نهاراً بأنه ليس هناك شيء اسمه "العراق" في التاريخ، وان تاريخ العراق يعود إلى عام 1921، وان كردستان ألحقت قسراً بهذا العراق المستحدث كما يقول جلال طالباني نفسه، لكن هذه الأشياء لا تمثل جميع الأكراد، حتى أولئك الذين نهبوا محتويات جامعة الموصل ومكتباتها بعد سقوطها، وطردوا العرب من مجمع "دوميز" في جبل سنجار، لأنهم كانوا وقتها مدفوعين بنشوة النصر الزائف والانعتاق الموقت من ربقة العرب والأحزاب القومية، ولكأن أحزابهم خالصة لوجه الوطن.
الغباء السياسي الكردي يعود لمئات السنين، لكن العقلاء منهم يدركون أن هذا الغباء مرده إلى أن القيادة الكردية انتقلت من البيوت الكردية العريقة التي قاتلت مع العرب جنباً إلى جنب، إلى بيوت كانت تعيش على هامش النضال الكردي، ما أصابها بمراهقة سياسية جعلت القضية الكردية تعود إلى الوراء مئات السنين، ويخسر الشعب الكردي خيرة أبنائه في مناوشات خاسرة في كل من العراق وإيران وتركيا وسورية.
من المؤكد أن الأكراد ليسوا عرباً، لكن ساستهم الحاليين والسابقين يتحينون ضعف الدولة المركزية التي يعيشون تحت حمايتها، وينقضّون عليها لصالح "أجندات" خارجية غير كردية، وهم فعلوا ذلك في العراق وتركيا وسورية، وكذلك في إيران، وهنا مكمن الغباء السياسي الكردي، لكن الغريب أنهم، وبمجرد أن يحسوا بخطر خارجي، تجدهم يلجأون إلى الحضن العربي وكأنه الحضن الأدفأ بين الأحضان التي جربها الكرد، سواء أكانت أحضاناً فارسية أم تركية، ولعل آخرها ما جرى أمس، عندما هدد قائد الأركان التركي الجنرال يشار بيوك أنيط باجتياح إقليم كردستان، للقضاء على المتمردين الأكراد المختبئين هناك (من مقاتلي حزب العمال)، إذ أوعزت حكومة إقليم كردستان إلى مسسؤول مكتب العلاقات الخارجية في حكومة الإقليم فلاح مصطفى، لحث الدول العربية على أن تتخذ موقفاً حازماً من التهديدات التركية للأكراد، متناسياً أن سادته في الحزبين الكرديين لم يتوانوا عن المطالبة بالانفصال، وتأسيس دولتهم على حساب التراب الوطني العراقي، إضافة إلى أنهم، وفي زحمة البحث عن صيغ للحكم تحفظ وحدة العراق بعد السقوط، راحوا (سادته) يوقّعون عقود التنقيب عن النفط في الإقليم الشمالي من العراق من دون الرجوع إلى الحكومة المركزية في بغداد، وان كنت لا أعترف بشرعيتها على الصعيد الشخصي، وهو ما شجّع الآخرين على تعطيل عدادات شركة نفط الجنوب وتسليم حقل مجنون النفطي، الذي سقط على جنباته آلاف العراقيين إبان حرب السنوات الثماني، إلى شركة نفط إيرانية، وهو ما شجع طهران أيضاً على القول بأن منطقة زين القوس أرض إيرانية.
الأكراد ليسوا عرباً، لكنهم شركاء في التاريخ والجغرافيا، ومن حقهم أن يطالبوا الدول العربية بأن تأخذ موقفاً صارماً من أنقرة، لكن قبل ذلك من حقنا عليهم أن يحترموا سيادة العراق واستقلاله، وعدم العمل لاستقطاع جزء من أراضيه ليقيموا عليه وطنهم.
المفضلات