من غير المنطقي ولا المعقول أن نترك رجال الأمن يواجهون الإرهابيين بمفردهم. من الخطأ أن يُكبّر العلماء والمفكرون والكُتّاب والصحافيون \"وسائدهم\"، ويتركوا كرة الفكر التكفيري تتدحرج وسط المجتمع. هذا شيء محزن. الخطر الذي يحاصرنا أكبر من أن يواجهه رجال الأمن بالمتابعة والبنادق، وإفشال مخطط خلية هنا وخلية هناك. هناك من يتربص بالمجتمع والدولة. وآخرون يسعون لإنهاء وجودنا، والأدوات المنفذة دائماً هم من أبناء هذه البلاد. العراق الذي نرتبط معه بنحو 860 كيلومتراً من الحدود البرية، أصبح مستباحاً من \"الفاو\" إلى \"زاخو\"، ومن \"حاج عمران\" إلى \"الرطبة\"، ومن \"القائم\" حتى \"هبهب\"، وفي السماوة، أقرب المحافظات العراقية لحدودنا التي ترتبط معنا بصحراء شاسعة، هناك من يبني المعسكرات ويدرّب المقاتلين، وهناك من يؤويهم في المعسكرات ذاتها التي يتدرب فيها جيش الدولة العراقية، وإمعاناً في \"الوضوح والشفافية في عدائهم لنا\" أطلقوا على هؤلاء المقاتلين اسم \"فيلق مكة\"، وأعلنوا أن الهدف الرئيس لهذا الفيلق يتمثل في تحرير مدينتي \"مكة المكرمة\" و \"المدينة المنورة\". العراق أصبح معسكراً كبيراً لتدريب المقاتلين وتوزيع القتلة الجوالين. في العراق نحو 20 ألف مقاتل مرتزق من أوروبا وأميركا اللاتينية، وذلك بحسب إحصاء أعده باحثان أميركيان، وسيصدر قريباً في كتاب اسمه \"الخروج من العراق - خطة عملية للخروج الآن\". في العراق تعمل معظم أجهزة استخبارات العالم، وفيه تهيمن دول معروفة على ميليشيات تنبثق منها كل يوم ميليشيات وفرق موت وقتلة محترفون. العراق أصبح خطراً على استقرارنا. هذه المعلومات ليست من \"عندياتي\"، بل إنني جمعتها على مدى أشهر من مسؤولين عراقيين، منهم من أسهم في التحقيق مع معتقلين داخل العراق، واعترفوا بما هو أخطر من إنشاء معسكر في صحراء السماوة، وهي على أية حال معلومات معلنة، بعضها نوقش في ردهات مجلس النواب العراقي، والبعض الآخر صرح به أناس \"تركوا الجمل بما حمل\" لساكني المنطقة الخضراء، وعادوا إلى حياة المنافي. إذاً، الخطر المحدق بنا أكبر من أن تتحمّله جهة بعينها. ما يحيط بنا من أخطار أكبر من أن يغطَّى بالغربال. إنه خطر \"مؤدلج\" تدبره مؤسسات قادرة على اختراق عقول أبنائنا، وعلينا أن نواجه الخطر باستراتيجية فكرية وإعلامية واضحة ومتينة، يتكاتف فيها المواطن والتربوي والمفكر ورجل الدين والإعلامي، بهدف صد الخطر الأصفر الذي بات على مرمى حجر من مدننا الحدودية، سواء في الشمال أو الجنوب. إعلاميون كثيرون نادوا بتكاتف شرائح المجتمع ضد الفكر التكفيري وأتباعه، ولن أضيف جديداً لذلك، لكنني أستطيع أن أقترح تغيير خطابنا الإعلامي في مواجهة \"خوارج العصر\"، لأن خطابنا ما زال أقل من المواجهة. خطابنا الإعلامي ما زال يهتم بتسفيه أصحاب الفكر التكفيري ووصمهم بالخواء الفكري، ربما يكون ذلك صحيحاً بالنسبة إلى المريدين \"المغرر بهم\"، ولكن ما لا شك فيه أن قادة هذا الفكر لديهم خططهم وأفكارهم، وكذا تحالفاتهم وأهدافهم، وهم مقتنعون بما يقومون به، والمنطق يتطلب لتغيير قناعاتهم أن يكون لدينا خطاب إعلامي موجّه يستهدف حلحلة هذه القناعات وتعريتها، لا أن نكتفي بوصف الزعيم الذي بويع عند الكعبة المشرفة بأنه \"المهدي المنتظر\"، كما جاء في إحدى الصحف السعودية! لأن ذلك لا يغير شيئاً من أهدافهم وخططهم، بل إن تسطيح فكر التكفيريين هو في الواقع تسطيح لأفكار المتلقّين، وربما يعطيهم مثل هذا التعامل السطحي مع أفكارهم فرصة أكبر للتغلغل في عقول الشباب. النقطة الثانية التي أريد أن أنبّه إليها هي تغيير طريقة عمل لجنة المناصحة، فما هو معروف أن هذه اللجنة تقوم بعملها داخل الإصلاحيات والسجون، بينما المطلوب أن تستهدف هذه اللجنة الشبان في المدارس والجامعات والمراكز، ومثل هذا التحرك يتطلب إسهام مؤسسات أهلية وأخرى حكومية، للعمل على إيجاد صيغ جديدة تأخذ في الاعتبار المعطيات على الأرض، بمعنى أن تحصّن الذين لم يقعوا في براثن التكفيرين، أما من وقع فكما يقول أهلونا: بـ \"ضبيب\".
ميسر الشمري
كاتب وصحفي في جريدة الحياة
منقول
المفضلات