[align=center]علم الأزياج
الأزياج جداول حسابية تبين مواقع النجوم والكواكب، مع حسبان حركاتها في كل زمن ووقت. وعلم الأزياج فرع من فروع علم الفلك عرَّفه ابن خلدون في المقدمة بأنّه ¸صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريق حركته، وما أدّى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء، واستقامة ورجوع، وغير ذلك، يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة. ولهذه الصناعة قوانين في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية،
وأصول متقررة في معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات، واستخراج بعضها من بعض، يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين وتسمى الأزياج. ويُسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلاً وتقويمًا·. استفاد الفلكيون في علم الأزياج من الهنود ومن الفرس، وكلمة زيج نفسها أصلها فارسي أخذت من زيك التي تعني خيوط النسيج الطولية. برع كثير من العلماء العرب في وضع هذه الجداول الفلكية وتركوا آثارًا قيمة في هذا المجال، ومن أوائل من قام بذلك إبراهيم بن حبيب الفزاري (ت 154هـ، 771م)؛ والذين قاموا بعمل أزياج المأمون مثل سند بن علي، والمروزي، والإسطرلابي.
من أشهر أزياج المروزي ذلك الذي ألّفه على مذهب السند هند، وقد خالف في كثير منه الفزاري الخوارزمي. أما عمله الثاني في الأزياج فهو زيج الممتحن، وهو أشهر أعماله في علم الأزياج. أشار إليه البيروني وأثنى عليه في كتابه الآثار الباقية. وقد ألّفه بعد رحلته التي طلب إليه المأمون فيها قياس محيط الأرض، وضمنه حركات الكواكب على ما يوجبه الامتحان في زمانه. وثالث أزياج المروزي الزيج الصغير، كما أن له زيجين آخرين
أقل شهرة هما الزيج الدمشقي، والزيج المأموني.
ولعل أشهر الأزياج قاطبة الزيج الصابي الذي وضعه البتاني (بطليموس العرب) (ت 317هـ، 929م)، وكان أنبغ علماء عصره في الفلك والرياضيات. ويعد البتاني من مشاهير علماء الفلك على نطاق العالم. وهو الذي بيّن حركة نقطة الذنب للأرض وأصلح قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي، وقيمة فلك البروج على فلك معدل النهار. وله مآثر جليلة في رصد الكسوف والخسوف اعتمد عليها الفلكيون في أوروبا في تحديد حركة القمر حول الأرض. وقد أصلح زيج بطليموس ولم يكن مضبوطًا. وقام بتأليف الزيج الصابي (299هـ، 911م)، ويحتوي
على جداول تتعلق بحركات الأجرام التي هي من اكتشافاته الخاصة. وتعدّت آثار هذا الزيج العالم الإسلامي إلى التأثير في علم الفلك وعلم المثلثات الكُرِّي عامة في أوروبا في العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة. وقد ترجم هذا الزيج إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي وطبع في نورمبرج عام 944هـ، 1537م. كما ترجم من العربية إلى الأسبانية بأمر من ألفونسو العاشر ملك قشتالة. واعتمد البتاني في هذا الزيج على عمليات الأرصاد التي قام بها بنفسه في كل من الرقة وأنطاكية وعلى كتاب زيج الممتحن
للمروزي.
يعد نصير الدين الطوسي (ت 672هـ، 1274م) من أشهر من ألّفوا في علم الأزياج، وقد كان يُلقَّب بالعلامة، وهو أحد الفلكيين والرياضيين العظام. وقد قام ببناء مرصد المراغة عام 657هـ، 1259م وأنشأ فيه مكتبة ضخمة حوت 400,000 مجلد من المخطوطات معظمها نهب في عهد صديقه هولاكو من بغداد والشام والجزيرة، وله مؤلفات كثيرة في الفلك منها كتاب ظاهرات الفلك؛ التذكرة في علم الهيئة؛ كتاب جرمي الشمس والقمر؛ زيج الشاهي الذي اختصره ابن اللبودي وسمّاه الزاهي. كما وضع أيضًا زيج الإيلخاني بالفارسية الذي احتوى على أربع مقالات، الأولى: في التواريخ، والثانية: في سير الكواكب ومواضعها طولاً وعرضًا، والثالثة: في أوقات المطالع، والرابعة: في أعمال النجوم.
وقام حسين بن أحمد النيسابوري بشرح هذا الزيج. ثم قام الكاشاني من بعده بإضافة ما استدركه على الطوسي وما استنبطه من أعمال المنجمين وسماه الزيج الخاقاني. وانتقد في كتابه التذكرة في علم الهيئة كتاب المجسطي لبطليموس، واقترح فيه نظامًا جديدًا للكون أكثر يسرًا من ذلك الذي وضعه بطليموس، وكان انتقاده للمجسطي خطوة تمهيدية للإصلاحات التي قام بها كوبرنيكوس فيما بعد.
يعد زيج الملكشاهي من أشهر الأزياج التي وضعت خلال نهاية القرن الخامس الهجري، وقد وضع هذا الزيج عمر الخيام، وهو من أنبغ من اشتغل بالفلك والرياضيات ولاسيما الجبر، إلا أن شهرته في الشعر والفلسفة طغت على نبوغه العلمي. وقد أنجز أفضل أعماله بعد أن اعتزل العمل في صناعة الخيام، وانقطع للتأليف في عهد السلطان ملكشاه. وقد طلب منه ملكشاه عام 467هـ، 1074م مساعدته في تعديل التقويم السنوي، فاستطاع أن يقوم بهذا التعديل الذي صار أدق من التقويم الجريجوري.
أما أشهر الأزياج في أقصى الشرق الإسلامي فهو الزيج السلطاني الجديد، وقد وضعه أولغ بك حوالي منتصف القرن التاسع الهجري، بناء على عمله في مرصد سمرقند الذي رأسه الكاشي. ويتألف هذا الزيج من أربع مقالات: الأولى في حساب التوقيعات على اختلافها والتواريخ الزمنية؛ وهي مقدمة وخمسة أبواب، أبان في المقدمة هدفه من وضع هذا الزيج وأثنى على العلماء الذين عاونوه في ذلك العمل. أما المقالة الثانية: في معرفة الأوقات والمطالع لكل وقت وتحتوي على 24 بابًا، والثالثة: في معرفة مسير الكواكب
ومواضعها وتقع في ثلاثة عشر بابًا. أما المقالة الأخيرة فقد أوضح فيها مواقع النجوم الثابتة. وكان هذا الزيج دقيقًا للغاية، وقد شرحه كل من ميرم جلبي وعلي القوشجي،وقام باختصاره محمد بن أبي الفتح الصوفي المصري وطبع في لندن عام 1060هـ، 1650م وترجمت جداوله إلى الفرنسية عام 1264هـ، 1847م. وظل الناس يعملون بهذا الزيج قرونًا عديدة في الشرق والغرب.
وضع غياث الدين الكاشي زيجًا نحو عام 815هـ، 1412م. وهو الذي رصد الكسوفات الثلاثة التي حدثت في الفترة من 809 -811هـ، 1406- 1408م وله في ذلك مؤلفات بالعربية والفارسية، من ذلك زيج الخاقاني. وكان قصده من وضع هذا الزيج تصحيح زيج الإيلخاني للطوسي. ودقق في جداول النجوم التي وضعها الفلكيون في مرصد مراغة تحت إشراف الطوسي. وأضاف إلى هذا التدقيق البراهين الرياضية والفلكية التي سبق فيها معاصريه من الفلكيين، ثم أهدى هذا العمل أولغ بك. وقد صنّف الكثير من الكتب في علم الهيئة
باللغتين العربية والفارسية من ذلك نزهة الحدائق وقد شرح فيه كيفية استخدام بعض آلات الرصد التي صنعها بنفسه لمرصد سمرقند، وتمكن بوساطتها من الحصول على تقويم الكواكب وبُعدها وحساب خسوف الشمس وكسوف القمر. كما ألّف أيضًا رسالة سلم السماء،وزيج التسهيلات.
[/align]
المفضلات