يوماً بعد يوم يثبت تنظيم القاعدة أنه تنظيم إرهابي جرى اختراعه من جانب القوى الإمبريالية الجديدة بزعامة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي لتشويه الدين الإسلامي وتقديم المبررات للاستعمارين للعدوان على الدول الإسلامية بدعوى مواجهة الإرهاب الذي يقوم به هذا التنظيم في هذا البلد أو ذاك ضد المصالح الأميركية والغربية..
إن أحداث أيلول مثلاً في عام 2001 التي نسبت إلى ذلك التنظيم والتي قام هو بعد ذلك بتبنيها قد أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لشن أوسع هجوم سياسي ودعائي أميركي وغربي ضد الدين الإسلامي اقترن فيما بعد بعمل عسكري كبير لاحتلال أفغانستان وتلاه بعد سنتين غزو واحتلال للعراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الحليفة الأخرى لواشنطن..
هذا مع أن الأخبار والتقارير والتحليلات السياسية التي انطلقت داخل الولايات المتحدة نفسها وداخل الدول الغربية وقتها وكذلك عشرات الكتب التي صدرت عن أحداث أيلول فيما بعد قد أكدت جميعها وبالاعتماد على الوثائق أن ما حدث في أيلول عام 2001 كان من صنع قوى أكبر من تنظيم القاعدة وأن أعضاء هذا التنظيم الذي نفذ الهجوم على مركز التجارة الدولي ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بواسطة الطائرات لم يكونوا بعيدين عن مراقبة السلطات الأميركية وهذا يشمل الاتصالات الهاتفية بين أعضاء التنظيم والرسائل المستخدمة بواسطة الإنترنت من قبلهم وفي ذلك الوقت أيضاً شاع خبر وجود إسرائيليين كانوا يراقبون ما حدث في مكان قريب من تفجير مركز التجارة الدولي وأن هؤلاء سرعان ما اختفوا بعد وقوع الانفجارات بقليل..
ولعل أهم ما جرى بعد تلك الأحداث مباشرة هو التصريح الشهير للرئيس الأميركي بوش بأن المسؤول عن تلك الأحداث هو تنظيم القاعدة وذلك في الوقت الذي كانت فيه الحرائق لا تزال مشتعلة وكانت فيه أصوات الناس الذين دفنوا تحت الأنقاض لا تزال تسمع من قبل رجال الأطفاء وفرق الإنقاذ وغيرهم.. وفي الوقت الذي لم تبدأ فيه التحقيقات حول كل ما جرى في ذلك اليوم بعد الأمر الذي عده المحللون على أنه دليل مضاف على تورط واشنطن في تلك الأحداث وأن تنظيم القاعدة كان المكلف بالقيام بها لصالح المخطط الجديد للولايات المتحدة القائم على الغزو وتلطيخ سمعة المسلمين وإظهارهم أمام الرأي العام الدولي على أنهم مجموعة من المجرمين والقتلة الذين يستحقون القتل وأن الحال يتطلب شن حرب صليبية جديدة ضدهم على حد دعوة بوش سيئة الذكر آنذاك..
إن ظهور تنظيم القاعدة الذي ارتبط بظهور إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ودخول العالم إلى القرن الواحد والعشرين قد ارتبط بظهور مجموعة من النظريات الرأسمالية المفعمة بالعداء للشعوب الأخرى كذلك، والتي احتوتها كتب مثل كتاب نهاية التاريخ لمؤلفه فوكويوما وغيره من المؤلفات الأخرى التي تستخدم عمليات القاعدة وسيلة للهجوم على الدين الإسلامي وتفسير ما يدور في العالم على أنه صراع أديان وهذا كله وغيره يظهر بشكل كامل حجم الخدمات التي قدمها ويقدمها تنظيم القاعدة من خلال أفعاله لأعداء العرب والمسلمين في واشنطن وغيرها..
كما أن إعلان الدولة الإسلامية من قبل تنظيم القاعدة في العراق والتي يمكن وصفها بأنها بدعة سياسية هي آخر على مدى الأخطار التي يشكلها هذا التنظيم على وحدة الشعب العراقي ووحدة وطنه ولعله ليس من غير سبب أن هذا الإعلان قد تزامن مع إعلان أطراف أخرى عن خططها في تقسيم العراق إلى أقاليم طبقاً لما ورد في الدستور الذي وضعته واشنطن للعراقيين وقد استثمرت تلك الأطراف إعلان القاعدة ما تسمى بالدولة الإسلامية.. في تبرير دعواتها لإقامة فيدراليات الجنوب والوسط والزعم بأنه بإعلان الدولة الإسلامية تكون الطوائف الأخرى قد حصلت على حقوقها وأن الوقت قد حان للاعتراف بفيدراليات الجنوب والوسط في العراق أنه ليس من النضال في شيء بالطبع أن يفجر قاعدي ما نفسه وسط الأسواق والجامعات أو الحسينيات والجوامع وسواها وأن يطلق على مثل هذه الجريمة التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ وعدد آخر من المواطنين وصف العملية الاستشهادية التي تقود صاحبها إلى الجنة بينما الحقائق تقول بأن الطريق سوف يفضي إلى النار وبئس المصير بالنسبة لذلك الإرهابي..
إن عناصر الشرطة والجيش لم يأتوا بالقوات الأميركية وسواها إلى العراق بل قادها أولئك الذين يتربعون على كراسي الحكم والأحزاب في العراق وعلى هذا فإن استهداف هؤلاء الناس الذين اضطرتهم الحاجة إلى الانخراط في جهاز الشرطة والجيش لتأمين العيش لعوائلهم من جانب القاعدة هو جريمة أخرى لا يمكن السكوت عليها أو قبولها تحت أية مبررات ناهيك عن أن الكثير من تلك العناصر هو نصير قوي للمقاومة العراقية كما هو حال الشهداء من رجال الشرطة الذين استشهدوا بفعل عمل إجرامي للقاعدة في منطقة الحويجة.. وكان من بين أولئك الشهداء شقيق بطل عملية بريمة التي يتغنى بها الشاعر مالك الحزين فقد قام أولئك القتلة بقطع رأسه من منطقة فكيه وأفرغوا الرأس من محتواه وزرعوا داخله بالمتفجرات لقتل ذوي الشهيد عندما يهبون لتسلم جثته وهذا ما حدث بالفعل لعائلة الشهيد..
وفي هذا السياق قام إرهابي ملعون آخر باقتحام السياج الخارجي لمركز شرطة بيجي العصية على الاحتلال والتي هي معقل قوي من معاقل المقاومة ففجر سيارة صهريج كان ضحاياها كالعادة من الأطفال والأشخاص المدنيين الذين كانوا متواجدين في المكان نفسه وقت وقوع الانفجار وفي يوم الخميس الماضي ارتكب الإرهابيون جريمة تفجير في منطقة البياع ذهب ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء من الإخوة الشيعة وذلك بهدف إشعال فتنة طائفية ودفع الأشقاء من الشيعة والسنة إلى المواجهة التي لا تخدم غير تنظيم القاعدة الإرهابي ومن يقف خلفه من القوى الخارجية..
إننا لا نشك لحظة بأن هناك مناضلون حقيقيون ضد الاحتلال الأميركي.. في صفوف القاعدة وقد حان الوقت لأن يعيد هؤلاء النظر في مواقع أقدامهم فيبادروا إلى التخلي عن العمل مع تنظيم ظلامي وإرهابي وينخرطوا في صفوف المقاومة العراقية التي تملك عناوين معلومة على الإنترنت وغيره مثل الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين وأنصار السنة وجيش رجال الطريقة النقشبندية وجيش الفاتحين وعصائب أهل الحق وجيش الراشدين من أصحاب الفعل الجهادي الحقيقي ضد الوجود الأميركي في العراق والذين يتبادلون العون والمساعدة مع أبناء الشعب العراقي الذي حوله تنظيم القاعدة إلى مركز للرمي والتهديد والقتل وإلى مختبر لتطبيق الأفكار التي تتقاطع مع الدين الإسلامي الحنيف ومع الشريعة السمحاء والحكم بالموت على كل من يرفض تلك الأفكار الغارقة في الرجعية والتخلف الفكري والعقائدي..
لقد كان الشعب العراقي عبر تاريخه شعباً مناضلاً بالفطرة فهو ليس بحاجة إلى من يعلمه طريق النضال والكفاح ضد المحتلين وضد القوى التي تسعى للنيل من كرامته الوطنية والقومية من أية جنسية كانت وعلى هذا فإن على الذين يريدون مشكورين مساندة نضال شعبنا ضد الاستعماريين والإمبرياليين أن يأخذوا هذه الحقائق بنظر الاعتبار فيوحدوا نضالهم مع نضالنا الوطني والقومي ضد المحتلين وأعوانهم وإلا فإن عليهم أن يتركوا بلدنا ويبحثوا عن مكان آخر لممارسة الإرهاب والقتل والجريمة باسم الحرب ضد أعداء الإسلام والمسلمين بينما تشير كل أعمال هؤلاء ضد شعبنا بأنهم أعداء حقيقيون لا يقلون شروراً عن الأعداء الآخرين للإسلام والمسلمين وهم إذ يقومون بجرائمهم وأفكارهم السوداوية تلك فإنهم يعطون المبرر للولايات المتحدة وغيرها للبقاء في العراق باسم مكافحة الإرهاب وتسهيل مهمتها في تقسيم العراق على أسس مذهبية وطائفية وإثنية مرفوضة من قبل كل المواطنين العراقيين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم..
ويقوم كل نشاط القاعدة في هذا السياق اليوم وقبل اليوم على إحداث الانشقاق داخل العشيرة الواحدة التي تجمع أبناءها روابط الدم والقربى والتاريخ العشائري والعائلي المشترك عبر سنوات طويلة ولعلنا لا نكشف سراً عندما نقول هنا بأن تنظيم القاعدة قد استعار مبدأ الاستعمار البريطاني القديم (فرق تسد) وقام باستخدامه في المجتمع العراقي الذي حقق انتصاراته الوطنية الكبرى عبر التاريخ بالاعتماد على نسيجه الاجتماعي الموحد وتمسكه بوحدته الوطنية والقومية وبناء العراق الموحد الخالي من كل أشكال القهر والتهميش والتجزئة..
أخيراً وليس آخراً.. نقول إن ما يقوم به تنظيم القاعدة من جرائم بحق المواطنين الأبرياء منذ عدة سنوات ليس دليل قوة هذا التنظيم بل دليل ضعفه وعلى قادة هذا التنظيم أن يدركوا وقبل فوات الأوان أن اللعب بالنار يحرق أيدي أصحابه قبل غيرهم وكما أكدت ذلك وقائع التاريخ الطويل للشعوب المناضلة ضد الاستعماريين والإرهابيين وأعوانهم مهما كانت جنسياتهم..
المفضلات