بسم الله الرحمن الرحيم

محمود درويش ذلك الصوت والضمير الحي ان يتماسك أكثر وهو يرى غزة تترنح تحت قبضات أبنائها ، لم يستطع الانتظار أكثر كي تكتمل قصيدته بالوقع الموسيقي الآخّاذ وهو يرى كل هذا الوقوع لهذه الغزة التي حررت ذاتها بذاتها من براثن عتيّة ، اعتبرت يوما ان غوش قطيف بمثابة تل ابيب ، ولا لقافية مكينة لا تجدي نفعا مع وطن يذبح وشعب يتفتت، ولهذا جاء دخوله السريع على الخط أبلغ من كل الديباجات التي ينتظر صغار الشعراء إكتمالها كي تبدو متلائمة مع الحدث الكبير، في انتظار مهرجان الشعر العربي القادم بمدينة بعيدة وتذكرة سفر درجة اولى ، والاقامة في فندق خمسة نجوم والبوكت موني.

ولهذا قال:أن تصدق نفسك أسوأ من ان تكذب على غيرك، وأنه لولا الحياء والظلام لزرت غزة دون ان أعرف الطريق الى بيت ابي سفيان الجديد ، ولا إسم النبي الجديد ، ولولا ان محمدا هو خاتم الأنبياء لصار لكل عصابة نبي، ولكل صحابي ميليشيا .

محمود درويش الذي رفض ان يكذب على ذاته رفض منذ البداية وزارة الثقافة ، لكنه لم يتأخر في العودة الى أرض الوطن ، معترفا أنه عاد اليه من "بوابته الخلفية" كان يقصد غزة التي قضت اتفاقية اوسلو ان تكون "اولا" . وعندما سئل عن ذاك التحرير ، أجاب بلسان الشاعر أن إتفاقية اوسلو لم تحرر من غزة سوى الليل . كانت غزة كما تذكرون تخضع لمنع التجول الليلي ،وسرعان ما تساوى نهارها بليلها وتحولت الى أكبر سجن في العالم.

في قصيدته الجديدة، يعود محمود درويش ، فيسقط عن غزة تحرير ليلها ، فيخجل من زيارتها ، ويخشى من ظلامها ، ويقر انه في ذكرى مرور اربعين سنة على هزيمة حزيران "حين لم نجد من يهزمنا ثانية، هزمنا انفسنا بايدينا كي لا ننسى". ويتساءل : من يدخل الجنة اولا ، من مات برصاص العدو ام برصاص الأخ، فثمة من يقول رب عدو لك ولدته أمك، ويتواصل التساؤل عن حاجتنا للدولة "ما دمنا لا نعرف الفرق بين الجامع والجامعة".

ولا يخجل درويش من هويته، فهي كما يقول قيد التأليف ، منذ كان رقمها "خمسون الف " واطفاله "ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف" في قصيدته الخالدة "سجّل أنا عربي" التي وضعها مطلع الستينات، أي قبل الهزيمة الثانية "النكسة"، ثم أصبحت لا تروق له بعد تذوقه لهذا الخذلان العربي، لكن الخجل الذي يلفه اليوم "من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون" ومن خذلان فلسطيني متمثل في "هل أنا + أنا = اثنين ؟ قلت : انت وأنت أقل من واحد".


تحية شمرية طائية
القدس