صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 20

الموضوع: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

  1. #1

    وردة يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي



    المقدمـــة

    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

    فهذا الكتيب يحوي بشرى للمستضعفين في الأرض المحتلة خاصة وللمسلمين عامة.

    ولكنه لم يكتب ليبشرهم؛ فإن في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المبشرات الكثير، وما عدا ذلك منـها له حدوده وضوابطه، فالمضمون إذن لا يؤسس عقيدة للمسلمين - كما قد يظن بعض القراء من أهل الكتاب والمسلمين وغيرهم- وإنما كتب ليختطّ أسلوباً في التعامل مع الأسس الفكرية لعدو الإنسانية اللدود "الصهيونية - بوجهيها: اليهودي، والأصولي النصراني- "ذلك العدو الذي أشغل الدنيا، وملأ الفضاء والورق بالحديث عن النبوءات الكتابية -لاسيما بعد الانتفاضة الأخيرة- .

    ودراسة النبوءات هي أحد مواد البحث في الدراسات المستقبلية، إلا أن النبوءات كالأفكار منها الصحيح، ومنها الزائف، ومن حق القارئ العالمي أن يجد الرأي الآخر في هذا الموضوع الخطير، ومن حق القارئ المسلم أن يطالب باستدعاء الاحتياطي في هذه المعركة الطويلة الشرسة، والاحتياطي هنا هو الدراسة الموضوعية للأصول العقدية للعدو ولنفسيته وسلوكه، من خلال مصادره وتراثه التي هي عماد روحه المعنوي وإيمانه بقضيته.

    وحين نفعل ذلك فإننا في - الحقيقة - لا نأتي بجديد، وإنما هو امتثال للمنهج القرآني الذي علَّمنا الرجوع إلى المصادر الكتابية؛ لإقامة الحجة وإلزام المفتري: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93] .

    مثلما علَّمنا أنهم كتموا الحق وألبسوه بالباطل وهم يعلمون.

    وإذا كانت عدالة القضية هي أساس الروح المعنوية للمقاتل، فإن التوراة لا تدل فحسب على أن قضية الجندي الصهيوني غير عادلة، بل تدل على أن من الواجب عليه أن يقاتل في الصف المقابل، كما تفرض على المستوطن أن يعلم أن قدومه إلى هذه الأرض إنما هو لاستنـزال عقوبة الله وإحلال غضبه عليه، فلا أقل من أن يرحل! وإن كان الأحب إلينا أن يهتدي لنور الله، ويصبح أخاً لنا في الإسلام الذي هو ملة إبراهيم عليه السلام، ويشاركنا نعمة الإيمان بكل كتب الله ورسله، بلا تفريق بين أحد منهم.

    ولا ينبغي أن ينتظر (يوم الغضب) لكي يرحل أو يؤمن، فربما ضاعت الفرصة العظمى قبل ذلك اليوم أو فيه.

    إنني أنصح كل يهودي في أرضنا المحتلة ألا يدع التوراة حكراً على محترفي الكهانة، الذين يحصلون على إعفاء مجاني من الخدمة العسكرية، بينما هو يقدم نفسه من أجلها وأجلهم.

    إنني أنصحه أن يقرأها ولكن بعقله ووعيه لا بشروحاتهم وتأويلاتهم، وسيرى الحقيقة التي لابد للعالم كله أن يراها عما قريب!!

    وليعلم أنه مهما اعتدى علينا، وقتل أطفالنا، وأحرق مزارعنا، وأفسد علينا حياتنا، فإننا لن نعامله إلا بما شرع الله لا بما تشتهي أنفسنا، وأننا لا نريد لـه ولا لأحد من البشر إلا الفوز برضى الله والسعادة في الدنيا والآخرة.

    أما الحساب الكامل والقصاص العادل، فإنما يكون يوم القيامة بين يدي الله الذي سيحاسبنا جميعاً على ما عملنا من خير أو شر، وهناك لا تنفع الدعاوى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [النساء:123].

    إنها كلمة سواء نلتزم بها من طرف واحد، ونأمل أن يكون لدى الطرف الآخر من الشجاعة ما يجعله يلتزم بها أو يحاول...

    المؤلف

    سبب تأليف الرسالة
    فهذه رسالة من سفر بن عبد الرحمن الحوالي إلى أصحاب الفضيلة والسماحة هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم سماحة الوالد الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز حفظهم الله جميعاً آمين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

    فغيُر خافٍ عليكم ما نزل بأمة الإِسلام من فاجعة وكارثة لن ينساها التاريخ إلى قيام الساعة، تلك التي ابتدأت ظاهراً بغزو الجيش البعثي العراقي للكويت ، ثم تداعي أمم الغرب النصرانية وتوابعها على المنطقة جميعها، وإنزال عشرات ألوف من الجيش الأمريكي وغيره في الرياض وجدة والطائف وينبع وعسير -فضلاً عن المنطقة الشرقية والشمالية- وتطويق المنافذ البحرية لـجزيرة العرب جميعها بذريعة الحصار الاقتصادي للعراق .

    وقد هالني هذا الأمر؛ كما هالَ كل مؤمن لا سيما والحق أنني كنت أتوقع شيئاً من هذا منذ قيام ما سمي "الوفاق الدولي بين الشرق والغرب"، واتحاد أوروبا الصليبية تحت راية واحدة، وحذرت منه في أكثر من محاضرة متمثلاً بحديث زينب بنت جحش رضي الله عنها في الصحيحين : {لا إله إلا الله، ويلّ للعرب من شر قد اقترب }.

    ثم جاءت المصيبة أكبر مما توقعتُ وأعظم مما أنذرتُ، وأحسب أن جزيرة العرب منذ أن خلق الله صحراءها، وحَفَّها ببحارها لم يَدْهَمْهَا مثل هذا البلاء قط، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    وقد عرضت رأيي في الأحداث وأسبابها وعلاجها على بعض إخواني من طلبة العلم في أكثر من لقاء، فكان له آثار مختلفة، وكانت الأحداث تتوالى والبيانات تصدر، وردود الفعل تضطرب، وقد كانت هذه الأحــداث هي الشغل الشاغل، ومثار الجدل، واختلاف الرأي بين الناس عامتهم وخاصتهم، وخاصة طلبة العلم الذين انقسموا فريقين. لكل منهما رأيه:



    أصحاب الرأي الأول أمام الأحداث
    أن الأحداث كلها جدت بصورة عفوية، فالعالم كله فوجئ في يوم الغزو، وفوجئت المملكة بحشود عراقية، فطلبت النجدة من الدول العربية والغربية لحماية أمنها، فجاءت تلك الدول استجابة لذلك الطلب، وسيرحلون فور انتهاء الأزمة، ووجودهم لا يتعدى الضرورة المؤقتة، وسوف تعود الأمور على ما كانت عليه من قبل.

    و طبيعي أن أصحاب هذا الرأي لم يكن لهم اعتراض أو تحفظ على القرارات والمواقف الرسمية.

    و لما سمعوا الرأي الآخر بادروا إلى معارضته وتخطئته مستعينين ببعض أقوال الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً في مسألة الاستعانة بالكفار.



    الرأي الآخر
    أن الأحداث في جملتها نتيجة لمخططات قديمة، الغرب له مخططاته، والبعثيون لهم مخططاتهم، ودول مجلس التعاون لها مواقفها وحساباتها وكذلك الأطراف الأخرى، وأنه منذ الوفاق الدولي وانهيار المعسكر الشرقي، كان متوقعاً حدوث تطور خطير في الشرق الأوسط على تفاوت بين المحللين في ماهية هذا التطور وعواقبه؛ فكانت هذه الأحداث.



    خلاصة المقدمة
    والخلاصة أن هذا الرأي في الجملة مناقض للرأي الأول، وأن أصحابه يعترفون أو يتحفظون تجاه المواقف والقرارات المتخذة...!! ويرون القضية خارجة عن دائرة الخلاف الفقهي في مسألة الاستعانة، وأن الواجب على الأمة أن تعرف الواقع على حقيقته، وأن تواجه التحدي بالقوة المستطاعة، وأن تحسب لكل احتمالٍِ حسابه، وتقدر الضرورة بقدرها، وأن هذا خير من التكتم والتعتيم وتخدير المشاعر إلى أن تقع في هاوية لا يعلم قرارها إلا الله.

    لا سيما وقد جاء على لسان أكثر من مسئول في هذه البلاد وغيرها أن المنطقة دخلت في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله وحقاً نطق، فقد كنا نظن أن الأمة قد استقرت في القاع، وأنه ليس وراء واقعها من سقوط، فإذا بهذا القاع السحيق يفتح فَاهُ لتدخل في نفق عميق ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ولما كنت من أصحاب الرأي الأخير، وأعلنته أمام عدد من الدعاة والمشايخ، وحدث له ما حدث من اعتراضات وردود فعل وتفسيراتٍ خطأ "مع ما له من تأييد واسع النطاق لدى الخاصة والعامة".

    وبناءً على ما تم بيني وبين سمو نائب وزير الداخلية من جهة وبين سماحتكم وسمو الوزير من جهة أخرى من اتفاق على المباحثة مع سماحتكم وأعضاء الهيئة في هذا الأمر، والخروج بالنتيجة المناسبة التي تبرئ الذمة ويكون فيها النصّح للأمة، وأن في إمكاني تقديم أي نصح مباشر أو بواسطة سماحتكم؛ كتبت لكم وجهة نظري هذه، راجياً أن تنال اهتمام الجميع، وما كان فيها من صواب يُؤَيَّدُ ويُبَلَّغُ منكم وباسمكم للحكومة، وما كان من خطأ فأنتم خير مَنْ يردُّني عنه، وأكرر رجائي بالاهتمام بالأمر، فهي قضية لها ما بعدها، وسوف يسألنا الله تعالى عنها وتحاسبنا الأجيال من بعد عليها!! وهي عبارة عن عرض موجز لجذور الأزمة ثم عرض مسهب للمخططات الدولية التي أخرجتها، وبعض الاقتراحات.

    سفر بن عبد الرحمن الحوالي



    أول خلاف في الملة
    والخلاف في مسألة الإيمان -مع كونه أول خلاف في الملة- ظل من أعظم قضايا الخلاف بين هذه الأمة في عصورها كلها، وفي مطلع العصر الحديث أصبحت أعظم القضايا التي تشغل بال هذه الأمة، وذلك منذ أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي أعادت الحنيفية جذعة نقية.

    فقد أطبق أعداء السنة على أنها دعوة خارجية وفكرة حرورية لأنها -بزعمهم- تكفر المسلمين، وما كفرت مسلماً قط، وإنما كفرت المشركين وحاربت المارقين.

    ومهما يكن من أمر فقد أحدثت هذه الدعوة المباركة صدىً عالمياً كبيراً اضطر مخالفها إلى إعادة النظر في حقيقة الإيمان والكفر والشرك والتوحيد.

    ثم كانت موجة الحملات الصليبية الأخيرة -الاستعمار- وفتنة الحضارة الغربية الجاهلية، فذهلت الأمة عن دينها ونسيت انتماءها حتى شاء الله -تعالى- أن تخرج من بقايا دعوة الشيخ أو من أصدائها دعوات وحركات تنادي بالإسلام من جديد.

    وفي العقود الأخيرة خاصة ظهرت بواكير عودة صادقة إلى الإسلام الكامل، والتخلص من آثار الغزو الحضاري الكافر وتمثل ذلك في شباب فتحوا أعينهم على أمة منهارة متطاحنة تعاني أمراضاً مزمنة في كل منحى ومجال.

    أمة ترضى من دينها بالانتساب الاسمي بلا عمل ولا جهاد ولا دعوة، وتلقي مسئولية كل عجز ومرض وتخلف وذل على تخطيط الأعداء ومؤامرات الاستعمار.

    ثم وقعت في السنوات الأخيرة أحداث كبرى على الساحة الإسلامية أثبتت الفراغ العقدي الهائل الذي يسيطر على الأمة، والفوضى الرهيبة التي يعاني منها الشباب في التصورات والسلوك.

    لقد استطعنا -نحن شباب الإسلام- أن نكسر طوق الولاء المطلق للغرب، وأن نرفض حضارته الزائفة إلى حد لا بأس به، وعرفنا الكثير من عدونا وخططه ومؤامراته، لكننا حتى الآن لم نعرف حقيقة من نحن، وفي أي طريق نسير.

    نردد: إنا مسلمون، وفي طريق الإسلام نسير.. ولكن أقدامنا تصطدم بصخور وركام أنتجتها قرون طويلة من الضلالات والانحرافات.

    وعلينا لكي نرتقي بأنفسنا وأمتنا أن نجتاز عقبة شائكة يعترضها ثلاث وسبعون طريقاً , الطريق المنجي منها طريق واحد فقط وما عداه مهلكة، وهذا الطريق الوحيد هو منهج أهل السنة والجماعة الذي نجزم عن دين ويقين أنه منهج الفرقة الناجية الذي لا يقبل الله سواه.

    وإن تعجب فاعجب لكون النظرة الغالبة على كثير من شباب الدعوة الإسلامية اليوم هي أن عقيدة أهل السنة والجماعة لا تعدو أن تكون تصورات نظرية صحيحة لعالم الغيب وقضايا الاعتقاد، وليست -مع ذلك- منهجاً للدعوة والإصلاح والتغيير!!

    ويجب أن نعترف بأن السبب في هذا الفهم القاصر هو حملة هذه العقيدة -قبل كل شيء- الذين لم يوضحوا معالمها ويكشفوا عن كمالها الذي هو حقيقة كمال الإسلام نفسه.

    ولهذا رأيت من واجبي -وقد وفقني الله لأن أتربى على هذه العقيدة وأعرف حقيقتها العلمية وأتمثل منهجها العملي مستوحى من سيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقائع الدعوات التجديدية السنية- أن أسخر حياتي العلمية لهذا الأمر العظيم.

    وقد بدأت ذلك برسالة التخصص الأولى.. التي كان موضوعها: العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية ثم ثنيت بهذه الرسالة لنيل درجة التخصص العليا، فكانت الأولى تعالج فصل الدين عن الحياة، والأخرى تعالج فصل الإيمان عن العمل، كلتاهما على ضوء هذه العقيدة , ومن هنا كانتا تعبران عن قضية واحدة وإن تباعد موضوعاهما ظاهراً.

    وقد كانت الأولى بلا ريب طريقاً للأخرى؛ فمن خلال الدراسة لأسباب العلمانية الطاغية على الحياة الإسلامية المعاصرة رأيت رأي العين أن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا، لا يزيد عن شيء واحد هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح.



    المباحث التي اشتملت عليها الرسالة
    وانطلاقاً من ذلك كان منهجي في هذه الرسالة يقوم على ثلاثة أسس:

    * الأول: دراسة الإرجاء على أنه ظاهرة فكرية لا فرقة تاريخية .

    والفرق بين هذين كبير جداً في طبيعة البحث وفي آثاره ونتائجه؛ فحين نبحث الإرجاء على أنه فرقة من الفرق التي طواها التاريخ فإن من أهم ما يفوتنا هو معرفة حقيقة واقعنا المعاصر الذي يسيطر عليه الفكر الإرجائي، وحينئذ لا يزيد البحث عن كونه عملاً أكاديمياً يضاف إلى مجموعة المؤلفات التي تتحدث عن تاريخ الفرق وآرائها.

    أما حين نبحثه على أنه ظاهرة فكرية نشأت ثم تطورت إلى واقع ضخم يواجه كل دعوة تجديدية، ونفسر بها كثيراً من أسباب التخاذل والتردي الذي تعاني منه الأمة عامة والدعوة خاصة، فإن النتائج الإيجابية لذلك ستنهال علينا من كل جانب، وحسبنا إن لم نعط القضية حقها أن نثيرها ونبعثها ونخطو في سبيلها ما استطعنا، ثم الله يهيئ لها ما يشاء.

    ومن هنا انصب الاهتمام على ركن العمل وضرورته للإيمان والدعوة وكيف تخلت الأمة عنه مكتفية من الإيمان بالاسم والإقرار.

    وهنا لا بد من بيان حقيقة مهمة كان لها أثرها البالغ في منهج البحث وهي: أن الإرجاء لم يكن -في الأصل- دعوة واعية مقصودة لترك العمل والتفلت من الطاعات، وإنما كان تفسيراً ضالاً لحقيقة الإيمان أنتجته أسباب تاريخية شرحناها في موضعها.

    ولكن الأمة وهي تتراخى عن العمل بالتدريج، وتنفلت من الواجبات، وتنحدر عن قمة الامتثال رويداً رويداً كانت تجد في الإرجاء تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها -وهذه حقيقة نفسية معروفة- فكل ما انحسر عنه العمل واقعياً ستره ثوب الإرجاء الواسع نظرياً.

    ولهذا لم يكن المرجئة القدماء بحاجة إلى أكثر من كشف شبهاتهم النظرية، وردهم بالدليل العلمي الصريح.

    ولكن الحال تغير بعد انتشار الظاهرة وسيطرتها؛ إذ أصبحت الأمة في القرون الأخيرة تتبنى الإرجاء عقيدة ومنهجاً، وتعد مخالفه خارجاً مارقاً، وتضبط دينها وأحكام إيمانها بأصوله وقواعده.

    فصارت تعتقد أن التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان هو حقيقة الإيمان الذي أنزل به الله الكتب وبعث به الرسل وجعله مناط النجاة من عذابه في الآخرة، وتبني على ذلك لوازم وأحكاماً، أهونها تخطئة السلف في إجماعهم على أنه قول وعمل، وعدم تكفير طوائف من المرتدين.

    وأصبح معنى كون الصلاة والزكاة والصيام والحج أركاناً للإسلام هو اعتقاد وجوبها والإقرار به وإن لم يعمل من ذلك شيئاً.

    ونحو ذلك مما يستغربه الناظر أول وهلة، ثم يتأمل فإذا هو عندهم حقيقة واقعة.

    والأدهى من ذلك أن تقوم بعض اتجاهات الدعوة الإسلامية -التي عملها وغرضها في الأصل إعادة الناس إلى حقيقة الإيمان اعتقاداً وعملاً- على هذا الفكر العقيم وتتبناه وتدعوا إليه، كما سنبينه في الفقرة التالية.

    من هنا كان لا بد من تغيير منهج العرض والمناقشة لقضية الإيمان وعلاقته بالعمل والدعوة بانتهاج منهج يجمع بين الدليل العلمي النظري من النصوص وكلام السلف ، وبين الدليل الواقعي المحسوس من سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقيقة النفس البشرية ذاتها.

    وإيضاحاً لذلك نقارن بين نص من كلام أحد رءوس المرجئة في مرحلة تأسيس الإرجاء، وبين ما يكتبه بعض الدعاة المعاصرين:

    يقول عمر بن ذر الهمداني [1] أحد رءوس المرجئة ، وابن ذر بن عبد الله الهمداني الذي قال عنه الإمام أحمد : إنه أول من تكلم في الإرجاء: 'لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم، قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلماته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولَّى عنهم الليل بربح وغبن .

    أصبح هؤلاء قد ملَّوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة شتان بين الفريقين .

    فاعملوا لأنفسكم -رحمكم الله- في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، وإنما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله.

    كم من قائم في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في حضرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله -عز وجل- للعابدين غداً، فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله'[2] .

    فهذا الرجل كان يقول: الإيمان هو الاعتقاد والإقرار فقط، لكن هل يتصور منه أن يقول: إن مجرد التصديق القلبي دون قول ولا عمل كاف في النجاة عند الله، أم إن القضية عنده شبهة نظرية مجردة لم يكن لها أي مدلول واقعي إلا الهروب من تكفير صاحب المعصية الذي وقعت فيه الخوارج ؟

    غير أن هذا القول نفسه قاله بعض الدعاة المعاصرين امتداداً لظاهرة الإرجاء العامة، وقد ذكرنا كلامهم في موضعه.

    * الثاني: معالجة واقع الدعوة الإسلامية المعاصرة، فالمشاهد اليوم أن أصحاب الدعوة ينقسمون غالباً فريقين، وكل فريق تتوزعه فرق وآراء واجتهادات:

    - أحدهما: فطن إلى أصل القضية ومكمن الداء فأراد أن يصحح الأصول، ويجلي بدهيات الدين، ويربط ذلك بالعمل وضرورته، لكنه سلك في سبيل ذلك حرفة عقيمة في الفهم، وإشارة موغلة في الغلو، ظاناً أن هذا هو منهج العزيمة والاستقامة، فوقع في طامة التكفير أعني: تكفير أعيان عوام المسلمين من المخالفين.

    وهكذا نفر من بدعة ليقع في بدعة شر منها، وسد على نفسه منافذ الاتصال بالناس، وإيصال الحق لقلوبهم، فتحولت دعوته إلى نظرة عقيمة تتآكل كل يوم، وتفرز بدعاً جديدة، واستتبع ذلك انحرافاً خطيراً في منهج التلقي والاستمداد، حيث وضعت أصول ومعايير لا تقل شراً وخطراً عن شرائع الطواغيت الوضعية.

    - والآخر: انطلق في دعوته بدون منهج واضح ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمر بالتأصيل العلمي بل بالتهويش العاطفي، فكان أن واجهه أصحاب الفريق الأول بأصول وقواعد لا يملك مثلها ولا يستطيع ردها، فهرب من التكفير إلى التبرير، وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف ويؤصله بنظريات بدعية، ووجد في مذهب المرجئة -الذي أصبح كما قلنا هو الظاهرة الفكرية العامة- بغية وسنداً، فنسى نفسه ونسى مهمته الأساس وهي تغيير هذا الواقع لا تبريره.

    - فالفريق الأول: أعاد مذهب الحرورية جذعاً.

    - والآخر: أحيا مذهب المرجئة غضاً ونقله من الدوائر الأكاديمية التقليدية إلى منهج العمل والتغيير!

    وهكذا أصبحت الكتابة عن هذا الموضوع -حقيقة الإيمان- على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة ضرورية لكبح جماح الغالين، ودفع تفريط المقصرين.

    الثالث: -وهو كالنتيجة للأولين- اختطاط منهج للبحث يزيد على مجرد البحث العلمي النظري للقضية أي: إيراد الأدلة ونقضها بإضافة عناصر جديدة تخاطب البديهة والوجدان والعقل معاً، وأهم جانب من ذلك استحضار واقع الجيل القدوة الذي رباه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي بهم في استكمال الإيمان والدعوة إليه والحكم على تاركه، وكذا بيان حقيقة النفس الإنسانية، التي لا تخلو قط من إرادة وعمل، وربط ذلك بحكمة الدين وغايته التي هي إصلاح الإرادات وتزكية الأعمال، مما بين أن الإيمان اعتقاد وعمل على الحقيقة الشرعية والواقعية والنفسية في آن واحد.

    على هذا دارت مباحث هذه الرسالة، التي أسأل الله تعالى أن ينفعني بها وإخواني المسلمين، وأن يجعل كل ما بذل فيها من جهد ونَصَب خالصاً لوجهه الكريم. وتبعاً لذلك قسمتها إلى خمسة أبواب:



    أقسام المباحث المتبعة في تأليف الرسالة
    - الباب الأول: يبحث في حقيقة الإيمان وارتباط العمل به من خلال:

    1- دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرته.

    2- حقيقة النفس الإنسانية.

    3- حقيقة الإيمان الشرعية.

    - والباب الثاني: يبحث في التاريخ الفكري للإرجاء منذ نشأته إلى أن أصبح فرقاً كثيرة، ثم ظاهرة فكرية عامة وواقعاً طاغياً، مع الاهتمام الخاص بقضية ترك العمل وحكمها عند المرجئة والأسباب الفكرية لوقوع ذلك.

    - والباب الثالث: الإرجاء الظاهرة، وتفصيل الكلام على نوعي الإرجاء: إرجاء الفقهاء والعباد، وإرجاء المتكلمين والمتمنطقين، وحكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة.

    - والباب الرابع: تفصيل لعلاقة الإيمان بالعمل، والظاهر بالباطن، مع الاهتمام الخاص بأعمال القلوب التي كان الانحراف فيها من أعظم أسباب انتشار الظاهرة، وشرح نماذج منها وهي بعض شروط لا إله إلا الله.

    - والباب الخامس: بيان أن الإيمان حقيقة مركبة من ركني: القول والعمل، توصلاً بذلك إلى معرفة بطلان مذهب المرجئة في حكم تارك العمل مطلقاً، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفرق فيه.

    ثم نقض أهم الشبهات النقلية للمرجئة على أن العمل غير داخل في الإيمان.

    هذا ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب ، الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها.

    كما أشكر للجامعة الإسلامية بـالمدينة النبوية ولجامعة أم القرى بـمكة المكرمة ممثلتين في مسئوليهما كافة، ما أتيح لي من فرصة لطلب العلم وخدمة لتحصيله، وأخص بالشكر الإخوة العاملين بمركز البحث العلمي، وكذا كل من قدم لي خدمة، أو أسدى إليَّ توجيهات من الأساتذة الكرام أو الإخوة الزملاء.

    والحمد لله أولاً وآخراً.



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  2. #2


    انتفاضة رجب


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    بعد بضع سنين قليلة في عمر الزمن لكنها طويلة ثقيلة في ليل القهر واليأس ما الذي حدث؟

    القلوب واجفة، والأبصار مشدودة، والأنفاس لاهثة، عند كل إشارة إلى خبر عاجل أو حدث طارئ، والتساؤلات على كل شفة:

    أين..؟ من..؟ كم..؟ يهود..! أمريكان..! انتفاضة..! شهداء...!

    المشاهد تتوالى في الأذهان أكثر مما في هذه الفضائيات المتطورة:

    تهاوي أوراق المفاوضات واحتراقها في لهب الغضب وجحيم القهر!

    خزي راعي السلام الذي يعاقب الحملان الوديعة كلما هاجمتها الذئاب الشرسة!

    ذهول أصحاب السيوف الخشبية الذين كلما داهمهم العدو هرعوا يحدُّون أطرافها على مبارد من الثلج!

    انطلاقة مقلاع داود الذي نسجته الأيدي المغلولة، ووقوفه في مواجهة صواريخ جالوت!

    عربات عسكرية تتراجع أمام حجارة، ورجل واحد يقاوم مئات الجنود المدججين بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا الأمريكية!

    وحشية إسرائيل التي فضحت أصدقاءها الموالين، وأحرجت أخدانها المتسترين، وقذفت بالمترددين إلى صفوف الأعداء الصرحاء!

    إجماع إسلامي - لا نظير له من قبل - على أن الحل هو الجهاد!!

    ذلك ما نطق به الرؤساء، والعلماء، والمفكرون الاستراتيجيون، والقادة الشعبيون، والخطباء والعامة الأميون، الرجال والنساء والأطفال.

    الكل اجتمعوا على هذه الكلمة التي ما وقرت في الأذن إلا ونفذت إلى أعماق القلب، ثم تتبعها تساؤلات: كيف..؟ ومن أين..؟ ومع من..؟ ومتى..؟ وهل الحكام...؟ وهل الأمريكان...؟

    شيخ أزهري رسمي يصرخ -في أكثر الفضائيات صخباً وأوسعها انتشاراً: لا يجدي مع اليهود إلا قاعدة: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191].

    ويسأله المذيع: ولكن يا شيخ، هل تعني القتل فعلاً (أي: هل تعي ما تقول)؟ وهل الأزهر معك؟ ويأتي الجواب صريحاً بالإيجاب.

    غضب عارم في كل مكان، وأساليب جديدة في الرفض، ومحاولات جديدة للحل، فما الذي حدث، ولماذا؟

    بعد متاهة طويلة من المفاوضات العقيمة، واللقاءات الفارغة المضمون؛ ظهر مفهوم "السلام" عند اليهود على حقيقته، وولدت الأزمة الجديدة بين تفاهة تنازل "الحمائم"، وعنف معارضة "الصقور"، في حين كان المحاور الآخر كالشاة العائرة بين الذئبين!!

    (في إسرائيل صقور وحمائم) ذلك ما قيل لنا منذ رحلة السادات المشئومة!!

    وصدَّقه بعضنا؛ لأن المعهود في خلق الله كلهم، سواء الأسرة، القبيلة، الدولة، أن يكون فيهم طرفا نقيضٍ في أي قضية!!

    لكن ليس في هذه الدنيا طرفَا خلافٍ أغرب وأعجب من اليهود! فأنت قد تسمع تصريحات، أو تقرأ بيانات لا تستطيع أن تحكم على قائلها بأنه: من الحمائم أو من الصقور إلا من اسمه أو حزبه!!!

    فحين تسمع زعيمين يهوديين - أحدهما سياسي والآخر كاهن - يتوعدان الفلسطينيين، ويرفضان إعادة الانتشار، فالمتبادر إلى فهمك أنهما من حزب الصقور ، لكنك حين تعرف من هما، تعلم أنهما من المحسوبين على الحمائم!!

    وحين تسمع أحد الصقور ينادي بالإبادة التامة للفلسطينيين، فاعلم أن الحمامة لا تخالفه إلا في الطريقة والوقت!!

    وحضور مدريد أو أوسلو أو معسكر داود الثانية، لا يدل على أن الحاضرين حمائم، بل إنما يحضر من يصادف أن يكون في السلطة حينئذ من هؤلاء أو هؤلاء.

    أسلوب غريب لا نظيرله في سياسات خلق الله الآخرين!

    فالمنطق اليهودي يفترض أن يكون التنافس بين من يجعلونه صقراً، ومن يسمونه حمامة على التشدد والمغالاة والالتواء والمماطلة.

    فهما متعارضان لكنهما متوازيان، وليسا وجهين لعملة واحدة فقط؛ بل كل منهما يصلح وجهاً لكل جهة.

    ورحم الله القائل:

    إن اليهود هم اليهود فلا صقور ولا حمائم


    العلة قائمة دائمة في حال الحرب وحال السلم، في حال الحكومة وحال المعارضة، إنها العقيدة اليهودية والنفسية اليهودية ، التي لم تفقد خصائصها منذ قديم الزمان بشهادة أسفار التوراة المجموعة على مدى قرون متعاقبة -كما سنرى -.

    فالحمائم تتحايل وتماطل من أجل التنازل عن شيء أو شبه شيء، والصقور تجادل وتناضل لكي لا يتم التنازل عن شيء، وبين تفاهة التنازل وعنف المعارضة انكشفت تلك الطبيعة (طبيعة النفسية اليهودية والعقيدة اليهودية ) فتفجرت الأزمة.

    أولاً: التنازل:

    بعد سلسلة طويلة ومعقدة من المفاوضات، والوساطات والخلافات الإجرائية والمماحكات الجدلية، وافق باراك -أو كاد يوافق- على مشروع غريب لتقسيم المسجد الأقصى، لكنه يليق بالعقلية اليهودية الملتوية، وهو أن يكون التقسيم أفقياً على ثلاث مستويات:

    1- المسجد والساحات.

    2- ما تحت المسجد والساحات من الأرض.

    3- ما فوق ذلك من الجو.

    وأن تكون إسرائيل مسيطرة تماماً على القسم الأرضي كله، حيث يحتمل وجود الهيكل المزعوم، وكذلك تسيطر على الجو -وهذا لا يحتاج لاشتراط، فهي وحدها التي تملك المروحيات والطائرات، والفلسطينيون محرَّم عليهم ذلك مطلقاً- وينحشر نصيب السلطة العرفاتية بينهما على أن يكون عبارة عن صلاحية وظيفية أو (إشراف وظيفي) على المسجد والساحات، وهناك احتمال بنصر رمزي للسلطة يتمثل في رفع العَلَم الفلسطيني على هذه المساحة المحدودة من المدينة المقدسة.

    ثانياً: المعارضة:

    هبت المعارضة الدينية والحزبية في وجه باراك ونددت بهذا التنازل الرخيص، وضجت جمعيات ومؤسسات الهيكل - وهي أكثر من اثنتي عشرة جمعية أو مؤسسة - بالاحتجاج وتوعدت باراك والمسجد الأقصى والفلسطينيين جميعاً بالهلاك والتدمير.

    ومما زاد الموقف تأزماً أن المفاوضات وقعت في موسم الصوم قريباً من يوم الغفران، وقريباً من ذكرى يوم خراب الهيكل على يد تيطس الروماني .

    ومن هنا ربط المعارضون بين تيطس المجرم وباراك الخائن، وقال أحد الحاخامات: 'لا نبكي في هذه الذكرى خراب الهيكل قبل ألفي عام بل نبكي خرابه اليوم'

    وتم إنقاذ الموقف على يد السفاح الشهير "شارون " -جزار صبرا وشاتيلا - وكانت زيارته المشئومة للمسجد الأقصى، فأجهزت على المشروع أو أجَّلته إلى حين..!!

    بدون أي شك كانت زيارة شارون مدبرة أو معروفة لدى الحكومة اليهودية -فهي التي انتدبت ألفي جندي لحراسته- ولدى السلطة العرفاتية، حيث كان عرفات يراهن بردة الفعل الشعبية التي كان يتوقع انفجارها؛ لكنه لم يدرك أبعادها.

    ولأن الأقصى عزيز على كل مسلم، ولأن صلف اليهود يستثير أَحْلَم الناس، ولأن الشعوب هي التي تدفع الثمن، تصدى الغيورون لـشارون ورد اليهود بوحشية التوراة المحرفة والتلمود ، فاشتعلت الأرض المحتلة كلها، وتبعتها سائر الأقطار الإسلامية، وكانت انتفاضة رجب كالإعصار، وتخطت الحواجز والأسوار، وهتكت كثيراً من المؤامرات والأسرار.

    وكان ذلك باختصار تعبيراً عن:

    1 - القهر الذي يعاني منه الفلسطينيون، وانتفاضة المقهور لا يعدلها انتفاضة!

    2 - احتقان الغضب والرفض الصامت للشعوب طوال هذه السنين العجاف.

    3 - شعور الزعماء العرب بالإهانة والتهميش حين أصبحت اللعبة ثلاثية الأطراف: إسرائيل تطالب إلى ما لا نهاية، عرفات يستسلم ويتنازل باستمرار، أمريكا الحَكَم الجائر تريد منهم الانسياق وراء ما تقرره، والتوسط لإرغام الفلسطينيين على قبوله، وتفرض عليهم تمويل المشروعات، وتمرير القرارات إعلامياً، وفرض النتائج على الشعوب دون مراعاة للحساسية الدينية الخطرة للقضية.

    بعض العرب نصح أمريكا قائلاً: 'إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع'.

    ولكنها مضت في غطرستها بلا رادع، وهذا ما شعر به الأوروبيون واليابانيون -فضلاً عن الروس الراعي الآخر الذي تهدَّم بيته عليه- ولهذا كانت الغضبة عامة عارمة وإن اختلفت الأسباب.

    على أن الملمح الجديد لانتفاضة رجب هو البروز الواضح للمصطلحات الإسلامية في لغة الخطاب لدى الجميع، وهو مؤشر للقوة المعنوية للصحوة المباركة، وأنها الطريق الأخير والوحيد بعد انكشاف زيف الشعارات العلمانية كلها.

    وأقبلت تباشير الصباح ليوم سينتهي بغضب من الله، وانتقامٌ يسلطه على طواغيت الكفر وجند التخريب والإجرام.




    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  3. #3


    منظور عقدي


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى؛ ولكنه جل شأنه يُطلع بعض عباده على شيء منه لحكم عظيمة.

    وأعظم وسائل الإطْلاع: الوحي، وهو خاص بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، والرؤيا الصادقة وهي للأنبياء وحي، ولغيرهم بشارة أو نذارة، فهي تقع للمؤمن والكافر، والبر والفاجر. ثم تأتي وسائل أخرى كالتحديث والإلهام والفراسة.

    وكل خبر عما يحدث مستقبلاً يحتاج لأمرين:

    1- صحة الخبر.

    2- صحة التأويل.

    وأهل الكتاب هم أكثر الأمم اشتغالاً بالملاحم وأحداث المستقبل، وقد شغلوا بها طائفة من المسلمين منذ القدم، والعلماء يعللون قلة حديث أهل الشام ومصر بالنسبة لأهل الحجاز والعراق باشتغالهم بالملاحم والسير.

    وروي عن كعب الأحبار في ذلك عجائب لا يتسع المجال لذكرها، ومصدرهم في ذلك كتبهم المقدسة وتأويلاتهم وشروحهم عليها، ولاسيما الرموز والأرقام وما أكثرها في الأسفار وشروحها!

    وتبعاً لما جبل عليه الإنسان من التلهف لاكتشاف المستقبل اشتغلوا بذلك في العصور كلها، ولم يقتصر ذلك على رجال اللاهوت، بل شـمل ولا يزال مفكرين علمانيين، وعلماء طبيعة مشهورين من أمثال: نيوتن في الماضي، وطائفة من العلماء في الكمبيوتر والرياضيات في العصر الحاضر، ومؤلفاتهم في هذا تصعب على الحصر، وسيأتي بعضها ضمن مصادرنا.

    وكان لتشتت اليهود وأسرهم، واضطهاد الرومان للنصارى الأثر الكبير في اشتغال أهل الكتاب بأخبار المخلِّص أو المنقذ، وافتعال النبوءات عنه، وتأويل أي نص ليدل عليه، ومن أعظم ما فعلوه بهذا الشأن: تحريف البشارات والنبوءات؛ لكي توافق عـصر المفسِّر أو المؤول وحالة قومه حينئذ، ومن هنا اختلفت التأويلات وتناقضت فوق اختلاف المذاهب والفرق، ولكن أكثرهم ارتكب جناية كبرى، وهي طمس أو تحريف أي بشارة لنبي آخر الزمان وأمته، والتعسف في تأويلها وصرفها إلى مسيح اليهود المسمى "ملك السلام"، أو إلى المسيح عليه السلام.

    كما أن اختلاف النسخ، وتعاور الترجمات، وتعدد التفسيرات زاد الركام ركاماً، حتى أصبحت الحقائق المطمورة تحتاج إلى عناء ضخم وصبر طويل، هذا مع الاستنارة بنور الوحي المحفوظ (القرآن والسنة).

    فبسبب تنكُّب أهل الكتاب عن هذا النور حرموا أنفسهم مصادر اليقين، وظلوا في ظلمات ليسوا بخارجين منها إلا به.

    وموقفنا من نبوءات أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم، فهي ثلاثة أنواع: -

    أولاً: ما هو باطل قطعاً:

    وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه، كدعوى أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود، وأن المسيح الموعود يهودي، وطمسهم للبشارة بالإسلام ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعموماً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ (الكتاب والسنة الصحيحة) بخلافه.

    ثانياً: ما هو حق قطعاً، وهو نوعان:

    أ ) ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً، ومن ذلك إخبارهم بختم النبوة، وإخبارهم بنـزول المسيح عليه السلام، وخروج المسيح الدجال، وإخبارهم بالملاحم الكبرى في آخر الزمان بين أهل الكفر وأهل الإيمان، ومن هذا النوع ما قد يكون الخلاف معهم في تفصيله أو تفسيره.

    ب) ما صدقه الواقع، كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: [[كُنت بـاليمن ، فلقيت رجلين من أهل اليمن : ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ذو عمرو : لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك؛ فقد مرَّ على أجله منذ ثلاث. وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رُفِع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم، فقالوا: قُبِضَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستُخلف أبو بكر والناس صالحون، فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن ، فحدثت أبا بكر بحديثهم، فقال: أفلا جئت بهم. فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو : يا جرير ! إن بك عليَّ كرامة، وإني مخبرك خبراً، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمَّرتم في آخر، فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً، يغضبون غضبَ الملوك ويرضون رضا الملوك ]]

    ثالثاً: ما لا نصدقه ولا نكذبه:

    وهو ما عدا هذين النوعين، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم } .

    ومن ذلك إخبارهم عن الآشوري ورجسة الخراب وأمثالها، وكوننا لا نصدقه ولا نكذبه يعني: خروجه عن دائرة الاعتقاد والوحي إلى دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب والتعديل والإضافة، أي أن النهي لا يعني عدم البحث فيه مطلقاً، ولكنه بحث مشروط، وضمن دائرة الظن والاحتمال.

    واليوم والعالم - كله تقريباً - يتابع الأحداث الجارية على أرض فلسطين في وسائل الإعلام، نجد أن الناس في أمريكا وبعض البلاد الأخرى لهم شأن آخر.

    فها هنا سوق آخر غير سوق الإعلام المنظور والمقروء، إنه سوق النبوءات والتكهنات، وهو سوق لا يهدأ ولا ينقطع، بضاعته أسفار العهدين القديم والجديد وشروحها، وتـجَّاره كهنة الأصوليين الحَرْفيين، أما زبائنه فهم من كل طبقات المجتمع ابتداءً من حكماء البيت الأبيض والبنتاجون، وانتهاءً برجل الشارع، وهذه الفئة طوائف شتى:

    فمنهم من ينتظر نـزول المسيح!

    ومنهم من ينتظر خروج الدجال!

    ومنهم من يتوقع معركة هرمجدون !

    ومنهم من يتنبأ بنهاية دولة إسرائيل تبعاً لقيام الانتفاضة وانهيار عملية السلام!

    وهذا الأخير هو المهم عندنا؛ لأن نهاية هذه الدولة هي أكثر القضايا إلحاحاً من حيث الواقع، وأبعدها عن الغيب المطلق والدخول في أمر القيامة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.

    وبالتالي: فإن أي دراسة استراتيجية علمانية قد تصل إلى مثل أو قريب من النتائج التي تقود إليها النبوءات الكتابية عن نهاية هذه الدولة، فتتطابق الرواية والدراية، أو النقل والعقل..

    والعنصر الحاسم الذي تنفرد به النبوءات هو تحديد نهاية دولة إسرائيل بالسنوات، الأمر الذي يجعل ذلك عقيدة للمؤمنين بالتوراة والأناجيل، وليس مجرد رأي أو اجتهاد لباحث من الدارسين.

    ومن هنا نأمل أن ينتفع كثير منهم بالحقيقة التي سنحاول الكشف عنها خالصة لوجه الحق مع بقاء المجال مفتوحاً للحوار والبحث.

    ولما كانت الصهيونية النصرانية هي أكثر حركات العصر خطراً على الجنس البشري! وكان الأساس الذي قامت عليه عقائدهم وخططهم الجهنمية هو: تحقق النبوءة بقيام دولة إسرائيل؛ كان لابد لكل محب للعدل والسلام في الأرض أن يعرف الحقيقة عن نبوءات هؤلاء، وأن يمد يده لمن ينسف بالحق والعقل الأصولَ التي بنوا عليها أصوليتهم، قبل أن ينسفوا هم السلام العالمي، ويحولوا كوكبنا المضطرب إلى كتلة من اللهب!!

    إننا في وضع كوني يدرك فيه كثير من العقلاء أن أي منظمة إرهابية في أوروبا أو روسيا قادرة على تهديد السلام العالمي كله، فكيف نتغافل عن هذه الحركة الكبرى التي تستحوذ على عقول ثلث الشعب في أقوى دولة في العالم، وتسعى بكل إصرار للسيطرة على مقاليد الأمور في هذه الدولة، وتضخ كل طاقتها وحماسها لتأييد أكبر عصابة إرهابية في الأرض ألا وهي دولة صهيون!!

    إننا نأمل - في حال قيام العقلاء في أمريكا وغيرها بواجبهم - أن يفيء هؤلاء إلى رشدهم، وأن يفيق كثير من المخدوعين أو الغافلين، وحين نعمل معاً من أجل تبصير هؤلاء بضلال تصوراتهم وخطأ نبوءاتهم، فإننا نكون قد واجهنا الباطل بالحق، والعدوان بالعدل، والإرهاب بالمنطق، وهذا أحد الغايات العظمى في دين الإسلام، كما قال تعالى في كتابه المجيد لرسول الرحمة و(أركون السلام) محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  4. #4


    مسحاء كذابون


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    أمريكا -كما قال إدوارد سعيد - هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين!!

    وفي أمريكا تيار أصولي ديني مهووس إلى الثمالة بعودة المسيح عاجلاً غير آجل، ومستعد لأن يرتكب في سبيل ذلك أكبر الحماقات!!

    وأي حماقة أكبر من محاولة التسلل إلى القواعد النووية وإطلاق الدمار على العالم كله؟!

    وعن أي دليل نبحث وقد رأيناهم ينتحرون بالمئات والعشرات، ويفجرون المؤسسات الفدرالية وينظمون الجيوش والعصابات لليوم الموعود.

    والمصيبة أنهم يزيدون ولا ينقصون، ولا يحتكمون إلى أي منطق أو عقل، وإنما هي خيالات ومنامات ومخاطبات من الشياطين يزعمون أنها من روح القدس!!

    بل إن عدداً يصعب حصره منهم يدَّعي أنه هو المسيح، أو أن المسيح حلَّ فيه أو خاطبه!!

    ومن عقائد هؤلاء:

    1- قيام دولة إسرائيل تمهيد ضروري لنـزول المسيح.

    2- مشروع السلام هو تأخير لوعد الله.

    3- القدس بكاملها يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.

    4- إسرائيل مباركة ومبارك من يباركها، وملعون من يلعنها أو يعاديها.

    5. الفلسطينيون -والمسلمون عامة- رعاع وثنيون وحزب يأجوج ومأجوج.

    6. الألف سنة السعيدة يوشك أن تكون؛ لكن بعد خطف المؤمنين إلى السحاب لملاقاة الرب عند نـزوله، ودمار كل الوثنيين في معركة هرمجدون الكبرى.

    وليس هؤلاء جماعة رهبانية معتزلة -كما كان الحال في القرون الأولى- بل هم أصحاب نفوذ اجتماعي بارز، وترسانة إعلامية مؤثرة ومناصب عليا في الحكومة!!

    ونبوءات التوراة مضاف إليها الكهانة والتنجيم وتحضير الجن هي أعظم طقوسهم، واعتماداً عليها تقوم نظرياتهم في السياسة والاجتماع، وقواعدهم في التعامل مع سائر البشر.

    والمفكرون العلمانيون في أمريكا يعلمون أن تغيير الأفكار المنكوسة لهؤلاء القوم شبيه بالمحال، فالبنية العقلية مدمرة من أصلها، والنفسية في غاية التعقيد والغرابة.

    والساسة العلمانيون ينافقونهم لما لهم من تأثير على الرأي العام، ونفوذ في عالم المال والإعلام!!

    والإعلام العربي قليل الحديث عنهم؛ لأنه مشغول بمحاربة -من يسميهم- المتطرفين والإرهابيين عن الحديث عن هؤلاء الذين مهما فعلوا وفكروا فليسوا إرهابيين ما داموا ليسوا مسلمين!!

    هم والمفكرون العلمانيون على طرفي نقيض، لكن المشكلة أن كتلة الوسط تقل تدريجياً، والأكثرون يميلون إلى هؤلاء لا إلى الفكر العلماني، هرباً من جحيم الحيرة والجفاف الروحي، ولذلك تغلغلت الأصولية المهووسة في كل مجال واخترقت كل الحدود.

    وقد هيأت الأقدار لفتنتهم في هذا العصر ما لم يكن من قبل - ولا شك أن لله في ذلك حِكماً عظاماً - واجتمع لهم أمران كل منهما كافٍ في ذلك:

    1- وجود تجمع يهودي كبير في فلسطين وهو ما لم يُعهد من قبل.

    يقول هول ليندسي في كتابه: كوكب الأرض ذلك الراحل العظيم : 'قبل أن تصبح إسرائيل دولة لم يكشف عن أي شيء، أما الآن وقد حدث ذلك، فقد بدأ العد العكسي لحدوث المؤشرات التي تتعلق بجميع أنواع النبوءات، واستناداً إلى النبوءات فإن العالم كله سوف يتمركز على الشرق الأوسط، وخاصة إسرائيل في الأيام الأخيرة'[3] .

    2- حلول الألفية وبالأصح عام (2000م) التي تعني عندهم: بداية النهاية للعالم المعهود، وبداية الدخول إلى العالم الآخر -عالم الألفية المسيحية - الذي هو بمنـزلة عالم الآخرة أو الجنة عند المسلمين.

    في غمرة الحماس الهائج لاقتراب الألفية نشط الأصوليون في العقدين الأخيرين من القرن العشرين نشاطاً هائلاً في كل المجالات؛ إلا أن من أهمها: مجال الدراسات والتأليف والصخب الإعلامي عن نـزول المسيح واقتراب الألفية السعيدة، حيث استعجلوا بتعسف ظاهر كل حوادث آخر الزمان وأشراط الساعة، وأعدوا لها تصورات (سيناريوهات) مرعبة للغاية تقوم على افتراض واحد هو: حدوث المعجزات الخارقة بما لا يمكن أن يتفق مع التتابع المنطقي لأحداث التاريخ بأي حال .

    لقد وجد هؤلاء أنه لا يمكنهم تصور -أو تصوير- حلول الألفية السعيدة وفق الشروط الموضوعية كالزمان والمكان والظروف السياسية الحالية، فلابد من إقحام خارقة عظمى تقلب النظام الكوني رأساً على عقب، ومن هنا كان أسهل الطرق لتحقيق ذلك هو كارثة نووية تقضي على الحضارة، وتعيد العالم إلى حالة شبيهة بحاله عند المجيء الأول للمسيح، وتمهد للمجيء الثاني الموعود، ووجدوا ضالتهم المنشودة في معركة "هرمجدون " المشئومة.

    ووافق ذلك شعارات ريجان ونيكسون عن تدمير امبراطورية الشر الاتحاد السوفييتي فافترضوا أن يأجوج ومأجوج هم الروس! وبسقوط الاتحاد السوفييتي وقيام حرب الخليج افترضوا أن يكون الآشوري هو صدام حسين ! وأن يأجوج ومأجوج هم العرب، أو العرب والفرس وغيرهم! وأن الحرب النووية لا مفر منها!!

    وبعد اتفاقات "أوسلو " خمدوا قليلاً -بل اضطربوا - فلما قامت الانتفاضة الأخيرة تنفسوا الصعداء، لاسيما وقد وقعت في نفس عام (2000م)! [4] ومن هنا يضع كثير من المفكرين والدارسين في الغرب أيديهم على قلوبهم خشية أن يغامر أحد المهووسين هؤلاء بحماقة تكون عاقبتها كوارث لا تحصى،حتى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تتشدد في دخول المتطرفين من هؤلاء إلى إسرائيل خشية إقدامهم على شيء من هذا القبيل.

    أما الكارثة الكبرى التي تقض مضاجع المراقبين فهي احتمال تسلل هؤلاء إلى إحدى القواعد النووية، وإشعال النار التي لا يستطيع العالم أن يطفئها!!

    وينبغي أن يعلم الناس أن مرور عام (2000م) أو ما بعده دون حدوث شيء لا يعني نهاية هذه الأفكار، فإن هؤلاء تعودوا أن يعيدوا النظر في حساباتهم، وسوف تأتيهم الشياطين وتوحي إليهم بسراب جديد يلهثون وراءه، [5] ويثيرون الرعب في العالم، ويظلون مصدر تهديد مستمر للبشرية كلها!!

    ومع اقتناعي بأن هؤلاء لا عقل لهم؛ أرى أنه لابد أن يتصدى لهم العقلاء بنسف الأساس العقدي لأوهامهم وضلالاتهم.

    وإذا كان أهل الكتاب عاجزين أو مقصرين، فنحن لا يجوز لنا أن نعجز أو نقصر وبين يدينا الوحي المعصوم والحق الجلي، الذي لو عرضناه على العالم لوضع الله له القبول عند الناس.

    ومن هنا كان إثبات أن دولة إسرائيل القائمة لا علاقة لها بالمسيح من قريب ولا بعيد، وأن نهاية الألفية الثانية ستمر كما مرت القرون الأولى بلا جديد، هو دفعٌ لشر هؤلاء -ليس عن المسلمين وحدهم بل عن الإنسانية جميعاً- وهذا هو أحد دوافع كتابة هذا البحث الموجز، والدافع الآخر هو التنبيه إلى خطأ التصورات المتكلفة بل المتعسفة عند نزر قليل من المسلمين. [6]

    ونحن لا نطالب مَنْ شك في أمر هؤلاء من بني دينهم إلا بقراءة جديدة للفصلين الثالث والعشرين والرابع والعشرين من (إنجيل متى) لاسيما عند الحديث عن نبوءة دانيال- والتأمل جيداً في تحذير المسيح عليه السلام من المسحاء الكذبة، والمروجين للإشاعات عند قيام "رجسة الخراب" في أورشليم ثم يسأل كل منا نفسه، من هؤلاء يا ترى؟ وكيف يجب أن يكون موقفنا منهم؟

    فإن وصلوا إلى الحقيقة -وهذا ما نعتقده- وإلا فليتابعوا المسير معنا حتى نجليها كاملة بإذن الله!!

    تصورات النصارى عن الألفية ونزول المسيح [7]

    أ )- تصور شيوخ الكنيسة القدامى (نزول المسيح سابق للألف سنة) :

    1- بعد رفع المسيح يبدأ عصر الكنيسة.

    2- في نهايته يكون سبع سنوات من الفتنة.

    3- بعد السبع السنوات ينزل المسيح ويرتفع القديسون لاستقباله في السماء، ثم ينـزلون إلى الأرض.

    4- بعد ذلك تبدأ الألفية السعيدة تحت حكم المسيح.

    5- ينتهي العالم وتأتي الأرض الجديدة (الأرض عندهم تتبدل مرات، فالأرض في عصر آدم هي غير الأرض في هذا العصر..وهكذا).

    ب)- تصور اللا ألفية:

    وهو رأي القديس أوغسطين ومجمع أفسس، وعليه الكاثوليك والكنائس الكبرى البروتستانتية :

    1- عصر الكنيسة: هو الألف سنة والفتنة معاً، فمن كان المسيح في قلبه فهو في الألفية، ومن لم يؤمن فهو في الفتنة. والنبوءات كلها رموز (حتى الألف لا معنى لها هنا) .

    2- ينـزل المسيح ويَرفع القديسين ويعيشون كلهم في السماء.

    ج)- تصور ما بعد الألفية:

    تصور بروتستانتي من (ق:17) إلى (ق:20) مؤسس على فكرة التطور والتقدمية ومضاد للكنيسة الكاثوليكية ، وقد استمر حتى انهيار الفكرة بقيام الحرب العالمية الأولى:

    1- عصر الكنيسة = انتشار الكنيسة.

    2- العصر الذهبي = تملك الكنيسة جميع الشعوب.

    3- نزول المسيح ورفع القديسين إلى السماء.

    د) مذهب الأصوليين في القرن العشرين:

    وهو تعديل للمذهب الأول وفيه نزولان للمسيح، ابتدعه بعض الإنجليز في (ق:19):

    1- عصر الكنيسة.

    2- ثم نزول المسيح في السماء وارتفاع القديسين إليه، وبقاؤهم في السماء مدة الفتنة.

    3- تقع الفتنة على المسلمين واليهود في الأرض، وأولئك في السماء.

    4- ينـزل المسيح والقديسون، وتكون الألفية السعيدة لهم.

    5- ينتهي الأمر بتبدل الأرض إلى أرض جديدة!!



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  5. #5


    هل تغير شيء


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    حين أطلق الجنود الصهاينة الرصاص على المسلمين في ساحة الأقصى كان ذلك إيذاناً بإطلاق رصاصة الرحمة على مشروع السلام، ذلك الخداج الذي تعسرت ولادته بضع سنين، وحين كانت المروحيات الإسرائيلية تقصف بعض مباني إدارات السلطة العرفاتية فقد كانت تقصف أوسلو وملحقاتها!!

    فاليهود إذن انقلبوا على ما صنعوا وأحرقوا ما زرعوا، فما الذي تغير؟ ولماذا؟

    هذا ما يقتضي منا العودة إلى مبررات مدريد وأوسلو و(مشروع الولايات المتحدة الشرق أوسطية في النهج الصهيوني).

    بعد مؤتمر مدريد المشئوم قلنا ما ننقله الآن حرفياً :

    ' إن ما يسمى مشروع السلام لم يأت تبعاً لتغير الظروف الدولية، وانحسار مرحلة الحرب الباردة، ووفقاً لمقتضيات الوفاق الدولي - كما يصور ذلك الإعلام الغربي وذيله الإعلام العربي - وإنما كان أحد أعراض المتغير الأساسي، وهو الخطة الصهيونية للسيطرة على العالم كافة والمنطقة الإسلامية خاصة.

    إن هذه الخطة -ببساطة- قد عدلت عن فكرة إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وبعبارة أصح قد عدّلت هذه الفكرة لأسباب ذاتية ضرورية أهمها: أن دولة اليهود وجدت نفسها بعد (40 سنة) من قيامها عبارة عن مركب من المتناقضات، وكائن غريب في محيط من العداوات.

    فعلى المستوى الأمني لم تنجح في السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين ، فكيف تسعى لمزيد من الأراضي؟!

    وإن لبنان التي هي أضعف الجيران وأبعدهم عن العداوات ظلت مصدر قلق وإزعاج لا نهاية له، حتى بعد اجتياحها المعروف، (والآن في انتفاضة رجب هي الجبهة الوحيدة الفاعلة).

    والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلات وأبعدها تأثيراً، فكثير من اليهود لم تخدعهم الوعود المعسولة والإغراءات البرَّاقة للهجرة إلى أرض تعج بالمساوئ الاجتماعية، من اختلال الأمن، إلى الطبقية المقيتة، إلى التناحر الحزبي.. إلخ .

    والأفاعي عندما تجتمع - على اختلاف ألوانها وأشكالها - لابد أن يذوق بعضها سم بعض، إضافة إلى الحجارة التي تهشم رءوسها باستمرار من أيدي أشبال الإسلام، فكيف إذا وصل الأمر إلى الرصاص؟

    ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة المضادة، وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل، وأظهرت الإحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات.

    ومن تجربة إسرائيل التي لا تقبل النقاش اتضح أنها أعجز ما تكون عن استئصال المقاومة بنفسها، فعملاؤها هم الذين تولَّوا سحق الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية والكويت وغيرها.

    فلماذا لا تضع يدها في أيديهم ضمن خطة أخرى تتنازل فيها عن أوسع حدود الأرض التوراتية إلى أضيقها؟!

    ولا غرابة في هذا على عقيدة اليهود التي تؤمن بالبداء، [8] وبأن الأحبار يصححون أخطاء الرب، تعالى الله عما يصفون.

    ثم إن إسرائيل لكي تقنع الإنسان الغربي -المفتون بدعوى الديمقراطية ، وحقوق الإنسان- لا يمكن أن تظل ثكنة عسكرية وسجناً كبيراً إلى الأبد.

    كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية توفر حاجزاً نفسياً لشعوب المنطقة، فلابد من افتعال حركة (تكتيكية) يتراجع فيها اليهود، ويسلمون بما يسمى (الحكم الذاتي المحدود) لكي يتم الهدف الأكبر استراتيجياً: (التخلي عن التوسع الجغرافي مقابل التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي) وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر ومسئول بمصطلح: (الولايات المتحدة الشرق أوسطية )!!

    وهكذا سيؤدي فتح الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإعلان فتح القنوات السياسية إلى أن يصبح يهود إسرائيل في الشرق الأوسط كيهود نيويورك في أمريكا ، وتصبح ثروات المسلمين ركازاً لهم، وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية أوكاراً لفكرهم، وحواضرهم التجارية مراكز لبنوكهم وتجارتهم وأسواقاً لبضائعهم، ويصبح عامة الشعوب العربية عمالاً كادحين لخدمة البارون اليهودي الربوي!!

    هذا هو هدف السلام المزعوم مهما غلفوه أو قنعوه، والتخطيط الصهيوني لم يتغير ارتجالاً، ولا هو نتيجة دراسات فكرية وميدانية بحتة -كما يظهر- بل إن أسبابه وجذوره تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، إلى خبيئة النفسية اليهودية وحقيقة الجبلَّة اليهودية ، وواقع التاريخ اليهودي القديم والحديث.

    فقيام كيان يهودي متميز مستقل كسائر الكيانات السياسية أو العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلك النفسية والجبلَّة والتاريخ، والخطأ الأكبر الذي وقع فيه مسطرو أحلام العودة منذ الأسر البابلي إلى الاضطهاد الأوروبي، وخطط له أمثال: هرتسل ، وفيشمان ، ووايزمان ، هو أنهم غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة، فلما قام الكيان المنشود خرجت الحقيقة كالشمس من تحت الركام!!

    وليس بخاف على اليهود ولا على المطلعين على الحركة الصهيونية الحديثة أن جماعات وزعامات يهودية ( دينية وفكرية ) ترفض قيام دولة يهودية متميزة؛ بل تعكس النبوءات التوراتية على أهلها، وتقول: إن قيام الدولة هو نذير الهلاك والفناء لليهود، ولها على ذلك أدلة وشواهد من الأسفار والمزامير ومن واقع التاريخ.

    لقد جسَّد قيام دولة إسرائيل المأزق الكبير الذي وقع فيه اليهود، حين اصطدمت الأحلام التلمودية العنصرية التي لا حدود لها بواقع النفسية اليهودية العليلة، التي لم تكن يوماً من الأيام رأساً في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية، فكيف تكون رأساً في قضية العالم كله؟! ولذلك فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي يحمل عنها هذه التبعة!

    فاليهود لم يكونوا في حقبة من أحقاب تاريخهم رأساً في قضية ولو كانت قضيتهم، ولو كانوا كذلك مرة واحدة لكانت في هذا العصر، وهو ما لم يكن!! فهم كالشجرة الطفيلية لا تنمو إلا على ساق غيرها، أو الدودة المعوية التي لا تأكل إلا قوت غيرها، فمن حادثة بني قينقاع حيث كان المنافقون هم الناطقين الرسميين الظاهرين، إلى مؤامرة الأحزاب حيث كان الجند جند قريش وحلفائها لا جند قريظة وأخواتها، إلى الإدارة الأمريكية حيث لا يزال اليهود وهم يسيطرون على الجزء الأكبر من الاقتصاد والإعلام والتأثير السياسي..إلخ يستخدمون أمثال: نيكسون ، وكارتر ، وريجان ، وبوش ، وهم جميعاً نصارى!!

    وقد عاشوا في أحشاء أوروبا ، وتسلقوا شجرة الحقد الصليبـي، فكان لهم حبل من الناس.

    وعندما أصبح لهم -لأول مرة منذ قرابة ألفي سنة- دولة وحكومة ظهرت السنة الربانية تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] فهذه الدولة تعج بالمتناقضات والصراعات، وتتكفف العالم كله، وتعصر اليهود وغيرهم في كل مكان عصراً لإدرار التبرعات، ولا تستغني في أي محفل دولي عن المندوب الأمريكي ونظرائه، وإن كانت في الظاهر تمثل مع أمريكا دور الثعلب مع النمر!![9]

    إنهم دائماً يحركون الدمى من وراء الستار، ولو ظهروا على المسرح لانكشفت سوءاتهم وبطل سحرهم.

    إنهم يحرصون على تبني أي رئيس أمريكي والإطاحة به، ولكنهم لا يستطيعون أو لا يفكرون في أن يجعلوه رئيساً يهودياً، وحكومته حكومة يهودية صريحة (والآن رشحوا يهودياً نائباً للرئيس)!!

    وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل، هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء أن تظل حبيسة الأرض التي قالت عنها التوراة: إنها تفيض لبناً وعسلاً، مع أن المنطقة الكبرى حولها تفيض نفطاً وذهباً! ثم تظل رهينة الفكرة الداعية لقيام دولة ما بين الفرات والنيل وفق النموذج النازي العسكري، الذي عجزوا عجزاً واضحاً عن السيطرة على ما تم لهم منه.

    بل إن ما تحقق من هذا الحلم كافٍ للعدول عن ذلك إلى الفكرة الأخرى التي أقام عليها روتشيلد وذريته مملكة لا نظير لها في التاريخ ( مملكة الربا والإعلام والجاسوسية) وهي مملكة تتفق تماماً مع الجبلة الطفيلية، وليكن ما احتلوه من الأرض في حروبهم المتعددة -أو جزء منه- منطلقاً لهذه المملكة، وتربة لهذه الشجرة الطفيلية التي سوف تترعرع وتخترق بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة التي يسيل لعاب العالم كله لثروتها!

    فإلى متى يظل وصولهم إلى هذه الثروات الهائلة والكنوز السائلة ملتوياً يمر بقناة الأمريكان والأوروبيين!! وهم الجيران الأدنون؟!

    إن اليهود أكثر دهاءً، وأكثر شراهة من أن يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا -خطأ التوسع الجغرافي غير المضمون - حتى لو كان هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق العهود، وسواء خرج المسيح أو لم يخرج!! اهـ ' القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى ص [9 -13].

    ذلك ما قلنا من قبل! فما الثابت وما المتغير في الوضع الراهن؟!

    لقد صدقت النبوءة في جانبها السلبي، لسبب واحد واضح هو أن طبيعة النفسية اليهودية ثابتة لا تتغير بتغير استراتيجيات الحرب والسلام، وإلا فكيف تخسر الدولة الصهيونية مكاسب السلام الهائلة؟! وكيف يكون السلام الذي تسعى إليه كل الأمم هو سبب الانهيار أو الضعف؟

    إن الدولة الصهيونية هي الآن أضعف ما تكون، مع أنه لم يحاربها أحد، بل ليس في نية أحد أن يحاربها، فلماذا؟!

    لابد أن السبب ذاتي محض، وإلا فلو كانت تلك المشروعات موضوعة لشعب آخر، ولو كانت تلك الاتفاقات معقودة مع طرف آخر، لأمكن الوصول إلى نتائج ثابتة باحتمالات معقولة للنقض أو التحايل كما نرى في سائر النـزاعات بين سائر البشر، ولكن اليهود لهم طبيعة خاصة تخالف سائر البشر، طبيعة خاصة في المفاوضات، وطبيعة خاصة في العهود، وطبيعة خاصة في التملص والنكوص.

    وباختصار نقول: إن الحسابات التي بنيت عليها قرارات مدريد وأوسلو تقوم:

    - على أساس أن السلام يكسر الحواجز النفسية، وهذا معقول إلا في الأمة التي تكون نفسيتها نسيجاً معقداً من الحواجز، وهي الأمة المغضوب عليها اليهود .

    - وعلى أساس أن السلام مطلب حيوي لكل الأمم، وهذا حق إلا بالنسبة للأمة التي لا تعيش إلا على العدوان والوحشية والعنصرية الحاقدة!!

    وحتى لا يتهمنا أحد بالعنصرية -أو يحاكمونا كما حاكموا جارودي !!- لن نستدل على هذا بكتاب الله العزيز، ولا بأقوال البشر من الأمميين كافة؛ بل من التوراة نفسها التي قام الكيان الصهيوني على نبوءاتها ( وليسمع من له أذنان )!!



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  6. #6


    اليهود هم اليهود


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    اليهود هم اليهود من عبدة العجل طالبي الآلهة كما للوثنيين آلهة، وناقضي عهد الله في كل مرة، والقائلين: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]، والقائلين لرسوله الكريم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] ومحرفي الكلم عن مواضعه، وأكلة السحت والربا، والقائلين: يد الله مغلولة، وإن الله فقير ونحن أغنياء، وقاتلي الأنبياء، وكاتمي الحق، وتاركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الملعونين على لسان داود وعيسى بن مريم، والممسوخين قردة وخنازير... و... و...إلخ.

    ومن قينقاع والنضير وقريظة وخيبر الجاحدين النور في الظهيرة، المتآمرين مع عُبَّاد اللات والعزى، الذين همّوا بقتل خير البرية أول مرة، ثم وضعوا لـه السم أخيراً، الذين لا تحصى فضائحهم ولا تعد قبائحهم إلى هرتسل وعصابته، وبيجن وشرذمته، وإلى السفاحين الذين جاءوا من بعدهم -وكلهم سفاحون- ومن لبس منهم جلد الضأن على قلوب الذئاب أو الثعالب، ومن كشر عن أنيابه وجاهر بإرهابه...

    إلى العتاة القساة غلاظ القلوب، الذين استهدفوا أعين الأطفال بالرصاص المتفجر، وأحرقوا قلوب الأمهات، وكشفوا الوجه الحقيقي لرجسة الخراب إسرائيل بفظاعاتهم ووحشيتهم!!

    من أولئك الأقدمين إلى هؤلاء المعاصرين لم تتغير الطبيعة، ولم يتهذب الخلق، ولم تختلف العقوبة!!

    فاقرأوا معي ماذا قيل في توراتهم عنهم، وأَنْـزِلوا ما تقرأون على أي مرحلة شئتم.

    إما على عباد العجل، وإما على خونة قريظة، وإما على سفاحي إسرائيل اليوم، بل أنـزلوه على الجميع فلا فرق، ولهذا فسوف نسوقه بلا شرح ولا تعقيب.

    اقرأوا صفات الرؤساء، وجبلة الشعب، وطباع الكهنة، وملامح المجتمع الصهيوني، وخلقه وتعامله مع الآخرين؛ بل مع الله خالقه، في مملكتي إسرائيل وهوذا، وفي السبي البابلي، وفي الشتات العالمي، وفي دولة إسرائيل المعاصرة لتجدوا أن شيئاً ما لم يتغير، وأن ما صدق على زمن يصدق على كل زمن، وهذا الذي تقرأون إنما هو غيض من فيض، وقطرات من بحر من التوراة وحدها، دع التلمود وما أدراك ما التلمود ؟!

    1- موسى عليه السلام: 'أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت الرب ليكون هذا شاهداً عليكم، لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة هوذا وأنا بعدُ حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرِيِّ بعد موتي'.

    2- داود عليه السلام:

    إن قارئ المزمور السادس بعد المائة يجد التشابه بين ما ذكره الله تعالى عنهم في سورة البقرة وما في هذا السفر، من تعداد لنعم الله تعالى وآياته التي أراهم؛ ولكنهم كل مرة ينكصون وينكثون ويعبدون غير الله وينكرون نعمة الله، ولذلك كان الوعيد عليهم من الله 'فرفع يده مقسماً ليسقطنهم في البرية ويسقطن ذريتهم في الأمم ويبددنهم في البلاد...'، 'مرات كثيرة أنقذهم لكنهم تمردوا على تدبيره وانحطوا بآثامهم'.

    3- بنفس الأسلوب تقريباً يوبخهم سفر (نحميا:9) .

    4- وأما أشعياء فيسهب ويفصل ونحن نختار ونجمل: 'استمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض فإن الرب قد تكلم:

    إني ربيت بنين وكبَّـرتهم لكنهم تمردوا عليَّ!

    عرف الثور مالكه، وال**** علف صاحبه، لكن إسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم.

    ويل للأمة الخاطئة الشعب المثقل بالآثام، ذرية أشرار وبنين فاسدين.

    إنهم تركوا الرب، واستهانوا بقدُّوس إسرائيل، وارتدوا على أعقابهم.

    علام تُضرَبون - أيضاً - إذا ازددتم تمرداً؟ الرأس كله مريض، والقلب كله سقيم.

    من أخمص القدم إلى الرأس لا صحة فيه؛ بل جروح ورضوض وقروح مفتوحة لم تعالج ولم تعصب ولم تُلَيَّن بدهن'.

    "لولا أن رب القوات تـرك لنا بقية يسيرة لصـرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة -يعني مدينتي قوم لوط-'

    'اسمعوا كلمة الرب يا قواد سدوم ، أصغِ إلى تعليم إلهنا يا شعب عمورة ما فائدتي من كثرة ذبائحكم يقول الرب؟!

    أصبح دم الثيران والحملان والتيوس لا يرضيني؛ حين تأتون لتحضروا أمامي من الذي التمس هذه من أيديكم حتى تدوسوا دياري؟

    رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل... إنما هي إثم واحتفال، رءوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي.

    فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم، وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء'.

    واستمع إلى هذا التقريع لـأورشليم :- 'كيف صارت المدينة الأمينة زانية؟! لقد كانت مملوءة عدلاً وفيها كان بيت الرب، أما الآن فإنما فيها قَتَلة!

    فِضَّتك صارت خبثاً وشرابك مزج بماء.

    رؤساؤك عصاة وشركاء للسراقين، كل يحب الرشوة ويسعى وراء الهدايا، لا ينصفون اليتيم، ودعوى الأرملة لا تبلغ إليهم.

    فلذلك قال السيد رب القوات عزيز إسرائيل:

    لأثأرن من خصومي، وأنتقمن من أعدائي.

    وأرد يدي عليك، وأحرق خبثك كما بالحرض وأنزع نفاياتك كلها'.

    ويضرب لهم الأمثال ويهددهم بالويلات إلى أن يقول: 'ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلمة نوراً والنور ظلمة، الجاعلين المر حلواً والحلو مراً.

    ويل للذين هم حكماء في أعين أنفسهم عقلاء أمام وجوههم.

    ويل للذين هم أبطال في شرب الخمر، وذوو بأس في مزج المسكرات.

    المبرئين الشِّرِّير لأجل رشوة والحارمين البارَّ برَّة.

    فلذلك كما يلتهم لهيب النار القش، وكما يفنى الحشيش الملتهب، يكون أصلهم كالنتن وبرعمهم يتناثر كالتراب، لأنهم نبذوا شريعة رب القوات، واستهانوا بكلمة قدوس إسرائيل.

    فاضطرم غضب الرب على شعبه فمد يده عليه وضربه، فرجفت الجبال وصارت جثثهم كالزبل في وسط الشوارع، ومع هذا كله لم يرتد غضبه ويده لاتزال ممدودة'.

    وبعد هذا يتنبأ النبي بالعقوبة على هؤلاء -علماً بأنه حينئذٍ لم يكن لليهود دولة ولا اجتماع وإنما كانوا أسرى في بابل !!- فيقول: 'فيرفع رايةً لأمةٍ بعيدةٍ ويصفر لها من أقصى الأرض فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة.

    ليس فيها منهك ولا عاثر، لا تنعس ولا تنام ولا يحل حزام حقويها ولا يفك رباط نعليها، سهامها محددة وجميع قسيها مشدودة، تحسب حوافر خيلها صواناً، ومركباتها إعصاراً.

    لها زئير كاللبؤة وهي تزأر كالأشبال وتزمجر وتمسك الفريسة وتخطفها وليس من ينقذ.

    فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر، وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق وقد أظلم النور في غمام حالك'.

    وسوف نأتي بمزيد من صفات هذه الأمة التي يشرفها الله بحرب أعدائه من هذا السفر وغيره.

    ثم يقول: 'آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم حجبت وجهه عنكم، فلا يسمع لأن أكفكم تلطخت بالدم وأصابعكم بالإثم.

    ليس من مدع بالبر ولا محكم بالصدق، يتكلمون على الخواء وينطقون بالباطل، يحبلون الظلم ويلدون الإثم، ينقفون بيض الحيات وينسجون خيوط العنكبوت، وبيضهم من أكل منه يموت، وما كسر منه انشق عن أفعى.

    خيوطهم لا تصير ثوباً ولا يكتسون، بأعمالهم إثم، وفعل العنف في أكفهم.

    أرجلهم تسعى إلى الشر وتسارع إلى سفك الدم البريء، أفكارهم أفكار الإثم، وفي مسالكهم دمار وتحطيم.

    لم يعرفوا طريق السلام ولا حق في سبيلهم، قد جعلوا دروبهم معوجة، كل من سلكها لا يعرف السلام.

    لذلك ابتعد الحق عنا، ولم يدركنا البر، نترقب النور فإذا بالظلام، والضياء فإذا بنا سائرون في الديجور.

    نتحسس الحائط كالعميان، وكمن لا عيني لـه نتحسس، نعثر في الظهيرة كما في العتمة، ونحن بين الأصحاء كأننا أموات.

    نزأر كلنا كالأدباب وننوح كالحمام، نترقب الحق ولا يكون، والخلاص وقد ابتعد عنا.

    لأن معاصينا قد كثرت تجاهك، وخطايانا شاهدة علينا، لأن معاصينا معنا وآثامنا قد عرفنا.

    العصيان والكذب على الرب، والارتداد من وراء إلهنا، والنطق بالظلم، والتمرد والحيل بكلام الكذب، والتمتمة به في القلب.

    فارتد الحكم إلى الوراء، ووقف البر بعيداً، لأن الحق عثر في الساحة، والاستقامة لم تقدر على الدخول.

    وصار الحق مفقوداً، والمعرض عن الشر مسلوباً، وقد رأى الرب فساء في عينيه ألا يكون عدل...فَلَبِسَ البَّر كدرع...وارتدى ثياب الانتقام لباساً، وتجلبب بالغيرة رداء.

    على حسب الأعمال هكذا يجزي، فالغضب بخصومه والانتقام لأعدائه ويجزي الجزر الانتقام'.

    5- وفي سفر حزقيال نقرأ: 'يا ابن الإنسان: إني مرسلك إلى بني إسرائيل إلى أناس متمردين قد تمردوا عليّ، فقد عصوني هم وآباؤهم إلى هذا اليوم نفسه، فأرسلك إلى البنين الصلاب الوجوه، القساة القلوب، فلا تخف منهم، ولا تخف من كلامهم، لأنهم يكونون معك عليقاً وشوكاً، ويكون جلوسك بين العقارب. من كلامهم لاتخف، ومن وجوههم لا ترتعب؛ فإنهم بيت تمرد'.

    6- وفي سفر ميخا نقرأ: 'اسمعوا يا رؤساء يعقوب، وقواد بيت إسرائيل أما ينبغي لكم أن تعرفوا الحق؟

    أيها المبغضون! الخير والمحبون الشر، النازعون جلود الناس عنهم ولحومهم عن عظامهم، الذين يأكلون لحوم شعبي ويسلخون جلودهم عنهم ويشمون عظامهم عنهم...

    هكذا قال الرب على الأنبياء (الدجالين) الذين يضلون شعبي ويعضون بأسنانهم وينادون بالسلام، ومن لا يلقمهم في أفواههم يشنون عليه حرباً مقدسة'.

    وفي ترجمة أخرى: 'ينهشون بأسنانهم وينادون: سلام يا رؤساء بيت يعقوب! ويا قواد بيت إسرائيل الذين يمقتون الحق، ويعوّجون كل استقامة الذين يبنون صهيون بالدماء، وأورشليم بالظلم'.

    7- ومع دعوى أنهم شعب الله المختار، تقول الأسفار: 'لو أرسلتك إلى هؤلاء -الشعوب غير بني إسرائيل- لسمعوا لك ولكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك، لأنهم لا يشاءون أن يسمعوا لي، لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب... فلا تخف ولا ترتعب من وجوههم؛ لأنهم بيت تمرد'.

    وهذه العبارة لأنهم بيت تمرد تتكرر في السفر نفسه كاللازمة الشعرية.

    8- وأخيراً استمع إلى ما يقول سفر عاموس وكأنما هو يخاطب أصحاب مشروع السلام: 'أتركض الخيل على الصخر أو يحرث الصخر بالبقر حتى تحولوا الحق إلى سم وثمر البر إلى مرارة... هأنذا أقيم عليكم أمة يا بيت بني إسرائيل -يقول الرب إله القوات- فيضايقونكم من مدخل حماة إلى وادي العربة'.

    وهذا غيض من فيض مما أسهبت فيه الأسفار عن أوصافهم، وقد تضمن أيضاً نصائح للمتعاملين معهم، وأعظم من ذلك تعرض لكيفية عقوبتهم، وهي ما سيأتي لـه فصل خاص به بإذن الله.




    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  7. #7


    شهادة قطعية


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    مستقبل القدس هو أكبر عقدة في أخطر قضايا الصراع العالمي، هذا ما يتفق عليه الساسة والمراقبون والباحثون في الدنيا.

    وعقدة قضية القدس هو وضع بيت الله المقدس (المسجد الأقصى عندنا وفي التاريخ النبوي كله - الهيكل المزعوم عند اليهود والأصوليين المستندين إلى النبوءات الكتابية).

    إن النبوءات الكتابية تربط بوضوح بين مستقبل من الجلال والبهاء والعظمة لبيت الله وقبلته الجديدة، وبين الأمة المقدسة المختارة التي تعبد الله فيه، فحيثما وجدنا ذلك البيت وجدنا تلك الأمة الموعودة بأن يكثرها الله، ويمكنها في الأرض، ويظهر دينها على كل الأديان، ويسلطها على ممالك الكفر إلى الأبد.

    وحين نجد تلك الأمة نجد قبلتها وأعظم معالمها هو بيت الله ذو المجد والبهاء والتقديس، الذي لا يحظى به أي معبد آخر في الوجود.

    هذا التلازم بين الأمة والبيت، لم يكن في يوم من الأيام أكثر منه إلحاحاً ووضوحاً في هذا العصر، والسبب ويا للعجب هم: الأصوليون الصهيونية !

    فالمسلمون -مع غفلتهم عن كثير من خصائصهم ونعم الله عليهم ومنها هذا البيت واستقباله- لا يرون العلاقة بين مكة والقدس علاقة تضاد ولا تنافس، بل هي نفس العلاقة بين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وموسى وعيسى عليهما السلام، علاقة المحبة والأخوة والغاية الواحدة، وإن اختلفت مراتب الفضل بين الرسل وبين المساجد!!

    أما الأصوليون الصهيونية فالقضية عندهم حاسمة قاطعة:

    القدس هي مدينة الله، والهيكل هو بيت الله المذكور في النبوءات، ولا خيار ولا تفكير، بل لا وجود لآخر!!

    وهكذا وضعوا أنفسهم في موقف بالغ الخطورة في محكمة الحقيقة التي لا تحابي أحداً، فإما أن يصح ما قالوا، وإما أن يكونوا أكذب الناس وأجدرهم بالعقوبة الرادعة ولا مناص ...

    ومن هنا كان لابد من الحديث الموجز عن المسجد الأقصى، وعلاقته بالمسجد الحرام، والكشف عن البراهين من كتب أهل الكتاب، ومن الواقع الذي يراه كل إنسان في العالم كله على بطلان دعوى هؤلاء، وأن النبوءات كلها عليهم لا لهم.

    إن قصة المسجد الأقصى طويلة جداً لكن أهم معالمها هو:

    1- ثاني مسجد بني في الأرض بعد المسجد الحرام، بنص الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: {قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة } .

    2- بعد أن جدد إبراهيم -عليه السلام-[10] البيت الحرام جدد يعقوب عليه السلام المسجد الأقصى كما ورد في بعض الآثار.

    3- دخله قوم موسى -عليه السلام- بعد التيه حين جاهدوا الكفار فنصرهم الله ودخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم -كما في سورة المائدة- وعبدوه وحده لا شريك له.[11]

    4- بلغ أوج عظمته في البناء حين أعطى الله تعالى سليمان عليه السلام الملك العظيم، فسخر البنائين من الجن والإنس لبنائه، ليكون بيتاً لعبادة الله وحده، وسأل ربه تعالى أنه {أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد، أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه }

    5 - سماه اليهود "الهيكل" وهي تسمية وثنية معروفة، مع أن التوراة تسميه بيت الرب في مواضع كثيرة جداً، وليس الإشكال في مجرد الاسم بل حرفوا وابتدعوا حتى صار دينهم كـالوثنية . والتوراة في مواضع كثيرة تسجل عليهم أنهم عبدوا بعلاً وتموز ومناة وغيرها من الأصنام.

    6 - تعرض لهجمات عدائية وأحداث كبرى سيأتي بعضها في فقرة تالية.

    7 - أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه قبل الهجرة.

    8 - افتتح المسلمون بيت المقدس ، ودخله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

    9 - استولى عليه اليهود سنة (1387 هـ - 1967م) وأرادوا محوه من الوجود ولا يزالون.

    وأخطر حدث يمكن أن يقع في المرحلة اللاحقة هو حرقه، أو نسفه، أو طمس معالمه وتحويله إلى جزء من بناء مقترح يخطط اليهود لإقامته.

    10 - يزعم اليهود أن هيكل سليمان تحته أو حواليه، وقد نبشوا الأرض وجعلوها سراديب، وحللوا مئات الأطنان من الآثار المطمورة فما رأوا للهيكل المزعوم من عين، ولا وقعوا له على أثر!!

    إنها آية من آيات الله، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أن يبقى بيت الله الأول، الذي رفع قواعده إبراهيم عليه السلام ظاهراً معموراً محفوظاً مقدساً ما يزيد على أربعة آلاف سنة بل أكثر، فقد حج إليه الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام، وكان مصوناً مقصوداً زمن عاد وثمود، وفي الوقت نفسه تندثر هياكل بابل ونينوى وأورشليم ، وتماثيل قوم نوح وأصنام عاد وثمود! وقرون بين ذلك كثير.. وأن يُسقط أهل الكتاب أنفسهم في الحفرة نفسها، مع أنهم يَدَّعون الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، فهم ينقبون ملفات التاريخ المأثور والمطمور، والنهاية إما: ألا يجدوا شيئاً، وإما أن يجدوا ما يشهد لدين الله لا لدينهم.

    إن كل ما أوتيته أمريكا وإسرائيل من زينة الحياة الدنيا لا يسلِّيهم من غمِّ الحسرة، ولا يبل جمرة الحسد الذي يأكل قلوبهم حين يرون هذه الأمة الأمية تملك ناصية الحقيقة، وتتقلب في نعيم النور.

    هؤلاء البائسون يحفرون في تركية ، وشمال العراق ، وجنوب مصر وفي كل مكان، فلا يجدون إلا بواصل تشير باستمرار إلى منبع الحضارة الإنسانية، ومركز القيادة العالمية "جزيرة الأمة الأمية".

    هذا شأنهم منذ قرون، ومئات الملايين من الجنيهات والدولارات ينفقون؛ لتنطق الشواهد كلها عليهم! فهل رأيت من يستأجر محامياً لإثبات دعوى خصمه؟! إنها حكمة الله!!

    نحن المسلمون تشهد لنا نصوص الكتب المقدسة، وتخدمنا حقائق التاريخ، ويُسَخَّر أعداؤنا للشهادة لنا! لماذا؟.

    لأننا نؤمن برسل الله جميعاً، ونقدس كل ما قدس الله بلا عنصرية ولا هوى، وموقفنا واضح كالشمس: فالمسجد الحرام هو المسجد الحرام، سواءً حين بناه آدم، وحين بناه إبراهيم، وحين بنته قريش -على شركها وجاهليتها- وحين بناه المسلمون، ومتى أعيد بناؤه -كله أو بعضه- إلى قيام الساعة.

    وكذلك المسجد الأقصى -عندنا- هو المسجد الأقصى، حين بُنِي أول مرة، وحين بناه سليمان عليه السلام، وحين صلى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحين بناه المسلمون بعد، ومتى أعيد بناؤه إلى قيام الساعة.

    ونحن نعتقد صحة ما جاء في سفر الملوك من قول الله لسليمان عليه السلام بعد بناء المسجد وهو: 'قدستُ هذا البيت الذي بنيته، لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد'.

    فهذا حق ولا زلنا - ولله الحمد - نقدس هذا البيت، ونعبد الله فيه.

    أما اليهود الذين أبوا إلا العنصرية والتلبيس - فعن أي شيء يبحثون؟!

    إن كانوا يريدون المكان المقدس عند الله؛ فها هو ذا قائم ظاهر فليعبدوا الله فيه كما شرع على لسان خاتم رسله وأنبيائه، ومجدد ملة إبراهيم عليه السلام.، وماذا عليهم لو أسلموا فاهتدوا إلى الحق وعرفوا الحقيقة؟!

    وإن كانوا يريدون البناء -مجرد البناء- فما قيمة الحجارة في ذاتها إذا كان ما يتعلق بها من الشعائر منسوخاً أو باطلاً لا يقبله الله؟!

    ولو قدرنا أن هذا البحث استمر إلى قيام الساعة، ولم يعثروا على شيء ذي بال فما النتيجة؟

    إنها -بلا ريب- تكذيب وعد الله لسليمان عليه السلام ببقائه مقدساً إلى الأبد!

    فلماذا التعامي عن حقيقة شرعية دينية، وحقيقة تاريخية واقعية؟

    إنه برسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدها تطابق حكم الله الشرعي مع حكمه الكوني القدري، فالمسجد المقدس ديناً وشرعاً يقدس على أرض الواقع حساً مشاهداً.

    أما الترتيب في الفضل والقداسة فمسألة أخرى، ولها حكم عظيمة أعظم بكثير من وجود الهيكل أو عدمه.

    حينما كانت النبوة في ذرية إبراهيم عليه السلام كان المسجد الأقصى محور الأحداث، ومسجد الأنبياء من ذرية إسحاق، ولما أراد الله نـزع النبوة والكتاب منهم، وجعلها في فرع إسماعيل اقتضت حكمته أن يولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البلد الحرام نفسه، حيث تعلم العرب قاطبة أنه من ذرية إسماعيل، وأن يولد في العام الذي صد الله أصحاب الفيل النصارى عن بيته الحرام!

    فأهل الكتاب لـمَّا لم يجدوا بيتهم المزعوم، وعجزوا عن تسخير القلوب للبيوت البديلة في روما وصنعاء ، سعوا إلى هدم بيت الله نفسه، وسيظلون يسعون حتى يهدموه بين يدي الساعة!!

    وشهد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بناء البيت قبل النبوة، ثم بعد بعثته حين أراد ربه الكريم أن يفرض عليه أعظم شعائر الإسلام العملية (الصلوات الخمس) أسري به أولاً إلى المسجد الأقصى -وفي ذلك من العلاقة والرابطة ما فيه- وهناك صلى بالأنبياء الكرام، ومن هناك عرج به إلى السماء، وظل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلى المسجد الأقصى مع تشوقه إلى أن يصلي إلى الكعبة، وكان الأمر في مكة له مخرج بأن يجعل الكعبة بينه وبين القبلة، وتعذر ذلك حين هاجر إلى المدينة ، وظل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستقبل المسجد الأقصى بضعة عشر شهراً، لحكمة جليلة لو كان أهل الكتاب يعقلون! فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه لا ما ترغبه نفسه، كما أن في استقباله للمسجد الأقصى ما ينطق بنبوته وتعظيمه للأنبياء، وأنه على سنتهم ومنهاجهم، ثم جاءه الأمر من ربه بالتحول فتحول إلى بيت الله الأول ومقام أبيه إبراهيم، فكان ذلك تمحيصاً للإيمان، واختياراً لهذه الأمة الوسط، وحكماً أبدياً على من لم يستقبل القبلة الجديدة ببطلان دينه، ورد عبادته، وحرمانه من اتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وشهادة عظيمة على أن كفر أهل الكتاب إنما هو عن حسد وبغي مع معرفةٍ واستيقانٍ للحق.

    وهكذا جاءت آيات القبلة في كتاب الله المحفوظ في سورة البقرة من (142-150) ومنها قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:144] وقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[البقرة:146] بل نجد السياق يمهد لذلك من أول السورة؛ ولاسيما من قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ... )[البقرة:124]، حيث نص على إسلام إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وأمر هذه الأمة بالإيمان بما أنـزل إليهم، وأبطل قول أهل الكتاب بأنهم كانوا هوداً أو نصارى..!!

    آية كالشمس أن يضل اليهود والنصارى عن دين إبراهيم عليه السلام وقبلته ومسجده المحجوج المعمور الذي لا نظير لـه في الدنيا كلها، فلو أن كنيساً لليهود اجتمع فيه مرة واحدة في السنة مثلما يجتمع في هذا المسجد الحرام من المصلين في فريضة واحدة من الصلوات الخمس اليومية؛ لجعلوه حادثاً تاريخياً!! ثم هم يبحثون وينقبون عما لا وجود لـه إلا في مخيلتهم التي أفسدتها الوثنيات منذ القدم.

    وإذا جادل أهل الكتاب، وعميت أبصارهم عن هذه الآيات الباهرات، فلن يستطيعوا أن يكابروا فيما هو مسطور في نفس كتابهم المقدس عن مكة والقبلة الجديدة، فلنذكر طرفاً من ذلك ليعلم الأمريكان واليهود ومن وراءهم أنه لا حَظَّ لهم في الإيمان، ولا في ميراث الأنبياء إلا الدعاوى والأماني، وأن الجري وراء سراب الأرض الموعودة والهيكل لن يثمر لهم إلا البعد عن الصراط المستقيم، والدخول في التيه الذي لا مخرج فيه.

    فها هي ذي بعض صفات بيت الله الكعبة، وبلده الحرام مكة من كتابهم المقدس، نورد أكثرها بالنص الحرفي وبعضها بالمعنى اختصاراً:

    1- أورشليم الجديدة أورشليم المسيحية ...(بالشين أي الخلاصية التي في عهد المشيح أي المخلّص الموعود) .

    2 - في برية أو جبال فاران التي عاش فيها إسماعيل وأمه، وأنبع الله لهم الماء فيها.

    3 - المدينة التي كان إبراهيم يتطلع إليها بشوق.

    4 - سكانها بنو قيدار. (ذرية إسماعيل).

    5 - هي بلد الأمين الصادق: رئيس الخليقة.

    6 - ليس فيها هيكل.

    7 - هيكل سليمان في كل عظمته لا يعتبر شيئاً بالنسبة للبيت الجديد.

    8 - البيت الجديد شكله مكعب.

    9 - المكعَّبة فيها حجر كريم.

    10 - تتـزين بالإكليل والحلي كالعروس.

    11 - يهابها كل من يناوئها ولا يدنو منها الرعب.

    12 - عند الكعبة نبع ماء الحياة مجاناً فيه شفاء (زمزم).

    13 - تفتح أبوابها ليلاً ونهاراً لا تغلق.

    14 - تجثو عندها كل ركبة في الكون.

    15 - تكون هناك سكة وطريق يقال لها: الطريق المقدسة لا يعبر فيها نجس.

    16 - لا يدخلها شيء نجس.

    17 - أبناؤها أكثر من أبناء القدس .

    18 - تضيق بسكانها والداعين فيها.

    19 - يسجد الملوك أمامها ويلحسون غبارها!!

    20 - تزول الجبال والآكام ولا يـزول إحسان الله وسلامه عنها.

    21 - تتحول إليها ثروة البحر، ويأتي إليها غنى الأمم.

    22 - يجتمع إليها الناس ويأتون من بعيد.

    23 - تضيق أرضها عن الإبل والغنم القادمة من الغرب والشرق: سبأ ومدين وفاران وقيدار، ويخدمها رجال مأرب .

    24 - لها جبل مبارك تسير إليه الأمم ليعبدوا الله فيه (عرفة ).

    25 - الكل عند البيت سواء في حرية التقرب إلى الله.

    26 - مكتوب اسم الله على جباه أهلها!! سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].

    27 - يمتنع العباد حول البيت عن ما يصدر عن الطبيعة (البول والغائط).

    28 - يكون رأس الرجل عارياً، والمرأة تغطي رأسها، ويلبسون من الحقوين إلى الفخذين، ويجزون شعر رأسهم جزاً (الإحرام والتحلل)[12]

    لقد حار مفسرو التوراة بشأن هذه المدينة؛ لأنهم لا يريدون الإقرار بالحقيقة.

    صفات جليلة كالشمس؛ ولكن مفسري "البايبل" تعاموا عنها وتخبطوا في تفسيرات متناقضة!

    فتارة يزعمون أن هذه الأوصاف لمدينة سماوية، وتارة يزعمون أنها أورشليم رمزية، وتارة يزعمون أنها أورشليم الكاملة المشيحية، أي: التي ستكون في العهد الألفي السعيد!!

    ولم يعلموا أنهم بهذه التفسيرات قد شهدوا على أنفسهم أنها ليست هي أورشليم القدس المعروفة، وأن أهلها ليسوا بني إسرائيل هؤلاء، وهكذا أشرق الصبح لذي عينين -ولله الحمد- وأظهر الله الحقيقة ولو كره الحاسدون.

    ومَن شك في هذا من مثقفي الغرب فما عليه إلا أن يشاهد النقل الحي لشعائر التراويح، أو الحج على الفضائيات، ويقارن بين ما يقرأ من الصفات وما يرى بأم عينه؛ ليعلم لماذا خاطب الله علماء ملته بقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71].

    ويتذكر قول المسيح للمرأة السامرية حين سألته: أي قبلتي بني إسرائيل أفضل؟ 'صدقيني أيتها المرأة تأتي ساعة فيها تعبدون الرب لا في هذا الجبل (في السامرة ) ولا في أورشليم ' .

    وإذا ثبت هذا فالأمانة العلمية وحرية البحث توجب أن يعيد النظر في كل النبوءات، ويشك في كل التفسيرات، ولن يجد حينئذٍ أي صعوبة في التمييز بين الأمة المصطفاة الموعودة بنصر الله، وبين الأمة الملعونة التي تقيم رجسة الخراب على أرض الأنبياء، وليعلم أن هذا مثال واحد فقط! ولو عرضنا عليه نبوءات أخرى لكانت النتيجة نفسها (ولكن توفيراً لوقتنا ووقته سوف نقدم لـه المفاتيح الأساس لحل رموز النبوءات كلها، من خلال هذه الهدية التي نرجو أن يحملها إلى أقرب "ربِّي" أو "قسيس").

    هدية إلى أهل الكتاب
    يا أهل الكتاب! حتى متى إضاعة الأعمار وتبديد الجهود في تفسير نبوءات كتابكم؟! وإلى متى تظلون غارقين في تفكيك الرموز وحل المعادلات؟ ويناقض بعضكم بعضاً في التأويلات؛ بل يتناقض المفسر الواحد منكم في الصفحة الواحدة أو الكتاب الواحد؟ والعملية كلها أسهل من حل الكلمات المتقاطعة في مسابقة للأطفال؟!

    قد كتبتم عن النبوءات -ولا زلتم- ما لو جمعت مجلداته وفرشت بها أرض فلسطين لملأتها! فلماذا لا تختصرونه في مجلد واحد غير متناقض؟! ونحن نقدم لكم مجاناً مفاتيح الحل فتأملوا:

    1- أورشليم الجديدة = مكة .

    2 - الأمين الصادق = رئيس الخليقة = رئيس القديسين = الفارقليط = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    3 - ابن الإنسان الآتي في آخر الزمان = ابن الرجل نبي آخر الزمان = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن المسيح عليه السلام هو ابن المرأة، وهو يخبر عن الرسول العظيم الآتي من بعده بأنه ابن الرجل، ولا يستقيم كون عيسى: ابن الرجل مع حاله، ولا مع عقيدتهم، فهم يعتقدون أنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- .

    4 - المسيح = المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، وأخو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرسالة، وأولى الأنبياء به.

    5 - المسيح الدجال = المسيح الدجال.

    6 - الوحش = الصهيونية بوجهيها اليهودي والأصولي.

    7 - النبي الكذاب = بولس والبابوات من بعده، وكل من يدَّعي أنه المسيح أو أن المسيح حلّ فيه أو أوحى إليه.

    8 - جوج = يأجوج ومأجوج.

    9 - القرن الصغير = رجسة الخراب = دولة إسرائيل.

    10- بابل الجديدة = الحضارة الغربية المعاصرة عامة والأمريكية خاصة.

    11 - الامبراطورية الرومانية الجديدة = الولايات المتحدة .

    ينبغي لمن يريد الحق منكم ويبحث عن الإيمان الصحيح والدين الذي يقبله الله أن يعيد قراءة الكتاب المقدس وفقاً لهذه المفاتيح المجانية، ويقارن عمله بما في أي كتاب للأصوليين والشراح - قديماً وحديثاً - ثم يرى النتيجة بنفسه، مع وضع هامش احتياطي للخطأ سببه التحريف الواقع في الكتاب المقدس منذ القدم!



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  8. #8


    هدية إلى أهل الكتاب


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: شهادة قطعية

    يا أهل الكتاب! حتى متى إضاعة الأعمار وتبديد الجهود في تفسير نبوءات كتابكم؟! وإلى متى تظلون غارقين في تفكيك الرموز وحل المعادلات؟ ويناقض بعضكم بعضاً في التأويلات؛ بل يتناقض المفسر الواحد منكم في الصفحة الواحدة أو الكتاب الواحد؟ والعملية كلها أسهل من حل الكلمات المتقاطعة في مسابقة للأطفال؟!

    قد كتبتم عن النبوءات -ولا زلتم- ما لو جمعت مجلداته وفرشت بها أرض فلسطين لملأتها! فلماذا لا تختصرونه في مجلد واحد غير متناقض؟! ونحن نقدم لكم مجاناً مفاتيح الحل فتأملوا:

    1- أورشليم الجديدة = مكة .

    2 - الأمين الصادق = رئيس الخليقة = رئيس القديسين = الفارقليط = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    3 - ابن الإنسان الآتي في آخر الزمان = ابن الرجل نبي آخر الزمان = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن المسيح عليه السلام هو ابن المرأة، وهو يخبر عن الرسول العظيم الآتي من بعده بأنه ابن الرجل، ولا يستقيم كون عيسى: ابن الرجل مع حاله، ولا مع عقيدتهم، فهم يعتقدون أنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- .

    4 - المسيح = المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، وأخو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرسالة، وأولى الأنبياء به.

    5 - المسيح الدجال = المسيح الدجال.

    6 - الوحش = الصهيونية بوجهيها اليهودي والأصولي.

    7 - النبي الكذاب = بولس والبابوات من بعده، وكل من يدَّعي أنه المسيح أو أن المسيح حلّ فيه أو أوحى إليه.

    8 - جوج = يأجوج ومأجوج.

    9 - القرن الصغير = رجسة الخراب = دولة إسرائيل.

    10- بابل الجديدة = الحضارة الغربية المعاصرة عامة والأمريكية خاصة.

    11 - الامبراطورية الرومانية الجديدة = الولايات المتحدة .

    ينبغي لمن يريد الحق منكم ويبحث عن الإيمان الصحيح والدين الذي يقبله الله أن يعيد قراءة الكتاب المقدس وفقاً لهذه المفاتيح المجانية، ويقارن عمله بما في أي كتاب للأصوليين والشراح - قديماً وحديثاً - ثم يرى النتيجة بنفسه، مع وضع هامش احتياطي للخطأ سببه التحريف الواقع في الكتاب المقدس منذ القدم!



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  9. #9


    عودة اليهود والفجوة الكبرى


    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي


    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟



    إن قارئ أسفار التوراة -لاسيما أنبياء عهد السبي وما بعده - يجد بوضوح تام أنها تشتمل على نبوءات عن اليهود في آخر الزمان، وأن لهم بقية يكون لها اجتماع ومملكة أخرى في فلسطين ، وأن الله سوف يسلط عليهم غضبه بواسطة أمة قديرة تجتمع عليهم من أطراف الأرض.

    ولكن قارئ الشروح والتفاسير سوف يحار ويتيه؛ لكثرة الاختلاف والتناقض بينها في تأويل هذه النبوءات وتنـزيلها على الواقع، وهو ما يتـزايد مع الزمن بظهور فرق جديدة وآراء جديدة.

    لكننا نستطيع مساعدة القارئ بالقول: إن جملة هذه الآراء تنحو طريقتين:

    1 - أن تكون تلك النبوءات قد حدثت فعلاً، وهو رأي قديم، فاليهود في كل عصر ينـزلون تلك النبوءات عليه ترقباً للخلاص، وهذا يشبه الدول التي قامت في التاريخ الإسلامي باسم المهدي المنتظر، كدولة بني عبيد، ودولة الموحدين وغيرها، فآمن بها أناس -ولا يزال لها أتباع- وكما في إنجيل (متّى) الذي يجعل واضعه النبوءات في المجيء الأول للمسيح؛ وبهذا تأثر الكاثوليك فمال أكثرهم إلى هذا الرأي.

    وهذا الرأي هو الأساس الذي بنى عليه رواد مدرسة النقد التاريخي للكتاب المقدس في عصر التنوير عملهم، حتى تطرف بعضهم فـزعموا أن كلام الأنبياء إنما هو تاريخ للماضي لا حديث عن المستقبل، فهم إذن مجرد أخباريين نقلة، وليسوا أنبياء!!

    وهذا الاتجاه مناقض لتلك النبوءات نصاً وروحاً، إذ كيف يقول الله لنبي: 'قم وتنبأ على إسرائيل أو على مصر ، أو على أدوم'.

    ويكون ذلك قد وقع فعلاً من قبل؟

    وما من دليل على تأخر عصر الأنبياء عن الأحداث التي ذكروا إلا مجرد التخمين؛ بل المجازفة.

    ولهذا لا نجد مشقة في رد هذا الرأي من أصله، لاسيما وقد أصبح التاريخ مكشوفاً لنا أكثر من ذي قبل بكثير، ولم يعد لمنهج الرد بالجملة من مبرر.

    2 - أن هذه النبوءات - على ظاهرها - حديث عن المستقبل، وهو الاحتمال المنطقي الصحيح، لاسيما وأن تنـزيلها على المجيء الأول للمسيح غير معقول عقلاً وواقعاً، فهي تتحدث عن دولة وممالك وحروب..، مما لم يكن قط في عصر المسيح، ولهذا فإن أكثر الشُّرَّاح من اليهود والنصارى -وخاصة في القرون الأخيرة- ينـزلون مثل هذه النبوءات على العهد الخلاصي، أو "المشيحي" (بالشين) -كما يسمونه- أي: أحداث آخر الزمان بين يدي الدينونة الكبرى أو معها، والعهد الخلاصي منوط عند النصارى بالمجيء الثاني للمسيح، في حين يعتقد اليهود أنه منوط بالملك من نسل داود المسمى عندهم "ملك السلام".

    ومعنى ذلك أن كلا الطرفين هنا؛ بل كِلاَ الطريقين في دراسة النبوءات يتفقان على أنه منذ عصر المسيح عليه السلام أو بعده بقليل، لا يوجد شيء من أحداث التاريخ تنطبق عليه النبوءات، وسيظل الأمر كذلك إلى أحداث الساعة الكبرى، وهذا بلا شك افتراض جائر لا يسوغه إلا سبب عظيم جداً!!

    إذن فلا بد أن هناك أمراً ما يتعمد هؤلاء تحاشيه بالهرب من إنـزال هذه النبوءات على المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح، فما هو هذا الأمر؟

    ولماذا هذا الإصرار على ترك تلك الفجوة مفتوحة لتـزداد اتساعاً بمرور الزمن؟!

    فربما بلغت الآلاف من السنين والعلم عند الله تعالى وحده.

    لا شك أن هذا لم يأت صدفة، ولكنهم وجدوا أن أعظم حدث تاريخي في هذه المرحلة هو بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظهور دينه على الأديان كلها، ولم يكن أمامهم سوى أحد احتمالين: -

    1- إما أن يؤمنوا بما جاء عنه من البشارات التي تضمنتها نبوءات الأنبياء، أو على الأقل بما ينطبق على أمته منها، وهذا فيه إيمان به، أو إقرار بأن بعض النبوءات قد جاء عنه، وهذا يجر بتسلسل منطقي إلى ما بعده، وفي النهاية يمكن بسهولة ووضوح وضع اللبنات المفقودة في بناء النبوءات، وإذا بالبناء كله صورة ناطقة بشهادة الحق للإسلام ودولته وحضارته!!

    وهذا السبيل قليل من سلكه من شرَّاح أهل الكتاب؛ لأن الواقع أن من سلكه قد انتظم في سلك هذه الأمة المختارة، وهم أخرجوه أن يكون منهم!!

    2 - وإما أن يضربوا صفحاً عن كل ما يتعلق بهذا الدين، ويكتموه كتماً يدهش لـه كل ناظر، وهذا ما اختاروه إلا قليلاً منهم.

    ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كفارهم الأولين خير منهم -وأعني بهم باحثي العصور الوسطى- فإنهم لم يستطيعوا تجاوز تلك المرحلة، لكنهم اختلفوا طوائف:

    1- فمنهم من وجد أنه لا مناص من الإقرار بنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن بعثته وملك أمته هو أعظم حدث في التاريخ العالمي كله، فلا يعقل أبداً أن تأتي النبوءات عن أحداث محلية لعشيرة صغيرة -كبني إسرائيل- وتتجاهل الحدث الأكبر الذي يتمثل في تقويض الامبراطوريات الوثنية العالمية، وقيام مملكة موحدة تعبد الله، وتقدس جميع رسله على أنقاضها! وهي المملكة التي بسطت نفوذها ونشرت العدل والطمأنينة على الدين والنفس والمال في معظم المعمورة، وهؤلاء تعارضت عندهم هذه الحقيقة الصارخة مع تعصبهم الأعمى لدينهم، فرأوا أن المخرج من ذلك هو الادعاء بأنهم غير مخاطبين بشريعة الإسلام، وأن الإسلام دين خاص بالعرب، ومن أشهر هؤلاء: "بولس الراهب " الذي رد عليه شَيْخ الإِسْلامِ في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح .

    2- ومنهم من كبر عليه إثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فـزعم أنه ملك من الملوك كما كان بختنصر وسنحاريب ، وأن ملك أمته هو امتداد لتلك الامبراطوريات الوثنية . وهؤلاء في الحقيقة لا للنبوءات اتبعوا، ولا بالإسلام آمنوا، ولا لبني دينهم نفعوا، فكانوا أقل ممن سبقهم عدداً وأثراً!

    3 - ومنهم من غلا وطغى وعكس الحقيقة، وجعل الليل نهاراً والنهار ليلاً، فـزعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الدجال أو النبي الكذاب أو الوحش المذكور في النبوءات، وأن المحاربين لـه ولأمته هم القديسون الأطهار، والملائكة الأبرار، وعلى هذا التأويل الفاحش اعتمد دعاة الحملات الصليبية من البابوات والرهبان في تأجيج حماس الجماهير الغبية وسوقها إلى بلاد الإسلام. [13]

    إن النتائج السلبية الواضحة لهذه الآراء الثلاثة جعلت خيار الصمت والتجاهل هو المفضل لدى أكثر الباحثين؛ لاسيما المتسترين بالموضوعية العلمية!!

    وهذه الآراء القديمة كادت أن تختفي في خضم الصراع العنيف في العصر الحديث بين الكنيسة والعلم من جهة، وبين الطوائف النصرانية نفسها من جهة أخرى، وصادف ذلك خضوع المسلمين -شبه الكامل- للغرب، وخروج اليهود من أحيائهم الخاصة (الجيتو) وجريهم وراء الذهب والربا والاحتكار متناسين أرض الميعاد وعهد الخلاص.

    ولكنَّ ولادة الحركة الصهيونية أعادت هذه القضايا إلى ساحة الإيمان الديني والجدل الفكري.

    والعجيب أن الحركة الصهيونية لم تولد يهودية ؛ بل هي نصرانية الأصل والمنشأ، والداعون لها من اليهود جاءوا تبعاً، وكانوا من العلمانيين، ولا تخطئ العين رؤية المزارع الصهيونية "كـيبوتـز " نموذجاً للتطبيق الاشتراكي، ولا يحتاج الباحث إلى دليل ليقول: إن كثيراً من اليهود يرون في قيام هذه الدولة تجاوزاً لأحكام الله ونذيراً بهلاك اليهود. فالحركة الصهيونية النصرانية المتمثلة في الأصولية السالف ذكرها هي التي أعادت المعركة جذعة، وهي التي روجت - ولا تزال - للتأويلات الباطلة للنبوءات، وهي التي اعتبرت قيام الدولة اليهودية مقدمة لنـزول المسيح، وابتهجت بفشل مشروع السلام وقيام الانتفاضة الأخيرة..

    إن هؤلاء هم الذين أظهروا بصورة عملية جلية عمق تلك الفجوة التاريخية، وريبة ذلك الصمت أو التجاهل، ومن ثم جرُّوا سائر بني ملتهم جراً إلى الخوض فيها بعد أن كانت خطراً ممنوع الاقتراب!!

    وهكذا وقع الفكر العالمي عامة، والدراسات المستقبلية خاصة في فوضى صاخبة، وأزمة عنيفة سببها المفارقة والتصادم بين التسليم بأن كل نبوءات الخلاص والعدل والسلام والأمة التي يتخذها الله أداة لانتقامه، ويسلطها على قوى الكفر والظلام والفساد لن تتحقق إلا في نهاية الزمان وعلى يد المسيح عليه السلام، وبين الرفض العقلي المطلق لدعوى أن قيام دولة إسرائيل وحلول الألفية هو بداية نهاية الزمان، وأن ذلك المستقبل البعيد هو هذا الحاضر المشهود؛ والسبب في هذا هو الفكر الكتابي المتناقض الذي فتحت طائفة من أهله الفجوة التاريخية الكبرى، وجاءت أخرى لتسدها بكل ما هو لا عقلي ولا منطقي!!

    وهكذا ضاع الحق عند أهل الكتاب بين تجاهل مقصود وتحريف متعمد، وصدق الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] .

    وليس قلب الحقائق هو جريمة أهل الكتاب هؤلاء فحسب، بل إن قطع الرجاء لدى البشرية بالخلاص، وإفقادها الأمل في انتصار الحق والخير والسلام هو جريمة أخرى يجب أن يتفق على إنكارها العقلاء من كل ملة!!

    إذ من البدهي أن عقلاء العالم -ومنهم عقلاء أمريكا نفسها- لن يؤمنوا قط بالمستقبل كما يرسمه هؤلاء، وإذن! فأين الخلاص والرجاء..؟!

    أين حكمة الخالق العظيم ورحمته وعدله التي نطقت بها الكتب، ودلت عليها الفطر، واستدلت عليها العقول، وشهد لها الواقع التاريخي الطويل..؟!

    أتكون هذه هي النهاية المحزنة أو المعتمة للجنس الذي كرمه الله على سائر المخلوقات..؟

    إن هذا غير ممكن أبداً، لأنه لا يمكن إثبات الحقيقة وتنوير البشر إلا الباحث المسلم وحده، فهو الذي يمتلك النقل الصحيح والعقل الصريح معاً؛ لأنه لا يتمسك بالعدل أو الحياد العلمي خوفاً من النقاد، بل تقوى لله واستجابة لأمره، لذلك كله ندعو المسلمين إلى القيام بواجبهم في هذا الشأن، ونرجو أن يكون فيما نُسطره هنا ذكرى لهم وتنبيه لمحبي الخير والعدل من كل ملة وأمة؛ ولاسيما أهل الكتاب الذين نأمل أن تعيد طائفة منهم النظر في النبوءات على ضوء القراءة التي سنقدمها لهم .



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

  10. #10


    نبوءة دانيال العظمى

    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

    من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟

    دانيال عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، له سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب يتميز عن أكثر الأسفار بأمور، وإن كان يشاركها في المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل، ومن ميزاته:-

    1 - وضوح عقيدة التوحيد، فهو يُسمي الله تعالى بـ"إله السموات" خلافاً لتلك الأسفار التي تسميه "رب القوات" -وهي تسمية يهودية تكشف عن النظرة اليهودية لله وللناس- وهو يصف الله بما لا نظير لـه في غيره، فهو الحي القيوم الذي لـه الحكمة والجبروت والعلم والتدبير والقدرة، وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار والمستحق وحده للسجود والعبادة، وأن السحر والكهانة والتنجيم باطل... إلخ.

    2- تطابق ما فيه من النبوءات مع الواقع المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ؛ بحيث لا يشك فيها إلا مغرض.

    3- اشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية.

    4- اشتمال نبوءته على أرقام محددة ظلت مدار بحث وجدل طوال التاريخ.

    أما دانيال نفسه فهو أشبه الأنبياء بيوسف عليه السلام، إذ هو غريب مضطهد، لكن الله رفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك، وهو داعية توحيد لا تثنيه الفتن عن ذلك.

    وله في الإسلام حادثة مشهورة رواها ابن إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا وغيرهم، عن التابعين الذين شهدوا فتح "تستر " -ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك - وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش الإسلامي الفاتح وجدوا دانيال وهو ميت على سرير لم يتغير منه شيء إلا شعيرات من قفاه، وعند رأسه مصحف، فأخذوا المصحف فحملوه إلى عمر رضي الله عنه، فدعا لـه كعب الأحبار فنسخه بالعربية، قال أبو العالية : ' فأنا أول رجل قرأه، قال الراوي عنه: فقلت لـأبي العالية : ما كان فيه؟ قال: سيرتكم، وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد!' [14]

    فالنص إذن مترجم إلى العربية، وعلى يد الماهر الخبير كعب الأحبار ، وقرأه من قرأه، فلا يستبعد أن يكون علماء الإسلام المؤلفون في البشارة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكتب السابقة كـابن قتيبة ، وابن ظفر قد اطلعوا عليه، وإن لم يكن الأمر كذلك، وكان مصدرهم نسخ التوراة في عصرهم فهو أبلغ وأقوى. فهم غير متهمين في نقلهم، وأهل الكتاب المعاصرون لهم لم يكذِّبوهم فيه!!

    بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شَيْخ الإِسْلامِ في الجواب الصحيح :

    'وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرأونها ويقولون: لم يظهر صاحبها بعد!'

    ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد على ما ننقله عن العلماء المسلمين؛ بل على ما هو موجود بين أيدي أهل الكتاب اليوم.

    نبوءة دانيال العظمى
    رأى الملك نبوخذ نصر أو "بختنصر " رؤيا أزعجته، استدعى السحرة والعرافين لبيانها وتأويلها فعجزوا كلهم، ولكن دانيال تضرع إلى الله تعالى، فألهمه الرؤيا وتفسيرها، ولما دخل على الملك، قال له: 'السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون أن يبينوه للملك، لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرَّف [الإلـهُ] الملكَ ما يكون في الأيام الأخيرة -وشرح ذلك قائلاً: أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم.

    هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف، كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان، أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها، هذا هو الحلم، فنخبر بتعبيره قدام الملك: -

    أنت أيها الملك ملك ملوك، لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها، فأنت هذا الرأس من ذهب، وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء.

    وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف، وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب.

    الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين.

    حينئذ خرَّ بختنصر على وجهه وسجد "لـدانيال" وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال: حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر'.

    هذا نص الرؤيا التي توصف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف؛ لأن النبي نفسه قد أوّلها، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق، فقد أقروا بهذه الرؤيا وتأويلها قروناً، دون أن يدخلهم ريب في أنها على ظاهرها، وأن المملكة الأولى (الرأس الذهبي) هي مملكة بابل ، وأن المملكة الثانية (الصدر الفضي) هي مملكة فارس ، التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر ، وأن المملكة الثالثة (الفخذ من النحاس) هي مملكة اليونان الذين اجتاحوا مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة (333 ق.م) وأن المملكة الرابعة (الرجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الامبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها بيزنطة = القسطنطينية ، وغربية عاصمتها روما .

    لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقاً، بل كانوا جميعاً - لشدة إيمانهم به - ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله)، التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم، فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القدس سنة (70م) ونصبت الأصنام في المسجد، كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قلَّ نظيرها في التاريخ، وليس نيرون الطاغية المشهور إلا واحداً منهم، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفة، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.

    الممالك الخمس الواردة في نبوءة دانيال التي عبَّر فيها رؤيا بختنصر وقد ذكرنا ما قبلها للإيضاح.[15]

    الدولة:

    الدولة الإسلامية التي حكمت بكتاب الله "التوراة".

    أهم ملوكها:

    داود عليه السلام حكم من (1013-973 ق.م).

    سليمان عليه السلام حكم من(973-933 ق.م).

    ثم انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى مملكة يهوذا وإسرائيل.

    موقعها من الرؤية

    قبل دانيال عليه السلام

    الدولة:

    مملكة الآشوريين (بابل )

    أهم ملوكها:

    سرجون الثاني حكم من772- 705ق.م.

    أخضع الأراضي المقدسة لحكم الآشوريين.

    الدولة:

    مملكة الكلدان (بابل ).

    أهم ملوكها:

    بختنصر حكم من 630 - 562 ق. م.

    دمر القدس وأخذ الإسرائيليين أسرى إلى بابل وعاصره دانيال وعبر رؤياه المشهورة.

    موقعها من الرؤيا:

    المملكة الأولى في الرؤيا (الرأس الذهبي).


    الدولة:

    مملكة الفرس الأخمينيين.

    أهم ملوكها:

    قورش الذي قضى على الكلدان

    حكم من (550 - 529) ق.م.

    موقعها من الرؤيا:

    المملكة الثانية (الصدر الفضي).


    الدولة:

    مملكة اليونان

    أهم ملوكها:

    الإسكندر الكبير الثالث

    حكم من (336 - 323) ق.م واستولى على الأراضي المقدسة (333) ق.م.

    موقعها من الرؤيا:

    المملكة الثالثة (الفخذ النحاسي)


    الدولة:

    مملكة الروم.

    أهم ملوكها:

    1 - الامبراطور أغسطين مؤسس النظام الامبراطوري الذي في أيامه ولد المسيح عليه السلام.

    2- دقليد يانوس الذي قسم الامبراطورية دولتين: شرقية وغربية، لكل منهما قيصر مستقل. حكم من (284 -305) م.

    3- قسطنطين الأول مؤسس القسطنطينية ومعتنق النصرانية توفي سنة (337م).

    4- هرقل حكم سنة (610م) وفتح المسلمون الأراضي المقدسة في عهده وودعها إلى الأبد.

    موقعها من الرؤيا

    المملكة الرابعة ( الساقان الحديديان والأقدام من خزف وحديد ) .


    في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان، المسمى عندهم "أركون السلام"، الذي على كتفه خاتم النبوة، والذي بشَّر به الأنبياء كلهم، حتى أن المهتدين من علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلاثين بشرى به [16] وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية، والعلامات الكونية، ويترقبون تلك الدلائل والعلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الامبراطور المتعبد العالم بدينهم هرقل : 'قد ظهر ملك أمة الختان'، وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي حينذاك أبي سفيان [[بأن ملكه سيبلغ موضع قدميَّ ]] كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور .

    وفعلاً! قامت المملكة الربانية الخامسة، وملكت موضع قدمي هرقل ، وغادر الشام وهو يقول: 'سلام عليكِ يا سورية ، سلام لا لقاء بعده!!'

    قامت فسحقت ممالك الوثنية ، وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام، وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر. ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة، وهنا فقط! تفرق أهل الكتاب واختلفوا!!

    وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:4]

    وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الجاثية:17]!!

    فمنهم -وهم كثير جداً- من آمن واهتدى، ومنهم من كفر وذهبوا في كفرهم شيعاً لا حصر لها، ولا يزالون يتكاثرون وينقسمون كما تتكاثر الجراثيم!!

    ويهمنا هنا الإشارة إلى اختلافهم بشأن رؤيا دانيال الواضحة:

    لقد انقلبوا على أعقابهم!فبعد أن كانوا لا يختلفون أبداً في تأويل المملكة الرابعة (مملكة الروم) نراهم يتعسفون تأويلها، ويتعمدون تأجيلها أو تحويلها، أو على الأقل التعتيم عليها، كل ذلك تخلصاً وهروباً من الإقرار بالمملكة الأخيرة، على ما سبق إيضاحه في الفصل السابق.

    وبلغ الأمر ذروته وعنفوانه في الحركة الأصولية الصهيونية النصرانية.

    وقبل أن نعرض تأويلهم ومدى صحته نذكِّر بأن الرؤيا رسمت صورة بليغة لممالك الكفر، التي تعبد الأصنام المنحوتة من دون الله تعالى.

    إن هذه الممالك هي بذاتها صنم لـه رأس، وصدر، وفخذ، ورجلان، وأصابع، صنم يجسد الوثنيات كلها؛ لكي تتضح في المقابل صورة الجبل الذي ينتصب مكان الصنم.

    رمز في منتهى البساطة وصورة في غاية الوضوح، وما فعله هؤلاء هو تشويه هائل لا يتسق مع الصورة بحال.

    فهم - لكي يجعلوا الجبل هو الألفية عند نـزول المسيح الثاني كما يعتقد النصارى، أو مملكة داود العظمى التي يرأسها المسيح اليهودي كما يعتقد اليهود - قالوا: إن هناك فجوة في نبوءة دانيال، وجعلوها بين الساقين والقدمين!!! ومن المعلوم أن طول المسافة الزمنية بين رأس التمثال وساقيه - أي: بين مملكتي بابل والروم (من وفاة بختنصر إلى استيلاء تيطس على القدس ) هو ستة قرون تقريباً لا أكثر.


    يتبع



    .

    /


    أستودعـكم الله التـي لا تضيع ودائعـه .. يحفظكم حافظ السموات والأرض

    وداعاً أحبتـي

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. الدكتور عبدالرحمن الحبيب على شحم
    بواسطة عذابي غير في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-07-2008, 00:11
  2. رسالة الشيخ الدكتور العريفي في خطبته
    بواسطة الكنبيوتر في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-07-2007, 04:22
  3. الشيخ سفر الحوالي : يحذر من السفر للعراق تحت غطاء الجهاد
    بواسطة حايل يا مهجتي في المنتدى مضيف المشاركات المنقولة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-05-2005, 12:14
  4. الدكتور ....الشيخ ..والثالث ؟؟؟
    بواسطة سعد الطواله في المنتدى مضيف ا لشّعر الشعبي"النّبطي"
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 06-10-2002, 23:28

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته