[align=center]هذه خطبة هذا الإسبوع 26/2/1428 هـ إن شاء الله وهي عن المرور والتهور في القيادة
وهي منسقة في منبر المضايف
وهي بمناسبة إسبوع المرور الثالث والعشرين الذي يبدأ بتاريخ 27/2/1428 هـ
تحت شعار
في انتباهك السلامة
أخوكم عبدالله الواكد
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأحبة المسلمون :
ما أكمل الدين الذي شرعه الله ، وما أتم التعاليم التي سنها من لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، رسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، شريعتنا شاملة ، وديننا كامل ، شمل جوانب الحياة كلها ، وأحاط بمستلزمات العيش ، دين تكالب على إيجابيات الحياة وسوالبها ، فبعثر عنها عتمة اللبس والغموض ، وأزال عن أنحائها وجوانبها ، آثار الشك والحيرة ، كمله الله عز وجل ، يوم أن أتم علينا النعمة ، وأفاض علينا الرحمة ، قال سبحانه وتعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) (المائدة: من الآية3)
حفظ لنا هذا الدين العظيم ، أمورا خمسة ، لا تكتمل حياة عبد إلا بها ، ولا تزدان علاقات الناس إلا بها ، ولا تستقيم سفينة العمر ، في لجة الحياة إلا بها ، أمرنا بحفظ النفس والعقل والنسل والعرض والمال ، أمرنا بحفظها في الكتاب والسنة .
أيها الناس : النفس أمانة عظيمة ، فما بالنا فرطنا بها ، فلم نرعها حق رعايتها ،
إن قضية السيارات ، وظاهرة التهور في القيادة ، والإستهتار بأرواح البشر ، لظاهرة مرضية ينبغي علاجها ، بل يجب علاجها ، يلزمنا الوقوف وراء كل صغيرة وكبيرة ، لها أدنى أثر في هذه الظاهرة ، فمتى يدرك المسؤول ، أهمية المسؤولية التي أنيطت به ، ومتى يكون أهلا لما علق برقبته ، وليست المسؤولية قصرا على الوزراء والمدراء ، والموظفين والجنود ، لسنا نحن صفا نصادمهم ، ونمزق في أنظمتهم وقوانينهم ، ونرضى أن نرى ما يجتث ثوابت السلامة المرورية ، ونقف من ذلك موقفا محايدا ، المسؤولية شاملة ، على جميع أفراد المجتمع ، قال عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته ) كل مسؤول بحسب مكانه .
إخوة الإسلام : نعود بكم إلى الوراء حقبة من الزمن ، تقطع الناس ألما في غابر أزمانهم ، كم من أناس ولدوا وماتوا ولم يبرحوا مكانهم ، كانت الخطى قصيرة ، والأسفار مريرة ، فما كانت وسائل للترحال ، غير الحمير والبغال والجمال ، كانت الديار متباعدة ، فكم من والد مات لهفا على ولده ، وما عرف له مبلغا ، وكم من أم حنون ، هتكت أستار الآمال والشجون ، على فلذة كبد كان وصاله لها مبتغى ، كم من أقدام وأقدام ، دكت سفوح الآكام ، في سفر بعيد ، تاقت لرؤية أحبابها ، فهلكت دون ما تريد ، أليس في ذلك مدّكر ، وعبرة لمن اعتبر ،
أما نحن فإننا بنعمة ، لو تأملناها لما احتملناها ، أجل بصرك في الشارع والبيت والمدرسة والمستشفى والمزارع والأسواق والمراكب والطرق ، لترى كم نحن بنعم لا تعد ولا تحصى ، قال تعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(ابراهيم: من الآية34)
نحن بنعمة لا تكال بالموازين ، ولا تكتب بالدواوين ، المتأمل البصير ، الذي يعرف بعد النجعة بين الماضي والحاضر ، يدرك قيمة التأمل والتقدير .
في ثلة من السنين مضت ، تهاطلت الأنعام علينا تهاطل المطر الغزير ، فما عرف الناس في ديمة هطولها ، وخضم حلولها ، تقدير تلك النعم ، فعادت النتائج معكوسة ، والمردودات منكوسة ، أنعم الله علينا بنعمة الوسائل ، فاخترعت السيارة ، وصنعت الطيارة ، وراح الناس يجوبون مشارق الأرض ومغاربها ، يذرعون فجاجها ، عبدت الشوارع ، وزفتت الطرقات ، فتقاربت البلدان ، وأصبح أهلها كالجيران ، نعمة السيارات نعمة عظيمة ، ولا ينكر ذلك إلا من لا حظ له من الفهم والإدراك ، لكن الناس فرطوا في هذه النعمة ، وأساؤوا استخدامها ، فصارت مصدر شر وقلق وإزعاج ، كثرت الحوادث ، وصارت القيادة مغامرة ، وأصبح كثير من الشباب هداهم الله ، كأنهم في مضامير سباقات ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فكم من الباكين على آبائهم ، وكم من النائحات على أبنائهن ، وكم من مدامع سكبت ، وقلوب تقطعت ، وأفئدة تمزقت ، بسبب نزوة هوجاء ، أو سرعة رعناء ، تزاهقت من جرائها أرواح الأبرياء ، وتناثرت أعضاؤهم أشلاء ، وأهريقت بين الحديد والزجاج الدماء ، فكم من طفل رضيع فقد أمه ، وكم من فتى فقد أباه وعمه ، إما بسبب غفلة أو بسبب نعاس ، أو بسبب اتصال ، أو بسبب رسالة جوال ، أو مداعبة أطفال ، للأسف أن السيارة تكون عند بعض الشباب حينا مكانا للعب والكلام ، وحينا غرفة للطعام ، وحينا مكانا للمزاح والملاكمة ، والخلاف والمخاصمة ، وهي تجري بهم ، فلا يستفيقون إلا على اصطدام مؤلم ، او انقلاب محطم ، فتكون الكارثة وقد قال الله عز وجل ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)(النساء: من الآية29) وقال تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(البقرة: من الآية195)
إن التقيد بالأنظمة والقوانين ، والإلتزام بقوانين الإشارات المرورية ، لهو من أسباب الحفاظ على الأنفس والممتلكات ، وإشارات المرور هي في الحقيقة توزيع لحقوق العبور ، وتجاوز الإشارة الحمراء إنما هو تعد على حقوق الآخرين ، ويتجاوز الأمر مفهوم التعدي ، إلى تعريض الآخرين للخطر أثناء تمتعهم بحقوقهم ، وهذا لا بد له من الجزاء الرادع ، والقرار الصادع ، حفاظا على أرواح الناس ،
إن متجاوز الإشارة الحمراء ، وقاطعها ، لهو أشد خطرا على الناس من القنابل والقذائف ، فحري بمن رآه أن يبلغ عنه ، فإن في ردعه ، كف لردعه ، لأن جهاز المرور الآن لم يعد مكانا للعقاب فحسب ، إنما هدفه من إيقاف ذلك الشخص هو توجيهه ، وعرض بعض الأشرطة المرئية ، التي تشتمل على مقاطع من الحوادث المؤلمة ، التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء ، وكذلك بعض المحاضرات التوعوية والتوجيهية ،
ما ذنب أطفال ونساء ، ما ذنب أسرة في سيارة ، أضاءت لهم الإشارة الخضراء ، ثم ساروا مطمئنين ، أن يأتيهم متهور متدهور ، بسيارة كالقذيفة ، لم يكترث لمارة ولا إشارة ولا سيارة ، فيفزع قلوبا مطمئنة ، ويسفك دماء محرمة ، ويزهق أرواحا بريئة ، ويجعل التقاطع حطاما متناثرا ، وزجاجا متحطما ، وجروحا تنزف ، وقلوبا ترجف ، وأرواحا تزهق ، أسر بأكملها راحت ضحية هذا العمل الشنيع ، والتهور الفضيع ،
فتأملوا كيف أصبحت النعمة نقمة ، أيعقل أن يكون في بلادنا ، يموت شخص واحد كل ساعتين ، ويجرح سبعة ، وثلث الجرحى يموتون بعد ذلك أو يعاقون ، إنه لمن المؤسف أن نحطم أرقاما قياسية في ذلك ، ونبلغ دركات مأساوية ، فمن المسؤول عن ذلك ، كلنا مسؤولون ، كم مرة رأيت خطأ مروريا ، وتعاميت أنت عنه ، وأنا عنه ، وتعامى عنه الآخر ، حتى تقع الكارثة ، ثم نذهب إما للمستشفى زائرين ، أو للمقابر مشيعين ، لماذا لا نحتسب ، ونبلغ إدارة المرور ، فإدارة المرور تعالج المشكلة ، ولكن ليس لوحدها ، لا بد أن نتعاون معها ، وليس عيبا أن أجدك يوما مبلغا على ولدي لمصلحته ، خير لي وله من أن تأتي عائدا أو معزيا ، ينبغي لنا أن نتفهم المشكلة ، وأن لا ننظر للقضية من زوايا فوقية وتحتية ، ومسرة ومضرة ، ينبغي للمسلم أن يثق من أخيه المسلم ، وأن يكون الأبناء كلهم أبناء للجميع ، مدير المرور مثلا ، لا يخسر شيئا إن مات من شبابنا كل يوم بالعشرات ، ولا ينتفع شيئا إن استقاموا وسلموا ، فعائد ذلك كله لنا ، ولكن هذا نطاق عملهم ، فينبغي لنا أن نتكاتف معهم ، ونحترم الأنظمة ، ونطيع من ولاهم الله أمر المسلمين ، فإن في ذلك طاعة لله عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
إخوة الإسلام :
إن التقدم والتطور ، ليس بعدم المبالاة والتهور ، فإن ذلك وإيم الله عين التدهور ، إن الشعوب وحضارتها تقاس بحفاظها على مواردها البشرية والمادية ، واحترامها للأنظمة والقوانين ، نحن أهل رسالة ، وأرباب كتاب ودين ، كان أولى بالإنضباطية أن تكون بيننا قبل غيرنا ، كان أجدر بنا ونحن أولائك أن نكون قدوة يحتذي بنا الآخرون من شعوب العالم ، فنسأل الله أن ييسر لنا ما تعسر من مصالح المعاش والمعاد ، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا وأن يقينا شر أنفسنا والشيطان ، صلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله وصحابته أجمعين [/align]
المفضلات