قصةٌ عجيبةٌ غريبةٌ أدهشتْني ، عن محمدِ ابنِ المنكدرِ، وقد ذكرَ هذه القصةَ ابنُ الجوزي في صفةِ الصفوةِ وذكرَها الذهبيُ وفي سيرِ أعلامِ النبلاءِ، عن محمدِ بنِ المنكدرِ، وفي ترجمتِِه قالَ: كانتْ لي ساريةٌ في مسجدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أجلسُ أصلي إليها الليلَ.فقحطَ أهلُ المدينةِ سنةً فخرجوا يستسقونَ فلم يسقوا. فلما كانَ من الليلِ صليتُ عشاءَ الآخرةِ في مسجدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثم جئتُ فتساندتُ إلى ساريتي.فجاءَ رجلٌ أسودٌ، تعلوهُ صفرةٌ، متزرٌ بكساءٍ، وعلى رقبتِهِ كساءٌ أصغرَ منهُ. فتقدمَ إلى الساريةِ التي بين يدي وقمتُ خلفَهُ.فقامَ فصلى ركعتينِ ثم جلسَ فقالَ: أي ربِّ أي ربِّ، خرجَ أهلُ حرمِ نبيِّكَ يستسقونَ فلم تسقْهم، فأنا أقسمُ عليكَ لما سقيتَهم.يقولُ ابنُ المنكدرِ: فقلتُ مجنونٌ.قالَ فما وضعَ يدَهُ حتى سمعتُ الرعدَ ثم جاءتْ السماءُ بشيءٍ من المطرِ أهمنيَ الرجوعُ إلى أهلي. يعني من كثرةِ المطرِ.فلما سمعَ المطرُ حمدَ اللهَ بمحامدَ لم أسمعْ بمثلِها قط، ثم قالَ: ومن أنا وما أنا حيثُ استجبتَ لي، ولكني عذتُ بحمدِكَ، وعذتُ بطولِكَ.ثم قالَ: فتوشحَ بكسائِهِ الذي كانَ متزراً به، وألقى الكساءَ الآخرَ الذي كانَ على ظهرِهِ في رجليهِ ثم قامَ، فلم يزلْ قائماً يصلي حتى إذا أحسَّ الصبحَ سجدَ وأوترَ وصلى ركعتي الصبحِ ثم أقيمتْ صلاةَ الصبحِ فدخلَ في الصلاةِ معَ الناسِ.ودخلتُ معَهُ فلما سلمَ الإمامُ قامَ فخرجَ وخرجتُ خلفَهُ حتى انتهى إلى البابِ.فلما كانتِ الليلةُ الثانيةُ صليتُ العشاءَ في مسجدِ رسولِ اللهِ ثم جئتُ إلى ساريتي فتوسطتُ إليها وجاءَ فقامَ فتوشحَ بكسائِهِ، وألقى الكساءَ الآخرَ الذي كانَ على ظهرِهِ في رجليهِ وقامَ يصلي، فلم يزلْ قائماً حتى إذا خشيَ الصبحَ سجَدَ، ثم أوترَ ثم صلى ركعتي الفجرِ.وأقيمتِ الصلاةُ فدخلَ مع الناسِ في الصلاةِ ودخلتُ معهم.ثم إذا سلمَ الإمامُ خرجَ من المسجدِ وخرجتُ خلفَهُ، فجعلَ يمشي واتبعُهُ حتى دخلَ داراً عرفتُها من دورِ المدينةِ.ورجعتُ إلى المسجدِ فلما طلعتِ الشمسُ وصليتُ خرجتُ حتى أتيتُ الدارَ، فإذا أنا به قاعداً يخرزُ، وإذا هو إسكافي.فلما رآني عرفَني، وقالَ: أبا عبدِ اللهِ مرحباً ألك حاجةٌ، تريدُ أن أعملَ لك خفاً؟فجلستُ فقلتُ: ألستَ صاحبي بارحةَ الأولى؟فاسودَّ وجهُهُ، وصاحَ بي، وقال: ابنَ المنكدرِ ما أنتَ وذلكَ.قالَ وغضبَ، قالَ: ففرقتُ واللهِ منه أي (خفتُ واللهِ من غضبِهِ).وقلتُ: أخرجُ من عندِهِ الآنَ، فلما كانتِ الليلةُ الثالثةُ صليتُ العشاءَ في مسجدِ رسولِ اللهِ ثم جئتُ إلى ساريتي فتوسطتُ إليها، فلم يجئْ فقلتُ: إنا للهِ ما صنعتُ! إنا للهِ ما صنعتُ!.فلما أصبحتُ جلستُ في المسجدِ حتى طلعتِ الشمسُ، ثم خرجتُ حتى أتيتُ الدارَ التي كانَ فيها فإذا بابُ البيتِ مفتوحٌ وإذا ليسَ في البيتِ شيءٌ.فقالَ لي أهلُ الدارِ: يا أبا عبدِ اللهِ ما كانَ بينَكَ وبين هذا أمسِ ؟ قلتُ ما لَهُ ؟ قالوا لما خرجتَ من عندِهِ أمسِ بسطَ كسائَهُ في وسطِ البيتِ ثم لم يدعْ في بيتِهِ جلداً ولا قالباً إلا وضعَهُ في كسائِهِ، ثم حملَهُ ثم خرجَ، فلم ندرِ أين ذهبَ.يقولُ ابنُ المنكدرِ : فلم يبقَ في المدينةِ داراً أعلمُها إلا طلبتُهُ فيها، فلم أجدْهُ.-رحمه الله- خشيةَ أن يفتضحَ عملُهُ ولأجلِ أنه عُرِفَ خرجَ من المدينةِ كلِّها، وهو يريدُ أن يكونَ السرُّ بينَهُ وبينَ اللهِ ، في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى الل عليه وسلم { رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٌ بالأبوابِ لو أقسمَ على اللهِ لأبرَهُ }وعند الطبرانيِّ ورواتُهُ محتجٌ بهم في الصحيحِ ، عن ثوبانَ رضي اللهُ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم { إن من أمتي من لو جاءَ أحدُكم يسألُهُ دينارا لم يعطِهِ ولو سألَهُ درهماً لم يعطِهِ ولو سألَهُ فلساً لم يعطِهِ فلو سألَ اللهَ الجنةَ أعطاها إياهُ ذي طمرينِ لا يؤبَهُ له لو أقسمَ على اللهِ لأبرَهُ } ويقولُ أبو بّكرٍ الصديقُ رضي اللهُ عنه [ لا يحقرنَّ أحدٌ أحداً من المسلمينَ فإنَّ صغيرَ المسلمينَ كبيرٌ عندَ اللهِ تعالى ] اللهم ارحم ضعفنا وتول أمرنا وغفر لنا ذنوبنا وتب علينا يا أرحم الرحمين . اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
المفضلات