(عمر سنجر )
تهادى إلى سمعي صوت بكائه الخافت يفور بصدره
برغم محاولاته التماسك كي لا أعلم
و لكن
باءت كل محاولاته بالفشل
كنت أقود سيارتي
كان وقتها يجلس بالمقعد الذي بجواري
لم يكن بالسيارة غيرنا
سألته مطمئنا
: ما بك يا عمر ؟
(تحشرجت الكلمات بين شفتيه)
:لا شيء يا أبي، لا شيء
(أوقفت سيارتي على أحد جانبي الطريق
التفت إليه)
: و لماذا تبكي إذن ؟
: لا شيء
: عمر ، إما أن تبوح لي بسبب بكائك و إلا صدقني لا أخاطبك بعدها
: و لكنك ستغضب أيضا إذا ما صارحتك
: لا يا بني ، أنت تعلم كم أحب صدقك و صراحتك
فصدقني لن أغضب فصارحني
: الحقيقة يا أبي أنني كنت أريد أن تكون معي بالجنة
(وجدتني أحاول حبس الضحك الذي يغلي بصدري لكنني فشلت فانفجرت ضاحكا )
: ها ها هي هي هو هو ي
(تغير تعبير وجهه من الحزن إلى الغيظ بسبب ضحكي
عندها بدأت الضحكة تتراجع إلى صدري ثانية خوفا على أحاسيسه الخضراء
حاولت أن أبدو أكثر جدية كي نكمل ما بدأناه)
: آسف جدا ، لم أقصد السخرية من مشاعرك ، و لكن أضحك من كيفية معرفتك بهذا الموضوع ،
من هذا الذي بشرك بأنني لن أكون معك بالجنة أيها النبيه؟
: أنا الذي بشرت نفسي
: و لماذا يا بني ؟
: لأنني سمعت أن من يدخن السجائر لا يدخل الجنة
( عندها دارت الدنيا من حولي وجدتني أدور و أدور ،
عندها و عندها فقط انتبهت لتلك اللفافة المغروسة بين أصابعي
شعرت بهذه السحب العقيمة من دخان سيجارتي التي تملأ المكان
عندها فقط بدأ السعال يسيطر على كياني
أسعل و أسعل و أسعل
أحاول التماسك أمامه و لكن الفشل كان حليفي
لم أجد كلمات أرد بها عليه
تبعثرت الحروف فوق لساني و بين شفتاي أحاول لملمتها لأرد
حاولت التماسك
حاولت الحفاظ على مهابتي الأبوية
ماذا أقول له؟
هل أسمح لهذا الغباء الذي تكالب على صدري يخنقني ؟
هل أسمح له أن يطفح على وجهي يتحكم في يدي
فأوجه له لطمة على وجهه أحافظ بها على كبريائي؟
هل أصرخ في وجهه صرخة تزلزل الأرض من تحته
تقذف به في الهواء إلى المجهول ؟
هل أفعل ما يفعله الآباء في مثل هذه الحالات
هل أردد كالببغاء ما يقولون
(كيف ينتقدني هذا الفسل ؟
فأنا الأب
أنا القدوة
أنا المثل الأعلى
أنا الذي لا يخطئ أبدا
فكل ما أفعله هو الصواب بعينه)
لا و ألف لا
فأنا على خطأ
نعم ، أنا على خطأ
و هو على الصواب
نعم هو على الصواب
أنا الذي تجاوزت الأربعين عاما على خطأ
و ابني الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره على الصواب
من يكسب في هذه المواجهة ؟
إلى أي جانب سأقف و أنحاز ؟
هل أنساق إلى الكبر الذي بدأ يجرفني لأعلى
عندها فقط تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم
(لا يدخل الجنة من كان في صدره مثقال ذرة من كبر)
عندها صرخت في نفسي الأمارة
لتسقط الجاهلية
و ليحيا الحق
و الله الذي لا إله إلا هو إنه على الصواب
(وجدتني أنزل من سيارتي
أذهب إلى الباب الذي يجلس بجواره
أفتحه بكل فخر
أفك حزام الأمان الذي يربطه لكرسيه
أحمله من مقعده
أرفعه لأجلسه فوق السيارة)
: تصدق بإيه يا عمر ؟
: بإيه ؟
: أنت معك الحق كل الحق
ها هي هذه السجائر اللعينة التي لا فائدة من ورائها
(أخرجت علبة لفائفي
فتحتها
أخرجت منها اللفائف
أمزقها واحدة واحدة
أفركها بين أصابعي أمام عينيه
ألقيها
أدوسها بقدمي)
: ما رأيك الآن ؟
(أخذ يضحك و يضحك و يصفق كالمجنون)
: هيه ، أنت الآن معي بالجنة
: اللـــــــــه، اللــــه، الله عليك يا عمر
هل تعلم
و الله إن لك لجائزة كبرى على موقفك هذا
لأنك لم تخف من مواجهتي بالحقيقة
كان كل ما يشغلك أن تقف في وجه الباطل
و تقول للخطأ
لا
حتى لو قلتها لأبيك
فطالما قلتها لي الآن
و أنا من أنا عندك
فلسوف تقولها لأي مخلوق على وجه الأرض
و إياك
إياك أن ترى الخطأ أمامك و تصمت
و لا تنكره
و لتقف أمامه و تصرخ بأعلى الصوت
لا
قالها الشرفاء عندما دنس الخنازير كتاب الله
قالها الشرفاء
و ماتوا
نعم ماتوا
و لكن
و الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
إنهم لشهداء
فكن من الشهداء
كن من الشهداء
فإذا رأيت الباطل يوما أمام عينيك
فإياك إياك من الصمت
لقد غلقوا قلوبنا على الباطل
قالوا (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)
لا و ألف لا
و أنا أقول لك
إذا كان السكوت على الباطل من فضة
فالكلام بالحق و إنكار الباطل من ذهب
قالوا (كل لقمة عيش و اسكت)
و أنا أقول لك
ملعونة هي لقمة العيش المغموسة بالذل و الهوان و الرضوخ و الإذعان للباطل
قالوا (من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه)
و أنا أقول لك
تدخل فيما يعني الإسلام و المسلمين
فليس منهم من لم يهتم لشؤونهم
قالوا (أمصلح الكون أنت ؟)
و أقول لك
نعم أنت مصلح الكون
فلو كل منا رأى الباطل أمام عينه و لم يغيره
فعلى الدنيا و على المسلمين السلام
مجتمعاتنا بكل ما فيها
سجنوا الحق في صدورنا
ألقوا بمفاتيحهم في ظلمة المجهول
و لكن أنتم الأمل
افتح صدرك و رفاقك للحق
إياكم من السكوت
و لكن
قفوا في وجه الباطل بصدوركم
اصرخوا بأعلى أصواتكم
لا
اصرخوا بكل ما في قلوبكم من قوة
لا
لعلكم تكونوا الجيل الذي سينتصر الإسلام على يديه
لعلكم تكونوا أحبة رسول الله الذي حدثنا عنهم
و عن اشتياقه للقائهم
من يسيرون على خطاه و أصحابه
فعلا لا قولا مثلنا
فيعيدون للأمة كرامتها
بارك الله فيكم
بارك الله فيكم
بارك الله فيكم
المفضلات