حوار الطرشان بين المعارضة والمجتمع المدني

اسامه الدندشي

على مدى عدة عقود, وعلى مساحة الوطن العربي,غيب علمين من العلوم, ووضعا على قائمة الممنوعات, تحت طائلة الملاحقة الأمنية,حتى نساهما السياسي, والمثقف والمواطن, ومسحا من الذاكرة, لاعتمادهما على النقد,وهما العلوم الإنسانية,والاجتماعية.
فالمتتبع للحوارات التي أجرتها الفضائيات,مع النخب السياسية والفكرية ,وما يكتب حاليا, ضبابية واضحة, وخلطا بين المجتمع المدني, والمجال السياسي , كون موضوعاهما , الإنسان المتموضع طبوغرافيا على الأرض,يشكل بكل أطيافه وسكنه وثقافته وضرائبه وخدماته ومشاهداته وإرهاصاته, المجتمع المدني, " مجتمع المدينة"الذي يناضل بشتى
الطرق,السلمية,الصدامية,التظاهرية,الاحتجاجي ة,لانتزاع حقه في " ألمواطنه ", من الرموز,التي تسلقت إلى السلطة,ديموقراطيا,عسكريا,وراثيا, وشكلت الدولة,التي تستمد وجودها, وشرعيتها من الإنسان, الذي يشكل المجتمع المدني
لذلك من العسير, محاربة الفساد, وإسقاط النظام, وتعدد الأحزاب, وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني,والإصلاح من الداخل أو الخارج,وإرساء معاني الديموقراطية , والحرية, والمساواة......,قبل أن يفك الارتباط, والتشابك,والتداخل, بين المجتمع المدني , وتجمع الدولة, من قبل المتخصصين والاكادميين,وتحليل الثقافة السائدة, وأداء كل منهما, لنصل إلى الخطاب,الفاعل والمؤثر والمجدي,وبغياب مثل هذا التحليل ,تبقى المعارضة,تخاطب وتحاور نفسها ودعاة الإصلاح السلمي,والراغبين تغيير النظام من الداخل ,أو الخارج, في حوار اقرب لحوار الطرشان,ويبقى النظام وإصلاحاته يراوح مكانه,خارج المكان والزمان, ويبقى هذا الشعب, مغيبا مقهورا,مجهول البنية والتكوين.
المواطنة ليست مفهوم سياسي وحسب, بل هي كذلك مفهوم اجتماعي واقتصادي.. من عامين حصل في دمشق تمرد مدني على السلطة, لم يلتفت إليه احد,شارك فيه عضو مجلس الشعب الأخ والصديق محي الدين حبوش,احتجاجا,على تنظيم,أو إزالة منطقة عشوائية,في أطراف دمشق,ولانعدام الثقافة المدنية,وضبابية الرؤية لمفهوم المجتمع المدني,والتجمع السياسي,ومفهوم والدولة, مرت الحادثة,بدون أي تعليق,ورغم أنها أثارت شهيتي للكتابة,لكن ليس لدي منبر,فتقريري الأمني, ولم يزل من منبت إقطاعي,فأنا مواطن بلا مواطنه,كأي شيوعي أو إخوان مسلمين,قيم تحت مقولة "معنا أو عدونا“
مواطن أو بلا مواطنه.وكثير من المسميات جاءت بولادة قيصرية,للكثير من الشرفاء والوطنين ,جردوا من حقوقهم المدنية,لا لشيء إلا لأنهم لا يرون الوطن بعيون أمنية.
والمجتمع المدني لمدينة مثل دمشق,هو الإنسان الدمشقي العريق,الذي هجر حارته,مخلفا وراءه المختار, والقبضاي,وابنة الحارة,والجار,وأثار المدينة القديمة والتاريخية,ليسكنها وافدين من شتى القرى والمدن,بشكل جماعي ,تعبث وتخرب في هذا الكنز التراثي,وأقام الدمشقي العريق في أماكن جديدة,وفي عمارات غاية في الجمال.تحظى في اهتمامات مميزه,من الدولة,من طرق وسيعة وكهرباء,ومياه وشلالات مياه... ومن العمارة الواحدة,في الأحياء الجديدة والراقية,ترى فتاة غربية الملبس, وأخرى إسلامية الحجاب,احدهم يركب سيارته, وأخر دراجته,والبعض الأخر مترجلا,وتسمع صوت بائع "العقابية",على عربته,يرتدي جلبابا,وعلى رأسه كوفية,يتحدى المتجر الذي أمامه بكل ما فيه من"ديكور", ومن أصناف البضائع الغربية, وعلى أطراف دمشق,أبنية-بل مدن- عشوائية, بنتها هجرة غير مراقبة و مدروسة حتى ولا مرئية,وربما
محمية,تحمل معها, ثقافتها وعاداتها, وتقاليدها,طلبا للرزق,أو سعيا لاقتناص فرصة,يدفعها إهمال الدولة,إلى سرقة الكهرباء, ومخالفة القوانين ,وغالبا ما تدخل في صدام مع السلطة, تأوي إليها,الفقير المستقيم واللص المحتال,المؤمن الورع,وتاجر المخدرات ,وترى مدنا صغيرة,نشأت تحمل في عاداتها وتقاليدها وتراثها ,ثقافة القرية ,والضيعة,ففي جرمانا كأنك في جبل الدروز,في لهجتهم وحسن ضيافتهم وهمومهم, وفي الميدان,تسمع اللغة التركمانية,كأنك في إحدى قرى حمص,وفي جبل قاسيون,الهموم الكردية,واللغة الكردية,.......هذا النسيج البشري, يشكل المجتمع المدني لدمشق,التي تشمخ بشواهدها التاريخية,فالجامع الأموي, والكنائس, وقبر صلاح الدين,والتكية السليمانية,وسوق الحميدية...,هذه الشواهد,المتنوعة الأعراق,حاضرة في ذاكرة المجتمع المدني,عنوانا لصناع التاريخ في الماضي, وحجر الأساس في الحاضر, لصناعة
المستقبل.والوحدة الوطنية, لهذا الموزاييك المدني,هو الذي حدد,رموز الدولة,في الخمسينات,من خلال صناديق أللاقتراع,ولا فرق من يكون رمزا,شكري القوتلي العربي, أو فارس ألخوري المسيحي, أو خالد العظم الكردي الشيوعي, أو هاشم الاتاسي التركماني,أو حسني ألبرازي الكردي,أو أكرم الحوراني الاشتراكي.أو زهر الدين الدرزي
هذا هو المجتمع المدني,موضوع النظام وإصلاحاته, وموضوع المعارض وطموحاته .
هذا المجتمع, هو عين تراقب الدولة,على مدى التزامها,ببرنامجها السياسي,إذا كانت,ديموقراطية,أو على سياساتها الداخلية والخارجية سواء كانت شمولية أو ملكية أو.....
وفي كل الأحوال,وفي كل الأنظمة,يبقى المجتمع المدني,قصيدة الدولة وقيثارتها التي تعزف عليه أنغامها,وتحيك قصائد الحب والود والغرام له.
لكن الدولة,مضطرة وفي أحيان كثيرة تحت ضغوط اقليمة أو دولية أو طائفية أو عشائرية,للتراجع أو التقدم, فتربح هنا وتخسر هناك, تلتزم في برنامجها طورا,وتخالفه طورا أخر.
فالدولة الديموقراطية,تستعين برموز, مترابطة بتسلسل هرمي المسؤولية,سياسية,وإعلامية,وإيديولوجية.... عالية التأهيل, منتقاة بعناية فائقة الدقة, تعزف على قيثارة وحيدة النغمة, وترشيها بأرصدة, وميزات,وخدمات,وكل ما من شأنه التأثير على الرأي العام,وتوجيهه لطمأنة الناخبين,أصحاب التفويض- بموجب البرنامج الانتخابي-وتسهيل هضم سياسة
الرموز,الذين انتخبوا بموجب ذلك التفويض,وقد تكذب هذه الرموز,وتضلل – أسلحة الدمار الشامل"-وتختلق الحروب – "حرب العراق وأفغانستان"- والتعبير السياسي ذو التأثير النفسي-"الخطر على الأمن القومي الأمريكي"-.وقد لانهضم بعض هذه الرموز سياسة الدولة فتسقط -"كولن باول"- وقد تكشف بعض وسائل الأعلام,وبعض المفكرين,والمعارضة, زيف هذه السياسة, وآثارها الاقتصادية,والعالمية,والمحلية, فتتصدى لها, وتؤثر في قطاع
واسع,من الشعب- "المظاهرات في أمريكا واروبا“. .
أما الدولة ذات الأنظمة الشمولية, فهي الراعية لحقوق ومصالح شعبها الحبيب على قلبها, تسهر على راحته وأمنه الغذائي, وتبث في كل زاوية أذن أمنية, ترصد كل من يعبث في برنامجها, الملهم من عنده سبحانه وتعالا ,وتأخذه اخذ عزيز مقتدر,وكأن أمه لم تلده, وكل ما تطلبه من هذا الشعب, هو الهتاف والتصفيق, لكل ممارساتها,وسياساتها, التي لاياتيها الباطل من قريب ولا من بعيد,من خلال أجهزة أمنية منتاقة بعناية. وعندما يزداد الشعب جوعا,وقلقا على الوطن,وخوفا على الاستقلال,كلما صادرت الدولة حقوق المواطنة,بقوانين الطورىء,والأحكام العرفية,وأسقطت حقوق الشعب المدنية,وصادرت إنسانيته,وعقله وفكره, وتوصفه بالشعب الأبي الصامد وتكرمه بحرية اليدين للتصفيق,وبحرية اللسان للهتاف والتأييد.


http://www.rojava.net/06.03.2006_USAMA_DENDESHI.htm