أمي الحبيبة..
يا من منحها الله المواهب والعطايا ..
وجعلها أحق الناس بحسن الصحبة وطيب العشرة ..
أمي ..
يا من حملتني في أحشائها وأرضعتني لُبانة حُبها وعطفها ..
وكلأتني بعينها الحنون وقلبها الرؤوم .
أمي ..
يا حبَّةَ قلبي وخفقة حُبي ..
دعيني أترفق إلى عتابك وأرتمي على أعتاب بابك وهذه العبرة تخنقني والدمعة تسبقني ..
أوّاه لو تشعرين بحالي وليلي الطويل وتقاسمينني همي الثقيل ..
الفتن يا أماه تحاصرني من كل مكان كأني صرتُ هدفاً لسهام الأعداء ..
والشيطان يغويني وشياطين الأنس تغريني ..
والنفس تأمرني ولكن لا يزال في نفسي بقية من خشية الله!!
رفيقات السوء ..
الجوال ..
القنوات الفضائية ..
الإنترنت ..
الأسواق وأشياء أخرى كثيرة وفتن كقطع الليل المظلم !
توقفي معي قليلاً يا أماه وراجعي يومك المملوء بالمشاغل ..
وقتك الذي لم يعد لنا فيه إلا القليل ..
فاليوم عندك تهنئة بمولود وغدا شطر المساء في السوق ..
وبعده مباركة لأخرى بالعودة من السفر ويوم آخر تهنئة لفلانة بسكنى البيت الجديد ..
وهكذا فهي مناسبات لها أول وليس لها آخر ..
أمي ..
يحزنني أنه يعنيكِ من قصة شعري ولبسي ومظهري ..
فكم ألقيت عليّ من العتاب في ذلك تلو العتاب ، ولكن ماذا عن مخبري وجوهري ..
وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول :
"إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ..
ألا سألتِ فيم أفكر وماذا يدور في قرارة نفسي ..
كيف يصحو قلبي وأنا هاجرة لكتاب ربي ؟
بل كيف يزيد إيماني وأنت ترين غذاءه مجلات تافهة أستحيي أن يراها أحد في يدي ..
فهي لا تهتم إلا بالممثلة الفلانية والمغني الفلاني وكل فاسد ورخيص ..
فأين أنا من أخي الذي يصغرني سنوات ؟
فقد رأيته غير مرة دون أن يشعر بي يناجي الله في الخلوة ويبكي عند قراءة القرآن !!
رغم أنه لم يلق منك أو من أبي توجيهاً كافياً ..
ولكنها هداية الله وحسن الصحبة التي وفقه الله لها !
وأين أنا من أخيّتي التي أتمت حفظ كتاب الله كاملاً وحفل تكريمها هذا الصباح ..
وحفل تكريمك أنتِ وأبي عندما تتوجان بتاج الوقار في الجنة ..
الجنة يا أماه هل نسيناها ؟؟
رأيتني على تلك الصورة التي لا تليق بمؤمنة وكأني على ملة غير ملة الإسلام ..
استحييت من نظر الله إليّ وأنا على تلك الهيئة التي لا تمت إلى ديننا بصلة ..
الاسم والسحنة عربية .. ولكن الباقي كله شيء آخر !
وقد وضعتُ يدي على وجهي عندما تخيلت أني بهذه الصورة المزرية ..
وهذا المظهر بين جمع من أمهات المؤمنين ونساء المهاجرين والأنصار !
لقد أحسستُ وكأن ماء وجهي يراق وأنا أمسكه بكلتا يدي حفاظاً عليه !!
ولكن ألا أخبرتُكِ بما هو أعظم من هذا كله وأشد ؟
يوم أقف أنا وأنتِ وأبي وإخوتي وكل البشر الصالح منهم والطالح ..
كلهم بين يدي العزيز الجبار والملك القهار ..
إنه مشهد مهول أريدكِ أن تتفكري في فصوله ..
يومٌ من فاز فيه فاز ومن خسر فيه خاب وخسر ..
أريدكِ أن تتأملي مشاهده بقلبك اليقظان وتقرأينه وتسمعينه آية آية :
كلا إذا دكّت الأرض دكاً دكا ..
وجاء ربك والملك صفاً صفا ..
وجيء يومئذ بجهنم !!
يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى !
يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي ..
فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد !
ولا يوثق وثاقه أحد !!
يا أيتها النفس المطمئنة ..
ارجعي إلى ربك راضية مرضية ..
فادخلي في عبادي
وادخلي جنتي ..
أمي الغالية ..
لقد أقض مضجعي ليلةَ البارحة تذكرُ ذلك اليوم ..
ذلك اليوم الذي طلبت مني فيه مرافقتك إلى حفل زفاف إحدى القريبات !
معللة ذلك للحرج الذي يصيبك إذا سُألت عن سبب غيابي ..
فأبيتُ وتحججتُ بأني لا أجد ثوباً مناسباً وأنا غير صادقة في ذلك (يغفر الله لي)
فعلت ذلك لأني كنتُ على موعد مع صويحباتي ..
ولأني فوق ذلك مللتُ هذه المظاهر وهذه الزخارف وكرهتها !! ..
ولكن الحق والحق أقول ..
أنك لو طلبت مني هذه الليلة مرافقتك إلى مثل تلك الحفلة لما تغير موقفي شيئا !
ولكن لماذا أرفض الآن وأنا نادمة على ما حدث مني بالأمس ؟؟
لأني أعلم – كما تعلمين –
ما تحويه هذه المناسبات مما يجلب سخط الرب !
فلكم أخشى أن نكون أنا وإياك أولَ من تصيبهم العقوبة لو نزلت من السماء عقوبة!
وهي ليست من الظالمين ببعيد !!
وإن أنسَ لا أنس ذلك العرس الذي حضرناه إلى ساعات الصباح بل إلى طلعة الشمس..
ليلة امتلأت بكل ما يغضب الله ويرضي الشيطان ..
موسيقى وصخب ..
امرأة متعطرة وأخرى متبرجة ..
وجموع من النامصات ..
وأخريات ركبت كل واحدة منهن بمفردها مع السائق وهي خلوة محرمة !
وتلك فتاة تلبس ثياباً تكاد تتمزق من الضيق وعري وغفلة وذكر للدنيا وزخرفها !
ونسيان لأيام الله وتهاون في أمر الصلاة !!
حتى إني رأيت مجموعات من النسوة لم تتحرك من أماكنها إلى طلوع الشمس ..
وأخريات قمن كأنهن يردن الصلاة ثم تشاغلن بأشياء أخرى ..
ولا يعقل أن يكن كلهن ذوات أعذار !
والمأساة الأخرى أني ما رأيتُ من يذكرهن بشأن الصلاة أو بشيء من أمر الدين ..
اللهم إلا ثلاث فتيات (نضّر الله تيك الوجوه الناعمة) ..
جئن إلى الحفلة لغرض الدعوة والاحتساب ..
رأيتهن ورأيت فيهن العزة والشموخ ..
أكبرتُ همهن وطموحهن ..
مع أني أيضاً رأيتُ من يسخر منهن غير ما مرة وهن ماضيات في أمرهن لا يخشين إلا الله !
آه يا أماه لو تعلمين الخوف الذي ملأ قلبي ودب في مفاصلي واقشعر له جسدي ..
عندما قعقعت السماء في تلك الليلة بصوت الرعد الرهيب وهبت العاصفة ولمع برق السحاب !!
لقد انتابني فزع شديد !
وكدتُ أهوي إلى الأرض من الدوار الذي ألمّ بي ..
فلقد خفت أن تسقط علينا السماء !!!
أو تنشق علينا الأرض !!!
وما نعلم أن عندنا براءة من الله أن يصيبنا ما أصاب الأمم من قبلنا من العذاب والهلاك !.
فكل هذه المنكرات ونحن نعيش في بلاد التوحيد وعقر دار الإسلام ..
وقد عرفنا الله وعرفنا الحلال والحرام !
وتعلمنا أحكام الشريعة منذ نعومة أظفارنا ..
أخشى أن نكون ممن أضله الله على علم !
أما في بيتنا ..
فقد صار المعلم والمربي هي الشاشة التي قتلت حياءنا بل سلبت عقولنا وديننا !
تقولين إن أبي هو المسؤول عن إحضارها إلى منزلنا الوادع وهذا صحيح تماماً ..
ولكن بربك يا أماه ..
لقد رأيتك قادرة على إقناع أبي وتغيير رأيه في أشياء عزم عليها وكان لك فيها رأيُ آخر ..
كانت مسائل من أمور الدنيا فما بال ديننا !!
وإن من أعز ما أملك من ذكريات ذلك المجلس الذي كنا نجلسه معك ؟؟
نتحلق فيه على كتاب الله ..
وكنت اخترت لذلك وقت ذهاب أبي وإخوتي لصلاة الجمعة ..
وعندما سألتك عن سبب اختيارك لهذا الوقت ..
أجبتِ لأنها ساعة من أفضل الساعات وأنها على الأرجح ساعة الإجابة التي لا ترد فيها دعوة !
ثم رفعتِ يديك لله بالدعاء بأن يتقبلنا عنده وأن ينصر الإسلام ويعز دين خير الأنام .
أذكر أنني نظرتُ إلى أبي مرة وهو يتعجل إخوتي للصلاة ويرمقنا بعينيه ونحن على تلك الحالة ..
رأيت محياه يتهلل بالسرور ..
فيما تتابع إخوتي إلى السيارة يتسابقون !
ولقد مرّت سنوات منذ أن فقدنا هذه البادرة ..
فما بالنا الآن هل استغنينا عن الله وهل رغبنا عن كتاب الله !!
ترفقي يا أماه ..
فهذه نفثة مصدور ..
وخفقة قلب مكسور ..
أبعثها إليك بصادق الود وعبير الوجد ..
فإني أصبحت هذا اليوم صباحاً جديداً ونهاراً بإذن لله سعيداً ..
وفتاة أخرى غير التي عرفت بالأمس ...
أصبحتُ في غدوة هذا اليوم نادمة على كل ذنب مضى في ربيع العمر ..
مقلعة عنه عازمة على عدم العودة إليه ..
هنئيني يا أماه خذيني بالأحضان ..
فلقد أصبحتُ تائبة ..
أصبحتُ تائبة !
ابنتك المحبة
~~~~~~~~~~~
تحرير : بنـت الرسالـة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: ولك بمثل »
لا تنسونا من ذلك ..
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }
المفضلات