استخدام العلاج الدوائي للتوحديين
Some Biomedical Approaches to Autism
Paul Shattock
Autism Research Unit School of Sciences
University of Sunderland, SUNDERLAND. SR2 7EE
إعداد /بول شاتوك
مدير وحدة أبحاث التوحد – مدرسة العلوم الصحية
جامعة سندرلاند - بريطانيا
ترجمه بتصريح وتصرف / ياسر بن محمود الفهد
والد طفل توحدي
إن استخـدام أي نـوع مـن العـلاج لذوي التوحد مسألة مثيرة للجدل !!! فمـن ناحيـة هنـاك مـن يقـول أن إعطاء أي نوع من الدواء بالنسبة للناس العاجزين عن التعبير عن موافقتهـم لا مبـرر له علـى الإطـلاق، ومن الناحية الأخرى توجـد ثقـة ملحوظة في أن أي دواء يقدمـه الطبيب يجب أن يكون نافعـاً. و كالمعتاد فإن الحقيقية توجد في مكان ما بين هذين الرأيين، ولكن من الصعب تقديم إجابات قاطعة عن أدوية معينة على كل حال، هناك مبادئ معينة يجب وضعها في الاعتبار قبل استعمال الأدوية القوية. و يشتمل هذا التقرير على دراسة موجزة لمجموعات الأدوية الرئيسية التي يستخدمها الأفراد ذوي التوحد، ولكن قبل النظر في فائدة أي أدوية معينة فإن هناك جوانب معينة لها ذات الأهمية في اختيار المادة الكيميائية.
الآثـار الجانبيـة
ينبغي أن نتوقع دائما بأن هناك بعض أنواع الآثار الجانبية. ويكاد يصح القول بأنه لا يوجد دواء بدون آثار جانبية. و للأسف فإن هذا صحيح خاصة عندما ندرس الأدوية التي تؤثر على المخ خاصة وأن مفعولها غير محدد عادة، ولذلك يجب أن يكون الطبيب الذي يصف الدواء وأيضا من يقومون بالرعاية منتبهين لأي تغيير قد يحدث في السلوك أو الأداء. و نظراً لأن المرضى الذين يتعاطون الدواء غير قادرين على التعبير عن هذه الآثار، فإنه من مسئوليتنا أن نكون حذرين جـدا.ً .
الاختلاف في الاستجابة للعلاج
قد يكون اضطراب التوحد نتيجة لأسباب مختلفة وأن تنوع الشذوذ البيولوجي قد يتسبب في اضطراب النفسي والسلوكي. لذا يستحيل الجزم بالدواء الذي سيكون أولا يكون فاعلا لشخص معين. وحتى الآن لا يوجد دواء اتضح أنه مفيد لجميع ذوي التوحد.
هناك الكثير من الأدلة الحديثة على وجود أنواع من الشذوذ في العمليات الكيميائية – الحيوية للمصابين بالتوحد. ويتوقع فقط أن تكون استجابتهم للأدوية مختلفة مما يلاحظ لدى الناس العاديين. ولا نعني حقيقة أن الدواء يؤثر بطريقة معينة لدى الناس العاديين بالضرورة و أن نفس الأثر سيحدث لدى الأفراد ذوي التوحد.
تحديـد الجرعـات والتقيـد بالتعليمـات
هناك مشكلة أخرى هي أن الآثـار تختلف كثيراً وفقا للجرعات المستخدمة. فالجرعـة الأكبـر قـد لا تكون لها بالضـرورة فاعلية أكبر. فقد تكون نتائج الجرعة الأكبر عكس تلك الملاحظة عند تناول جرعة أقل، ولذلك فأن دراسة آثار الكحول ستساعد في توضيح الأمر. إن الغالبية العظمي من الأدوية خاصة الأدوية المستخدمة في المنازل لا تستعمل طبقا لرغبات وتعليمات الأطبـاء. وتتغيـر الآثـار بصـورة كبيـرة جداً إذا لم يتم تناول الأدويـة في مواعيدها الصحيحة أو إذا تـم تجاهـل التعليمات الخاصـة بتناولها مع الطعام أو بدونه. وإن أحـد الممارسـات الخطـيرة جـداً تتمثـل في تناول الحبوب والكبسولات دون ماء أو أي سائل آخر لتسهيل انسيابها إلى المعدة حيث تتحلل وتفرغ محتوياتها.
المريء الواصل من الحلقوم إلى المعدة ليس كأنبوب صلب. إذا فإنه يجب تناول 100ملل من السوائل مع تناول أي دواء لأن الدواء قد يبقى في المريء ويسبب تلفاً لبطانته.
إن مهمة الطبيب صعبة جداً في تحديد الدواء المناسب لحاجة الفرد المصاب بالتوحد، وقد يحتاج إلى تجريب أنواع من الأدوية والجرعات قبل تحديد البرنامج الفاعل و المناسب. و على من يقومون بالرعاية أن يقدموا ملاحظاتهم للطبيب إذا كانت لهم أي فرصة في المساعدة. وإذا لم يكن للدواء أي مفعول فينبغي عدم استعماله، ولكن إذا أمكن تحسين حياة الشخـص المصـاب بالتوحـد أو تسهيلهـا باستخدام الدواء فيجب ألاّ يرفضوا تلك المساعدة بسبب هاجس غير مبرر من قبل من يقوم برعاية المريض والذي يعتقد فيه أن كل الأدوية مضرة.
تستخدم الأدوية الفاعلة للسيطرة على بعض المشكلات المصاحبة للتوحد كالصرع مثلاً، و لكـن يجب التسليم بأن محاولات تحقيق تحسن سريع في علاج التوحد قد ظهر فشلهـا. و زُعـم تحقيـق بعـض النجـاح في علاج مجموعات معينة من الأعراض حيـث تـم تطويـر أدوية مضادة لها و استعمالهـا. هناك عدد ضخم من الأدوية المستعملة، كما أن استعمال الكثير من تلك الأدوية يكشف عدم قدرتنا على إيضاح نتائج أكثر وفي معظم الحالات فإن نتائجها تجميلية.
الأدويـــة
يتكون المخ من بلايين النيورونات (الخلايا neurones) التي تتصل مع بضعها بواسطة الفروع، وهذه الخلايا في الحقيقة لا تلامس بعضها البعض، حيث توجد فجوات دقيقة، وتستخدم المواد الكيماوية في الاتصال بين هذه النيرونات حيث تنقل النبض بين الخلايا عبر هذه الفجوات. و يستخدم المخ عددا من المواد الكيماوية لهذا الغرض (كالدوبامين والنرورادرينالين والسيروتونين وقابا مثلاً) (Serotonin,and Gaba Dopamine,Noradrenaline) وعند هذه الفجوات تعزز الأغلبية العظمى من الأدوية المستخدمة في التوحد آثارها.
الأدوية التي تستعمـل للنظـام الدوبامنيرجي
إن الأدوية العصبية مثل الكلوريرومازين (Largactil) والثيرودازين (Melleril) تعتبر أمثلة لعدد كبير من الأدوية التي تعمل على الأنظمة الدوبامنيرجية (Dopaminergic). وقد طـورت هـذه الأدويـة بداية للعمـل ضـد الاضطرابات النفسيـة مثل الشيزوفرينيا، وفـي بعـض الحـالات أثبتـت أنهـا مفيدة جداً ومساعدة للمرضى فهـي تعمل بالإغـلاق الجزئـي بواسطـة الدوباميـن (Dopamine) وكذلك الحال بالنسبة للشيزوفرينيا حيث يستخدم مزيـد مـن البث الدوبامنيرجي، و يعتبر استعمالها منطقي. ولكن يصعـب تبريـر استخدامهـا فـي التوحـد، كمـا يصعـب الحصـول على فوائد لها. وقد يكون البث الدوبامنيرجي في التوحد قد قلص في جميع الحالات وأن استخدام الأدوية التي تقلصه أكثر غير منطقي. وقد تكون هناك حالات يمكن فيها تبرير استخدام هذه الأدوية. فعلى سبيل المثال عند الاضطراب السلوكي قد تساعد هذه الأدوية في تهدئة الشخـص، ولكـن في التوحد قد لا تكون النتائج دائما كافية لتبرير استخدامها.
توجد في تلك الأدوية مشكلات حقيقية تتعلق بآثارها الجانبية. وقد تكون ذات نوع هرمي زائد حيث يوجد فيها أنواع من الحركات التي لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم فيها مثل عدم القدرة على الهدوء أو الرجفـة وفـي بعض الحالات الإغماء التشنجي. وتتم السيطرة على هذه الآثار الجانبية عادة باستعمال أدوية أخرى مثل الأورفينادرين
Orphenadrine (Disipal). و هنـاك خطـر كبيـر جداً من استعمال هذه الأدويـة العصبية لفترات طويلة من الزمن. حيث قد تظهر آثار مثل ضعف الحركة الاختيارية وقد تكون هذه الأعراض دائمة. كما أن الآلية الدقيقة لهذه الآثار الجانبية غير معروفة، ولكن الحركات التي لا يمكن التحكم فيها خاصة بروز اللسان، وحركات الجسم المميزة، حيث يمكن التحكم فيها فقط باستعمال جرعات زائدة من الدواء. وعند معالجة الناس بهذه الأدوية لبعض الوقت فإن ظهور هذه الأعراض يعوق محاولات تقليل الجرعات.
و من الصعب تبرير الاستمرار في استعمال تلك الأدوية بسبب ما تحتويه من آثار جانبية خطيرة. كما إن عدم قدرتها على علاج التوحد يحول دون استخدامها إلاّ لفترات زمنية قصيرة وعند الضرورة القصوى.
توجد مجموعة من أدوية الشد العصبي الشاذة والهامة جداً والتي يكون استعمالها أكثر تبريرا. و سيختلف أثر الأدوية مثل هالوبريدول Serenace , Haldol (سيريناس ، هالدول)، و سلبريد (Dolmatil) مع تركيز الاستعمال. وهي تثير البث الدوبامنيرجي Dopaminergic عند إعطائها بجرعـات منخفضـة ولكنها تزيله عند إعطائها بجرعات عالية. وقد كتب كتاب معينون عن النتائج المفيدة لهـذه الجرعـات المنخفضة ولكن يجب تحديد الجرعة المناسبة لكل مادة معينة.
الأدوية الفعالة مع النظام السيراتونيرجي
أوضـح عـدد من العاملين أن مستويات السيروتونين في الدم (Serotoni المعروف أيضا بـ فيفث هايدروكسي تريبتامين أو (5-HT) في الدم أعلى بنسبة 35% - 40% عند المصابين بالتوحد من الناس العاديين. ويقود هذا إلى الاقتراح القائل بأن دواء التخسيس فينفلورامين (Ponderax) المعروف بأنه يقلل هذه المستويات قد يكون مفيداً للناس ذوي التوحد، وقد كانت النتائج المبكرة واعدة جداً، ولكن التجارب اللاحقة أدت في مجملها إلى نتائج مخيبة للآمال. وقد يكون الفينفلورامين (Fenfluramine) مفيداً لعدد من الناس ذوي التوحد عندمـا تفـرز نهايـات الأعصـاب مادة السيروتونين (serotoni لذا فـإن كثيـراً منه يعـاد امتصاصـه واستخدامه مرة أخرى. وتعمل العديد من الأدوية المضادة للاكتئاب على منع أو إزالة إعـادة هـذا الامتصـاص وينتج عن ذلك بقاء مادة سيروتونين أكثر في الفجـوة لتنبيه طرف العصب المستقبل. وتعمل هـذه الأدوية بفعالية لزيادة السريان في هذه الأجهـزة. وفـي ذات الوقت قد يحدث خفض لكمية مادة السيروتونين التي تفرزها نهايات الأعصاب، وقد ينتـج عـن هـذا انخفـاض في حجم الانتقال بين الأطراف العصبية. لذا فإن من الصعب التكهن ما إذا كان استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب سيكون مفيدا أم لا، أم أنه سيزيد حالة التوحد إلى مستوى أسوأ. ومع أن الأدوية التي تعطي لبعض الناس مثل كلوميبرامين (Anafranil) أو الفلكسيتين (Prozac) مفيدة في تقليل الاكتئاب والعدوانية ولكنها قد تفاقم الموقف. و من الواضح أن آثار تلك الأدوية قد تستغرق عدة أسابيع قبل أن تتضح.
الأدوية التي تؤثر على نظام قابا (GABA)
إن الأدوية مثل الفاليوم تعمل على تنبيه نظام قابا (GABA) وتستخدم عادة لتقليل مستويات القلق. وبناءً عليه فإنها تبدو من الوهلة الأولى مناسبة للأشخاص الذين لديهم ذاتية التركيز، وإن إحدى تأثيرات تلك الأدوية هي تثبيط الانتقال في الأنظمة الدوبامنتية الفعل، وعلى أي حـال يمكن تقليلها لهذا الانتقال. إن دراسة النتائج باستخدام تلك الأدوية على ما يبدو هو لتأييد النظرة لها بأنها ذات فائدة قليلة. وهذا ليس للقول بأنه ليست لها فائدة في مواقف طارئة محددة، غير أنها تبدو لتحسين وتلطيف ذاتية الذاكرة بأي حال.
الأدوية التي تؤثر على النظام النوراديرينيرجي
تستخدم مجموعة الأدوية المعروفة باسم مانعات بيتا(Beta Blockers) عادة لخفض ضغط الدم ولكن قد تكون لها تأثيرات على المخ أيضا. وهي تستخدم عادة لتقليل آثار التوتر و قد استخدمت كذلك في الولايات المتحدة خاصة لمساعدة الناس الذين يعانون من التوحد. ومع أنه من الصعب العثور على دليل عن حالات تحسن واضحة، فإنه يمكن النظر في استخدامها. وقد تكون هناك أسباب وجيهة لعدم تشجيع استخدام تلك الأدوية.
استخدمت أدوية مثل أمفيتامين Amphetamines التي تحفز هذا النظام للسيطرة على النشاط المفرط وعدم المقدرة على التركيز والانتباه. كما أن أي تحسن في هذه الأعراض المقصودة ضئيل لأبعد الحدود ومصحوب بزيادة في السلوك المتكرر الذي لا يتغير. و لا تجد إلا القليل من المؤيدين لها في أوساط الأطباء البريطانيين.
الأدوية التي تزيل نظام الأفيون المخدر
تنص نظرية الأفيون الزائد أنه يوجد لسبب أو آخر ارتفاع في مستويات مركبات أوبيويد (" Endorphins " ) في الجسم لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، وقد يكون استخدام دواء مضاد للأندورفين (Endorphin ) مثل النالتريكسون على أساس نظري مناسبا. و النالتريكسون (Naltrexone) هو واحد من تلك الأدوية المشار إليها سابقا والتي تعتبر فيها الجرعة خطيرة، وأن الجرعات التي استخدمت في التجارب السابقة كانت كبيرة جداً حيث لم تلاحظ أي فوائد منها. وقد كشفت أحدث التجارب التي تستخدم جرعات ضئيلة جداً عن نتائج مفيدة فيما يتعلق بالقدرة على الاندماج الاجتماعي، وتقليل سلوك إيذاء الذات لدى نسبة من الناس المصابين بالتوحد. ولا تزال التجارب الإكلينيكية مستمرة بانتظار النتائج. وكما هو الحال بالنسبة لبعض الأدوية فقد استخدمت مركبات الليثيوم (Lithium) أولا في السيطرة على بعض أعراض الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية) وجرى اختبارها لاحقا للناس المصابين بالتوحد . ويبدو أن التقارير تشير إلى أن هناك فائدة محتملة في بعض الحالات التي يعاني فيها المريض من العدوانية و خاصة إذا كانت مصحوبة بسلوك نمطي أو فرط في النشاط. إضافة إلى ذلك فقد يكون لليثيوم (Lithium) فائدة في تلطيف تأرجح الحالة النفسية أو التذبذب المتكرر في السلوك الذي يعاني منه بعض الناس المصابين بالتوحد. و يتفاوت الناس بدرجة كبيرة في استجابتهم لليثيوم، وبصفة خاصة فإن الجرعات المطلوبة قد تتفاوت بصورة كبيرة حيث أنه من الضروري للطبيب أن يراقب كمية الليثيوم في الدم للتأكد من الكميات المثالية لكل مريض.
كاربامازيبين
إن لعقار كاربامازيبين (" Tegretol ") آثار عديدة، ولكنه يوصف عادة للسيطرة على حالة الصرع. كما يبدو أنه يقلل من تذبذب الحالة النفسية المشار إليها أعلاه، وينبغي دراسته حيث توجد مشكلة. هناك العديد من الأدوية التي أعطيت للمصابين بالتوحد ولكن حتى في الوقت الذي حدثت فيه بعض النجاحات في معالجة أنواع معينة من السلوك فإنهم لا زالوا غير قادرين على إنتاج دواء يحسن من الأعراض الرئيسية للتوحد بصورة ملحوظة وخلال فترة زمنية. وفي نفس الوقت توجد العديد من المنتجات التي ينبغي دراستها لحالات معينة، ولكن نظرا للتنوع الضخم في استجابات الأفراد والاختلافات في الجرعات المطلوبة فإنه يتعذر التكهن بالنتائج. ويتعين تهيئة الطبيب والشخص التوحدي. و يتطلب الدواء الناجح تواصلا حقيقيا بين الطبيب والمريض وممثله. وعلى المرضى ومن يقومون برعايتهم أن يكونوا مدركين لفوائد العلاج الدوائي وأضراره المحتملة وأن يتشاوروا مع الطبيب حيثما أمكن ذلك.
References
Campbell M., Perry R., Malone R.P. (1989)"Pharmacotherapy of Adolescent Problems," in Gillberg C. (Ed) Diagnosis and Treatment of Autism. Plenum, New York, 383-403.
Christensen L., Redig C. (1993) "Effect of Meal Composition on Mood." Behavioral Neuroscience 107 (2) 346-353.
Reichelt K.L., Knivsberg A-M., Lind G., Nodland M. (1991) "Probable Etiology and Possible Treatment of Childhood Autism." Brain Dysfunction 4 (6) 308-319.
Scifo R., Battincane N., Quattropani M.C., Spoto G., Marchetti B. (1991) "A Double-Blind Trial with Naltrexone in Autism." Brain Dysfunction 4 (6) 301-307.
Shattock P., Kennedy A., Rowell F., Berney T. (1990) "Role of Peptides in Autism and Their Relationships with Classical Neurotransmitters." Brain Dysfunction
المفضلات