[frame="10 80"]أُعايش عند سفري إلى مدينتي الجميلة في كل عام صورتين من صور الإعاقة ،لطفل وطفلة ينتمي كل منهما إلى عائلة مختلفة
تتجسد في كل منهما صورتان مختلفتان في كيفية التعامل مع المعاق....
سأرمز للطفل بـــ (سَعْد) وللطفلة بـــ (أمل ) ...وذلك منعا للتصريح ،وتيمنا بمعنى الإسمين....
لا يمكنني أن أحدد بالضبط نوع إعاقتهما ،رغم أني أتمنى ذلك ـــ نظرا للقرابة التي تربطني بسعد ــــ،ولكنني أظن أنها نوعا من النقص في النمو والإدراك العقلي ....
سعد... يبلغ من العمر الآن السادسة عشرمن عمره ،ولكن الناظر إليه يظن أنه في العاشرة من العمر
رغم إعاقته إلا أنني لاحظت سرعة الفهم عنده ،والقدرة العجيبة على حفظ الوجوه والأسماء التي تمر به ، حتى أنه يستطيع تمييزي ومناداتي باسمي على الرغم من طول المدة الزمنية التي تفصلنا عن بعضنا ،والتي قد تمتد للسنتين والثلاث...
أيضا يتميز بالنشاط والمرح ،وحب الفضول والإطلاع ،ولكنه لا يجد وسيلة لإشباع ذلك إلا الوقوف بباب أهله وتصفح وجوه المارين به ومعرفة من جاء ومن خرج ومن دخل ...
مطيع من الدرجة الأولى .. سريع الإستجابة والإنتباه لمن يحدثه
إلا أنه ــ و على الرغم من ذلك ــ يحتل الركن القصي في حياة عائلته ، واهتمامهم ،بل وحبهم أيضا...
لم أره يوما إلا رثَّ الهيئة ، متسخ الثياب ،أشعث أغبر
حينما يتحدث لا يصغي إليه أحد .....
بنيته الجسمية هزيلة جدا ، ولون بشرته غريب لكثرة تعرضه لأشعة الشمس الافحة
قد تمر وجبة الطعام الأساسية ولا ينتبه أحد أنه لم يأكل ، حتى يخبر بأنه جائع
وطبعا لا يأكل مثله مع أحد ،فلم أرى من أهله يوما من يشاركه الطعام ،ولا حتى أمه أو والده
ينام دائما في طرف الصالة ، بلا تكييف حتى في أيام الصيف الحارة
بالنسبة لأمه ، فتتسم علاقتها معه بالبرود والبرود الشديد والذي يتضح في مدى الإهمال الذي يعيشه سعد والذي هو على العكس تماما من حال الرعاية والحب الذي تحيط به إخوته الباقين
هي لا تضربه أو تعذبه ، ولكنها في مشاعرها كأم باردة أمامه ،فلم أرها يوما ومنذ كان صغيرا ،تحضنه أو تلاعبه أو حتى تبتسم له
وهذا هو حال والده معه أيضا
أما إخوته فباختصار ...سعد (( لا شيء)) بالنسبة لهم
حينما أرى بعضا من معاملتهم له أشعر أنهم يعاملونه على أساس أن لا مشاعر لديه ، وهذه هي الصورة المغلوطة والتي سينسفها واقع حياة (أمل) بعد قليل
فمثلا سأذكر لكم موقفا بسيطا حصل لسعد هذا العام ويثبت ما قلته لكم ...
أصيب سعد في أحد أصابعه فأنكسر ظفرها وبدأ بإيلامه كلما لامسه شيءفقامت أمه بوضع ضمادة من الشاش عليها بدون مرهم مما أدى إلى إلتصاق الشاش بجرحه و ظفره المتدلي ، فسمعت صراخه يوما وهو يتوسل لأحد ما أن يتركه ، فلما خرجت رأيت جدته وأخته ممسكتان به ، وأمه تحاول أن تنزع الشاش نزعا هكذا و بقوة ،فلم يكن مني إلا أن انتزعته من بينهن وطلبت منهن أن يبللن الشاش أولا حتى يلين ويسهل نزعه
هذا الموقف يثبت أنهم يتعاملون معه على أن لا مشاعر لديه و لا أحاسيس
أما بالنسبة لتدريسه فهذا بالنسبة لهم ضرب من الهذيان وأمر يدعو للضحك ،فكيف لمثله أن يفهم أو يحفظ
على الرغم من أني أسمعه أحيانا يردد عن ظهر قلب بعضا من الأغاني التي يحفظها ، فكم كان جميلا لو كان ما يحفظه سورا و أيات.
.......
أمل ....تعامل على النقيض تماما من سعد
عمرها خمس سنوات ،لا تربطني بها قرابة ، والدها متزوج من اثنتين وله من الأولاد والبنات العدد الكثير ، كما أن له ثلاثة بنات متزوجات و منجبات
أمل هي أصغر أبنائه جميعا .... معاقة تماما كسعد
ولكن.....
على الرغم من ذلك إلا أن من يرى معاملة عائلتها لها إلى جانب أخواتها المتزوجات ، يظن أنهم لم ينجبوا أحدا سواها...
كل الحب....لأمل
كل الحنان ... لأمل
منتهى الرعاية ...لأمل
كل دائرة الإهتمام منصبة ....على أمل
تحكي لي زوجة أبيها الثانية عنها فتقول...
لا تكاد ترتدي ثوبا إلا وتخلعه لترتدي الآخر
لا تكاد تتسخ حتى يسارع الكل إلا تحميمها وتغيير ملابسها
يحيطها إخوتها الذكور بحب عظيم ،حتى أنهم يطلبون محادثتها هاتفيا في أسفارهم على الرغم من أنها لا تستطيع الحديث إلا بكلمات غير مفهومه
بنيتها الجسمية رائعة فهي ريانة العود بيضاء البشرة لا أراها إلا مهندمة مصففة الشعر
ليس لهم همٌّ إلا دراستها وهل ستقبلها المدارس ،وهل ستنطق ، حتى أنهم يتباشرون ذلك اليوم عندما علموا بفتاة تشابه حالتها ،نطقت ودخلت المدرسة
طبعا كل هذا الإهتمام قد انعكس على أمل في مشاعرها وتصرفاتها لتثبت أن للمعاق مشاعرا وأحاسيسا ، وأنه يحس بالحب ويقدره بل ويبادل محبيه بحب أكبر
تقول زوجة أبيها ...
لأن أمل تحس بشدة إهتمام أهلها بملابسها فإنها ما أن ترتدي ثوبا جديدا إلا وتصر على أن تريه والدها حتى وإن كلفها ذلك عناء الذهاب إلى بيت زوجته الثانية فتطرق الباب بيديها الصغيرتين وما أن نفتح لها حتى ترتمي في أحضانه مشيرة إلى ما تلبس ،ليبدأ والدها بصب سيل من المدح لها وكل ذلك وهي تكاد تقتل نفسها من الضحك والسرور بما يقول...
تقول أيضا .... إذا سافر أحد إخوتها فإنه تفتقده وتسأل عنه ،وليتكم ترونها كيف تملأ البيت بالصراخ والضحك حين يعود
.
.
طبعا سعد لا يعامل أحدا من عائلته بهذا الحب أبدا ،بل إنه أحيانا ما يكون حاد الطباع مع إخوته الذكور
معاملة أهل أمل لها خففت من حدة إعاقتها في نفسها وفي أعين الناس كذلك ،لأنهم يتعاملون معها وكأنها طفل طبيعي ولكنه يحتاج مزيدا من الملاحظة والإهتمام.
مع العلم أن أهل أمل ليس من أهل التعليم العالي أو ممن يفهم في علم الإعاقة
لا ..كل ما هنالك أنهم تعاملوا معها بكثير من الحب و الإنسانية ، و وعوا بفطرتهم السوية أن أمل تحتاج إلى رعاية خاصة
دون إخوتها ،لأن لها حالة خاصة
حالة أمل تثبت أن المعاق ...
وإن تضرر جسده و عقله بالإعاقة ... إلا أنه يملك ما لا تستطيع الإعاقة أن تلغيه أو تعيقه
وهو مشاعره و أحاسيسه التي تثبت في النهاية، أنه
إنسااااااااااااااااااااااااااان [/frame]
المفضلات