[align=center]تحقيق ودراسة وتعليق: الدكتور/ السيد الجميلي
روى أبو داود في سننه - من حديث أبي الدرداء – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء, وجعل لكل داء دواء. فتداووا ولا تداووا بالمحرَّم".
وذكر البخاري في صحيحه - عن بن مسعود -: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
وفي السنن عن أبي هريرة, قال: "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث".
وفي صحيح مسلم - عن طارق بن سويد الجعفي -: "انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر, فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: إنه ليس بدواء, ولكنه داء".
وفي السنن: "أنه صلى الله عليه وسلم, سئل عن الخمر, يجعل في الدواء؛ فقال: إنها داء, وليست بالدواء". رواه أبو داود والترمذي.
وفي صحيح مسلم, عن طارق بن سويد الحضرمي, قال: لا. فراجعته, قلت: إنا نستشفي للمريض. قال: إن ذلك ليس بشفاء, ولكنه داء".
وفي سنن النسائي: "أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنهاه عن قتلها".
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "من تداوى بالخمر فلا شفاه الله".
المعالجة بالمحرمات قبيحة: عقلا وشرعا. أما الشرع, فما ذكرنا: من هذه الأحاديث وغيرها.
وأما العقل, فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه. فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها, كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: "فبظلم من الذين هادوا, حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" "النساء:4/160". وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم, لخبثه. وتحريمه له حمية لهم, وصيانة عن تناوله. فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل؛ فإنه وإن أثر في إزالتها, لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب, بقوة الخبث الذي فيه. فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن, بسم القلب.
وأيضا: فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق؛ وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته. وهذا ضد مقصود الشارع.
وأيضا: فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة؛ فلا يجوز أن يتخذ دواء.
وأيضا: فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا. فإذا كانت كيفيته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثا؛ فكيف إذا كان خبيثا في ذاته!. ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة, لما تكتسب النفس: من هيئة الخبث وصفته.
وأيضا: فإن في إباحة التداوي به, ولاسيما إذا كانت النفوس تميل إليه, ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة, لاسيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها, مزيل لأسقامها, جالب لشفائها. فهذا أحب شيء إليها. والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن. ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله, وفتح الذريعة إلي تناوله – تناقضا وتعارضا.
وأيضا: فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء, ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء. وليفرض الكلام في أم الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط: فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز العقل عند الأطباء وكثير من الفقهاء والمتكلمين. قال أبقراط في أثناء كلامه في الأمراض الحادة: "ضرر الخمرة بالرأس شديد: لأنه يسرع الارتفاع إليه, ويرتفع بارتفاعه الأخلاط التي تعلو في البدن. وهو لذلك يضر بالذهن". وقال صاحب الكامل: "إن خاصية الشراب الإضرار بالدماغ والعصب".
وأما غيره من الأدوية المحرمة, فنوعان: "أحدهما": تعافه النفس, ولا تنبعث لمساعدته الطبيعة على دفع المرض. كالسموم ولحوم الأفاعي, وغيرها: من المستقذرات. فيبقى كل على الطبيعة مثقلا لها, فيصير حينئذ داء لا دواء.
"والثاني": ما لا تعافه النفس؛ كالشراب الذي تستعمله الحوامل مثلا. فهذا ضرره أكثر من نفعه. والعقل يقضي بتحريم ذلك. فالعقل والفطرة مطابق للشرع في ذلك.
وهاهنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها: فإن شرط الشفاء بالدواء, تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته, وما جعل الله فيه من بركة الشفاء. فإن النافع هو المبارك, وأنفع الأشياء أبركها؛ والمبارك من الناس أينما كان, هو: الذي ينتفع به حيث حل. ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين, مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها, وتلقي طبعه لها بالقبول. بل كلما كان العبد أعظم إيمانا: كان أكره لها, وأسوأ اعتقادا فيها؛ وطبعه أكره شيء لها. فإذا تناولها في هذه الحال: كانت داء له لا دواء؛ إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها, وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة. وهذا ينافي الإيمان. فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء. والله الأعلم.
" الطب النبوي للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي المعروف بابن القيم الجوزية"-
المصدر :
موقع إشراقة
أخوكم
حبيب[/align]
المفضلات