المدارج
في
كشف شبهات للخوارج
أعده
أبو عمر
أحمد بن عمر بازمول
المقدمة
ن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( ).
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( ).
ألا وإنَّ أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه رسالة جمعت فيها أقوال أهل العلم في كشف شبه " أصحاب الخارجية العصرية " التي طعنوا بها على ولاة الأمر من العلماء والأمراء .
وهذه الطعون ما هي إلا باطل من القول وزور ، زينها الشيطان لأوليائه أهل البدع والأهواء ، وتبعهم في ذلك بعض الرعاع ، اتباع كل ناعق ، دون نظر لخطورة هذا الأمر .
وصدق رسول الله إذ يَقُولُ :"إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"( ) .
سميتها : "المدارج في كشف شبهات للخوارج" .
خطة الرسالة : وقد جعلت الرسالة في مقدمة وتمهيد ومقصدين وخاتمة .
المقدمة : اشتملت على تسمية الرسالة وخطتها .
التمهيد : خطورة الطعن في ولاة الأمر .
المقصد الأول : شبهات الطاعنين في العلماء وتفنيدها .
المقصد الثاني : شبهات الطاعنين في الأمراء وتفنيدها .
ومنهجي في هذه الرسالة : أني أذكر الطعن ومعناه ، ثم أفنده بما يدل على بطلانه –بإذن الله تعالى - .
والله اسأل أن ينفع بها إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، خصوصاً في هذه البلاد الطيبة المباركة ، واسأله - سبحانه وتعالى - التوفيق والسداد والقبول في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب الدعاء .
كتبه
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
التمهيد
خطورة الطعن في ولاة الأمر
خطورة الطعن في ولاة الأمر :
انتشر بين بعض الناس أمران خطيران ، مخالفان للقرآن والسنة ، دون نكير له أو هجران إلا ما رحم ربنا المنان ، وليتهما منتشران مع العلم بقبحهما ، بل يعتقد كثير من الناس أنهم على خير ، وصدق الله إذ يقول قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ( ). وهذان الأمران هما : الطعن في العلماء والأمراء .
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - : معلوم أن قيادة الأمة تكون بصنفين من الناس لا ثالث لهما :الصنف الأول :العلماء .والصنف الثاني : الأمراء .
وهم المقصودون في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ( ).
ومعلوم أن الأمة إذا لم يكن لها قيادة ،قيادة في دين الله تكون على أيدي العلماء ، وقيادة في الأمن ، أمن السبل ، أمن البلاد ،وتكون على يدي الأمراء ، إذا لم تكن هذه القيادة : أصبح الناس فوضى ، أصبح كلٌ يعبد الله بما شاء ، بالهوى بغير علم ؛ فيضل هو بنفسه ويضل غيره .
إذا لم يكن هناك حماية للأمن وللطرق وللبلاد عن طريق الأمراء أصبح الناس فوضى يقتل بعضهم بعضاً ,ويكسر بعضهم بعضاً ،ولا يبالون ؛لأنهم ليس لهم سلطان يحميهم كما أنَّ الأولين لا يبالون إذا خالفوا الشريعة ؛لأنهم ليس لهم علماء يقتدون بهم . ولهذا أقول : إن من الخطأ العظيم الفادح أن يقع الناس في أعراض العلماء أو يقع الناس في أعراض الأمراء( ) .
نحن لا نبرأ العلماء من الخطأ ،ولا نبرأ الأمراء من الخطأ ،كلٌ يخطئ ويصيب لكن هل يجوز لنا أن نتتبع عورات العلماء وعورات الأمراء ، ثم يُتخذ من هذا وسيلة لسبهم والقدح فيهم ، وتهوين أمرهم على الناس ،وتهوين قوتهم بين الناس ؟ !
ما أعتقد أنَّ هذا جائز ! لا عقلاً ولا شرعاً ( ) اهـ .
والوقيعة في أعراض العلماء والأمراء والاشتغال بسبهم وذكر معائبهم خطيئة كبيرة وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر وذم فاعلها .
قال الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - : على الناس أن يغضوا عن مساويهم – أي الملوك والأمراء - ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله لهم التوفيق ؛ فإن سب الملوك والأمراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص وربما تجد السَّاب لهم لم تحدثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيام وهذا عنوان الغش للراعي والرعية اهـ( ).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - : الله ، الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها فإذا حاول أحد يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن ؛ لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد ( ).
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى - : لقد ابتلي بعض الناس بغيبة صنفين من الأمة وهما ولاة الأمور فيها من العلماء والحكام ، حيث كانوا يسلطون ألسنتهم في المجالس على العلماء وعلى الدعاة وعلى الأمراء وعلى الحكام الذين فوق الأمراء ، وإن غيبة مثل هؤلاء أشد إثماً وأقبح عاقبة وأعظم أثراً لتفريق الأمة . إن غيبة ولاة الأمور من أمراء وعلماء ليست غيبة لهؤلاء بأشخاصهم ولكنها غيبة وتدمير لما يحملونه من المسئولية :
فإن الناس إذا اغتابوا العلماء قل قدر العلماء في أعين الناس وبالتالي يقل ميزان ما يقولونه من شريعة الله وحينئذ يقل العمل بالشريعة بناء على هذه الغيبة ؛ فيكون في ذلك إضعاف لدين الله تعالى في نفوس العامة .
وإن الذين يغتابون ولاة الأمور من الأمراء والحكام إنهم ليسيئون إلى المجتمع كله ، لا يسيئون إلى الحكام فحسب ولكنهم يسيئون إلى كل المجتمع ، إلى الإخلال بأمنه ، واتزانه وانتظامه ، ذلك لأن ولاة الأمور من الأمراء والحكام إذا انتهك الناس أعراضهم قل قدرهم في نفوس العامة وتمردوا عليهم فلم ينصاعوا لأوامرهم ولم ينتهوا عما نهوا عنه ، وحينئذٍ تحل الفوضى في المجتمع ويصير كل واحد من الناس أميراً علىنفسه ، وحينئذٍ ، تفسد الأمور ويصبح الناس فوضى لا سراة لهم ، وإن الغيبة من كبائر الذنوب ليست بالأمر الهين( ) .
وقدسئل الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله تعالى - :ما رأي فضيلتكم في بعض الشباب الذين يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور في هذه البلاد بالسب والطعن فيهم ؟
فأجاب - حفظه الله تعالى - : هذا كلام معروف أنه باطل وهؤلاء إما أنهم يقصدون الشر وإما أنهم تأثروا بغيرهم من أصحاب الدعوات المضللة الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها .
نحن - ولله الحمد - على ثقة من ولاة أمرنا وعلى ثقة من المنهج الذي نسير عليه وليس معنى هذا أننا قد كملنا وأن ليس عندنا نقص ولا تقصير بل عندنا نقص ولكن نحن في سبيل إصلاحه وعلاجه - إن شاء الله - بالطرق الشرعية .
أما أننا نتخذ من العثرات والزلات سبيلاً لتنقص ولاة الأمور أو الكلام فيهم أو تبغيضهم إلى الرعية فهذه ليست طريقة السلف أهل السنة والجماعة .
أهل السنة والجماعة يحرصون على طاعة ولاة أمور المسلمين وعلى تحبيبهم للناس وعلى جمع الكلمة هذا هو المطلوب . والكلام في ولاة الأمور من الغيبة والنميمة وهما من أشد المحرمات بعد الشرك لا سيما إذا كانت الغيبة للعلماء ولولاة الأمور فهي أشد لما يترتب عليها من المفاسد من تفريق الكلمة وسوء الظن بولاة الأمور وبعث اليأس في نفوس الناس والقنوط( ) .
وقال أيضاً - حفظه الله تعالى - معلقاً على قول عوف بن مالك - راداً على من قال : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء - : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره فوجد القرآن قد سبقه"( ): فيه احترام أهل العلم وعدم السخرية منهم أو الاستهزاء بهم ؛ لأن هذا المنافق قال :" ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء"يريد بذلك العلماء ، والعلماء ورثة الأنبياء ، وهم قدوة الأمة ، فإذا طعنا في العلماء فإن هذا يحدث الخلخلة في المجتمع الإسلامي ، ويقلل من قيمة العلماء ، ويحدث التشكيك فيهم .
نسمع ونقرأ من بعض دعاة السوء من يقول : هؤلاء علماء حيض ، علماء نفاس ، هؤلاء عملاء للسلاطين ، هؤلاء علماء بغلة السلطان ، وما أشبه ذلك وهذا القول من هذا الباب والعياذ بالله وليس للعلماء ذنب عند هذا الفاسق إلا أنهم لا يوافقونه على منهجه المنحرف .
فالوقيعة بالمسلمين عموماً ولو كانوا من العوام لا تجوز ؛ لأن المسلم له حرمة ، فكيف بولاة أمور المسلمين وعلماء المسلمين . فالواجب الحذر من هذه الأمور ، وحفظ اللسان والسعي في الإصلاح ونصيحة من يفعل هذا الشيء( ) .
وقال أيضاً - حفظه الله تعالى – فيمن يدعو إلى نزع يد الطاعة لولاة الأمر في هذه البلاد وخلع البيعة عنهم عن طريق القنوات الفضائية وبعض المنتديات في الإنترنت : هذه البلاد مقصودة ومغزوة ؛ لأنها هي البلاد الباقية ، التي تمثل منهج السلف الصالح ، وهي البلاد الآمنة من الفتن ومن الثورات ومن الانقلابات ، فهي بلاد – ولله الحمد – يرفرف عليها الأمن والأمان ومنهج السلف الصالح ، فهم يريدون أن ينتزعوا هذه الخصائص ويجعلوها بلاداً فوضى ويكون فيها قتل وتقتيل كما في البلاد الأخرى .
فعلينا أن نحذر من هؤلاء ، وأن نحذر منهم ، ولا نأتي بهذه القنوات لبيوتنا ولأولادنا يشاهدون هذه الفتن وهذه الشرور ، وينشأون عليها ، يجب أن تحمى البيوت من هذه القنوات الفضائية ، وأن يمنع الأولاد أنهم يذهبون للمقاهي التي فيها هذه القنوات أو هذا الإنترنت ، على الآباء أنهم يمنعون أولادهم من الذهاب إلى هذه المقاهي التي فيها هذه المفاسد ، هم المسؤولون عنهم( ).
المفضلات