بسم الله الرحمن الرحيم
فى الحديث:" إن الله تعالى يحب معالى الأمور ويكره سفسافها" وفى قول أخر يبغض سفسافها، أى يكره حقيرها.
ويبدو أن هناك عقولا خلقت لتناقش سفساف الأمور.
فبينما ألأمة تعانى من غياب الشورى وتفشى الظلم وغصب الحقوق، وبينما النظام الإجتماعى يستشرى فيه ظلم المرأة وحرمانها من حقوقها الإسلامية مما دفع الكثير من النساء إلى معادة الفكر الإسلامى، وبينما أراضى الإسلام تغتصب وتقصف بالقنابل بمساعدة أراضى إسلامية مجاورة، بينما الأمية والجهل هما القاعدة وعكس ذلك الإستثناء، وبينما العلمانيون واللادينيون يقدموا فى بلاد الإسلام على أنهم أصحاب الفكر والقلم، وبينما النموذج الغربى هو النموذج الذى يدعى إليه . .
بينما كل هذا وأكثر من هذا يحدث، تجد من المسلمين من يناقش حكم اللحية، وهل الحجاب أم النقاب أولى، وأحكام الحيض والنفاس، وأحكام الوضوء والطهارة، وحكم إرسال اليدين فى الصلاة، وحكم طول الجلباب
يعنى ماذا أقول ؟ ماذا أقول سوى: فكروا ثم تكلموا؟
فعند إخواننا هؤلاء حكم تارك سنة رسول الله فيما يخص اللحية مثلا، سؤال فقه ينبغى التركيز عليه فى كل مجلس
أما حكم النظام الذى ترك الأخذ بالشورى وأتبع الحكم العضوض، فمسألة ثانوية !
حكم المجتمع الذى لايجمع الزكاة ويصرفها فى مصارفها الشرعية، مسالة غير حيوية !
حكم من يتاجر ويعقد معاهدات السلام مع المسماة بإسرائيل، مسألة ليست تهمنا !
حكم ترك الفن مجالا مفتوحا للعلمانيين، مسألة ليست خطيرة !
حكم شراء المنتجات الأمريكية، مسألة خلافية !
حكم البنوك الربوية، مسألة ليست حيوية !
لا أجد مرة أخرى سوى أن أقول: فكروا ثم تكلموا
لكننى أحيانا أقول لنفسى ربما تكون هذه مصفة ربانية تشغل أصحاب العقول المتواضعة بسفساف الأمور كى لا تزاحم أصحاب الحكمة والقول السديد منابر الدعوة
سيقولون إنه لاتوجد فى الدين أمور هامة وأخرى غير هامة
سنقول أننا لم ندعى أن فى الدين أمور غير هامة، لكننا ندعى أن فى الدين أولويات، وندعى أن هناك هام وأهم.
وندعى أن كل أمر ينبغى ألا ياخذ أكثر من حجمه، فلا إفراط ولا تفريط، وإنما هى الوسطية والإعتدال
ونظرا لإعتراض البعض على مقالى سفساف الأمور فإنى أردت هنا الإيضاح والتصويب
بداية أتوجه بكل الشكر لمن غار على دين الله ورأى فى كلامى ما يسحق التصويب
ومن يتصور أنى أعتبر شئ من شرع الله تافها، فقد كاد أن يرمينى بالكفر، لذلك كانت لهجتى واضحة وشديدة فى الرد على هذا الإتهام الذى لا يمكن أن أسمعه وأبقى ساكنا
أما تعريفى للتفاهة فهو التركيز فى الدعوة على أمر يعد ليس من أولويات الأمة وهو ما لايعنى أن الأمر فى حد ذاته تافها، فالصلاة مثلا هى عماد الدين ولا يمكن وصف هذه القضية بالتفاهة، ولكن مع هذا فإن من يجعل كل كلامه عن الصلاة فقط وهو يعلم أنه يخاطب مسلمين موحدين، فهو فى مثل هذه الحالة بالتأكيد رجل من إثنين إما موالى للسلطان أو فى أرحم الإحمالات رجل تافه لأنه ركز كل خطبه على الصلاة التى يعلمها كل مسلم وأهمل مناقشة عيوب المسلمين الأخرى الخطيرة والملحة، أفنحدث الناس كل يوم عن أساسيات الإسلام التى لا أنكر أنها هامة وليست تافهة ونهمل بقية الأمور الحيوية فى حياة الأمة كالشورى والعدل والرحمة والتكافل
أما بخصوص موقفى فهو كالتالى:-
أنا لم أجعل أى أمر من أمور الدين تافها، إنما أردت التأكيد على أن هناك أشياء هامة وأخرى أكثر أهمية يجب التركيز عليها مع عدم إهمال الجوانب الأقل أهمية
ووضعها فى حجمها الحقيقى، والأهمية لا تنبع من القضية فى ذاه ولكن تنبع من ظروف كل مجتمع، فإذا إشتد خطر إهمال الإمة لجانب ما من جوانب الدين، وجب التركيز على هذا الجانب
كيف يكون الحجاب تافها وعليه تبنى معانى العفة وغض البصر وحفظ الأعراض؟
كيف تكون اللحية تافهة وهى جزء من الهوية الإسلامية؟
كيف تكون أحكام الطهارة تافهة وبغيرها لا تصح صلاة والتى هى عماد الدين؟
كل ما قصدته أن التركيز فقط على هذه الأمور وإهمال مقاصد الشريعة الغراء مثل الشورى والعدل السياسى والعدل الإجتماعى هو عين مايريده أعداء الإسلام، وهو أن ننشغل كلية بالمظهر ونهمل الجوهر
أنا أريد فقط إعاء كل موضوع حجمه وفق الظروف الآنية لكل مجتمع
أولم تدخل إمرأة النار فى هرة حبستها، لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض؟
أولم تذكر إمرأة عند رسول صلى االله عليه وسلم من كثرة عبادتها ولكن حبط عملها بسب سؤ خلقها وإيذاءها لجيرانها؟
أولم يعلمنا رسول الله أن المرء يبلغ بحسن خلقه منزلة العابد الذى يصوم ويقوم الليل؟
هذه هى المعانى التى يجب التركيز عليها مثل العدل والرحمة وحسن الخلق والأخوة فى الله وتعاون أفراد المجتمع على البر والتقوى
أولم يبعث رسول الله ليتم مكارم الأخلاق؟ أم ترى أنه بعثوجل همه وتركيزه على اللحية والنقاب ؟
نحن لانهمل المظهر ولكننا نؤكد على أهمية الجوهر أكثر من المظهر
هل فى ذلك شك أن الجوهر أهم من المظهر؟ هذا هو هدف مقالى
ما قيمة اللحية مع تاجر يغش الناس ويهضم حقوق من يعملون عنده؟
ما قيمة الحجاب مع إمرأة تغتاب الناس وتهمل مسؤلياتها تجاه زوجها وأبنائها ؟
ما قيمة نظام يطبق حد السرقة ولا يطبق مفاهيم العدل الإجتماعى التى أتى بها الإسلام؟ أتريدون ترك الناس مضطرة إلى السرقة، ثم تقطعوا أيديهم بعد ذلك؟ أو لم يرفع عمر بن الخطاب الذى لقب بالفاروق حد السرقة فى عام الماعة؟ ليس من باب تعطيل شرع الله فحاش لعمر رضى الله عنه أن يفعل مثل هذا، لكن من باب تحقيق جوهر شرع الله
ما قيمة حد الزنى فى مجتمع يغالى فى المهور ولا يشجع الزواج بأيسر الطرق؟
أليس هذا إنفصام فى الشخصية ونفاق وتفسخ تعانى منه الأمة؟
أنا لا أريد إلغاء الحجاب أو إلغاء حد السرقة أو إلغاء حد الزنى - حاشا لله - أن أعتدى على حكمه أوشرعه. أنا أدعو إلى لب الدين وجوهره
مرة أخرى كل أمور الدين هامة، لكن هناك منها الهام وهناك الأكثر أهمية وهو الأولى بالتركيز عليه مع عدم إهمال ما هو أقل أهمية
وربما أكون قد خطأت فى عنوان المقال بقولى سفساف الأمور وكان الأجدر بى أن أسميه تحذير من سفساف العقول، فهذا تصحيح منى للعنوان لا للمحتوى الذى أراه صحيحا وأرجو تصويبى إن أخطأت
والله أعلم
أخوكم أحمد من مصر
البريد الإلكترونى
alhaq_alhaq@hotmail.com
المفضلات