هي كل شيء بالنسبة له ... عيناه لاترى غيرها في الدنيا.. عندما يراها، ينسى كل همومه ... وبسماع صوتها، تتبخر أحزانه وتذهب أدراج الرياح... "سيف" أحب "مها" كما لم يحب أحدا من قبل ... لايمكن أن يمر يوم دون أن يسمح صوتها أو يراها.. واذا لم يسمع يوما صوتها، صار تائها ضائعا..كمن فقد شيء ثمين يحاول البحث عنه. أحبها بشدة... أحبها بعنف وبصدق.. لم يكن يريد منها شيئا سوى بعض الكلمات الجميلة. لم يبخل أبدا بشيء عليها.. كان يتمنى أن يخدم "مها" بأهدا عيونه. اذا مرضت تمنى أن يكون هو المريض... واذا تضايقت تمنى أن يزول عنها الضيق ولو حل به هو بدلا عنها.. لانه كان يحبها .. أو بالأحرى ..كان يهيم بها ويعشقها. حين يحدثها.. يحاول قدر الاستطاع أن يكون الحديث شيقا ليقضي معها أطول وأجمل لحظات حياته.. ولكن نادرا ما كان الحديث شيقا بالنسبة "لمها" تلك الجميلة ...بل رائعة الجمال.. كان "سيف" يحس بذلك الشيء.. فيحاول مرة تجاهل ضيقها .. ومرة يسألها فلا تجيبه إلا بالتأففات وتطلب انهاء المكالمة فورا. فيتساءل لماذا؟؟؟ ويقضي يومه كئيبا حزينا... وفي المرات النادرة التي انت تلقاه بالترحيب..كانت الدنيا لا تسعه من الفرحة.. يطير فرحا وسعادة...لكنها كانت لحظات وتنهي المكالمة بحجة الانشغال بالعمل..ويمضي "سيف" يومه فرحا مسرورا وسعيدا.. كان من الطبيعي أن يفرح لفرح حبيبته التي أحبها من أعماق قلبه وبكل جوارحه وحواسه...
لم يكن يجرئ ابدا على اغضابها أو ازعاجها… بينما هي …لم تكن تترد ابدا في ذلك… مع علمها ما سيحدث له من ألم وحزن… لم يكن يدخر جهدا بمحاولاته المتواصلة في البحث عن طريقة لاسعاد "مها" وانتشالها من بحر أحزانها التي ألقت نفسها فيه… وكان الفشل هو المصير الدائم لكل امحاولات اليائسة.. وتمر الأيام تلو الأيام … وعشق "سيف" يشتعل بقلبه شيئا فشيئا… أما "مها" فمنعت الهواء عن شمعة الحب فتركتها تختنق بلا رحمة…

أغلقت "مها" سماعة الهاتف بقوة وهي تتأفف وتقول: - أفف …مللت كثرة اتصالاته بسبب أو بغير سبب.. سمعتها زميلتها "عائشة" فقالت لها: - "سيف"؟!! - ومن غيره… دائم الازعاج.. - انت تعلمين أنه يحبك.. - أعلم … ولكنني مللته.. ومللت كل كلامه. - مللته!!! …ألم تكوني تحبينه من قبل وتطلبين رؤيته كل يوم..وتعاتبينه اذا تأخر باتصاله عليك ولاتكتفين باتصالين أو ثلاثة في اليومالواحد؟؟!! - كنت… وأنا نادمة على ذلك …لقد مملته…وانتهى.. أنا الآن لا أبادله الشعور أبدا…حتى لو غاب عني الدهر كله لن أسأل عنه. - ياااااه …لهذه الدرجة انقلب الحب كرها… - قد لايكون كرها…ولكني الآن لا أعيره نفس الاهتمام ولاأبادله نفس الشعور… - وما السبب؟؟؟ - ترددت "مها" ثم قالت: - انت تعلمين .. أنا مشغولة وكل هذه المعاملات يجب الانتهاء منها والمدير يطالبنا بسرعة انجازها و… قاطعتها "عائشة" بسرعة: - انت تتكلمين عن شيء كأني لا أعرفه!!! أنسيتي أننا نعمل بنفس العمل تقريبا…صحيح انت مشغولة ولكن ألا تعطين نفسك الاحة دائما ونتحدث أنا وانت في أمور ليس لها علاقة بالعمل …كما انك أيضا تتحدثين مع صديقات أخريات بالهاتف غير من تأتي لها أيضا… أليس من يحبك ومستعد للتضحية من أجلك أولي من هؤلاء - أوووف …كفا يا "عائشة" كفا…هذا موضوع شخصي أرجوك. "عائشة" وقد امتعضت من كلامها.. - آه …مسكين "سيف" ….أشعر بالآسى لحاله.. - أنا لم أجبره على شيئ ولا أطلب منه الاتصال حتى يتعكر مزاجه وتشعرين بالأسى لحاله… يكفي يا "عائشة". - اتمنى أن لا يكون هناك سبب آخر يا "مها" - لن أرد عليك.

كان "سيف" يشعر بوحدة قاتلة وكآبة.. وكان قضي يومه وحيدا دون صديق ولا ونيس.. فكان يحس بضيق وفراغ كبيرين..حتى لاحظ كل من يراه ذلك.. كان يلجاء الى الهاتف ….الى اعز انسانة على قلبه.. عله بالكلام معها تنسيه بعض من ههومه … "سيف" .. - صباح الخير… "مها".. - صباح النور… - كيف الحال؟ - الحمدلله.. - الحمدلله…هل تسمحين بدقائق؟ - لا…مشغولة.. - آه … من أسبوع وانت تقولين لي مشغولة أرجوك أنا احتاج للكلام معك. "مها" بغضب مفاجأ.. - نعم مشغولة…ولو سمحت لا تتصل مرة أخرى.. أغلق "سيف" السماعة ببطأ وطأطأ رأسه حزنا لعدم اكتراث "مها" به ولعدم رغبتها بالكلام مع. أما "مها" فلم تغلق الهاتف…كانت هناك مكالمة أخرى ..و"عائشة" تنظر لها بغرابة وانتظرت طويلا حتى انتهت "مها" من المكالمة فسألتها.. - ألم يكن ذلك هو "سيف" الذي أغلقتي الهاتف في وجهه وانت تصرخين وتطلبين منه عدم الاتصال بك؟؟ - نعم.. ومن غيره صاحب الأحساس البليد؟!!! - ومن كان على الخط الآخر... لقد قلتي انك مشغولة ولكنك تكلمتي زهاء نصف ساعة بعد ذلك.. "مها" مرتبكة: - أنها أختي.. هزت رأسها وهي تقول... - أقصد صديقتي .. لم أحادثها منذ زمن. - أختك! صديقتك! ولكنك كنت تحدثين شخصا. "مها" بغضب مصطنع: - هل تتجسين علي؟!! - أنا ام أفعل ذلك ولكني سمعتك تنطقين بأسمه أكثر من مرة.. "مها" وقد بدى الأرتباك على وجهها.. - سمعتي اسمه؟..وهل سمعتي شيئا آخر؟!! - شيئ آخر!... مثل ماذا؟ - لاشيئ ....لاشيئ.. اقتربت "عائشة" منها ونظرت اليها بحدة وقالت: - من هذا يا مها؟.. - قلت لك انها... قاطعتها عائشة بحدة.. - قلت لك من هذا ولم أقل لك من هذه... تظاهرت "مها" بانشغالها بالعمل ولكن عائشة امسكت بيدها وسألتها مرة أخرى: - لماذا لا تردين هل أنت خائفة؟؟ - لا لست خائفة ..كما سمعتي اسمه "أحمد" ... حبيبي "أحمد" - حبيبك!!...ماذا؟..لم أسمع!..مرة أخرى - نعم أنا أحبه ..وهو يحبني - كيف؟...ومتى؟...وأين؟؟ - لايهم ... المهم أننا نحب بعضنا - وكيف تأكدتي من حبه لك؟ وماذا عن "سيف"؟ - أولا" سيف" الآن من الماضي...لاأحبه ولا أريد أن تذكريني به. أما عن حبه لي .. لا أدري ..يقول أنه يحبني ويعشقني.. نظرت اليها عائشة بدهشة وقالت.. - لا أصدق ... هل انت "مها" التى أعرفها ... لا ...لايمكن "مها" بلهجة ساخرة.. - لا .. أنا ...صدقي.. - كنت تحبين "سيف" ثم تركتيه واتجهتي الا هذا المجهول...ثم ماذا بعد؟!!! - على العموم "سيف" خلاص ...صد أسمح له بالكام معي وقت ما أشاء .. أما "أحمد" فأنا أحبه وأفضله على سيف ولن أتنازل عنه أبدا. - هل يعلم "سيف" بذلك؟ - لا ...ولكن لا يهمني أن علم بذلك.. هل يجب أن أخبره بكل أموري الشخصية. - الأفضل أن لا تخبريه...سيتألم ويحزن كثيرا يا "مها" "مها" بعد أن فكرت قليلا - ولكن اذا علم بذلك قد يتوقف عن الاتصال بي وعن ازعاجي وينتهي كل شيئ.

دهشت "عائشة" لكلامها فقالت: - هل تعلمين ما ستفعلينه به اذا اخبرتيه عن "أحمد"؟ - أعلم ..سيحزن قليلا ثم يتركني أعيش حياتي بعيدا عن منغصاته. عادت "عائشة" الى مكتبها وهي تضرب فا بكف وتقول: - لا أصدق ..لأا أصدق أبدا...أنت لا يمكن أن تكوني "مها".. أما "مها" فقد عادت تطلب "أحمد"

ها هو "سيف" يقضى وقته حزينا، وعلى سرير بللته الدموع ألقى بجسمه المنهك ...حاول النوم.. لم يستطع...لم يغمض له جفن.. يفكر بمن ...يفكر بمن أستولى على يومه كله، على عقله، على تفكيره...يفكر"بمها"... "سيف......سيف" كرها "سالم" عدة مرات وهو ينادي على "سيف"... - "سالم" ....نعم ...هل ناديتني.. - آه ... الى متى يا"سيف"...الى متى تبقى شارد الذهن يا "سيف"؟ "سيف" بعد أن تنهد - أنها لا تطقني يا "سال"م....عندما أكلمها تغضب فجأة كمن يكلم عدوه....آآآآه كم أتألم لذلك. - كيف؟!! ألم تكن تحبك؟ - كانت ...لاأدري لماذا تغيرت فجأة...مع أني ازداد حبا لها كل يوم...لكنها تبتعد...أخشى أن أفقدها يا "سالم" ...أخشى ذلك. - يا"سيف" المثل يقول "الباب الذي يجئ منه الريح سده واستريح" - ماذا تقصد؟...هل تقصد..؟ - نعم ...انساها ...يكفي ما فعلته لها ومن أجلها...ماذا جنيت سوى الآلام والأحزان....انها لاتعيرك أدنى اهتمام. "سيف" يصرخ غاضبا: - انت لاتعلم كم أحبها ...أنا أحبها أكثر من نفسي ..أكثر من روحي...ألاتلم أنه "من السهل أن ينسى الانسان نفسه...لكن من الصعب أن ينسى نفس داخل نفسه" - لافائدة منك يا "سيف" لا فائدة...لا أستطيع أن أصدق أن أحدا يحب أنسان لايحبه...وقد يكون يكرهه.. - تكرهني!....لا ...لا...أنها لاتكرهني.. - وبماذا تفسر أسباب سوء معاملتها لك... - م..م...مشغولة....نعم...أو.... أعتقد أنها متضايقة من شيء ما .أو... - لاتختلق لها الأعذار ...الا متى تبقى هكذا ...دائما تدافع عنها...استيقظ من أحلامك يا "سيف"...هل تريد أن أقسم لك أنها تكرهك...يستحيل أن تعاملك هكذا وهي تكن لك أي مشاعر سوى الكره والكره فط.. نهض "سيف" وصرخ في وجهه قائلا.. - اصمت....لم أطلب منك ابداء آرائك القيمة.. ثم خرج وأغلق الباب خلفه بقوة.. - مسكين يا "سيف" ....انت نحب انسانه تكرهك ..مسكين.

اليوم...آخر الأسبوع .. توجه "سيف" الى عمله صباحا...ينظر في ساعته في كل لحظه..ينتظر أن يمر بعض الوقت ليتصل "بمها" ..ينتظر الوقت المناسب...وتمر الثواني كالأيام ..والدقائق كالشهور...والساعات كالدهر...الا أن جاء الوقت.... رفع السماعة وطلبها... - صباح الخير يا "مها".. "مها" تتنهد... - صباح النور...نعم.. - أحببت أن أسلم عليكي فقط.. - يب..ثم ماذا ... - أنا مشتاق لك ..وأريد أن أراك عزيزتي ...ممكن.. - لامانع.. "سيف" فرحا.. - شكرا...سوف أنطلق من هنا فورا...الى اللقاء.. - الى اللقاء..

انطلق سيف بسيارته فورا...يقطع المسافات كالصاروخ بلغت سرعته 180 كيلومتر....يتجاوز كل السيارات التى أمامه..يسابق الريح...ويطير عصفور ..ويصدمه.. حزن سيف ادرك أن هذا نذير شؤم.. - وصلت ياعزيزتي.. - طيب ..يعني؟! - ....الم أتفق معك على رؤيتك؟!! - ماذا؟...متى حصل ذلك؟ - "مها" ...لماذا تخلفين بوعدك لي دائما.. - أنا لم أطلب منك شيئا ..أنا لا أريد رؤيتك ...أا تفهم؟.. - "مها".. - أففف - "مها" لماذا كل هذا؟...لماذا تغيرتي؟ - أسمع..أنا لا أحبك...أنا أحب شخصا آخر..أفهمت؟ شحب وجه "سيف" من هول الصدمة.. - ماذا؟...ماذا تقولين؟..ت..ت..تحبين شخصا آخر!!!!! - نعم ...كما سمعت.. - كيف؟...ومتى؟...ومن؟!!! - هذا ليس من شأنك....من أنت حتى أخبرك؟ - "مها"...انت تمزحين أليس كذلك؟ - لا أنا لاأمزح...ولا أريد أن أسمع صوتك مرة أخرى ...فهمت؟ ولم تنتظر الرد ..أغلقت السماعة في وجهه ثم قالت.. - أخيرا أرتاح ..وينتهي كل شيئ وتركت سيف يغرق في بحر أحزانه ..وحيدا..

كاد يغمى عى سيف من هول الصدمة..."فمها" لايمكن أن تفعل ذلك في نظره..أنها أعقل من أن تتصرف هذا التصرف الطائش..هل تبحث عن أي كان لمجرد التسلية..لا ..لايمكن... لايمكن.. علم "سالم" بكل شيئ بعد أن أخبره سيف بالقصة كاملة.. - ألم أقل لك يا "سيف" ..أنها لا تحبك بل وتحتقرك...انت لا تريد أن تسمع لأي كان سوى لأحلامك وخيالاتك.. "سيف" وعيناه تدمعان من الحزن.. - قل لي أني أحلم...أليس كذلك ..أكيد أنا أحلم... - لا يا"سيف"....هذه الحقيقة ...الحقيقة التي أغمضت عيناك عنها..هاهي الآن واضحة جلية... - هل أنتهى كل شيء يا"سالم" ..هل انتهت تلك الأيام الجميلة؟..انتهت!.. - نعم ..انتهت ولن تعود ثانية...لن تعود.. - آآآآه ...لماذا يا "مها" ...لماذا؟؟

تمر الأيام ...وصورة "مها" لم تفارق خيال "سيف"...وصوتها العذب يرن في اذنيه...وقلبه مازال ينبض بحبها... اما هي فلم تعد تذكره أبدا ...استولى "أحمد" على فكيرها كله..لاتفكر بأحد سواه..

- أراك متعبة اليوم يا "مها".. - نعم يا "عائشة"...لا أدري ما الذي جرى لي..أحس بأرهاق شديد..وألم في جانبي الأيمن والأيسر... - هل ذهبتي الى الطبيب؟.. - لا...سأذهب غدا ...آآآه - هل تتألمن؟؟ - نعم..آآه..زاد الألم يا "عائشة"... - سآخذك الى المستشفى حالا...هيا بنا..