عمت الأفراح في الحي… ورقص الرجال … وغنت النساء وأكل الجميع وشربوا ..حتى اذا انتصف الليل.. انصرف الجميع وهم يدعون بالتوفيق للعريسان… "خالد" لم يتمالك نفسه من الفرح…فقد ظفر بالفتاة التي أراد والتي طالما حلم بها.. أما "سميرة" فكانت تكتفي بابتسامة صغيرة.. وعلى غير عادة أهل القرية، أراد "خالد" أن يقضي شهر العسل في المدينة …فانطلق فور انتهاء مراسم العرس، ليبدأ حياة الزوجية…ولتبدأ القصة..
"لماذا تبكين يا أم خالد؟.." - اشتقت له يا أبوخالد… - لم يمض على ذهابه سوى أسبوعان…أنت تبكين هنا وهو هناك يضحك سعيدا مع زوجته… - الله يسعده… أدعي له كل يوم وفي كل صلاة…ولكن قلب الأم… - اطمأني يا أم خالد.. اطمأني بعد أسبوعين سترينه بخير وعافيه باذن الله.. - آمين يا رب…

وتمر الأيام… "أم خالد ..أحدهم بالباب…افتحي.." وتفتح أم خالد الباب و… - "خالد" …كيف حالك يا بني؟… وتحتضنه الأم وتقبله…ثم تلتفت الى "سميرة" ..وتسلم عليها… - كيف حالك يا "سميرة"؟.. سميرة وهي تكاد تبسم… - الحمدلله.. ثم دخلت الى حجرتها سريعا.. دخل خالد وسلم على أبيه وجلس… - أن "سميرة" يا "خالد"؟.. - انها في حجرتها.. قطب الأب حاجبيه وقال… - هل اغضبتها يا "خالد"؟… - كلا يا أبي… - ولماذا لم تأتي لتسلم علي وتجلس معنا؟.. خالد بعد أن فكلا قليلا.. - لابد وانها متعبة يا أبي الأب بعد أن أعتدل.. - حسنا..كيف كان شهر العسل؟.. خالد يبتسم ببطأ ثم يقول… جيد.. ثم استأذن وذهب الى حجرته… التفتت أم خالد وقالت.. - لا أرى السعادة بادية عليهم يا أبا خالد.. - وانا أيضا لا أرى ذلك… ثم نهض وهو يقول… - اتمنى أن تكون ظنونا يا أم خالد.. ثم نظر الى غرفة "خالد" وقطب حاجبيه وقد على صوت "خالد" زوجه - أبا خالد …هل تسمع…انهما.. - نعم..نعم أسمع.. ثم قال وهو يحاول طمأنتها.. - شيء طبيعي يا أم خالد… ثم ابتسم وقال.. - كل المتزوجون هكذا.. ولكن الصوت يعلو ويعلو..

جائت أم سميرة لزيارت ابنتها…وبعد أن جلست مع أم خالد قليلا قامت ولحقت بابنتها الى الغرفة..ثم قالت والابتسامة على وجهها.. - كيف كانت أيام العسل يا سميرة؟ - أفف ..لم أرى أي عسل يا أمي.. الأم بعد أن ذهبت الابتسامة.. - ماذا؟ هل أساء "خالد" معاملتك؟ - لا.. - اذا لماذا هذا الكلام؟.. - لا أعلم …ولكني غير سعيدة… - "سميرة" ..كفاكي دلالا يا ابنتي. انت الآن زوجه.. وان شاء الله ستكونين أما.. "سميرة" بلامبالاة.. - لا أدري لماذا تزوجت .. الزواج يقيد الانسان …زوج.. بيت.. أولاد.. مسؤولية.. - "سميرة"!!.. لم يمض على زواجك سوى شهر…لاتقولي هذا الكلام أمام أحد خاصة زوجك.. ثم استدكت.. - ثم ماهذا الكلام الذي أسمع؟… ألا تدركين معنى كلامك؟.. - أعلم…لايهمني… نهضت الأم وهي تحاول أنهاء الموضوع.. - لقد تأخرنا على أم خالد..هيابنا… كانت سميرة تسأل نفسها كثيرا وتلوم نفسها أكثر لانها تزوجت…كان تفكيرها غريبا…لا تريد أن تتحمل مسؤولية شيء…تريد أن تبقى البنت المدللة …تلب فتجاب..دون أن تسأل عن شيء… أما الآن فقد تغير الحال.. كان "خالد" يمضي النهار كله في الحقل…لايرى "سميرة" سوى حينما تحضر له الغداء وبعد أن يعود في المساء …ويتناول طعام العشاء ... يلقي بجسده المنهك فينام حتى الفجر.. وفي الساعات القليلة التي كان يرى فيها سميرة..لم تكن تكف عن الشكوى من أمه ومن عمل البيت.. "ماذا؟..هل تريدين مني أن أترك بيت الأسرة وأسكن بعيدا عنهم.." - ولم لا؟.. أمك لا تكف عن مضايقتي..انت لا حول لك ولا قوة أمامها… هل تريد أن أعيش بكآبة طول حياتي؟.. - سميرة.. عزيزتي.. انت تهولين الموضوع..أمي تحبك وتحترمك كما تحبني وتحترمني… ثم تابع.. - قد تغضب أحيانا.. هذا صحيح… انت تعلمين أنها امرأة كبيرة…هكذا الكبار بالسن.. - خالد ..اذا لم نرحل الى بيت آخر أترك البيت وأذهب الى بيت أبي …هناك أعرف قدري وقيمتي… - قدرك وقيمتك من قدري وقيمتي يا عزيزتي.. ثم هز رأسه وتابع.. - "سميرة"…منذ اليوم الأول لزواجنا وأنا لا أحس أنك سعيدة.. ؟"سميرة" …دعينا نعيش بسعادة يا عزيزتي… - كيف تريدني أن أكون سعيدة وانا أسيرة في غرفة صغيرة…هل هذه سعادة… - وكيف يعشن بنات القرية الأخريات؟…هل يعشن في قصور؟!.. - أنا لا أريد قصرا. أنا أريد بيتا صغيرا.. "خالد" انت تحكم على حياتنا بالفشل اذا رفضت.. "خالد" وقد تنهد ببطأ.. - حسنا.. دعيني أجد الفرصة المناسبة لمفاتحة والدي بالموضوع… - ماذا؟.. هل انت طفل حتى تأخذ الاذن من والدك؟.. - انه والدي يا "سميرة"…يجب أن آخذ رأيه. هل تريدين أن أرحل دون أن أخبره… - أفف … أنا لا أقول هذا… أنا أريدك أن تخذ قرارك بنفسك.. لا أن تنتظر حتى يفعل ذلك أبوك.. "خالد" وقد قطب حاجبيه… - "سميرة" أنا لا أسمح لك بذلك مفهوم… همت "سميرة" بالخروج من الغرفة فقال "خالد".. - دعي هذا الأمر علي وأنا سأتصرف.. بتسمت "سميرة" وقالت بسخرية.. - حسنا … سنرى ذلك..

"هل تريد أن ترحل وتتركنا يا خالد؟" - أبي سأكون قريبا منكم وسأزوركم كل يوم.. - لكن لماذا؟! كانت أم خالد جالسة معهم فلما سمعت كلام ابنها قامت وهي تحاول منع دموعها.. فناداها "خالد".. - أمي ..أمي أنتظري لحظة.. - دعها يا "خالد" ..والآن أخبرني …لماذا تريد أن ترحل؟. طأطأ "خالد" رأسه ولم يجب فقال الأب.. - أجبني يا "خالد"… - أبي ..أنا في حيرة…لا أريد أن أغضب أمي ولا أريد أن أخسر "سميرة" .. - أمك وسميرة!!! …ماهذا الكلام.؟ ماذا تقصد؟.. - "سميرة تشتكي من معاملة أمي لها…فأمي تصرخ في وجهها وتوكل لها أعمال المنزل وهي كما تعلم.. أقصد "سميرة" …غير معتادة على هذا الشيء و.. قاطعه الأب قائلا… - هل هذا هو السبب؟… هل اشتكت لك صراحة.. - نعم يا أبي… قال الأب غاضبا… - وماذا تريدها أن تفعل لها؟..هل تقول لها أجلسي وأنا أخدمك..لا تجهدي نفسك فأنت الطفلة المدللة.. - أبي ..أرجوك …لا أريد أن يكبر الموضوع.. الأب بسحرية.. - نعم..نعم…لا تريد أن غضبها.. ثم قام وهو يقول بغضب.. - أفعل ما شئت …لا شأن لي بك.. - أبي لا تغضب يا أبي… ومضى دون أن يلتفت اليه..

لم تسع لسعادة "سميرة" وهي تدخل الى ذلك البيت الصغير الذي استأجره خالد في طرف القرية.. وقامت ترتب الأغراض وتنظف البيت.. - ماذا بك يا "خالد"؟.. لا أراك سعيدا… لم يرد فقد كان يفكر.. فقالت بسخرية.. - هل انت حزين لمغادرة حجر أمك؟.. رفع "خالد" رأسه وقال.. - أنهما غاضبان على يا "سميرة".. - أفف..ماذا يريدان؟.. لماذا لا يتركانا نعيش حياتنا؟.. - "سميرة" انت تعلمين أنني أبنهما الوحيد ولم نعتد يوما على فراق بعضنا.. قالت وهي تلوح بيدها… - غدا تعتادون على ذلك.. ثم أردفت قائلة.. - ثم أنا أيضا وحيدة أمي وأبي.. هل يعنيأن نبقى جالسين بجوارهما طول العمر.. نهض "خالد" وهو يتأهب للخروج… - سأذهب الآن الى الحقل .لا تتأخري بالغداء.. ابتسمت "سميرة" وقالت.. - أمرك يا حبيبي… وأنصرف "خالد" فاطلقت "سميرة" زفيرا طويلا وقال.. - أخيرا… وتابعت عملها…

مر عام على زواجها الا انهما لم يشعرا أبدا بالسعادة فكان لا يمر يوم دون مشاكل بسبب أو بدون سبب وكانت سميرة تفتعل تلك المشاكل…

حملت "سميرة" الطعام وذهبت كعادتها الى "خالد" فلما رآها ترك ما كان بيده واتجه نحوها… وضعت الطعام ولم تجلس فقال خالد وهو يضع لقمة في فمه.. لماذا لا تجلسين؟ رفعت رأسها وهي تنظر الى الأشجار من حولها.. - سأذهب الى أم محمد.. - أم محمد … الداية؟ - نعم.. بدت الفرحة على خالد وقال بلهفة.. - هل انت حامل؟.. قالت بدون اهتمام.. - ربما.. قام بسرعة وقال بفرح.. - الحمدلله…الحمدلله..أخيرا سأكون أبا.. لم يتمالك نفسه من الفرحة..وصار يبحث للمولود القادم عن اسم.. - اذا كان ولدا سأسميه على اسم ابي …واذا كانت بنتا على اسم أمي.. - مهلا ..مهلا ..انها مجرد شكوك ..سأذهب لأتأكد.. - ان شاء الله تكون حقيقة.. وليست شكوكا… وسكت قليلا ثم تابع… - ماذا تنتظرين؟…هيا اذهبي الها... وبالفعل ذهبت "سميرة"..وتأكدت ظنونها..

عاد خالد مسرعا الى البيت ودخل فنادى بصوت عال.. "سميرة…سميرة" - نعم…نعم.. - ماذا قالت لك أم محمد؟.. كما قلت لك.. - حامل؟ قالت وهي تعود الى المطبخ.. - نعم …حامل.. - يا سلام… كم أنا سعيد اليوم… ثم لحق بها الى المطبخ وقال… - ماذا تفعلين؟.. - ألا تريد أن تأكل؟… قال وهو يمسك بيدها.. - أرتاحي انت وانا أقوم بكل شيء… - منذ متى وانت تساعدني في أعمال المنزل؟ - من اليوم وصاعدا سأقوم بكل شيء… وجلست تنظر اليه..

ومرت الأيام… "خالد…قم ياخالد" - آآه .. خير ا سميرة.. - أعتقد انني سألد الليلة.. اعتدل خالد وجلس بسرعة على سريرة… - هل أذهب وأحضر أم محمد؟.. قالت وهي تضع يدها على بطنها… - بسرعة …وأخبر أمي أيضا.. وبسرعة قام خالد يلبس وأسرع يحضر الداية…

"مبروك يا خالد….بنت" طار خالد من الفرح وهو يسمع البشرى ..فانتظر حتى تنتهي أم محمد من تغسيلها وأصر على حملها وتقبيلها.. ثم انطلق يزف البشرى لأمه وأبيه.. وعم الفرح والسرور ووزعت الحلوى على الأهل والأصحاب.. كان تلك الفرحة بالمولودة البكر..

ومرت خمس سنين .. والمشاكل ما تزال بينهما كما كانت … بل وزادت.. r

وفي صباح أحدى الايام... دخل "عمر" جار "خالد" وصديقه الى مزرعة "خالد" فرآه جالسا يفكر على غير العادة فاقترب منه وسلم عليه وجلس يحاوره.. - أراك مهموما يا "خالد"؟…خير.. - آآه يا "عمر" …احس وكأن هموم الدنيا على رأسي.. أبدى عمر انزعاجه من ذلك فسأله قائلا… - خير …مما انت مهموم هكذا؟!.. - انت تعلم اني متزوج منذ خمس سنوات ولم أرزق سوى بابنة واحدة..ولم أرزق حتى الآن بذكر يحمل اسمي واسم عائلتي.. - اذا فهذا ما يؤرقك؟… - نعم يا عزيزي.. - لماذا اذا لا تتزوج بأخرى علك ترزق بالولد.. - فكرت بذلك يا "عمر".. سأله "عمر" وقد بدى الاهتمام عليه.. - وهل تفعل؟… وكيف ستخبر زوجتك بذلك؟… - ولم لا؟… لست أول من يتزوج بثانية.. - ولكن ستحول حياتها الى جحيم وستدب المشاكل بينكما - ومن قال لك أن حياتي الآن سعيدة… المشاكل كل يوم.. - لم لا تطلقها وترتاح.... - اطلقها!!.. لا وابنتي.. هل اتركها دون رعايتي.. سأدمرها وأدمر "سميرة" أيضا… لا ..أعارض الطلاق.. - حتى لو طلبت هي ذلك؟.. يفكر "خالد" بعمق ثم يقول… - لا أعتقد أن تتطلب ذلك… ثم يلوح بيده ويقول.. - حتى لو طلبت ذلك … لن يوافق الأهل على الطلاق.. وبعد قليل قام وهو يقول..- سأفاتح ابي بالموضوع … ثم أخبر "سميرة" بقراري.. وتابع عمله…

لم يعارض الاب الفكرة ..بل شجع "خالدا" على ذلك.. فهو يتمنى رؤية حفيده الذكر .. الذي يحمل اسم العائلة.. وبالتالي أصبح الطريق سالكا أمامه. وقرر أخبار "سميرة" بالموضوع وهو يتأهب للمعركة.. "سميرة... سميرة" جاءت "سميرة" وهي تتأفف وتكتف يديها وتقول.. - نعم… خير… جلس "خالد" وهو لا يعرف من أين يبدأ فقالت له بصوت عال.. - نعم… أنا انتظر …ماذا تريد؟… - كم مر على زواجنا؟… - أفف… خمس سنوات… - خمس سنوات ولم أرزق بولد يحمل أسمي واسم والدي.. انت … قاطعته "سميرة" وهي تنظر الى أعلى… - طيب…وماذا تنتظر؟ .. لماذا لا تتزوج من أخرى… دهش "خالد" لكلامها فحاول استغلال الموقف فقال.. - هذا ما أردت أن أخبرك به … سأتزوج.. هزت "سميرة" كتفيها وهي تقول بلامبالاة.. - ولم لا؟… لامانع… نهض "خالد" والدهشة ما زالت بادية عليه… - أنا جاد يا "سميرة".. لقد فاتحت أبي بالموضوع ووافق.. - وأنا أيضا جادة في كلامي… من حقك أن تتزوج أربعا.. لم ينطق خالد بشيء ..فقد كانت تلك مفاجأة له.. ظن أن سميرة ستنفجر بالصراخ وتفجر البيت أعتراضا لكن ذلك لم يحصل… فقام وهو يهز رأسه مضى خارج البيت..

لم يتأخر موعد الزواج كثيرا … وتزوج خالد من أحدى قريباته... وكان ما أثار دهشت الجميع هو حضور "سميرة" للعرس دون أن تبدو عليها أي آثار للحزن…