لله درك ياخنساء فقد كنت مثلا ً عظيماً، ولله در هذا الدين فهو اعظم مازال يخرج لنا أمثال الخنساء حتى في آخر الزمان .

فخنساء اليوم ليست من جزيرة العرب ارض القرآن ولكنها وأمثالها من بلاد العجم من ارض الشيشان ولكن ما الفرق مادام المعلم واحد والمدرسة واحدة فالمدرسة هي الإسلام و المعلم هو القرآن .

كان بيتاً هادئاً وديعاً بل وسعيداً بيت الشيخ / رمضان إدي سلطانو وزوجته (مدينة) من قرية (تسيسن يورت)

- العائدان لتوهمامن المنفي السيبيري المتجمد مع شعبهما بدون ذنب أو جريرة – فتزوجا ورزقهما الله تعالي ستة من الأولاد أربعة أبناء وبنتين يبدو عليهم الذكاء والنجابة فانتقل الأب الهادئ المستقيم بهم إلى العاصمة (جروزني) ليكون بجوار عمله كسائق في مصانع بلده التي يملكها الروس وليتمكن أولاده من الدراسة والتعليم الذي حرم منه هو في منفاه ولعلهم يكونون اسعد منه حالا ويذهب ذلك الماضي الكئيب .

- فظهور الابن الأكبر مواليد 1968 م دخل كلية الحقوق في روسيا .

- ومليكة دخلت كلية الطب .

- وإسلام الصغير موايد 1976 م التحق بمعهد الطيران في جروزني .

- وآدم مواليد 1972 م .

- وعمر مواليد 1974م ، ورقية الصغرى مازالوا يدرسون في المدارس

ولما أعلنت الشيشان استقلالها عن روسيا في 1991 م ونشطت الحركة الإسلامية هناك في الدعوة دخل النور هذا البيت عن طريق الابن الأوسط - عمر – ولكنه غمره كله حيث تحجبت البنات وغير – ظهور – اسمه إلى – محمد- وانخرط الأولاد كلهم في الحركة الإسلامية .

ولما هجم الروس على الشيشان في الحرب الأولى سنة 1994م هب الأبناء الأربعة يدافعون عن دينهم ووطنهم وكان أكثرهم حماسة وحباً للجهاد أصغرهم – إسلام – فما إن حطم الروس طيارة التدريب التي كان يقودها لم يهرب ولم يتخاذل وإنما امتشق سلاحه وانخرط في صفوف المجاهدين جندياً عادياً وكم حدثني أقرانه عن إيمانه وحبه للشهادة والحور العين ، فعندما كان يسمع عن الجنة والحور العين كان يبكي ويدعو الله أن يستشهد في الحال , ولقد حدثني أمير مجموعته – غريب – أنور الشيشاني الأردني رحمه الله عن حاله يوم حاصرهم الروس في جنوب جروزني بعد انسحاب المجاهدين في 21-2-1995م صاح وكبر وقال ( الحمد لله الآن تأتى الشهادة ) وفي أول هجوم للوس كان أول المندفعين نحوهم حتى خرج لهم من الخندق واستشهد وهو مقبل في التاسعة عشرة من عمره , ومن كثافة وقرب نيران العدو لم يستطع المجاهدون سحب جثته وبقيت هناك ثمانية عشر يوما حتى وجدته أمه الصابرة ودفنته ولم تجزع ولم تمنع أبناءها الثلاثة من الجهاد .

وعندما انسحب المجاهدون من جروزني بقي الفرسان الثلاثة فيها يقومون بالعمل السري في -كار بنكا – بقيادة عمر الأوسط .

وعندما عاد المجاهدون للهجوم على المدينة في 6-8-1996م امتشق الثلاثة أسلحتهم علناً وهجموا علي -بوستة – الروس على تبة-كار بنكا - التي لابتعد عن بيتهم سوي أمتار وحرروها منهم وهناك سقط الأخ الأكبر محمد شهيدا في الثامنة والعشرين من عمره ولم يتزوج ودفنه أبواه بجوار أخيه الأصغر إسلام .

وجاء نصر الله وخرج الروس وبقي للام ولدان ولكنها لم تضعف ولم تهن وكنا جيرانهم ونزورهم فنرى البشاشة لا تفارق وجهها ونرى الهدوء والسكينة على محيا زوجها , وكأن شيئا لم يكن .

وتزوج آدم وعمر وتزوجت - رقية – من مجاهد اسمه إسلام من مجموعة أخيها عمر وعمل الجميع في حرس الشريعة , وكان عمر نائب رئيس حرس الشريعة , كماكان نائبا لوزير الداخلية سنة 1998م وله من العمر 24 عاما وكان عنده من المال ولكن ذلك لم يغير منه شيئا فقد كان يحب المساجد ويواظب على صلاة الفجر معنا في جماعة في مسجد -كار بنكا - الصغير ويرافقه دائما أخوه الأكبر آدم وكأنه الأصغر إذ كان في تواضعه ومرحه وصفاء قلبه كأنه الطفل الصغير ثم فكر عمر في بناء مسجد كبير , وكان أول واكبر المتبرعين واختار بنفسه تصميم المسجد الجديد وبدأ البناء الضخم ولكن .. هجم الروس مرة ثانية في أكتوبر 1999م وتوقف البناء .

وهب أبناء الشيشان الأشاوس من جديد للدفاع عن ينهم ووطنهم وفي مقدمتهم عمر أميرا في الجماعة وآدم مسؤول الاتصالات وأختهم الدكتورة مليكة في علاج الجرحى ومعهم ختنهم إسلام ومجموعته من المجاهدين , وعندما حاصر الروس - جروزني - وخرج الوالدان إلى قريتهم الأصلية ( تسيسن يورت ) بقي الأبناء هناك و أبت مليكة الخروج وبقيت في المستشفي اكثر من ستين يوما ليل نهار مع الجرحى تحت القصف بالقنابل الفراغية والعميقة التي تزلزل الأسس ونقل مكان المستشفي ثلاث مرات وهي تنتقل معه .

وعندما انسحب المجاهدون من جروزني من ذلك الممر الضيق – جسر يرمولوفكا – كان القادة ف المقدمة يفتحون الطريق , وقد قتل وجرح معظمهم لكثرة الألغام والقصف المباشر ولم ينج إلا قليل ومن هؤلاء القليل كان عمر فقد عبر الممر حياً ونقل بعض الجرحى إلى قرية - يرمولوفكا – ثم سمع بنائبه بدر الدين قد بترت قدمه فرجع تحت القصف ليسحب بدر الدين _ لانه كان سمينا _ وقد رأيته آخر لحظة عائداً يتحدث بالمخابرة ونحن نسحب جريحا ونخرج من الممر الرهيب فسلمت عليه - وكنت احبه جدا لإيمانه وحيائه – وسألته عن حاله ولماذا عاد في هذا الوقت العصيب ( فقال تقدموا سأرجع إلى بدر الدين وألحق بكم ) وما هي إلا لحظات حتى أصبته قذيفة من مدرعة فسقط على ركبتيه وبيده المخابرة وأخبرني آخر من رآه انه كان جريحا ساجدا يذكر الله وعندما كلموه أشار إليهم أن اخرجوا بسرعة من الممر فقد طلع الفجر وذلك فجر يوم الثاني من فبراير 2000 م وعمره 25 سنة ولم ينجب رحمه الله تعالي .

وخرجت أخته وحيدة من هذا الممر , إذ كان أخوهما آدم قد تسلل قبل ذلك بأيام ليرتب أمر الاتصالات في الجبال أما هي فقد بقيت في مستشفى يرمولوفكا مع الجرحى وتعرضت للاعتقال من قبل الروس لأنها كانت الطبيبة الوحيدة التي تلبس الحجاب ثم تركوها .

أما اأم الثكلى فراحت تبحث عن عمر بين القتلى أو الجرحى فلم تعثر له على أثر ولكن يؤكد كل من رآه أخيرا أنه قُتل .

وبعدها بأيام قلائل في قرية - سعدى كوتر – سقط ختنهم - إسلام - شهيداً وترك خلفه طفلا وطفلة ورجعت إليها البنت الصغرى أيماً بطفليها .

وبقي لتلك الأم الصابرة ابنٌ واحد ولم تستطع منعه وان أرادت فقد تولى القيادة مكان أخيه واصبح أميرا لجماعة كبيرة في الداخل وكان آدم عضوا في مجلس الشورى العسكري ودوخ الروس في المدن والقرى وعندما هجم المجاهدون على مدينة - فيدنو – في 15-8 –201 م كان آدم برجاله معهم وسيطر المجاهدون على المدينة أربعة أيام أغلقوا الطرق وهجموا على المواقع والقوافل , واثخنوا في أعداء الله وفى طريق العودة تعرضوا لكمين وهناك كان آدم على موعد مع الشهادة إذ أتته رصاصة أصابت قلبه تماماً فقتل مقبلا غير مدبر مثل إخوانه وهو لم يكمل التاسعة والعشرين ولم ينجب رحمه الله تعالى .

أما مليكة فقد تزوجت وهاجرت لتعمل في مخيمات اللاجئين في - أنجوشيا - حيث لم تعد هناك مستشفيات للمجاهدين في الشيشان ولكي لا ترى وجوه قتلة شعبها هناك . .

أُسدل الستار على مشهد هذه الأسرة الحزينة وهذه الأم الثكلى المسكينة التي لم يبق لها من أسرتها الكبيرة وأولادها الستة سوى ابنتها الصغرى - رقية – أيم , أم لطفلين يتيمين .ومما يزيد في آلامها أن لم يترك أولادها أثرا من الأولاد وان الديار التي دفعت فيها ثمنا غاليا مازالت محتلة من الأعداء ولم تنته الحرب بعد .

فليت شعري بأي جوانح ستبيت بعدهمو أم بأي جنان .

ولسان حال الوالد المهاجر يقول :

( كانت لنا دارٌ وكان لنا وطنْ ...ألقت به أيدي الخيانةِ للمحنْ

وبذلت في إنقاذه أغلى ثمنْ ........ بيدي دفنت أخاك فيه بلا كفنْ

إلا الدماءَ وما ألمََ بىَ الوهنْ

إن كنتُ يوماً قد سكبتُ الأدمُعا فلأنني حملتُ فقدَهما معا

جرحانُ في جنبىَ ثكلٌ واغترابْ ولدٌ أُضيعَ وبلدةٌ رهنَ العذابْ )

لكن نكلهم إلى الله ونسأله أن يلهمهم الصبر والسلوان ويأجرهم في مصيبتهم ويعظم أجرهم ونكلهم إلى إيمانهم فقد أخبرني من يعرف حالهم أن الأم مازالت صابرة محتسبة نسأل الله أن يجمعها بأبنائها في الجنة .

* * *

وهنا قد تكرر هذا المشهد بالعشرات حيث أعرف أُسرا عديدة فقدت كل أبنائها الاثنين أو الثلاثة أو الخمسة في الشيشان التي مازالت صامدة تقدم أبناءها ثمنا لدينها وحريتها منذ مئات السنين .

فليت شعرى أيهما أولى بالرثاء

أ أُم الأربعة خنساء الشيشان

أم أُم الآلاف الشيشان الخنساء !!!؟ .

سيف الإسلام 27-8-2001 م



المصدر...صوت الشيشان

http://216.122.246.246/Q/