لم يعترف اليهود بعيسى ـ عليه السلام ـ مسيحـًا ، لذلك ظلوا ينتظرون المسيح ـ عليه السلام ـ ليأتي ليعيد إليهم ـ كما يعتقدون ـ دولتهم ، ثم ليفرض سيطرتهم على العالم ، وهم يعتقدون بأن المسيح ـ عليه السلام ـ المنتظر نبي وملك ، سيقيم دولة كبيرة ويجبر العالم كله على التدين باليهودية .
وكلمة مسيح ، ومسيحـا ، في العبرية تعني الرجل الذي طهره " يهوه " ، والكلمة تأخذ في التوراة معاني عامة ، فتطلق على الملوك والأنبياء ، وكل الرجال الذن يقومون بعمل ديني مقدس ، أما المعنى الخاص لهذه الكلمة فهو : النبي أو المخلص الذي يرسله " يهوه " لإنقاذ بني إسرائيل .
وقد تسبب هذا الاعتقاد في ظهور كثير ممن ادعى أنه المسيح المنتظر مثل : " تيوداس " الروماني عام 44 ميلادية ، و " موسى " التكريتي ، و " أبو عيسى " الأصفهاني ، ثم " ساباتاي زفي " الأزميري " نسبة إلى مدينة " أزمير " التركية ، وهو مؤسس طائفة "الساباتائية" أو طائفة " يهود الدونمة " .
فكرة المسيح المنتظر
ظهر " ساباتي زفي " والدولة العثمانية في أحرج أوقاتها والجنود يعبثون في الأرض فسادًا ويقتلون سلطانهم إبراهيم عام 1648م ، ويسحقون بشدة السخط الشعبي الذي ظهر نتيجة لمقتل السلطان ، وأساطيل البندقية تهدد سواحل الدولة ، والجيوش عاجزة ـ للمرة الثانية ـ عن فتح قلعة فيينَّا عاصمة النمسا الآن .
كانت أوروبا تعيش في هذا العهد فترة محاكم التفتيش ، والحريات الدينية مكبوتة ، أما اليهود الأوروبيون ، فقد كانوا يتعرضون للاضطهاد ، وخاصة في إسبانيا ، ولم يجد هؤلاء اليهود حاميـًا لهم إلا الدولة العثمانية ،ما عرف عنها من تسامح ديني ، فهاجر الكثير منهم إليها .
وفي ذه الظروف التاريخية ، وبالذات في عام 1626م ، ولد في "أزمير" يهودي يدعى " ساباتاي " لأب يدعى " موردخاي زفي " ، كان يعمل بالتجارة في "أزمير" منتقلاً إليها من المورة في اليونان ، وكان من أصل يهودي إسباني .
في تلك الفترة أيضـًا قال بعض اليهود إن حساب الجمل لبعض كلمات واردة في التوراة يقول إن المسيح سيظهر عام 1648م ، لكي يقود اليهود ، وأنه سيظهر في صورة نبي مخلص سيحكم العالم من فلسطين ، ويجعل القدس مركزًا وعاصمة للدولة اليهودية .
كان "ساباتاي " في هذه الظروف قد بلغ الثانية والعشرين من عره ، فأخذ يعد نفسه ليصبح هو ذلك المسيح المنتظر ، ويقول إبراهيم علاء الدين صاحب كتاب " ساباتاي زفى " : " إن هذا اليهودي " ساباتاي " كان مصابـًا بحالة صرع ، وكان معتل الصحة والمزاج ، وكان حاخامات "أزمير" ينفرون منه " .
وفي العام المحدد 1648م فاتح " ساباتاي " أقرب الأقربين إليه في أنه هو المسيح المنتظر ، الذي تشير إليه إشارات الكتب المقدسة .
وكان الجو الإعلامي الذي أشاعه حاخامات اليهود من قرب ظهور المسيح المنتظر بالإضافة إلى تقوى " ساباتاي " الظاهرة ، وانكبابه على دراسة النصوص الديية والكتب ذات الصيغة الصوفية اليهودية ، مع اشتهاره بتفسيرها ، وحالة الصرع التي تنتابه بين الحين والحين ، أقول كل هذا هيأ الجو أمام " ساباتاي " لإعلان نفسه مسيحـًا .
وفي عام 1663م ، ذهب " ساباتاي " إلى مصر ؛ حيث استضافه يهودي يدعى "رافاييل جوزيف" يعرفه المصريون باسم " يوسف جلبي " وكان هذا يعمل رئيسـًا للصيارفة بالقاهرة ، واستطاع " ساباتاي " أن يكسب " رافاييل " إلى جانبه ، ويفيد من دعمه المالي لحركته .
ثم قام " ساباتاي " بزيارة فلسطين ، وتعرف بيهود القدس عن قرب ، ثم عاد إلى "أزمر" عام 1666م ، حيث كانت شهرته قد طبقت الآفاق .
وفي "أزمير" انهالت عليه وفود اليهود من " رودس " و " أدرنة " و " صوفيا " و " اليونان " و " ألمانيا " ، حيث قلدته هذه الوفود تاج " ملك الملوك " ، ثم قام " ساباتاي " بتقسيم العالم إلى 38 جزءًا ، وعين لكل جزء منها ملكـًا ، لأنه كان يتصور أنه سيحكم العالم كله من فلسطين ، وكان في كل ذلك يوقع بلقب " الابن الوحيد الأول ليهوه " !
عندما أشهر إسلامه
ثم ظهر مسيح آخر يدعى " كوهين " منافسـًا لـ " ساباتاي " تقدم "كوهين" بشكوىإلى القصر السلطاني العثماني مدعيـًا أن " ساباتاي " أعد العدة للقيام بتمرد بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين ، فأصدر القصر العثماني أمرًا بالقبض على " ساباتاي " وأُحضر إلى القصر ، حيث واجه هيئة علمية إدارية برئاسة نائب الصدر الأعظم وعضوية كل من شيخ الإسلام ، وواحد من كبار العلماء ، وعن طريق مترجم للإسبانية ، تم استجواب " ساباتاي " ، وأنكر هذا كل ادعاءاته ، وبين خوفه من العقاب موتـًا ، ونصيحة العلماء له ، أُشهر " ساباتاي " إسلامه ، وصار يدعى " محمد البواب " ، لأن السلطان خصص له ريع وظيفة رئيس البوبين في القصر السلطاني ، وعلى الفور أرسل " ساباتاي " نشرة إلى أتباعه قال فيها : " جعلني يهوه مسلمـًا ، أنا أخوكم محمد البواب ، هكذا أمرني فأطعت " ، والمعروف أن الكتب اليهودية تقول إن المسيح سيبتلعه المسلمون ، ثم قدم أخوه التوضيح الآتي : " كيان ساباتاي القديم صعد إلى السماء ، وبأمر من يهوه ، ترك ملكـًا يستمر في كونه المسيح ، ولكن تحت جبة وعمامة " .
وعلى هذا أطلق الأتراك لقب الدونمة على أتباع " ساباتاي " و " الدونمة " صفة تعني " العائد " أي الذي أسلم بعد أن كان يدين باليهودية ، متبعـًا ساباتاي زفي " ثم أصبحت الكلمة اصطلاحـًا يعني المسلم ظاهرًا ، اليهودي فعلاً وباطنـًا .
طلب " ساباتاي " من السلطات العثمانية ، أن تسمح له بدعوة اليهود إلى الإسلام فأذنت له ، وانتهزها فرصة فانطلق بين اليهود يواصل دعوته إلى الإيمان به ، ويحثهم على ضرورة تجمعهم معلنين في ظاهرهم الإسلام مبطنين "الساباتائية" .
ثم قدم قائمة ضمت أُسس دعوته ، وجهها إلى " كل المؤمنين به " صدرها بالآتي : " هذه هي الأوامر الثمانية عشر التي أمر بها سيدنا وملكنا ومسيحنا " ساباتاي زفي " ، فليزدد شرفه " !
ومن هذه الأوامر : " الإيمان بأن مسيح " يهوه "هو المسيح الحق ، ولا مخلص غيره ، هو سيدنا وملكنا " ساباتاي زفي " ، وأنه من نسل داود ، وقراءة مزامير داود سرًا كل يوم ، ويجب مراعاة الأتراك المسلمين ذرًا للرماد في عيونهم ، ويجب عدم إظهار الضيق بصوم رمضان ، أو عند تقديم أضحية العيد ، بل يجب المحافظة على جميع المظاهر الدينية الإسلامية وممنوع الزواج من المسلمين " ، ومن بين هذه الأوامر أيضـًا ما ينص على اعتبار اليوم الذي أسلم فيه " ساباتاي " عيدًا يجب الاحتفال به احتفالاً بالغـًا .
وبناء على تقارير دارة الأمن العثمانية حول إقامة " ساباتاي " الطقوس اليهودية مع أتباعه ، تم نقله إلى ألبانيا ، وهناك وفي 30/9/1675م مات المسيح المزيف ، والمسلم المزيف ، زعيم طائفة " الساباتائيين " " ساباتاي زفي " وهو يبلغ من العمر 49 عامـًا ، ولا يزال أتباعه إلى اليوم يقفون على ضفاف الأنهار ، " ساباتاي " دفن على ضفة أحد الأنهار ، ويدعون قائلين : " يا " ساباتاي زفي " إننا ننتظرك "
والمسلمون
عاش هؤلاء اليهود مختلفين عن المسلمين ، لكنهم يؤدون الشعائر الدينية الإسلامية ، الظاهرة ، فيصومون أحيانـًا ، ويحون أحيانـًا ، ويدخلون المساجد والجوامع للصلاة أحيانـًا ، وكانت لهم عاداتهم الخاصة ، ومنها لبس الأحذية دون كعوب ، وحلق شعورهم بالموسي ، كما يحتفلون بعيد الخروف " أعيادهم عشرون " وهذا العيد يحدث في 22 مارس دائمـًا ، حيث يشترط تساوي العدد بين النساء والرجال المتزوجين ؛ يذبحون خروفـًا ويلهون ، ثم تطفأ الشموع ويسود الظلام ، والأولاد الذين يولدون في هذه الليلة يكتسبون قداسة ، وإن قال أحد حاخامات " سلانيك " في معرض احتجاجه على هذا العيد : " من المحتمل أن يكون نسل المحتفلين بهذا العيد هذه الليلة ، نسلا غير مروع " .
ويهود " الدونمة " ثلاثة فرق : " اليعاقبة " و " القراقاشية " و " القابانجية " ، ولهم لغتان ، تركية للتعامل مع الأتراك ، وإسبانية للتعامل فيما بينهم ، ولكل منهم اسمان ، اسم يهودي خاص ، واسم إسلامي رسمي عام !
وقد توصل " حكمت طانيو "عند محاولته دراسة يهود " الدونمة " من خلال شواهد مقابرهم في "أزمير" إلى حقيقة هامة ، وهي أن التجار من يهود " الدونمة " أخذوا يتزوجون من العائلات التركية المسلمة العريقة ، والغنية والمعروفة في عالم التجارة ، وكان المعروف أن حالة أو حالتين كاتا تعدان في حكم الندرة التي حدث فيهما زواج بين " الدونمة " والمسلمين ، أبرزها زواج " زكريا سرتل " الكاتب التركي المعروف هما اللتان بـ "صياغة سرتل " وهي يهودية من "الدونمة" .
ويجب ملاحظة أن ليهود " الدونمة " في تركيا مدراس خاصة بهم صباحية وداخلية ، كما أن لهم مقابرهم الخاصة .
وقد تركزت جهود يهود " الدونمة " منذ الحرب العالمية الأولى في دفع عجلة التغريب في الحياة الاجتماعية التركية ، بدأوا بالحرب على الحجاب ، وشجعوا سفور المرأة في المجتمع العثماني المحافظ عام 1914م ، وكانت حجة إعلاهم وقتها " أن الحجاب ليس من الإسلام ، وإنما انتقل من الروم إلى المسلمين " .[ انظر مجلة سبيل الرشاد العدد 406 عام 1919م ] .
وفي فترة الهدنة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ، قام إعلام يهود " الدونمة " بالدعوة إلى طرح قضية اختلاط الشباب بالفتيات في جامعة " استانبول " كمظهر أوروبي غربي ، ثم بذلوا جهدًا كبيرًا في إقناع الرأي العام العثماني بذلك . [مجلة سبيل الرشاد العدد 406 عام 1919م ] .
صحيح أن " مصطفى كمال أتاتورك " هو أول من أوجد في تركيا مسابقة الجمال كمظهر أوروبي لإثبات أن " جمال لمرأة التركية الذي تخفيه تحت الحجاب يضارع جمال نساء العالم " إلاَّ أن يهود " الدونمة " هم الذين تبنوا فكرة مسابقة ملكة جمال تركيا إلى اليوم .
ومسابقات " ملكات الجمال " المحلية في تركيا ، ومشاركة تركيا في المسابقات العالمية من هذا النوع ، هي في الأصل مسابقات خرجت عن النطاق المحلي ، وتقيمها جريدتا " مليت " و " كون ايدين " التركيتان اللتان يملكهما يهود " الدونمة " .
في الحياة السياسية :
يبلغ عدد يهود الدونمة في تركيا الآن حوالي ثلاثين ألف نسمة ، وهم لهم تأثيرهم في كل مجالات احياة في البلاد .[حكمت طانيو : "الأتراك اليهود عبر التاريخ " ج2 ص : 1156 ـ 57 استانبول 1976] .
ومنذ إسلام " ساباتاي " الظاهري ويهود " الدونمة " يحتلون مراكز هامة في الدولة مثل : منصب أمين الترسانة البحرية ، وأمين الصرة ، وكتخدا القصر ، وكتخدا المدينة .
وفي حركة حزب الاتحاد والترقي في أواخر عهد الدولة العثمانية ، اندس فرع "القابانجية" من يهود " الدونمة " في خلايا الحزب ، وأداروا الجزء الأكبر من انقلاب تركيا الفتاة الذي أطاح بحكم السلطان " عبد الحميد الثاني " وأفسح المجال لحكم جمعيةالاتحاد والترقي ، والحكم العلماني .
ومن أبرز أسماء " الدونمة " في الحياة السياسية التركية في بدايات هذا القرن : "قراصو" عضو اللجنة التي قابلت عبد الحميد لخلعه ، و " قراصو " كان مسؤول جمعية "الاتحاد والترقي" عن إثارة الشغب ضد " عبد الحميد " لتهيئة الفرصة لعمل الجمعية الثوري ، وهو ذاته الذي باع ليبيا لإيطاليا بعد أن خان دولته العثمانية نظير رشوة من الإيطاليي.
وهناك أسماء أخرى كثيرة من يهود " الدونمة " برزت في شتى فروع الحياة في تركيا منها : " محمد جاويد " وزير المالية في عهد " ااتحاد والترقي " و " نزهت فائق " وهو أيضـًا أحد وزراء مالية العهد ذاته ، و " مصطفى عارف " أحد وزراء داخلية " الاتحاد والترقي " و " مصلح الدين عادل " وكان مستشارًا لوزارة التعليم التركية واحد أساتذة الحقوق.
يهود في أجهزة الإعلام
وأبرز عائلات " الدونمة " في تركيا الآن هي : " قبانجي " و " كبار " و " إيبكجي " ، وهذه الأخيرة لها مكانتها الضخمة في الحياة الإعلامية في تركيا .
إن تأثير " الدونمة " على هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية ضخم بدرجة ملحوظة ولا يمكن إنكاره ، ومن اثابت أن أكبر دور النشر وأضخم دور الصحف التركية يمتلكها ويديرها يهود " الدونمة " .
لقد كان أول اسم صحفي من يهود " الدونمة " يخرج من نطاق المحلية إلى العالمية هو " أحمد أمين بالمان " ، والذي أسس عدة صحف ، ومجلات هامة ، واشترك في بعض المؤتمرات الصهيونية بالولايات المتحدة الأميركية ، وتبنى ـ أثناء الحرب العالمية الأولى ـ الدفاع عن قيام دولة أرمنية ، ودولة كردية ، تقتطعان من الأراضي التركية ، كما نادى بعد الحرب العالمية الأولى بضرورة قبول تركيا الحماية الأميركية ، وناصر أيضـًا قضايا الماسون الأترك ، ودافع عن قضايا ، الشيوعيين الأتراك ، وعن أمن إسرائيل ، ونشط في الدعاية للصهيونية ، كما كان معاديـًا للإسلام وللمسلمين حتى أن الشاعر التركي " يزن توفيق" هجاه بقصيدة مطلعها : " أحمد أمين دونمة خبيث يقذف بالطين أهل الشرف " .
وآخر اسم كبير منهم في الصحافة هو " عبدي ايبكجي " أشهر اسم صحفي في تركيا في الفترة الأخيرة ، وهو من عائلة " ايبكجيي " أشهر عائلات يهود " الدونمة " ، تولَّى " عبدي ايبكجي " عام 1964م إدارة تحرير جريدة " مليت " الصباحية اليومية ، كما ترأس نقابة الصحفيين الأتراك ، وكن عضوًا في اللجنة التحضيرية لقانون أخلاق الصحافة ، وكان الأمين العام لديوان الشرف الصحفي ، وكانت لـ " عبدي ايبكجي " شهرة عالمية ؛ إذ أنه كان عضوًا بمجلس إدارة معهد الصحافة بـ " زيورخ " " آي . بي . آي " ، المعروف بسيطرة اليهود عليه ، وفي عام 1968م عين " عبدي ايبكجي " عضوًا في هيئة التدريس بمعهد الصحافة بجامعة " استانبول " .
اغتيل " عبدي ايبكجي " في 2/2/1979م ، فاهتزت تركيا جميعـًا لمقتله ، وبعد مضي حوالي خمسة أشهر على حادث الاغتيال ، قبض على قاتله ، وكانت أول مرة في تركيا ـ منذ أن عرفت اصحافة ـ يتم القبض على قاتل أحد أساطين الصحافة .
ويمتلك يهود " الدونمة " مؤسسة جريدة " حريت " ، وهي توزع يوميـًا ما بين ثمانمائة ألف نسخة ومليون نسخة ، وهي تأخذ مكانتها بين أكثر من عشرين صحيفة في العالم توزيعـًا ، وصدر العدد الأول منها في أول مايو 1948م ، وشعارها : " تركيا للأتراك " ، وهذه المؤسسة تملك دار نشر معروفة ، كما تملك أيضـًا عدة مجلات دورية ، أسبوعية وشهرية وسنوية ، مثل " هفته صونو " و " نهاية الأسبوع " وهي فنية و " ييللربويو " (مجلة التاريخ ) وهي شهرية ، ومؤسس " دار حريت " لصحافة والنشر هو " سداد سيماوي " من يهود " الدونمة " ، ولما مات أخذت أسرته تدير هذه المؤسسة إلى اليوم .
جريدة " كون ايدين " ترجمة اسمها حرفيـًا هي : " صباح الخير " ، وهي صباحية يومية تطبع 570 ألف نسخة يوميـًا ، وهي ثانية صحف تركيا ـ بعد حريت ـ توزيعـًا ، ويملكها يهود " الدونمة " .
وجريدة " مليت " رابعة صحف تركيا توزيعـًا ، وأكثر صحف اليسار التركي اعتدالاً ، يملكها يهود " الدونمة " وتتبع الجريدة مجلة " صنعت الفن " الأسبوعية ، ودار نشر " مليت " بسلاسلها المشهورة .
وجريد " جمهوريت " الصباحية اليومية أيضـًا يطلق عليها أيضـًا " برافدا تركيا " لغلبة الصبغة الماركسية عليها ، أسسها نادي اليهود " وكان " يديرها " نوري تورن " ، ثم سيطر على إدارتها بعد عام 1972م " رشاد أتابك " وكلاهما يهودي " دونمة " .
وفي جريدة " ترجمان " ثالثة الصحف التركية الصباحية اليومية توزيعـًا يبرز اسم " عثمان كبار " ، وهو من عائلة " كبار " اليهودية " الدونمة " ، وكان هذا الصحفي والكاتب البارز رئيسـًا لبلدية " أزمير " قبل امتهانه الصحافة
الدونمة " والماركسية :
في عام 1945م أسست الصحفية اليهودية الدونمة " صابحة سرتل " جريدة " طنين " الشيوعية . كان لـ " صابحة " قلمها المعروف ، وكان لها إسهام كبير في نشر الفكر الماركسي في تركيا ، واضطرت " صابحة سرتل " في عام 1952م إلى الهروب إلى الاتحاد السوفيتي ، وظلت هناك حتى ماتت في مدينة " باكو " عام 1968م .
ثم قام " إسماعيل جم ايبكجي " بتأسيس جريدة " يوليتيكا " اليومية الصباحية ،وتصدر من استانبول ، " يلاحظ أن الصحف التي وردت أسماؤها من قبل تصدر كلها من استانبول " ، و " إسماعيل جم " يهودي " دونمة ، وهو من أبرز الكتَّاب الماركسيين الأتراك ، إن لم يكن أبرزهم ، وكان يعمل في جريدة " مليت " كما كان مديرًا لهيئة الإذاعة والتليفزيون التركية حتى قامت حكومة الائتلاف الوطني عام 1975م ، فطردت " إسماعيل جم " من منصبه رغم تأييد رئيس الجمهورية " فخري كوروتورك " له .
قد لخص " فاروق تيمور طاش " الأستاذ الجامعي ، والكاتب ذو الاسم اللامع دور " إسماعيل جم " بقوله : " المفروض رسميـًا أن تكون هيئة الإذاعة والتليفزيون التركية جهازًا محايدًا لكن " إسماعيل جم " وجه الجهاز فكريـًا إلى الدعوة لفكر اليار المتطرف ، وحزبيـًا إلى تأييد حزب الشعب الجمهوري ، والدعاية له " هو أكبر الأحزاب اليسارية في تركيا .
يهود " الدونمة " وإسرائيل
وكان من الطبيعي أن تدافع أجهزة الإعلام الخاضعة لـ " الدونمة " عن إسرائيل ، وتشتد في تبني وجهات نظرها في كل مواجهة لها ضد العرب ، وتبرز اعتداءاتها على البلاد العربية ، خاصة مثلما حدث في اعتداءاتها على جنوب لبنان .
وقد نجحت أجهزة إعلام " الدونمة " في إيجاد رأي عام تركي مؤيد لإسرائيل ، وغير متعاطف مع العرب ، ويستثنى من هذا التعميم حزب " السلامة الوطن " ؛ إذ أن هذا الحزب ينادي بسحب اعتراف تركيا بإسرائيل ، وضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتدعيمها ، وإقامة علاقات قوية مع العالم العربي ، والإسهام في التكاتف العربي والإسلامي من أجل تحرير فلسطين .
وهنا أيضـًا يجب القول بأن أجهزة إعلام " الدونمة " تعمل على خدمة اليهودية العالمية ، فمن مقالات " سامي كوهين " ـ يهودي ومدير الشؤون الخارجية بجريدة مليت ـ إلى عرض أفلام التنديد بمعاداة اليهود في التليفزيون التركي ، خاصة في عهد إدارة " إسماعيل جم " نلحظ دفع هذا الإعلام إلى العطف لى إسرائيل واليهود .
يقول " حكمت طانيو " : " ليس من الصعب على صاحب الحس السليم إحصاء هؤلاء العملاء من يهود " الدونمة " الذين يعملون ضد تركيا تحت أسماء متعددة منها : " جمعية الاتحاد اليهودي العالمي " و " المنظمة الصهيونية " ، و " منظمة رأس المال العالمي " وإسرائيل " .
إن أبرز شخصية نسائية في الأدب التركي الحديث والمعاصر ، يهودية من " الدونمة " هي " خالدة أديب " ، كان أبوها يهوديـًا " دونمة " يعمل في القصر السلطاني ، وكانت " خالدة " ذات شخصية نافذة ، وعلى قدر كبير من الجمال، واستطاعت عن طريق صلتها الشخصية بـ "جمال باشا " ـ حاكم سوريا العسكري في الحرب العالمية الأولى ، وأحد القادة البارزين في "الاتحاد والترقي" ـ أن تفرض وهي مديرة مدرسة البنات في بيروت تمثيل أوبرا " رعاة كنعان " وهي من تأليفها " يلاحظ أنها أول أوبرا غنائية في الأدب التركي " .
وقد كالت " خالدة أديب " فيها المديح لليهود ، وسجلت فيها تمنياتها بقيام دولة يهودية في فلسطين .
وكان هذا التمثيل بحضور قادة جمعية " الاتحاد والترقي " ، وفي منطقة عربية هي " بيروت " أثناء الحرب العالمية الأولى وكان كل هذا كفيلاً بإيذاء الشعور العربي والإسلامي ، وقد وصفت أوبرا " رعاة كنعان " لـ " خالدة أديب " بأنها نوع من " البشرى تعلن قرب قيام إسرائيل " .
وكانت " خالدة أديب " قد بدأت إظهار عدائها للحركة الإسلامية ولعلماء الدين الإسلامي الذين عارضوا الحركة الكمالية وأتاتورك بروايتها اضربوا الغانية .
اشتركت " خالدة أديب " في حرب الاستقلال التركية برتبة " لومباشي " ثم " جاووش " ثم كانت لها إسهامات بين الجنود ، خطيبة ومواسية لهم ، ومرفهة عنهم ، كما كانت صديقة شخصية لـ " مصطفى كمال أتاترك " ، وعبرت عن حرب الاستقلال بمفاهيمها في روايتها " قميص من نار " .
لكن " خالدة أديب " اختلفت مع " أتاتورك " ولم يكن اختلافهما في طريقة التفكير ، بل إنه لم يتجاوز خلافـًا بين رجل وامرأة .
ماتت " خالدة أديب " عام 1964م ، بعد أن تركت مدرسة أدبية واجتماعية تحذو حذوها ، وأقامت لها الجمهورية تمثالاً نصفيـًا يقوم الآن بجانب جامع " أياصوفيا حوِّل إلى متحف وفي مواجهة جامع السلطان أحمد .
أَمِنْ هدف آخر بعد قيام إسرائيل ؟
يقول " عبد الرحمن كوجوك " في رسالته للدكتوراه عن "الدونمة " من الناحية العقائدية : " إن " هرتزل " تعقب خطي " ساباتاي زفي " ، ونجح " هرتزل " في السيطرة على فلسطين ، وحقق لليهود هدفهم القريب ، وهو تجميع اليهود في فلسطين بإقامة دولة يهودية فيها ، وامتلاك " المعبد المقدس " عام 1948م ، ومن ثم فقد اتجه يهود " الدونمة " إلى العمل نحو هدفهم التالي ، وهو تحقيق فكرة " السيطرة على العالم " ، وفي هذا يتفق كل اليهود
المفضلات