الشيخ/عبدالله الواكد
21-11-2002, 06:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع عبارة عن بداية سلسلة لعدة مواضيع أكتبها لجريدة عكاظ في صفحة قضية وآراء وصفحة الفكر الاسلامي
وهذا الموضوع تم نشره في جريدة عكاظ الاحد الماضي 12/9/1423 في صفحة قضية وآراء تحت عنوان الطبيب قبل الشيخ المعالج اضعه هنا للفائدة :
الميزان في حياة الانسان
الحلقة الاولى : أضواء على مفاهيم الدواء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، اما بعد :
قبل أن ادخل في تفاصيل التصور الواضح الذي ينبغي أن يدركه المسلم ، بعد استقرائه لنصوص الشريعة الاسلامية ، ومعرفته لدقائق الادلة ، والتحاء هذه الاستقراءات بالعديد من الشواهد التى وقعت وتقع بشكل مستمر لحالات الاصابة بالمس والعين والسحر، وتداخل أعراض هذه الامراض بأعراض أمراض أخرى ، سواء كانت عضوية او وظائفية او نفسية ، وصعوبة التمييز بينها ، وبين امراض المس والسحر والعين ،هذا اذا لم تكن الاعراض واضحة بقدر يجعل المعالج او الطبيب يجزم جزما لا يساوره شك بأن المريض لديه هذا المرض او ذاك ، فكثيرا ما تكون الصعوبة في ذلك كصعوبة التمييز بين السائل المحتاج والسائل المحتال لأن كل واحد منهما يعرض عليك حاجته وعوزه وفقره ويرتدي الثياب الرثة بل ويأتيك بالأدلة التي تجعلك لا تشك في فقره ولا تحتار في امره ، بل قد يحكم إعلان الحكم عليه ، مدى المساعدة التى تقدمها له ، فقد تدعوك مساعدته ، والتسرع بتقديم العون له قبل التأكد من حاله ،الى مؤازرة القول بأنه محتاج ، ولو تبين لك خلاف ذلك ، لكي لا يشار اليك ببنان سوء التقدير ، هذه التهتكات في البنية الداخلية ، والغبش في المنطق ، ما هو الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ،
أعلم أن هناك فحوصات وتحاليل يتبين من خلالها ما اذا كان هناك خلل وظيفى او عضوي في الجسم ، ولكن ما أكثر ما يتبين الخلل في الفحوصات دون جدوى في علاجه ،ولربما قلبوا المريض رأسا على عقب فلم يتبين في فحوصاته شيء وهو في المقابل يئن
ويشتكي ، وأما المريض أعانه الله فهو كالمتردي في لجة يتشبث بأي شيء ولو كانت قشة ، ولا يهمه الا الشفاء ، وهو محق في ذلك اذا كان بحثه في اطار الشرع المطهر، ولا يلومه أحد اذا ما شرق وغرب بحثا عن الصحة التي لا يعدلها وزن الارض ذهبا ، وكأن لسان حاله يقول ما قاله ابوفراس الحمداني حينما داعبته ليلاؤه بأماني الوصال وهو في يأس من ذلك فتفجرت قريحته بهذا البيت :
معللتي بالوصل والموت دونه
اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
والمرض بشكل عام يبدأ من الشكوى في غالب الامر ، اذا لم يكتشف المرض بالمصادفة ، والشكوى تكون من المريض نفسه ، والشكوى عبارة عن أعراض ، وهو ما يعرضه المريض من شكوى وما يظهر على جسده او نفسيته من دلائل ومؤشرات لهذا المرض او لذاك بل وكثيرا جدا ما تتداخل الاعراض فيحتار الطبيب ويلجأ الى الفحص والتحليل لتقليص عدد الاحتمالات ليظفر بالعلة ومن ثم يعالجها ، والتخبط في هذه العملية حدث ولا حرج ، لا من قبل الاطباء ولا من قبل المعالجين ، ولا ألوم الطبيب او المعالج ، أولا : لأنه بشر يخطيء ويصيب ، فهو كالقاضي إن اجتهد وأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر ولكن شريطة الاجتهاد ، وثانيا : قد لا تتوفر لديه الوسائل التي يستطيع عن طريقها الوصول لمعرفة العلة ، وثالثا : قد لا يتوفر لديه الوقت الكافي للبحث والتقصي بسبب كثرة المرضى ، وقد يكون مهتما أو مطالبا بزيادة الاستقبال ليزيد الاقبال ، رابعا : وهي النقطة المهمة أن كلمة لا أدري أصبحت ثقيلة على النفس قبل اللسان وكأنها وصمة عار في جبين المعالج او الطبيب ، بينما هي سمة الخوف من الله عز وجل ، وتقدير انسانية المريض ومشاعره ، والحفاظ على وقته الثمين ، وليت تلك الجوانب تكون غرة اهتمامات المعالج ، وناصية مبادئ وتوجهات الطبيب ، وقد قيل : من قال لا أدري فقد أفتى ، بل وقال الله عز وجل ( وفوق كل ذي علم عليم ) فالمريض أمامه سبل وطرق عديدة ، وهو في حيرة شديدة ، واظطراب هائل حول اتخاذ القرار ، لا يدري أيها يسلك للوصول الى شاطيء الشفاء والسلامة ، وهو محصور بين زمان وطريق ، فتطاول الامد على العلة ، قد يزيد من تفاقمها وانتشارها ، وبالتالي صعوبة علاجها ، والطريق هو السبيل الذي يسلكه المريض بحثا عن العلاج ، والاطباء أدلاء على هذه الطرقات ، فجدير بالطبيب ان يوجه المريض الى المسلك الصحيح ، ولو قال له لا أدري عن سبب مرضك ولا اعلم عن علاجه شيئا ، فقد نفعه من حيث أنه وفر عليه وقت التردد عليه في امر لا يعلم عنه شيء ، ولزاده وقارا واحتراما من قبل المريض وذويه ، ذلك أنهم يعلمون أنه بشر وقدراته محدودة ، وأنه ما قال ذلك الا نصحا لهم ، وحرصا على مصلحة مريضهم ، ولا يمنع ان يدلهم على من يظن ان لديه المقدرة على علاج هذه الحالة ، بل ان هذا من تمام النصح الذى حث عليه الاسلام ، وهنا تبرأ الذمة ، وتنتهي المهمة ، ويصبح المعالج بالفعل حلقة في سلسلة متينه ، إسمها الطب ،
فالطب رسالة عظيمة ، مغلفة بالامانة والاخلاص والصدق في التعامل ، وعدم التعصب للجانب الذي يمارس فيه المعالج هذه المهنة ، وتهميش الجوانب الاخرى ، أو عدم الاعتراف بجدواها ، فحري أن يكون المرض هو الهدف التي تنصب جوانب العلاج عليه لمكافحته ، ولا يكون حلبة للإحتدام والاختصام ، ويكون الضحية هو المريض ، فالامر أمر علاج ، والقضية قضية إصابة مرمى وليست قضية عدم جدوى ، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل داء دواء فإن أصيب دواء الداء بريء بإذن الله ) ، وفي المسند من حديث بن مسعود مرفوعا ( إن الله عز وجل لم ينزل داء الا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ) ، فالامر اذن اصابة وخطأ ، وعلم وجهل ، والاصابة تكون لمن يتبين المرمى ، ويركز على الهدف . وللحديث بقية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبدالله بن فهد الواكد
forwakid@hotmail.com
هذا الموضوع عبارة عن بداية سلسلة لعدة مواضيع أكتبها لجريدة عكاظ في صفحة قضية وآراء وصفحة الفكر الاسلامي
وهذا الموضوع تم نشره في جريدة عكاظ الاحد الماضي 12/9/1423 في صفحة قضية وآراء تحت عنوان الطبيب قبل الشيخ المعالج اضعه هنا للفائدة :
الميزان في حياة الانسان
الحلقة الاولى : أضواء على مفاهيم الدواء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، اما بعد :
قبل أن ادخل في تفاصيل التصور الواضح الذي ينبغي أن يدركه المسلم ، بعد استقرائه لنصوص الشريعة الاسلامية ، ومعرفته لدقائق الادلة ، والتحاء هذه الاستقراءات بالعديد من الشواهد التى وقعت وتقع بشكل مستمر لحالات الاصابة بالمس والعين والسحر، وتداخل أعراض هذه الامراض بأعراض أمراض أخرى ، سواء كانت عضوية او وظائفية او نفسية ، وصعوبة التمييز بينها ، وبين امراض المس والسحر والعين ،هذا اذا لم تكن الاعراض واضحة بقدر يجعل المعالج او الطبيب يجزم جزما لا يساوره شك بأن المريض لديه هذا المرض او ذاك ، فكثيرا ما تكون الصعوبة في ذلك كصعوبة التمييز بين السائل المحتاج والسائل المحتال لأن كل واحد منهما يعرض عليك حاجته وعوزه وفقره ويرتدي الثياب الرثة بل ويأتيك بالأدلة التي تجعلك لا تشك في فقره ولا تحتار في امره ، بل قد يحكم إعلان الحكم عليه ، مدى المساعدة التى تقدمها له ، فقد تدعوك مساعدته ، والتسرع بتقديم العون له قبل التأكد من حاله ،الى مؤازرة القول بأنه محتاج ، ولو تبين لك خلاف ذلك ، لكي لا يشار اليك ببنان سوء التقدير ، هذه التهتكات في البنية الداخلية ، والغبش في المنطق ، ما هو الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ،
أعلم أن هناك فحوصات وتحاليل يتبين من خلالها ما اذا كان هناك خلل وظيفى او عضوي في الجسم ، ولكن ما أكثر ما يتبين الخلل في الفحوصات دون جدوى في علاجه ،ولربما قلبوا المريض رأسا على عقب فلم يتبين في فحوصاته شيء وهو في المقابل يئن
ويشتكي ، وأما المريض أعانه الله فهو كالمتردي في لجة يتشبث بأي شيء ولو كانت قشة ، ولا يهمه الا الشفاء ، وهو محق في ذلك اذا كان بحثه في اطار الشرع المطهر، ولا يلومه أحد اذا ما شرق وغرب بحثا عن الصحة التي لا يعدلها وزن الارض ذهبا ، وكأن لسان حاله يقول ما قاله ابوفراس الحمداني حينما داعبته ليلاؤه بأماني الوصال وهو في يأس من ذلك فتفجرت قريحته بهذا البيت :
معللتي بالوصل والموت دونه
اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
والمرض بشكل عام يبدأ من الشكوى في غالب الامر ، اذا لم يكتشف المرض بالمصادفة ، والشكوى تكون من المريض نفسه ، والشكوى عبارة عن أعراض ، وهو ما يعرضه المريض من شكوى وما يظهر على جسده او نفسيته من دلائل ومؤشرات لهذا المرض او لذاك بل وكثيرا جدا ما تتداخل الاعراض فيحتار الطبيب ويلجأ الى الفحص والتحليل لتقليص عدد الاحتمالات ليظفر بالعلة ومن ثم يعالجها ، والتخبط في هذه العملية حدث ولا حرج ، لا من قبل الاطباء ولا من قبل المعالجين ، ولا ألوم الطبيب او المعالج ، أولا : لأنه بشر يخطيء ويصيب ، فهو كالقاضي إن اجتهد وأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر ولكن شريطة الاجتهاد ، وثانيا : قد لا تتوفر لديه الوسائل التي يستطيع عن طريقها الوصول لمعرفة العلة ، وثالثا : قد لا يتوفر لديه الوقت الكافي للبحث والتقصي بسبب كثرة المرضى ، وقد يكون مهتما أو مطالبا بزيادة الاستقبال ليزيد الاقبال ، رابعا : وهي النقطة المهمة أن كلمة لا أدري أصبحت ثقيلة على النفس قبل اللسان وكأنها وصمة عار في جبين المعالج او الطبيب ، بينما هي سمة الخوف من الله عز وجل ، وتقدير انسانية المريض ومشاعره ، والحفاظ على وقته الثمين ، وليت تلك الجوانب تكون غرة اهتمامات المعالج ، وناصية مبادئ وتوجهات الطبيب ، وقد قيل : من قال لا أدري فقد أفتى ، بل وقال الله عز وجل ( وفوق كل ذي علم عليم ) فالمريض أمامه سبل وطرق عديدة ، وهو في حيرة شديدة ، واظطراب هائل حول اتخاذ القرار ، لا يدري أيها يسلك للوصول الى شاطيء الشفاء والسلامة ، وهو محصور بين زمان وطريق ، فتطاول الامد على العلة ، قد يزيد من تفاقمها وانتشارها ، وبالتالي صعوبة علاجها ، والطريق هو السبيل الذي يسلكه المريض بحثا عن العلاج ، والاطباء أدلاء على هذه الطرقات ، فجدير بالطبيب ان يوجه المريض الى المسلك الصحيح ، ولو قال له لا أدري عن سبب مرضك ولا اعلم عن علاجه شيئا ، فقد نفعه من حيث أنه وفر عليه وقت التردد عليه في امر لا يعلم عنه شيء ، ولزاده وقارا واحتراما من قبل المريض وذويه ، ذلك أنهم يعلمون أنه بشر وقدراته محدودة ، وأنه ما قال ذلك الا نصحا لهم ، وحرصا على مصلحة مريضهم ، ولا يمنع ان يدلهم على من يظن ان لديه المقدرة على علاج هذه الحالة ، بل ان هذا من تمام النصح الذى حث عليه الاسلام ، وهنا تبرأ الذمة ، وتنتهي المهمة ، ويصبح المعالج بالفعل حلقة في سلسلة متينه ، إسمها الطب ،
فالطب رسالة عظيمة ، مغلفة بالامانة والاخلاص والصدق في التعامل ، وعدم التعصب للجانب الذي يمارس فيه المعالج هذه المهنة ، وتهميش الجوانب الاخرى ، أو عدم الاعتراف بجدواها ، فحري أن يكون المرض هو الهدف التي تنصب جوانب العلاج عليه لمكافحته ، ولا يكون حلبة للإحتدام والاختصام ، ويكون الضحية هو المريض ، فالامر أمر علاج ، والقضية قضية إصابة مرمى وليست قضية عدم جدوى ، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل داء دواء فإن أصيب دواء الداء بريء بإذن الله ) ، وفي المسند من حديث بن مسعود مرفوعا ( إن الله عز وجل لم ينزل داء الا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ) ، فالامر اذن اصابة وخطأ ، وعلم وجهل ، والاصابة تكون لمن يتبين المرمى ، ويركز على الهدف . وللحديث بقية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبدالله بن فهد الواكد
forwakid@hotmail.com