المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خُطْبَةُ جُمُعَةٍ بِعِنْوَانِ ( حق النبي بين الإتباع المشروع والإبتداع الممنوع )



الشيخ/عبدالله الواكد
13-09-2024, 03:32
خُطْبَةُ جُمُعَةٍ
بِعِنْوَانِ

( حق النبي صلى الله عليه وسلم
بين الإتباع المشروع والإبتداع الممنوع )
كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ

إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل



الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ،
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))) آل عمران 102
أَيُّهَا النَّاسُ : لَيْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ أَحَقُّ بِالثَّنَاءِ وَالمَحَبَّةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، الذِينَ بَذَلُوا الأَمْوَالَ وَالمُهَجَ لِرَفْعِ رَايَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى وَأَهْلَهَا قَالَ تَعَالَى (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) الفتح 26 ، فَهُمْ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) التوبة 117، وَقَالَ فِيهِمْ ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) الحشر 8-10 ، فَالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ هُمْ المُهَاجِرُونَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ هُمْ الأَنْصَارُ ، وَفِي البُخَارِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ : (قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) ، وَالمُرَادُ بِالقَرْنِ هُمْ أَهْلُ الزَّمَانٍ الوَاحِدٍ ، فَالصَّحَابَةُ هُمْ أَفْضَلُ المُسْلِمِينَ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقاصِدِ التَّشْرِيعِ، وَعَلَى أَيْدِيهِمْ تَمَّ نَشْرُ الدِّينِ فِي الفُتُوحَاتِ وَالغَزَوَاتِ، ثُمَّ أخَذَ التَّابِعُونَ العِلْمَ مِنْهُمْ وَتَابَعُوا مَسِيرَتَهُمْ ، وَهَكَذَا ، وَفِي هَذَا أَيْضًا حَثَّ عَلَى السَّيْرِ عَلَى أَثَرِهِمْ ، وَقَدْ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : " النُّجُومُ أَمَنَةُ لِلسَّمَاءِ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ " . رواه مسلم وأحمد.
فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقُهَا عِلْماً ، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفاً ، فَهُمْ قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنَقْلِ دِينِهِ ، لَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ ، وَمَاتُو عَلَى الإِسْلَامِ سَوَاءً طَالَتْ مُجَالَسَتُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَصُرَتْ ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا عَنْ دِينِ الإِسْلَامِ .
وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ هُمْ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَعَنْ سَفِينَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" الخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَاماً ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ المُلْكُ " رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
وَأَفْضَلُ الخُلَفَاءِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
ثم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثم القَانِتُ ذُو النُّورَيْنِ، وَالخَائِفُ ذُو الهِجْرَتَيْنِ ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي " تَسْتَحْيِي مِنْهُ المَلاَئِكَةُ" ثم عَلِيُّ بْنُ أًبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي لا يُحِبَّه إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَه إلَّا مُنافِقٌ ، صاحبُ رَايَةِ يَوْمِ خَيْبَرَ وَكَفَى بِثَنَاءِ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانا) الفتح 29.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : لمْ يَطَأْ الأَرْضَ وَيَكْتَنِفْ أَدِيمَ السَّمَاءِ أَفْضَلُ خَلْقاً وَلَا أَصْدَقُ عَمَلاً وَلَا أَحْسَنُ قَوْلًا مِنْ تِلْكَ الحُقْبَةِ المُبَارَكَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، تَفَرَّقُوا فِي الأَرْجَاءِ يَنْشُرُونَ الدِّينَ وَيَهْدُونَ النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العَالَمِينَ سَكَن أَصْحَابُ رَسُولِ اللِه صلى اللهُ عليهِ وَسلمَ الأَمْصَارَ الكِبَارَ الحَرَمَيْنِ ، وَالعِرَاقَيْنِ ، والشامَ فخَرَجَ مِنْهَا العِلْمُ وَالإيمَانُ خَرَجَ مِنْها القُرْآنُ والحَدِيثُ ، وَالفِقْهُ وَمَا يَتْبعُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الإِسْلامِ ، وَبِسَبَبِ ثَقَافَاتِ تِلكَ الشُّعُوبِ وَعَادَاتِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الأَمْصَارِ أيضاً بَعْدَ ذَهَابِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِدعٌ أصوليةٌ ، فَالكُوفَةُ خَرَجَ مِنْها التَّشَيُّعُ وَالإِرْجَاءُ ، وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا ، وَالبَصْرَةُ خَرَجَ مِنْها القَدَرُ والإِعْتِزَالُ ، وَانْتَشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا ، وَالشَّامُ كَانَ ﺑِﻬَا النَّصْبُ وَالقَدَرُ ، وَخَرَجَ التَّجَهُّمُ وَهُوَ شَرُّ البِدَعِ فِي نَاحِيَةِ خُرَاسَانَ ، وَكَانَ ظُهُورُ البِدَعِ بِحَسَبِ البُعْدِ عَنَ الدَّارِ النَّبَوِيَّةِ وَأَمَّا المَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ فَكَانَتْ سَلِيمَةً مِنْ ظُهُورِ هَذِهِ البِدَعِ
عبادَ الله : أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِالإِعْتِصَامَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَفِيهِمَا مَنْجَاةٌ مِنْ الوُقُوعِ فِي البِدَعِ ، فَمَنْ أعْرَضَ عَنْ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، تَنَازَعَتْهُ الطُّرُقُ المُضِلَّةُ ، وَالبِدَعُ المُحْدَثَةُ ، وَالهَوَى المُتَّبَعُ، وَالتَّعَصُّبُ للآراءِ وَالأَشْخَاصِ ، وَالتَشَبُّهِ بِالكُفَّارِ وَتَقْلِيدِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ الجَهْلُ بِأَحْكَامِ الدِّينِ ، وَأَخْذُ الدِّينِ عَنْ الجَاهِلِينَ أَوْ المُغْرِضِينَ
وَمِنْ البِدَعِ المُعَاصِرَةِ : الإِحْتِفَالُ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ ، ، فَمَحَبَّةُ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عليهِ وَسلمَ لَيْسَتْ بِإِقَامَةِ المَوَالِدِ التِي لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ وَلَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَلَا التَّابِعُونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحسَان ، إِنَّمَا تِلْكَ المَوَالِدُ التِي يَكُونُ فِيهَا الغِنَاءُ وَتَمْجِيدُ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ وَإِطْرَاؤُهُ وَرُبَّمَا مُجَاوَزَةُ الحَدِّ فِي ذَلِكَ ، إِنَّمَا هِيَ طَرِيقَةٌ مِنْ الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ ، التِي عُرِفَتْ بِجَهْلِهَا وَقِلَّةِ عِلْمِهَا ، وَلَيْسَ أَخْطَرُ عَلَى الدِّينِ مِنْ البِدَعِ وَقَدْ حَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَمَ مِنْ البِدَعِ فَقَالَ ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَالَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَحُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إِنَّمَا يَكُونُ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَالسَّيْرِ عَلَى هَدْيِهِ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ نسألُ اللهَ أنْ يحميَنَا وإياكُم مِنْ شُرورِ هَذِهِ البِدَعِ وَأَنْ يُثَبِّتنَا عَلَى نَهْجِ القُرْآنِ وَهَدْيِ السُّنَّةِ .
عبادَ اللهِ: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ