محمدالمهوس
10-07-2024, 18:20
« البدع : حقيقتها وآثارها وطرق السلامة منها »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَقْبَحِ الأَعْمَالِ وَأَسْوَءِ الْفِعَالِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى: الْبِدَعَ فِي الدِّينِ وَالْإِحْدَاثَ فِيِهِ ؛ فَهُوَ مُعَانَدَةٌ لِلشَّرْعِ وَمَشَاقَّةٌ لَهُ ، وَهُوَ مَحْضُ اتِّبَاعِ الْهَوَى ، قَالَ تَعَالَى : ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50].
فَلاَ يُقْبَلُ مَعَ الْبِدَعِ عَمَلٌ مَهْمَا عَظُمَ وَكَبُرَ ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [ رواه مسلم].
وَالْبِدَعُ هِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعاصِي؛ لأَنَّ صَاحِبَ الْمَعْصِيَةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمْرٍ حَرَامٍ، فَيَتْرُكُهُ وَيَتُوبُ مِنْهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْبِدْعَةِ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، فَيَسْتَمِرُّ عَلَى بِدْعَتِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّبِعٌ لِلْهَوَى وَنَاكِبٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [ فاطر : 8 ]
قَالَ الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لأَنْ يَلْقَى اللَّهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلا الشِّرْكَ بِاللهِ؛ خَيرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَهْوَاءِ»
[«مناقب الشافعي للبيهقي» 1/452]
وَالْبِدَعُ مَانِعَةٌ مِنْ شَفَاعَةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ..» [متفق عليه].
وَالْبِدَعُ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 103].
لِأَنَّهَا إِحْدَاثٌ فِي الدِّينِ عَلَى خِلاَفِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَلٍ.
وَتَأَمَّلُوا اَلْعَالَمَ اَلْإِسْلَامِيَّ اَلْيَوْمَ ، وَمَا فِيهِ مِنْ اَلْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ ، وَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ أَنَّكُمْ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اَلَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ أَنَّ الدِّينَ الإِسْلاَمِيَّ : دِينٌ كَامِلٌ لَيْسَ بِنَاقِصٍ ؛ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ مُخْتَرِعٍ وَلاَ مُحْدِثٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [ المائدة : 3 ] وَأَنَّ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَوْضَحَ بَيَانٍ وَأَدَقَّهُ وَأَكْمَلَهُ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَنَا فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُحَذِّرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ» [ رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني ]
اَللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى اَلتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ ، اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اَلثَّبَاتَ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَلْقَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ .
؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشَّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ فِي شَهْرِ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ: صِيَاْمَ يَوْمِ عَاْشُوْرَاْءَ وَالَّذِيِ كَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صِيَامَهُ ؛ لِمَا لَهُ مِنْ اَلْمَكَانَةِ الْعَظِيِمَةِ ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ » [ رواه البخاري ] وَقَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» [ رواه مسلم ]
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضاً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
فَاحْمَدُوا اَللَّهَ رَبَّكُمْ أَنْ بَلَّغَكُمْ هَذِهِ اَلْمَوَاسِمَ اَلَّتِي يُضَاعَفُ فِيهَا اَلْأَجْرُ وَالثَّوَابُ ، وَسَلُوا رَبَّكُمُ اَلثَّبَاتَ عَلَى اَلدِّينِ إِلَى اَلْمَمَاتِ ؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا » [رواه مسلم ]
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71] أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَقْبَحِ الأَعْمَالِ وَأَسْوَءِ الْفِعَالِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللهِ تَعَالَى: الْبِدَعَ فِي الدِّينِ وَالْإِحْدَاثَ فِيِهِ ؛ فَهُوَ مُعَانَدَةٌ لِلشَّرْعِ وَمَشَاقَّةٌ لَهُ ، وَهُوَ مَحْضُ اتِّبَاعِ الْهَوَى ، قَالَ تَعَالَى : ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50].
فَلاَ يُقْبَلُ مَعَ الْبِدَعِ عَمَلٌ مَهْمَا عَظُمَ وَكَبُرَ ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [ رواه مسلم].
وَالْبِدَعُ هِيَ أَشَدُّ خَطَرًا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعاصِي؛ لأَنَّ صَاحِبَ الْمَعْصِيَةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمْرٍ حَرَامٍ، فَيَتْرُكُهُ وَيَتُوبُ مِنْهُ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْبِدْعَةِ، فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، فَيَسْتَمِرُّ عَلَى بِدْعَتِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهَا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَّبِعٌ لِلْهَوَى وَنَاكِبٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [ فاطر : 8 ]
قَالَ الشَّافِعيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «لأَنْ يَلْقَى اللَّهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلا الشِّرْكَ بِاللهِ؛ خَيرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَهْوَاءِ»
[«مناقب الشافعي للبيهقي» 1/452]
وَالْبِدَعُ مَانِعَةٌ مِنْ شَفَاعَةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ..» [متفق عليه].
وَالْبِدَعُ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلَافِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 103].
لِأَنَّهَا إِحْدَاثٌ فِي الدِّينِ عَلَى خِلاَفِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَلٍ.
وَتَأَمَّلُوا اَلْعَالَمَ اَلْإِسْلَامِيَّ اَلْيَوْمَ ، وَمَا فِيهِ مِنْ اَلْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ ، وَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ أَنَّكُمْ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اَلَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ عَنْ عِلْمٍ وَيَقِينٍ أَنَّ الدِّينَ الإِسْلاَمِيَّ : دِينٌ كَامِلٌ لَيْسَ بِنَاقِصٍ ؛ فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ مُخْتَرِعٍ وَلاَ مُحْدِثٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [ المائدة : 3 ] وَأَنَّ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَوْضَحَ بَيَانٍ وَأَدَقَّهُ وَأَكْمَلَهُ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَنَا فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُحَذِّرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ» [ رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني ]
اَللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى اَلتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ ، اَللَّهُمَّ ارْزُقْنَا اَلثَّبَاتَ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَلْقَاكَ يَا رَبَّ اَلْعَالَمَيْنِ .
؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشَّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ فِي شَهْرِ اَللَّهِ اَلْمُحَرَّمِ: صِيَاْمَ يَوْمِ عَاْشُوْرَاْءَ وَالَّذِيِ كَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صِيَامَهُ ؛ لِمَا لَهُ مِنْ اَلْمَكَانَةِ الْعَظِيِمَةِ ؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ » [ رواه البخاري ] وَقَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» [ رواه مسلم ]
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضاً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
فَاحْمَدُوا اَللَّهَ رَبَّكُمْ أَنْ بَلَّغَكُمْ هَذِهِ اَلْمَوَاسِمَ اَلَّتِي يُضَاعَفُ فِيهَا اَلْأَجْرُ وَالثَّوَابُ ، وَسَلُوا رَبَّكُمُ اَلثَّبَاتَ عَلَى اَلدِّينِ إِلَى اَلْمَمَاتِ ؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا » [رواه مسلم ]
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.