محمدالمهوس
01-05-2024, 13:36
« تنبيه الساجد ببعض آداب المساجد »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، ذِي الْجَلاَلِ وَالْجَمَالِ، سُبْحَانَهُ أَكْرَمَ الإِنْسَانَ وَزَيَّنَهُ، وَهَيَّأَ لَهُ الْكَوْنَ وَجَمَّلَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، أَكْرَمُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُمْ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾
[آل عمران :102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الْكَامِلِ وَالتَّامِّ فِي عَقَائِدِهِ وَعِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلاَتِهِ وَأَخْلاَقِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
دِينٌ يَعْتَنِي بِجَانِبِ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ ، قَالَ تَعَالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا﴾ [الأنعام : 161]، وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» [صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِي].
وَمِنْ هَذِهِ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ:
احْتِرَامُ بُيُوتِ اللهِ وَتَوْقِيرُهَا؛ بِالتَّجَمُّلِ لَهَا بِلُبْسِ الْمَلاَبِسِ النَّظِيفَةِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: «يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلاَةِ، وَلاَ سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ».
وقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثوْبَيْهِ، فَإنَّ اللهَ أَحَقُّ مَن تُزُيِّنَ لَهُ » [ السلسلة الصحيحة ]
قَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ أُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: «أَلَمْ أَكْسُكَ ثَوْبَيْنِ؟» فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى فُلَانٍ أَكُنْتَ ذَاهِبًا فِي هَذَا الثَّوْبِ؟» فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «اللَّهُ أَحَقُّ مَنْ تَزَيَّنُ لَهُ أَوْ مَنْ تَزَيَّنْتَ لَهُ» [مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح].
فَلَيْسَ مِنَ أَدَبِ الْإِسْلَامِ: ارْتِدَاءُ مَلاَبِسِ النَّوْمِ أَوِ الرِّيَاضَةِ أَوِ الْمَلاَبِسِ الَّتِي تَحْمِلُ عِبَارَاتٍ أَوْ صُوَرًا أَوْ أَشْكَالاً لَا تَلِيقُ لِبُيُوتِ اللهِ.
وَمِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَمِنْهَا: الثُّومُ وَالْبَصَلُ؛ فَإِنَّهُمَا أَذِيَّةٌ لِلْمُصَلِّي وَالْملاَئِكَةِ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْـمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» [رواه مسلم].
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي تُؤْذِي الْمُصَلِّينَ، وَتُفْسِدُ عِبَادَةَ الصَّالِحِينَ: كَالدُّخَانِ، وَوُجُودِ الْعَرَقِ وَرَائِحَةِ الشَّرَابِ؛ لِطُولِ مُكْثِهِمَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ فِي النِّعَالِ، وَبَعْضِ الْعُطُورَاتِ الْمُؤْذِيَةِ، وَالْمَلاَبِسِ الْمُتَّسِخَةِ ذَاتِ الرَّائِحَةِ؛ كَأَصْحَابِ الأَغْنَامِ وَالإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَعُمَّالِ النَّظَافَةِ، وَأَصْحَابِ الْوِرَشِ: كَالْمِيكَانِيكِيِّ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَعَلَى هَؤُلاَءِ أَنْ يُعِدُّوا أَوْ يُعَدُّ لَهُمْ مَلاَبِسُ خَاصَّةٌ بِالصَّلاَةِ ، وَثِيَابٌ نَظِيفَةٌ مُطَيَّبَةٌ يَلْبَسُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الصَّلاَةَ، فَهَؤُلاَءِ إِذَا تَنَظَّفُوا وَلَبِسُوا أَحْسَنَ مَا يَجِدُونَ أَدَّوْا حَقَّ اللهِ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَدَّوْا حُقُوقَ إِخْوَانِهِمُ الْمُصَلِّينَ فَلاَ يَتَضَرَّرُونَ وَلاَ يَتَأَذَّوْنَ.
وَمِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبُ الْجُشَاءِ وَهُوَ تَنَفُّسُ الْمَعِدَةِ عِنْدَ الاِمْتِلاَءِ، فَبَعْضُ النَّاسِ يُكْثِرُ التَّجَشُّؤَ فَيُؤْذِي مَنْ بِجِوَارِهِ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمَّا تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُفََّ جُشَاءَكَ عَنَّا»
[رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني].
وَكَذَا تَنْظِيفُ الأَنْفِ، وَإِخْرَاجُ النُّخَامَةِ وَالْبُصَاقِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّاحَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» [متفقٌ عليه].
فَمِنَ الأَدَبِ : أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُصَلِّي مَنَادِيلُ يَسْتَعْمِلُهَا لِهَذَا الْغَرَضِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَضَعُهَا فِي النُّفَايَاتِ الْمُخَصَّصَةِ فِي الْمَسَاجِدِ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنَ الأَعْمَالِ أَخْلَصَهَا وَأَزْكَاهَا، وَمِنَ الأَخْلاَقِ أَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ :
مِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبَ رَفْعِ الأَصْوَاتِ فِي بُيُوتِ اللهِ، بِكَثْرَةِ الْكَلاَمِ الْمُبَاشِرِ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ الْجَوَّالِ مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي إِيذَاءِ الْمُصَلِّينَ وَالتَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ فِي صَلاَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي؛ فَيُشَوِّشُ عَلَى مَنْ بِجَانِبِهِ وَيُشَوِّشُ عَلَى إِمَامِهِ، فَتَسْمَعُ هَمَسَاتِ صَوْتِهِ ،وَعِبَارَاتِ لَفْظِهِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ أَثْنَاءَ صَلاَتِهِ.
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: رَفْعُ الصَّوْتِ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ، أَوْ حَالَ إِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالذِّكْرِ وَالْحَوْقَلَةِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ؛ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضِ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ فِي الصَّلاَةِ»
[رواه أبو داود ، وصححه الألباني ].
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاحْتَسِبُوا الأَجْرَ بِحُسْنِ الأَدَبِ فِي بُيُوتِ اللهِ؛ رِضًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمُرَاعَاةً لِمَشَاعِرِ إِخْوَانِكُمُ الْمُصَلِّينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، ذِي الْجَلاَلِ وَالْجَمَالِ، سُبْحَانَهُ أَكْرَمَ الإِنْسَانَ وَزَيَّنَهُ، وَهَيَّأَ لَهُ الْكَوْنَ وَجَمَّلَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، أَكْرَمُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُمْ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾
[آل عمران :102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الْكَامِلِ وَالتَّامِّ فِي عَقَائِدِهِ وَعِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلاَتِهِ وَأَخْلاَقِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].
دِينٌ يَعْتَنِي بِجَانِبِ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ ، قَالَ تَعَالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا﴾ [الأنعام : 161]، وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» [صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِي].
وَمِنْ هَذِهِ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ:
احْتِرَامُ بُيُوتِ اللهِ وَتَوْقِيرُهَا؛ بِالتَّجَمُّلِ لَهَا بِلُبْسِ الْمَلاَبِسِ النَّظِيفَةِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: «يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلاَةِ، وَلاَ سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ».
وقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثوْبَيْهِ، فَإنَّ اللهَ أَحَقُّ مَن تُزُيِّنَ لَهُ » [ السلسلة الصحيحة ]
قَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ أُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: «أَلَمْ أَكْسُكَ ثَوْبَيْنِ؟» فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى فُلَانٍ أَكُنْتَ ذَاهِبًا فِي هَذَا الثَّوْبِ؟» فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: «اللَّهُ أَحَقُّ مَنْ تَزَيَّنُ لَهُ أَوْ مَنْ تَزَيَّنْتَ لَهُ» [مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح].
فَلَيْسَ مِنَ أَدَبِ الْإِسْلَامِ: ارْتِدَاءُ مَلاَبِسِ النَّوْمِ أَوِ الرِّيَاضَةِ أَوِ الْمَلاَبِسِ الَّتِي تَحْمِلُ عِبَارَاتٍ أَوْ صُوَرًا أَوْ أَشْكَالاً لَا تَلِيقُ لِبُيُوتِ اللهِ.
وَمِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَمِنْهَا: الثُّومُ وَالْبَصَلُ؛ فَإِنَّهُمَا أَذِيَّةٌ لِلْمُصَلِّي وَالْملاَئِكَةِ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْـمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» [رواه مسلم].
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي تُؤْذِي الْمُصَلِّينَ، وَتُفْسِدُ عِبَادَةَ الصَّالِحِينَ: كَالدُّخَانِ، وَوُجُودِ الْعَرَقِ وَرَائِحَةِ الشَّرَابِ؛ لِطُولِ مُكْثِهِمَا عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ فِي النِّعَالِ، وَبَعْضِ الْعُطُورَاتِ الْمُؤْذِيَةِ، وَالْمَلاَبِسِ الْمُتَّسِخَةِ ذَاتِ الرَّائِحَةِ؛ كَأَصْحَابِ الأَغْنَامِ وَالإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَعُمَّالِ النَّظَافَةِ، وَأَصْحَابِ الْوِرَشِ: كَالْمِيكَانِيكِيِّ، وَنَحْوِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْمِهَنِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَعَلَى هَؤُلاَءِ أَنْ يُعِدُّوا أَوْ يُعَدُّ لَهُمْ مَلاَبِسُ خَاصَّةٌ بِالصَّلاَةِ ، وَثِيَابٌ نَظِيفَةٌ مُطَيَّبَةٌ يَلْبَسُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الصَّلاَةَ، فَهَؤُلاَءِ إِذَا تَنَظَّفُوا وَلَبِسُوا أَحْسَنَ مَا يَجِدُونَ أَدَّوْا حَقَّ اللهِ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَدَّوْا حُقُوقَ إِخْوَانِهِمُ الْمُصَلِّينَ فَلاَ يَتَضَرَّرُونَ وَلاَ يَتَأَذَّوْنَ.
وَمِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبُ الْجُشَاءِ وَهُوَ تَنَفُّسُ الْمَعِدَةِ عِنْدَ الاِمْتِلاَءِ، فَبَعْضُ النَّاسِ يُكْثِرُ التَّجَشُّؤَ فَيُؤْذِي مَنْ بِجِوَارِهِ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمَّا تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُفََّ جُشَاءَكَ عَنَّا»
[رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني].
وَكَذَا تَنْظِيفُ الأَنْفِ، وَإِخْرَاجُ النُّخَامَةِ وَالْبُصَاقِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّاحَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ؛ قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» [متفقٌ عليه].
فَمِنَ الأَدَبِ : أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُصَلِّي مَنَادِيلُ يَسْتَعْمِلُهَا لِهَذَا الْغَرَضِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَضَعُهَا فِي النُّفَايَاتِ الْمُخَصَّصَةِ فِي الْمَسَاجِدِ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنَ الأَعْمَالِ أَخْلَصَهَا وَأَزْكَاهَا، وَمِنَ الأَخْلاَقِ أَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ :
مِنَ الْقِيَمِ الْجَمِيلَةِ والْآدَابِ السَّامِيَةِ النَّبِيلَةِ تِجَاهَ بُيُوتِ اللهِ:
تَجَنُّبَ رَفْعِ الأَصْوَاتِ فِي بُيُوتِ اللهِ، بِكَثْرَةِ الْكَلاَمِ الْمُبَاشِرِ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ الْجَوَّالِ مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي إِيذَاءِ الْمُصَلِّينَ وَالتَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ فِي صَلاَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي؛ فَيُشَوِّشُ عَلَى مَنْ بِجَانِبِهِ وَيُشَوِّشُ عَلَى إِمَامِهِ، فَتَسْمَعُ هَمَسَاتِ صَوْتِهِ ،وَعِبَارَاتِ لَفْظِهِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ أَثْنَاءَ صَلاَتِهِ.
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: رَفْعُ الصَّوْتِ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ، أَوْ حَالَ إِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالذِّكْرِ وَالْحَوْقَلَةِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ؛ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضِ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ فِي الصَّلاَةِ»
[رواه أبو داود ، وصححه الألباني ].
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاحْتَسِبُوا الأَجْرَ بِحُسْنِ الأَدَبِ فِي بُيُوتِ اللهِ؛ رِضًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمُرَاعَاةً لِمَشَاعِرِ إِخْوَانِكُمُ الْمُصَلِّينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].