المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( المدرسة العظمى رمضان )



الشيخ/عبدالله الواكد
07-03-2024, 22:33
خطبة جمعة
27/8/1445
( المدرسة العظمى رمضان )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ أحمدُهُ حَمداً كثيراَ وَأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ ، صلـى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ، وَعلًى آلهِ وأصحابهِ والتابعينَ ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أماَّ بَعدُ عِبَادَ اللهِ : فأوصيكُم ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القائلِ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أيُّهَا المسلمونَ : عَنْ أبى هُريرةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ أنَ النبىَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ ( للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحةٌ عِندَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) فَهَلْ هِيَ فَرْحةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، هَلْ فَرِحَ حِينَمَا فُسِحَ لَهُ المَجَالُ بَعْدَ أنْ كَانَ مُقَيَّداً ، لَوْ أنَّ المُؤْمِنَ تَعَمَّدَ وَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ بِدُونِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ، قَبْلَ المغربِ بعشرِ دقائقَ فقط ، هل تحصُلُ لهُ هذهِ الفرحةُ ؟ لا وَاللهِ ، إِنَّمَا يَشْعُرُ بالحُزْنِ وَالأَسَى وَالحَسْرَةِ ، فَمَا هُوَ سِرُّ تِلكَ الفَرْحةِ يَا تُرى ؟ إنَّ تِلكَ الفَرْحةَ ، هِيَ فَرْحَةُ الإِنْتِصَارِ عَلَى النَّفْسِ ، وَالتَّفَوُّقِ عَلَى الهَوَى ، وَالفَوْزِ بِالأَجْرِ ، إِنَّهَا لَذَّةُ الطَّاعَةِ ، وَإِتْمَامُ الصِّيَامِ ، إِنَّهَا نَشْوَةُ الإِنْتِصَارِ عَلَى عَدُوِّ اللهِ الشَّيْطَانِ ، إِنَّهَا الوقوفُ على قِمَّةِ العُبُودِيَّةِ وَشَرَفُ الإِنْتِمَاءِ لِلْإِسْلَامِ ، إِنَّهَا أَسْمَى مَعَانِي الإِسْتِسْلَامِ ، شَرَفٌ وَعِزَّةٌ ، لَا يُدانِيهُمَا شَيْءٌ ، أنْ تجلسَ أمامَ ما لذَّ وَطَابَ ، مِنْ طَعَامٍ وَشَرابٍ ، ثُمَّ تَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لَكَ بِذَلِكَ ، إِنَّهَا السَّعَادَةُ وَرَبِّ النَّاسِ ، ( الصَّوْمُ لي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) هَذِهِ العِبَادَةُ ، إِخْتَارَهَا اللهُ أنْ تَكُونَ لهُ ، وَهُوَ يَجْزِي بِهَا ، الحَمْدُ للهِ ، وَلا إلهَ إلا اللهُ فأنتَ قويٌّ أيها المسلمُ ، ذو عزيمةٍ ، وصاحبُ شكيمةٍ ، تمتلكُ قوةً وإرادةً تكسرُ بها الشهواتِ ، وتقارعُ بها الملذاتِ ، رمضانُ مدرسةٌ عظيمةٌ ، يقولُ تباركَ وتعالى ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فَالمَقْصُودُ مِنَ الصِّيَامِ ، هُوَ تَحْقِيقُ مَا يَنْتُجُ مِنَ الصِّيَام ، وَهِيَ التَّقْوَى ، وَبِذَلِكَ قَالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ (مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُوْرِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْلَ فَلَيْسَ للّهِ حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابَهُ)
فَشَهْوَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، عَلَى أنَّهُمَا مِنْ لُزُومِيَّاتِ الحَيَاةِ ، إِلاَّ أنَّهُمَا فِي أَدْنَى الشَّهَوَاتِ ، فَإِذَا كُسِرَتْ هَذِهِ الشَّهَوَاتُ الحَلَالُ بِالصِّيَامِ ، خَضَعَتْ جَرَّاءَهَا الشَّهَوَاتُ المُحَرَّمَةُ ، وَتَدَاعَتْ وَاحِدَةً إِثْرَ وَاحِدَةٍ ، لِأَنَّ الصِّيَامَ دُرْبَةٌ عَلَى الكَفِّ وَالإِمْتِنَاعِ ، فَتَكُونُ النَّفْسُ تَحْتَ سُلْطَانِ صَاحِبِهَا ، فَالصِّيَامُ يَعْسِفُهَا كَمَا تُعْسَفُ الأَمْهَارُ ، فَتَكُونُ طَوْعاً لِرَاكِبِهاَ .
رمضانُ مدرسةٌ للمُسْلِمِينَ ، وَمَشْفَى لِمَرْضَى القُلُوبِ وَالغَافِلِينَ ، شهرُ ترابُطٍ إجتماعيٍّ ، وتكاتُفٍ أسريٍّ ، رمضانُ معهدٌ كبيرٌ جِداًّ ، يَمْتدُّ مِنْ شَرْقِ بِلَادِ الإسْلَامِ إِلَى غَرْبِهَا ، يَأْخُذُ فِيهِ المُسْلِمُونَ جَمِيعاً ، دَوْرَةً تَدْرِيبِيَّةً ، لِرَفْعِ رُوحِ المَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّكَاتُفِ وَالتَّآلفِ ، وَنَبْذِ الخُصُومَةِ وَالعَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ ، شَهْرٌ كَامِلٌ يُهَذِّبُ النُّفُوسَ ، وَيَرْفَعُ مَعَاييرَ القُرْبِ مِنَ اللهِ ، شَهْرٌ كَامِلٌ يَتَدَرَّجُ فِيهِ الجُهْدُ كُلَّمَا تَدَرَّجَتْ أَيَّامُهُ وَلَيَالِيه ، كَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كُلَّمَا دَخَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرٌ ، دَخَلَ مَعَهَاَ بِجُهْدٍ آخَرَ ، حَتَّى إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ الأَوَاخِرُ ، شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأيَقظَ أَهْلَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَاعْتَكَفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَام ُ،
وَأَنْتَ أًيُّهَا المُسْلِمُ الكَرِيمُ ، سَتَقْلِبُ صَفْحةً جَدِيدَةً فِي حَيَاتِكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ ، فَافْتتَحْهَا بِالعَزِيمَةِ الصَّادِقَةِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْتِسَابِ ، لِتَعُودَ بِالأَجْرِ وَرِضَى الرَّبِّ ، وَلِتُصْبحَ تِلْكَ المُعَوِّقَاتُ كَثِيباً مَهِيلاً ، صُمْ النهارَ وقمُ الليلَ ، وحافظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا مَعَ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ ، وَابْتَعِدْ عَنِ المُنْكَرَاتِ ، وَسَابِقْ إِلَى الخَيْرَاتِ ، فَنَحْنُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ خَطاؤُونَ ، مَنْ قَالَ أَنَّنَا لاَ نُخْطِيء فَقَدْ كَذَبَ ، لِأَنُّهُ لَا عِصْمَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ ، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (كُلُّ ابْنِ آدمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) فَيَا صَاحِبَ الكَبَائِرِ وَيَا صَاحِبَ الصَّغَائِرِ وَيَا مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ ، قِفْ أَمَامَ الغَفُورِ الرَّحِيمِ وَاعْتَرِفْ لَهُ بِذَنْبِكَ وَتَقَلَّبْ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَأَكْثِرْ من الإِسْتِغْفَار ، اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَغْفِرُ ذُنُوبَ التَّائِبِ فَحَسْب ، بَلْ يَفْرَحُ فَرَحاً شَدِيداً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ، قَالَ تَعَالَى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61 )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية
نحنُ أيها المسلمونَ مختلفونَ ، مِنا الصالحونَ ومِنا دونَ ذلكَ ، وهذهِ هيَ حالُ البشرِ قال تعالى فيهِم ( فمنهُم ظالمٌ لنفسِهِ ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيراتِ بإذنِ اللهِ ) فكلٌّ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ ، وَكُلٌّ أَقْدَرُ عَلَى عِلَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، إِنَّمَا القَصْدُ بَيَانُ قُدْرَتِناَ عَلَى الإِسْتِقَامَةِ ، مِنْ خِلَالِ صِيَامِ وَقِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ الكَرِيمِ ، نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُعِينَنَا عَلَى ذَلِكَ ، وَلاَ بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ جُهْدٍ جَهِيدٍ ، وَعَمَلٍ سَدِيدٍ ، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) فَلا تَأتِى الحَقائِقُ المُصْلِحَةُ ، وَلاَ التِّجَارَاتُ المُرْبِحَةُ ، وَلاَ النَّتَائِجُ المُفْرِحَةُ ، إِلَّا بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَمُغَالَبَةِ الهَوَى ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ رَمَضَانَ ، وَاسْتَفِيدُوا مِنْ الأَوْقَاتِ التِي تَمْكُثُونَهَا فِي بُيُوتِ اللهِ ، أَطِيلُوا التَأَمُّلَ فِي حَقِيقَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ ، وَمَا بَعْدَهَا ، الأهوالِ ، كُلُّ هَذِهِ حَقَائقُ وَسَتَرَوْنَهَا عَيَاناً ، فَاسْتَعِدُّوا وَأَعِدُّوا
وَصلوا وسلموا على البشيرِ النذيرِ والسراجِ المنيرِ نبيكُم محمدٍ المصطفى ورسولِكُم المجتبى، فقد أمرَكم بذلكَ ربُّكُم جلَّ وعلا فقالَ في محكمِ كتابِه قولاً كريماً: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً )