محمدالمهوس
05-03-2024, 11:01
« خمس مسائل في استقبال رمضان »
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنْ دِينِكُمْ بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَهْرٌ نَسْتَقْبِلُهُ ؛ بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَحَابَتَهُ وَأُمَّتَهُ ، فَقَالَ : «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»
[أخرجه أحمد ، والنسائي ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"].
نَعَمْ وَاللهِ! إِنَّهَا بُشْرَى عَظِيمَةٌ، وَكَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لاَ تُحْصَى فَضَائِلُهُ، وَلاَ تُعَدُّ مَحَاسِنُهُ .
وَلِكَيْ لاَ يَفُوتَ الشَّهْرُ عَلَيْنَا كَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا استحضار هَذِهِ الْفَضَائِلَ، وعقد الْعَزْمِ عَلَى اسْتِغْلاَلِ كُلِّ لَحَظَاتِهِ نَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا اَلشَّهْرَ لِنَفُوزَ بِعَظِيِمِ الْأَجْرِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ أَوَّلاً: - مِنَّةَ اللهِ عَلَيْنَا؛ حَيْثُ نَسْتَقْبِلُ هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ، وَنَحْنُ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَالْفَضْلُ للهِ عَلَى دِينِ الإِسْلاَمِ؛ مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ .
وَأَيْضًا نَسْتَحْضِرُ مِنَّةَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا بِتَيْسِيرِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ ؛ فَهِيَ عِبَادَاتٌ مُيَسَّرَةٌ - وَللهِ الْحَمْدُ - وَلَيْسَتْ شَاقَّةً، قَدْ أَعَانَنَا اللهُ فِيِهَا ، وَحَرَّكَ قُلُوبَنَا وَجَوَارِحَنَا لأَدَائِهَا ، وَضَاعَفَ الْأَجْرَ وَالْمَثُوبَةَ عَلَيْهَا ؛ فَهَذِهِ مِنَّةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ؛ وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا شَيْءٌ، وَلاَ إِلَى أَنْفُسِنَا شَيْءٌ، إِنَّمَا الأَمْرُ كُلُّهُ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ لَنَا إِلاَّ بِرَبِّنَا؛ فَلْنَكُنْ دَائِمًا نَلْهَجُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» [ أخرجه أحمد ، وصححه الألباني ].
ثَانِياً : اتِّهَامُ النَّفْسِ بِالتَّقْصِيرِ! فَأَهْلُ الإِيمَانِ جَمَعُوا بَيْنَ الإِحْسَانِ بِالْعَمَلِ وَالخَوْفِ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
قَالَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عْنَهَا: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾[ المؤمنون : 60 ]. أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» [ رواه الترمذي ، وصححه الألباني ]
فَاتِّهَامُ النَّفْسِ بِالتَّقْصِيرِ، وَمُشَاهَدَةُ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ تُوجِبُ أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ:
الأَوَّلَ: الاِنْكِسَارُ وَالاِفْتِقَارُ.
وَالثَّانِي : التَّوْبَةُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
فَأَحْوَجُ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ التَّوْبَةُ مَعَ عِبَادَةِ الصِّيَامِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا اجْتَهَدْنَا فِي إِيقَاعِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ فَلَنْ نَسْتَطِيعَ، وَحَقُّ اللهِ أَعْظَمُ، وَالْغَفْلَةُ غَالِبَةٌ، وَالتَّقْصِيرُ حَاصِلٌ، وَالتَّهَاوُنُ وَاقِعٌ؛ وَكُلَّمَا عَظُمَتْ مَحَبَّتُنَا للهِ وَتَعْظِيمُنَا لَهُ وَعِلْمُنَا بِهِ ؛ كُلَّمَا عَظُمَ شُهُودُنَا لِتَقْصِيرِنَا، وَكُلَّمَا عَظُمَ شُهُودُنَا لِتَقْصِيرِنَا عَظُمَتْ تَوْبَتُنَا، حَتَّى تَكُونَ عَلَى مَدَى الأَنْفَاسِ ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [ فاطر : 15 – 17 ]
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ ثَالِثَ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي يَحْسُنُ اَلتَّنْبِيهُ لَهَا فِي اِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ :
أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ الصَّوْمَ للهِ فَنَصُومُهُ لأَجْلِهِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»
[ رواه البخاري، ومسلم واللفظ له].
فَنَحْنُ نَتَعَبَّدُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ للهِ جَلَّ وَعَلاَ بِشَيْءٍ يُحِبُّهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لَدَيْهِ ؛ لِذَا لاَ بُدَّ أَنْ نَصُومَ لأَجْلِهِ، وَنَتَذَكَّرَ قَوْلَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ متفق عليه ]
وَأَيْضاً نُذَكِّرْ انْفُسَنَا بِثَوَابِ الصِّيَامِ، وَنَتَذَكُّرُ أَنَّ الَّذِي يَجْزِي بِهِ هُوَ الْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَمَا أَعْظَمَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَأَعْظَمَ هَذَا الْعَطَاءَ! فَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ، فَرَبُّكَ كَرِيمٌ وَعَطَاؤُهُ جِدُّ جَزِيلٍ.
رَابِعاً : تَذَكَّرْ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا بِالْعِبَادَةِ لِنَفْعِنَا وَسَعَادَتِنَا فِيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِيِهَا الْبَتَّةَ ؛ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ... الْحَدِيِث».
خاَمِساً : الْتَمِسِ الأَثَرَ الإِيمَانِيَّ لِلصِّيَامِ لِتَنَالَ الْجَائِزَةَ وَهِيَ : تَحْقِيقُ التَّقْوَى ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] فَلْنَتَّقِيِ اللهَ فِيِ جَمِيِعِ أَعْمَالِنَا وَلْنَحْذَرْ مِنَ الْحِرْمَانِ ؛ فَإِنْ وَفَّقَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَةِ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ بِمَثَابَةِ رَأْسِ الْمَالِ؛ وَحَقُّ رَأْسِ الْمَالِ أَنْ تُحَافِظَ عَلَيْهِ مِنَ الْخُسَارَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب : 56 ] وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنْ دِينِكُمْ بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَهْرٌ نَسْتَقْبِلُهُ ؛ بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَحَابَتَهُ وَأُمَّتَهُ ، فَقَالَ : «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»
[أخرجه أحمد ، والنسائي ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"].
نَعَمْ وَاللهِ! إِنَّهَا بُشْرَى عَظِيمَةٌ، وَكَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لاَ تُحْصَى فَضَائِلُهُ، وَلاَ تُعَدُّ مَحَاسِنُهُ .
وَلِكَيْ لاَ يَفُوتَ الشَّهْرُ عَلَيْنَا كَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا استحضار هَذِهِ الْفَضَائِلَ، وعقد الْعَزْمِ عَلَى اسْتِغْلاَلِ كُلِّ لَحَظَاتِهِ نَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا اَلشَّهْرَ لِنَفُوزَ بِعَظِيِمِ الْأَجْرِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ أَوَّلاً: - مِنَّةَ اللهِ عَلَيْنَا؛ حَيْثُ نَسْتَقْبِلُ هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ، وَنَحْنُ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَالْفَضْلُ للهِ عَلَى دِينِ الإِسْلاَمِ؛ مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ .
وَأَيْضًا نَسْتَحْضِرُ مِنَّةَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا بِتَيْسِيرِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ ؛ فَهِيَ عِبَادَاتٌ مُيَسَّرَةٌ - وَللهِ الْحَمْدُ - وَلَيْسَتْ شَاقَّةً، قَدْ أَعَانَنَا اللهُ فِيِهَا ، وَحَرَّكَ قُلُوبَنَا وَجَوَارِحَنَا لأَدَائِهَا ، وَضَاعَفَ الْأَجْرَ وَالْمَثُوبَةَ عَلَيْهَا ؛ فَهَذِهِ مِنَّةٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ؛ وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا شَيْءٌ، وَلاَ إِلَى أَنْفُسِنَا شَيْءٌ، إِنَّمَا الأَمْرُ كُلُّهُ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ لَنَا إِلاَّ بِرَبِّنَا؛ فَلْنَكُنْ دَائِمًا نَلْهَجُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» [ أخرجه أحمد ، وصححه الألباني ].
ثَانِياً : اتِّهَامُ النَّفْسِ بِالتَّقْصِيرِ! فَأَهْلُ الإِيمَانِ جَمَعُوا بَيْنَ الإِحْسَانِ بِالْعَمَلِ وَالخَوْفِ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
قَالَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عْنَهَا: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾[ المؤمنون : 60 ]. أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» [ رواه الترمذي ، وصححه الألباني ]
فَاتِّهَامُ النَّفْسِ بِالتَّقْصِيرِ، وَمُشَاهَدَةُ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ تُوجِبُ أَمْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ:
الأَوَّلَ: الاِنْكِسَارُ وَالاِفْتِقَارُ.
وَالثَّانِي : التَّوْبَةُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
فَأَحْوَجُ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ التَّوْبَةُ مَعَ عِبَادَةِ الصِّيَامِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا اجْتَهَدْنَا فِي إِيقَاعِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ فَلَنْ نَسْتَطِيعَ، وَحَقُّ اللهِ أَعْظَمُ، وَالْغَفْلَةُ غَالِبَةٌ، وَالتَّقْصِيرُ حَاصِلٌ، وَالتَّهَاوُنُ وَاقِعٌ؛ وَكُلَّمَا عَظُمَتْ مَحَبَّتُنَا للهِ وَتَعْظِيمُنَا لَهُ وَعِلْمُنَا بِهِ ؛ كُلَّمَا عَظُمَ شُهُودُنَا لِتَقْصِيرِنَا، وَكُلَّمَا عَظُمَ شُهُودُنَا لِتَقْصِيرِنَا عَظُمَتْ تَوْبَتُنَا، حَتَّى تَكُونَ عَلَى مَدَى الأَنْفَاسِ ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [ فاطر : 15 – 17 ]
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ ثَالِثَ اَلْأُمُورِ اَلَّتِي يَحْسُنُ اَلتَّنْبِيهُ لَهَا فِي اِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ :
أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ الصَّوْمَ للهِ فَنَصُومُهُ لأَجْلِهِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»
[ رواه البخاري، ومسلم واللفظ له].
فَنَحْنُ نَتَعَبَّدُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ للهِ جَلَّ وَعَلاَ بِشَيْءٍ يُحِبُّهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لَدَيْهِ ؛ لِذَا لاَ بُدَّ أَنْ نَصُومَ لأَجْلِهِ، وَنَتَذَكَّرَ قَوْلَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ متفق عليه ]
وَأَيْضاً نُذَكِّرْ انْفُسَنَا بِثَوَابِ الصِّيَامِ، وَنَتَذَكُّرُ أَنَّ الَّذِي يَجْزِي بِهِ هُوَ الْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَمَا أَعْظَمَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَأَعْظَمَ هَذَا الْعَطَاءَ! فَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ، فَرَبُّكَ كَرِيمٌ وَعَطَاؤُهُ جِدُّ جَزِيلٍ.
رَابِعاً : تَذَكَّرْ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَنَا بِالْعِبَادَةِ لِنَفْعِنَا وَسَعَادَتِنَا فِيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِيِهَا الْبَتَّةَ ؛ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ... الْحَدِيِث».
خاَمِساً : الْتَمِسِ الأَثَرَ الإِيمَانِيَّ لِلصِّيَامِ لِتَنَالَ الْجَائِزَةَ وَهِيَ : تَحْقِيقُ التَّقْوَى ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] فَلْنَتَّقِيِ اللهَ فِيِ جَمِيِعِ أَعْمَالِنَا وَلْنَحْذَرْ مِنَ الْحِرْمَانِ ؛ فَإِنْ وَفَّقَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَةِ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ بِمَثَابَةِ رَأْسِ الْمَالِ؛ وَحَقُّ رَأْسِ الْمَالِ أَنْ تُحَافِظَ عَلَيْهِ مِنَ الْخُسَارَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب : 56 ] وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].