الشيخ/عبدالله الواكد
22-02-2024, 23:47
الخطبة الأولى
الحمدُ لله العزيز الوهّاب، الذي خلق الأسباب, وقدّر المقادير، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن, لا إله إلا هو سريعُ الحساب. أحمد ربّي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً مبرّأة من النفاق والارتياب، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله المنعَم عليه بأفضل كتاب، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله والأصحاب.
ـ عبادَ الله ـ خلق الله البشر ، معرَّضًين للخطيئات، ومعرَّضين للتقصير في الواجبات، كثيري الزلل ، قليلي العمل ، ومع ذلك ، ضاعف لهم الحسناتِ، ولم يضاعِف عليهم السيِّئات، قال الله تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء با لسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنّ الله كتب الحسناتِ والسيّئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبَها الله عندَه حسنةً كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عندَه عشرَ حسنات، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيّئة فلم يعملْها كتبَها الله حسَنة كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عنده سيِّئة واحدة)) رواه البخاري[1].
فجعل الله الخيرات ، طرقا لكسبِ الحَسَنات وجعل الفرائضَ ، مكفِّراتٍ للسيِّئات ، رافعةً للدّرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: ((الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِب الكبائر)) رواه مسلم[2]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أربعون خَصلةً أعلاها مَنيحَة العَنز، ما مِن عاملٍ يعمَل بخصلةٍ منها رَجاءَ ثوابِها وتَصديقَ مَوعودِها إلاّ أدخله الله بها الجنّة)) رواه البخاري[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((الإيمان بضعٌ وسبعون ـ أو بضعٌ وستون ـ شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريق، والحياءُ شعبَة من الإيمان)) رواه البخاري ومسلم[4]، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ العمل أفضَل؟ قال: ((الإيمانُ بالله والجِهاد في سبيلِه))، قلتُ: أيُّ الرِّقاب أفضل؟ قال: ((أنفسُها عندَ أهلها وأكثرُها ثمَنًا))، قلتُ: فإن لم أفعل؟! قال: ((تُعين صانعًا أو تصنَع لأخرَق))، قلت: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن ضعفتُ عن بعضِ العمَل؟! قال: ((تكفُّ شرَّك عن النّاس، فإنّها صدقةٌ مِنك على نفسِك)) رواه البخاري ومسلم[5]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)) رواه مسلم[6]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ اللهَ ليرضَى عن العبدِ أن يأكُل الأكلةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربة فيحمَده عليها)) رواه مسلم[7].
وكما شرع اللهُ كثرةَ أبوابِ الخير، وأسباب الحسنات ، سدَّ أبوابَ الشرِّ والمحرَّمات، وحرَّم وسائلَ المَعاصي والسيِّئات، ليثقلَ ميزانُ البرِّ والخير، ويخِفَّ ميزانُ الإثمِ والشرِّ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله يقول: ((ما نهيتُكم عنه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري ومسلم[8].
وجِماع الخير، ومِلاك الأمر، وسببُ السعادة ، التوبةُ إلى الله تعالى، قال عزّ وجلّ: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ومعنى التوبةِ ، هي الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه ، مِن فعلِ المحرّم والإثم، أو مِن ترك واجبٍ أو تقصير فيه، بصدقِ قلبٍ ونَدمٍ على ما كان.
والتوبة النّصوحُ يحفَظ الله بها الأعمالَ الصّالحة التي فعَلها العبد، ويكفِّر الله تبارك وتعالى بها المعاصيَ التي وقعت، ويدفعُ الله بها العقوباتِ النّازلةَ والآتيَة،
قال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].
والتوبةُ واجبَة على جميع المسلمين، عن الأغرّ بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرّة)) رواه مسلم[10]
وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((إنَّ الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النّهار، ويبسط يدَه بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل)) رواه مسلم[11].
والتّوبة من أعظمِ العبادات ، وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتّصفَ بها ، تحقَّق فلاحُه ، وظهَر في الأمور نجاحُه، قال تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [القصص:67].
وكفى بفضلِ التّوبة شرفًا ، فرحُ الرّبِّ بها فرحًا شديدًا، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من أحدِكم سقَط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة )) رواه البخاري ومسلم[12].
فتوبوا إلى الله أيّها المسلمون، وأقبِلوا إلى ربٍّ كريم، أسبَغَ عليكم نعمَه الظاهرةَ والباطنَة، وآتاكم من كلِّ ما سألتموه، ومدّ في آجالِكم،
ياأٰيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التحريم:8].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، وتاب علي وعليكم وعلى سائر من وحد الله ولم يشرك به شيئا ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم ،
الخطبة الثانية
أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى وأطيعوه, فإنّ طاعته أقوم وأقوى, وتزوّدوا بهذه التّقوى لداركم الأخرى، فإنّها دار القرار، نعيمُها أبديّ, وعذابها سرمديّ, واشكُروا نعمَ الله عليكم بطلبِ رضوانِه وملازمة طاعتِه والبعدِ عن معصيته.
والتّوبة من صفاتِ النبيّين عليهم الصلاة والسلام ومن صفات المؤمنين، قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ النَّبِىّ وَ الْمُهَـٰجِرِينَ وَ الأنصَـٰرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:117]،
والتّوبة من جميع الذّنوب واجبَة، وإن تابَ من بعضِ الذّنوب صحّت توبتُه من ذلك الذّنب، وبقيَ عليه ما لم يتُب منه.
عبادَ الله، إنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى لنَّبِىّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلّى عليَّ صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عشرًا)).
فصلّوا وسلّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.
الحمدُ لله العزيز الوهّاب، الذي خلق الأسباب, وقدّر المقادير، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن, لا إله إلا هو سريعُ الحساب. أحمد ربّي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً مبرّأة من النفاق والارتياب، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله المنعَم عليه بأفضل كتاب، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله والأصحاب.
ـ عبادَ الله ـ خلق الله البشر ، معرَّضًين للخطيئات، ومعرَّضين للتقصير في الواجبات، كثيري الزلل ، قليلي العمل ، ومع ذلك ، ضاعف لهم الحسناتِ، ولم يضاعِف عليهم السيِّئات، قال الله تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء با لسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنّ الله كتب الحسناتِ والسيّئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبَها الله عندَه حسنةً كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عندَه عشرَ حسنات، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيّئة فلم يعملْها كتبَها الله حسَنة كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عنده سيِّئة واحدة)) رواه البخاري[1].
فجعل الله الخيرات ، طرقا لكسبِ الحَسَنات وجعل الفرائضَ ، مكفِّراتٍ للسيِّئات ، رافعةً للدّرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: ((الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِب الكبائر)) رواه مسلم[2]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أربعون خَصلةً أعلاها مَنيحَة العَنز، ما مِن عاملٍ يعمَل بخصلةٍ منها رَجاءَ ثوابِها وتَصديقَ مَوعودِها إلاّ أدخله الله بها الجنّة)) رواه البخاري[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((الإيمان بضعٌ وسبعون ـ أو بضعٌ وستون ـ شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريق، والحياءُ شعبَة من الإيمان)) رواه البخاري ومسلم[4]، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ العمل أفضَل؟ قال: ((الإيمانُ بالله والجِهاد في سبيلِه))، قلتُ: أيُّ الرِّقاب أفضل؟ قال: ((أنفسُها عندَ أهلها وأكثرُها ثمَنًا))، قلتُ: فإن لم أفعل؟! قال: ((تُعين صانعًا أو تصنَع لأخرَق))، قلت: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن ضعفتُ عن بعضِ العمَل؟! قال: ((تكفُّ شرَّك عن النّاس، فإنّها صدقةٌ مِنك على نفسِك)) رواه البخاري ومسلم[5]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)) رواه مسلم[6]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنَّ اللهَ ليرضَى عن العبدِ أن يأكُل الأكلةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربة فيحمَده عليها)) رواه مسلم[7].
وكما شرع اللهُ كثرةَ أبوابِ الخير، وأسباب الحسنات ، سدَّ أبوابَ الشرِّ والمحرَّمات، وحرَّم وسائلَ المَعاصي والسيِّئات، ليثقلَ ميزانُ البرِّ والخير، ويخِفَّ ميزانُ الإثمِ والشرِّ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَ الْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله يقول: ((ما نهيتُكم عنه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري ومسلم[8].
وجِماع الخير، ومِلاك الأمر، وسببُ السعادة ، التوبةُ إلى الله تعالى، قال عزّ وجلّ: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ومعنى التوبةِ ، هي الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه ، مِن فعلِ المحرّم والإثم، أو مِن ترك واجبٍ أو تقصير فيه، بصدقِ قلبٍ ونَدمٍ على ما كان.
والتوبة النّصوحُ يحفَظ الله بها الأعمالَ الصّالحة التي فعَلها العبد، ويكفِّر الله تبارك وتعالى بها المعاصيَ التي وقعت، ويدفعُ الله بها العقوباتِ النّازلةَ والآتيَة،
قال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].
والتوبةُ واجبَة على جميع المسلمين، عن الأغرّ بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرّة)) رواه مسلم[10]
وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((إنَّ الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النّهار، ويبسط يدَه بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل)) رواه مسلم[11].
والتّوبة من أعظمِ العبادات ، وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتّصفَ بها ، تحقَّق فلاحُه ، وظهَر في الأمور نجاحُه، قال تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [القصص:67].
وكفى بفضلِ التّوبة شرفًا ، فرحُ الرّبِّ بها فرحًا شديدًا، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من أحدِكم سقَط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة )) رواه البخاري ومسلم[12].
فتوبوا إلى الله أيّها المسلمون، وأقبِلوا إلى ربٍّ كريم، أسبَغَ عليكم نعمَه الظاهرةَ والباطنَة، وآتاكم من كلِّ ما سألتموه، ومدّ في آجالِكم،
ياأٰيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التحريم:8].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، وتاب علي وعليكم وعلى سائر من وحد الله ولم يشرك به شيئا ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم ،
الخطبة الثانية
أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى وأطيعوه, فإنّ طاعته أقوم وأقوى, وتزوّدوا بهذه التّقوى لداركم الأخرى، فإنّها دار القرار، نعيمُها أبديّ, وعذابها سرمديّ, واشكُروا نعمَ الله عليكم بطلبِ رضوانِه وملازمة طاعتِه والبعدِ عن معصيته.
والتّوبة من صفاتِ النبيّين عليهم الصلاة والسلام ومن صفات المؤمنين، قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ النَّبِىّ وَ الْمُهَـٰجِرِينَ وَ الأنصَـٰرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:117]،
والتّوبة من جميع الذّنوب واجبَة، وإن تابَ من بعضِ الذّنوب صحّت توبتُه من ذلك الذّنب، وبقيَ عليه ما لم يتُب منه.
عبادَ الله، إنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى لنَّبِىّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلّى عليَّ صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عشرًا)).
فصلّوا وسلّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.