المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( المحافظة على البيئة )



الشيخ/عبدالله الواكد
05-01-2024, 03:03
خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان
المحافظة على البيئة

عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

الخُطْبَةُ الأُولَى

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ
أَمَّا بعدُ أيهاَ المسلمونَ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ القائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الغَيْثِ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً فَلَمْ تَبْرَحْ هَذِهِ النِّعْمَةُ أَرْضًا إِلَّا وَغَمَرَتْهَا فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا وَفَاضَتْ الشِّعَابُ وَأَصْبَحَتْ الأَرْضُ بِفَضْلِ اللهِ بَحْرًا مُتَلاَطِمًا مِنْ مِيَاهِ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ :(وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) فَغَسَلَتْ هَذِهِ الأَمْطَارُ وَالسُّيُولُ مَا خَلَّفَهُ النَّاسُ بِالأَمْسِ وَمَا أَفْسَدُوهُ وَأَنْبَتَتْ الأَرْضُ مَا دَاسَهُ النَّاسُ بِسَيَّارَاتِهِمْ وَأَغْبَرُوهُ وَأَوْرَقَتْ الأَشْجَارُ وَنَبَتَتْ فِيهَا الأَغْصَانُ لِتُعَوِّضَ مَا قَطَعَهُ النَّاسُ وَاحْتَطَبُوهُ ، وَاليَوْمَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : تُنَاشِدُكُمْ هَذِهِ الأَرْضُ الجَمِيلَةُ النَّظِيفَةُ وَهَذِهِ الوِدْيَانُ وَالشِّعَابُ وَحَصْبَاؤُهَا المِرْجَانِيَّةُ تُنَاشِدُكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهَا بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ مُتَنَفَّسُكُمْ وَمُتَنَزَّهُكُمْ إِلَيْهَا تَذْهَبُونَ وَبِهَا تَسْتَمْتِعُونَ تُقَلِّبُونَ أَبْصَارَكُمْ بَيْنَ المَاءِ وَالسَّمَاءِ وَالجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالطُّيُورِ وَالزُّهُورِ فَاللهَ اللهَ بِالُمحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ قَالَ تَعَالَى( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) فَكُلُّ مَا فِي الصَّحْرَاءِ وَالجِبَالِ مِنْ أَحْيَاءٍ وَنَبَاتَاتٍ وَأَشْجَارٍ لَهاَ فَوَائِدُهَا وَمَنَافِعُهَا، وَعَمَلُهَا وَوَظِيفَتُهَا، فَهَذَا التَّوَازُنُ الْبِيئِيُّ بَيْنَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ؛ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فَكُلُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الكَوْنِ العَظِيمِ مَوْزُونٌ بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ، وَمُقَدَّرٌ بِمِقْدَارِ الْمَنْفَعَةِ ، فَلاَ يَصْلُحُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانٌ ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ هَذِهِ الْبِيئَةَ الَّتِي نَكْتَنِفُهَا تَتَأَثُّرُ بِنَا وَنَتَأَثَّرُ بِهَا ، أَرَأَيْتَ كَيْفَ تَكُونُ مَشَاعِرُ النَّاسِ وَنَفْسِيَّاتُهُمْ حِينَمَا تَنْزِلُ الأَمْطَارُ وَتَسِيلُ القِفَارُ وَتُورِقُ الأَشْجَارُ وَتَعْبِقُ الأَزْهَارُ ، يَرَوْنَ حُلُمًا حَقَّقَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ لَهُمْ وَيَرَوْنَ رِزْقًا عَظِيمًا وَعَطَاءً كَرِيمًا مَنَحَهُ اللهُ إِيَّاهُمْ ، فَمَا هُوَ يَا تُرَى أَثَرُنَا المَرْجُوُّ عَلَى هَذِهِ البِيئَةِ الجَمِيلَةِ الخَلَّابَةِ ، هَلْ الَمَطْلُوبُ مِنَّا أَنْ نُحَافِظَ عَلَيْهَا وَنَزِيدُهَا بِزِيَارَتِنَا لَهاَ زَهْوًا وَجَمَالاً أَمْ نَمْلَؤُهَا بِالقُمَامَةِ وَالمُخَلَّفَاتِ وَالعُلَبِ وَالقَوَارِيرِ ، لِمَا لَا نَحْمِلُ مَعَنَا أَكْيَاسَ نِفَايَاتٍ وَنَضَعُ النِّفَايَاتِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّنَادِيقِ المُخَصَّصَةِ لَهَا ، فَالأَمْرُ يَحْتَاجُ فِي البِدَايَةِ إِلَى تَغْييرِ سُلُوكِنَا فَتَتَغَيَّرُ جَرَّاءَ ذَلِكَ ثَقَافَتُنَا.
هَذِهِ البِيئَةُ التِي حَوْلُنَا سَوَاءً فِي المَدِينَةِ أَوْ خَارِجِهَا هِيَ جُزْءٌ مِنَّا فَهِيَ مَوْطِنُ حَيَاتِنَا، وَمَحِلُّ عِبَادَتِنَا، وَلَهَا الَتأثِيرُ الْبَالِغُ عَلَى صِحَّتِنَا، وَلِذَلِكَ وَضَعَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ الضَّوَابِطَ الْعَدِيدَةَ لِلْحِفَاظِ عَلَى عَنَاصِرِهَا ، وَعَدَمِ الإِخْلاَلِ بِمُكَوِّنَاتِهَا، أَوْ إِفْسَادِ نِظَامِهَا قَالَ تَعَالَى : ( وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) جَاءَ فِي تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ عَنِ الضَّحَاكِ أَنَّهُ قَالَ أَيْ : لاَ تَقْطَعُوا الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ( فَإِنَّ إِتْلاَفَ الأَشْجَارِ أَوِ الأَزْهَارِ، أَوْ صَيْدَ الْحَيَوَانَاتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ )
ثُمَّ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِيَّاُكْم وَالإِسْرَافَ فِي الرَّحْلاَتِ البَرِّيَّةِ وَتَبْدِيدَ الأَنْعَامِ وَالخَيْرَاتِ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ التَّبْذِيرِ وَالإسْرَافِ قَالَ سُبْحَانَهُ : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ قُدْوَةً فِي عَدَمِ الإِسْرَافِ وَقَدْ نَهَى الشَّارْعُ الْحَكِيمُ عَنِ الإِسْرَافِ حتى فِي الْمَاءِ مَهْمَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ لِعِبَادَةٍ ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَعْمِلُهُ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ، فَكَيْفَ بِمَا سِوَاهُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَرَ الإِسْلاَمُ بِإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، حِرْصًا عَلَى نَظَافَةِ البِيئَةِ ، وَحِفَاظًا عَلَى جَمَالِهَا ، وَوَعَدَ فَاعِلَ ذَلِكَ بِالأَجْرِ الْكَرِيمِ، وَالثَّوَابِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ : « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ- أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا : قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ : « عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا إِمَاطَةَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» وَالأَذَى هُوَ كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ قُمَامَةٍ أَوْ مُخَلَّفَاتٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَإِمَاطَتُهُ أَيْ : إِبْعَادُهُ.
فَدَعُونَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ نَنْعَمُ بِهَذِهِ الجِبَالِ وَالشِّعَابِ جَمِيلَةً فِي مَظْهَرِهَا ، نَقِيَّةً فِي جَوْهَرِهَا وَنَتْرُكُهَا لِغَيْرِنَا نَظِيفَةً ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ :« كَانَ عَلَى الطَّرِيقِ غُصْنُ شَجَرَةٍ يُؤْذِي النَّاسَ فَأَمَاطَهَا رَجُلٌ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ » وقَالَ تَعَالَى : ( وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْعِنَايَةِ بِالْبِيئَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى نَظَافَتِهَا وَاسْتِدَامَةِ مَوَارِدِهَا، فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا جَمِيعاً يَجِبُ رِعَايَتُهَا ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُعَلِّمَ أَوْلاَدَنَا الْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا، وَعَلَى جَمَالِهاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ : « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّد