الشيخ/عبدالله الواكد
10-08-2023, 21:54
خطبة جمعة
بعنوان
( النية خفية )
عبدالله فهد الواكد
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الصبورِ الشكورِ، شملتْ قدرتُهُ كلَّ مخلوقٍ ومأمورٍ ، وجرتْ مشيئتُهُ بتصاريفِ الأمورِ.
وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، جلَّ عن الشبيهِ والنظيرِ ، وتعالى عنِ الشريكِ والظهيرِ . وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أعرفُ الخلقِ بربِّهِ، وأقومُهُم بخشيتِهِ، وأنصحُهُم لأمتِهِ ، وأصبرُهُم لحُكمِهِ، وأشكرُهُم لنِعَمِهِ . فصلى اللهُ وملائكتُهُ وأنبياؤهُ عليهِ، كما وَحَّدَ اللهَ وعَرَّف بهِ ودعا إليهِ ، وسلم تسليمًا كثيرًا . ورضي اللهُ عن جميعِ أصحابِهِ وأتباعِهِ الحامدينَ لربِّهِم على السراءِ والضراءِ ، والشدةِ والرخاءِ. اللهم اجعلنا من المتقينَ المستجيبينَ لأمرِك ( يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أما بعدُ: فيا أيُّها الأحبةُ في اللهِ: حينما خلقَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى الإنسانَ جعلَ فيهِ جانباً ظاهراً يطلعُ عليهِ الناسُ جميعاً ، فيعرفونَ ما في هذا الجانبِ منَ الخيرِ والشرِ والخطأِ والصوابِ والصلاحِ والفسادِ والحقِّ والباطلِ ، يطلعُ الناسُ على ما ظهرَ من أمورِ العبادِ ، لكنَّ هذهِ الأمورَ الظاهرةَ مرتبطةٌ بمقاصدَ باطنةٍ ، لا يعلمُها إلا اللهُ ، ومنْ ذلكَ كانتْ النيةُ القابعةُ في كَننِ القلبِ هي مناطَ العملِ ، ومبعثَهُ ومنبعَهُ ، وسرَّ صلاحِهِ وفسادِهِ ، قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ كما في البخاريِّ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ : ( إنَّماَ الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى فمَنْ كانتْ هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ ومَنْ كانت هجرتُهُ لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه ) فبيَّنَ لهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الحُكمَ في ذلكَ ، ولكنَّهُ لم يَحكُمْ عليهِم ، قالَ الإمامُ الشافعيُّ هذا الحديثُ ثلثُ العلمِ ويدخلُ في سبعينَ باباً مِنَ الفقهِ وذكرَهُ الإمامُ أحمدُ رحمَهُما اللُهُ ، الشاهدُ من ذلكَ أنَّ النيةَ أمرُها عظيمٌ ، ولا يعلمُ النيةَ إلا ربُّ البريةِ ، فهي محفوظةٌ في القلوبِ ، ولا يطلعُ عليها إلا علامُ الغيوبِ ، أغطشَهَا اللهُ في غياهبِ السرِّ ، ليمتحنَ بها أصحابَهَا ، ويجعلَهاَ دليلاً على فعلِ أربابِها ، واختصَّ اللهُ سبحانَهُ نفسَهُ بعلمِها دونَ غيرِهِ ، لأنَّهُ ( يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدورُ ) جلَّ شأنُهُ وعزَّ سلطانُهُ ،
أيها المسلمونَ : مِنَ الناسِ هداهُمُ اللهُ مَنْ يتدخلُ في نياتِ الآخرينَ ومقاصدِهِم ، فيؤَوِّلُ تصرفاتِ الناسِ على ظنونهِ وشكوكهِ وأحلامهِ وأوهامهِ ، وواللهِ إنَّ العبدَ ليصعُبُ عليهِ معرفةَ نـيَّتـِهِ فـي عمـلِهِ ! فكيفَ يتسلَّطُ على نيَّاتِ الخلقِ ! كما قالَ بنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ تعالى ، فلا يصحُّ حملُ هذهِ التأويلاتِ إلا على مَنْ كانَ محضَ العداوةِ ، متحققَ التربُّصِ ، لا تتأتى نيتُهُ إلا على الشرِّ والفسادِ ، أما أخوكَ المسلمُ وأختُكَ المسلمةُ ، فيجبُ حملُهُم على سلامةِ النيةِ وحسنِ المقصدِ قالَ تعالى (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) وقالَ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كماَ في البخاريِّ ( إياكُم والظنَّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ ) وقالَ الإمامُ (النوويُّ) رحمهُ اللهُ في أحدِ وصاياهُ : (لا تستصغرْ أحداً فإنَّ العاقبةَ منطويةٌ ، والعبدَ لا يدرى ، بمَ يختمُ لهُ . فإذا رأيتَ عاصياً فلا ترَ نفسَك عليهِ ، فربما كانَ في علمِ اللهِ أعلى منكَ مقاماً وأنتَ منَ الفاسقينَ ، ويصيرُ يشفعُ فيكَ يومَ القيامةِ . وإذا رأيتَ صغيراً فاحكمْ بأنهُ خيرٌ منكَ ، باعتبارِ أنهُ أحقرُ منكَ ذنوباً . وإذا رأيتَ مَنْ هوَ أكبرَ منكَ سناً فاحكمْ بأنهُ خيرٌ منكَ باعتبارِ أنهُ أقدمُ منكَ هجرةً في الإسلامِ . وإذا رأيتَ كافراً فلا تقطعْ لهُ بالنارِ لاحتمالِ أنهُ يسلمُ ويموتُ مسلماً )
فيا أيها المسلمُ الكريمُ : إجعلْ قلبَكَ صافياً ، وعقلكَ وافياً ، ولا تولجْ نفسَكَ في مقاصدِ الناسِ ونياتِهِم ، فكم مِنْ فاعلٍ ذلكَ ، آلَ بهِ الأمرُ إلى غيرِ ما ظنَّ ، وندِمَ على ما كنَّ ، فاحملْ الناسَ على ما أرادُوهُ في الظاهرِ ، واتركْ السرائرَ لربِّ السرائرِ ، أفلا يضيركَ أنْ يتجشمَكَ الناسُ بمثلِ ما تجشمتَهُم به ، أيسُرُّك أنْ يحمِلوكَ على ما حملتَهُم عليه ،
أيها المسلمون : حملُ الناسِ على مالمْ يُريدُوهُ ، ووصمُهُم بما لم يقترفُوهُ ، نزغاتٌ منَ الشيطانِ ، وضعفٌ في الإيمانِ ، فينبغي للمسلمِ أنْ يُثنيَ على أخيهِ المسلمِ ، ويشكرَ فعلَهُ ، ويحمدَ عملَهُ ، فإنَّ في ذلكَ ردمٌ للهفواتِ ، ورتقٌ للخُلاَّتِ ، وربطٌ للمجتمعِ المسلمِ ، وحمايةٌ لعُرى الإسلامِ منَ الإنفصامِ ، واتِّباعٌ لأمرِ اللهِ ووصاياهُ ، قال سبحانه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعدُ فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ولازموا حُسنَ الظنَّ بالمؤمنينَ ، والصبرَ على أذى المسيئينَ ، فإنَّ الثوابَ والعقابَ منسَّأٌ إلى يومِ الدينِ ، واعلموا أنَّ المسلمَ المؤمنَ حقَّ الإيمانِ هيِّنٌ ليِّنٌ ، لا تبلغُ إساءتُهُ الآخرينَ ، حافظٌ لقلبِهِ ولسانِهِ ويدِهِ ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كما في البخاريِّ ( المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ ) فاحملْ إخوانَكَ منَ المسلمينَ على محاملِ الخيرِ ، وإنْ أخطؤُوا أو زلُوا ، فلا تُعنْ الشيطانَ على أخيكَ ، ولا تُظهرَ الشماتةَ فيهِ ، فيعافيهِ اللهُ ويبتليكَ ، نسألُ اللهَ أنْ يحفظَنا وإياكُم وجميعَ المسلمينَ من سوءِ الظنِّ ، ألا وصلوا وسلموا على محمدٍ ؛ فقد أمركم الله بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسلموا تسليما
بعنوان
( النية خفية )
عبدالله فهد الواكد
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الصبورِ الشكورِ، شملتْ قدرتُهُ كلَّ مخلوقٍ ومأمورٍ ، وجرتْ مشيئتُهُ بتصاريفِ الأمورِ.
وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، جلَّ عن الشبيهِ والنظيرِ ، وتعالى عنِ الشريكِ والظهيرِ . وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أعرفُ الخلقِ بربِّهِ، وأقومُهُم بخشيتِهِ، وأنصحُهُم لأمتِهِ ، وأصبرُهُم لحُكمِهِ، وأشكرُهُم لنِعَمِهِ . فصلى اللهُ وملائكتُهُ وأنبياؤهُ عليهِ، كما وَحَّدَ اللهَ وعَرَّف بهِ ودعا إليهِ ، وسلم تسليمًا كثيرًا . ورضي اللهُ عن جميعِ أصحابِهِ وأتباعِهِ الحامدينَ لربِّهِم على السراءِ والضراءِ ، والشدةِ والرخاءِ. اللهم اجعلنا من المتقينَ المستجيبينَ لأمرِك ( يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أما بعدُ: فيا أيُّها الأحبةُ في اللهِ: حينما خلقَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى الإنسانَ جعلَ فيهِ جانباً ظاهراً يطلعُ عليهِ الناسُ جميعاً ، فيعرفونَ ما في هذا الجانبِ منَ الخيرِ والشرِ والخطأِ والصوابِ والصلاحِ والفسادِ والحقِّ والباطلِ ، يطلعُ الناسُ على ما ظهرَ من أمورِ العبادِ ، لكنَّ هذهِ الأمورَ الظاهرةَ مرتبطةٌ بمقاصدَ باطنةٍ ، لا يعلمُها إلا اللهُ ، ومنْ ذلكَ كانتْ النيةُ القابعةُ في كَننِ القلبِ هي مناطَ العملِ ، ومبعثَهُ ومنبعَهُ ، وسرَّ صلاحِهِ وفسادِهِ ، قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ كما في البخاريِّ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ : ( إنَّماَ الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى فمَنْ كانتْ هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ ومَنْ كانت هجرتُهُ لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه ) فبيَّنَ لهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الحُكمَ في ذلكَ ، ولكنَّهُ لم يَحكُمْ عليهِم ، قالَ الإمامُ الشافعيُّ هذا الحديثُ ثلثُ العلمِ ويدخلُ في سبعينَ باباً مِنَ الفقهِ وذكرَهُ الإمامُ أحمدُ رحمَهُما اللُهُ ، الشاهدُ من ذلكَ أنَّ النيةَ أمرُها عظيمٌ ، ولا يعلمُ النيةَ إلا ربُّ البريةِ ، فهي محفوظةٌ في القلوبِ ، ولا يطلعُ عليها إلا علامُ الغيوبِ ، أغطشَهَا اللهُ في غياهبِ السرِّ ، ليمتحنَ بها أصحابَهَا ، ويجعلَهاَ دليلاً على فعلِ أربابِها ، واختصَّ اللهُ سبحانَهُ نفسَهُ بعلمِها دونَ غيرِهِ ، لأنَّهُ ( يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدورُ ) جلَّ شأنُهُ وعزَّ سلطانُهُ ،
أيها المسلمونَ : مِنَ الناسِ هداهُمُ اللهُ مَنْ يتدخلُ في نياتِ الآخرينَ ومقاصدِهِم ، فيؤَوِّلُ تصرفاتِ الناسِ على ظنونهِ وشكوكهِ وأحلامهِ وأوهامهِ ، وواللهِ إنَّ العبدَ ليصعُبُ عليهِ معرفةَ نـيَّتـِهِ فـي عمـلِهِ ! فكيفَ يتسلَّطُ على نيَّاتِ الخلقِ ! كما قالَ بنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ تعالى ، فلا يصحُّ حملُ هذهِ التأويلاتِ إلا على مَنْ كانَ محضَ العداوةِ ، متحققَ التربُّصِ ، لا تتأتى نيتُهُ إلا على الشرِّ والفسادِ ، أما أخوكَ المسلمُ وأختُكَ المسلمةُ ، فيجبُ حملُهُم على سلامةِ النيةِ وحسنِ المقصدِ قالَ تعالى (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ) وقالَ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كماَ في البخاريِّ ( إياكُم والظنَّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ ) وقالَ الإمامُ (النوويُّ) رحمهُ اللهُ في أحدِ وصاياهُ : (لا تستصغرْ أحداً فإنَّ العاقبةَ منطويةٌ ، والعبدَ لا يدرى ، بمَ يختمُ لهُ . فإذا رأيتَ عاصياً فلا ترَ نفسَك عليهِ ، فربما كانَ في علمِ اللهِ أعلى منكَ مقاماً وأنتَ منَ الفاسقينَ ، ويصيرُ يشفعُ فيكَ يومَ القيامةِ . وإذا رأيتَ صغيراً فاحكمْ بأنهُ خيرٌ منكَ ، باعتبارِ أنهُ أحقرُ منكَ ذنوباً . وإذا رأيتَ مَنْ هوَ أكبرَ منكَ سناً فاحكمْ بأنهُ خيرٌ منكَ باعتبارِ أنهُ أقدمُ منكَ هجرةً في الإسلامِ . وإذا رأيتَ كافراً فلا تقطعْ لهُ بالنارِ لاحتمالِ أنهُ يسلمُ ويموتُ مسلماً )
فيا أيها المسلمُ الكريمُ : إجعلْ قلبَكَ صافياً ، وعقلكَ وافياً ، ولا تولجْ نفسَكَ في مقاصدِ الناسِ ونياتِهِم ، فكم مِنْ فاعلٍ ذلكَ ، آلَ بهِ الأمرُ إلى غيرِ ما ظنَّ ، وندِمَ على ما كنَّ ، فاحملْ الناسَ على ما أرادُوهُ في الظاهرِ ، واتركْ السرائرَ لربِّ السرائرِ ، أفلا يضيركَ أنْ يتجشمَكَ الناسُ بمثلِ ما تجشمتَهُم به ، أيسُرُّك أنْ يحمِلوكَ على ما حملتَهُم عليه ،
أيها المسلمون : حملُ الناسِ على مالمْ يُريدُوهُ ، ووصمُهُم بما لم يقترفُوهُ ، نزغاتٌ منَ الشيطانِ ، وضعفٌ في الإيمانِ ، فينبغي للمسلمِ أنْ يُثنيَ على أخيهِ المسلمِ ، ويشكرَ فعلَهُ ، ويحمدَ عملَهُ ، فإنَّ في ذلكَ ردمٌ للهفواتِ ، ورتقٌ للخُلاَّتِ ، وربطٌ للمجتمعِ المسلمِ ، وحمايةٌ لعُرى الإسلامِ منَ الإنفصامِ ، واتِّباعٌ لأمرِ اللهِ ووصاياهُ ، قال سبحانه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعدُ فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ولازموا حُسنَ الظنَّ بالمؤمنينَ ، والصبرَ على أذى المسيئينَ ، فإنَّ الثوابَ والعقابَ منسَّأٌ إلى يومِ الدينِ ، واعلموا أنَّ المسلمَ المؤمنَ حقَّ الإيمانِ هيِّنٌ ليِّنٌ ، لا تبلغُ إساءتُهُ الآخرينَ ، حافظٌ لقلبِهِ ولسانِهِ ويدِهِ ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كما في البخاريِّ ( المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ ) فاحملْ إخوانَكَ منَ المسلمينَ على محاملِ الخيرِ ، وإنْ أخطؤُوا أو زلُوا ، فلا تُعنْ الشيطانَ على أخيكَ ، ولا تُظهرَ الشماتةَ فيهِ ، فيعافيهِ اللهُ ويبتليكَ ، نسألُ اللهَ أنْ يحفظَنا وإياكُم وجميعَ المسلمينَ من سوءِ الظنِّ ، ألا وصلوا وسلموا على محمدٍ ؛ فقد أمركم الله بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسلموا تسليما