الشيخ/عبدالله الواكد
27-07-2023, 23:06
خُطْبَةُ جُمُعَةٍ
عن عاشوراء
بِعِنْوَانِ
( هَلَاكُ الأَفَّاك )
كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ
إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
أما بعد أيها المسلمون :
فالصِّرَاعُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، َوبَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ ، دَيْدَنٌ لاَ يَنْتَهِي ، وَسِجَالٌ لاَ يَنْقَضِي ، وَلَكِنْ مَهْمَا عَلَا البَاطِلُ ، وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ وَأَرْغَى وَأَزْبَدَ ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ زَوَالٍ وَنِهَايَةٍ ، فَالحَقُّ مُنْتَصِرٌ بِمَوْعُودِ اللهِ ، قَالَ تَعَالَى : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ( ، وقَالَ تَعَالَى : ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ( فَالزُّهُوقُ صِفَةٌ مُلَازِمَةٌ لِلْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى : ) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ( فَالبَاطِلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُكْثٍ بَيْنَ النَّاسِ ، أَوَّلًا : لِيَعْلَمُوهُ وَيُمَيِّزُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَقِّ إِذَا ظَهَرَ كَمَا مَيَّزَ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ بَيْنَ آيَاتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ سِحْرِهِمْ ، وَكَمَا مَيَّزَ مُشْرِكُوا مَكَّةَ بَيْنَ الشِّعْرِ وَالقُرْآنِ الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَثَانِيًا : أَنْ يَهْلَكَ فِي البَاطِلِ مَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ الضَّلَالَةَ وَصَرَفَتْهُ نَفْسُهُ عَنْ الهُدَى وَالإِيمَانِ ، وَلَكِنْ مِنْ شُرُوطِ زُهُوقِ البَاطِلِ أَنْ يَدْمَغُهُ حَقٌّ صَادِقٌ نَاصِعٌ نَابِعٌ مِنْ الإِخْلَاصِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ :
مَا أَكْثَرَ قِصَصَ زُهُوقِ البَاطِلِ أَمَاَمَ الحَقِّ ، وَلَعَلَّ مِنْ أَقْرَبِهَا إِلَيْنَا الآنَ ، حَادِثَةُ نَبِيِّ اللهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ الطَّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ ، وَالتِي كَانَتْ نِهَايَتُهَا في مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً تَقْرِيبًا .
لَقَدْ زَادَ هَذاَ الطَّاغِيَةُ لُؤْمًا وَشُؤْمًا فَكَثُرَ حَدِيثُ النَّاسِ وَخُصُوصًا بَيْنَ أَقْبَاطِ مِصْرَ أَنَّهُ فِيمَا أَثَرُوهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يُولَدُ فِي ذُرِّيَتِهِ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ ، وَقِيلَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي المَنَامِ أَنَّ نَاراً تَأْتِي مِنْ المَشْرِقِ فَتَأْكُلُ مُلْكَهُ فَأُوِّلَتْ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ فِرْعَوْنَ ذَلِكَ وَخَشِيَ عَلَى مُلْكِهِ وَتَنَبَّهَ لِلْأَمْرِ وَطَفِقَ يَقْتُلُ كُلَّ ذَكَرٍ يُولَدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَتَمَتْ أَمْرَهَا ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ ذَكَرًا زَادَتْ هَمًّا وَغَمًّا فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( 7 القصص ) فَكَانَتْ تَضَعُهُ فِي تَابُوتٍ مِنَ الخَشَبِ تَرْبُطُهُ بِحَبْلٍ وَتُلْقِيهِ فِي النَّهْرِ فَإِذَا حَانَ رَضَاعُهُ سَحَبَتْ الحَبْلَ وَأَرْضَعَتْهُ وَأَعَادَتْهُ ، فَشَاءَ اللهُ إِلَّا أَنْ يَتَرَبَّى هَذَا الغُلَامُ فِي بَيْتِ فِرْعَونَ ، فَانْقَطَعَ الحَبْلُ يَوْمًا وَجَرَى بِهِ النَّهْرُ وَأَلْقَاهُ فِي الجَانِبِ الآخَرِ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) كَبُرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَعَثَهُ اللهُ رَسُولاً وَشَدَّ عَضُدَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ فَقَالَ تَعَالَى (إذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) فَرَدَّ فِرْعَوْنُ عَلَى مُوسَى هَازِئًا مُتَهَكِّمًا (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) فَأَجَابَهُ مُوسَى (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) فَاسْتَشَاطَ فِرْعَوْنُ غَضَبًا وَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) فَقَدْ اسْتَعْبَدَ النَّاسَ ، وَعَثَى فِيهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَطُغْيَانًا ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) لَعِبَ فِي عُقُولِهِمْ ، وَعَثَى فِي فُهُومِهِمْ ، يَقُولُ لَهُمْ : ( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ، ينادي فيهم ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( زَادَ طُغْيَانُهُ ، وَطَاشَ هَوَسُهُ ، وَالتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ قَائِلًا : ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) سُبْحَانَ اللهِ ! وَمَضَتْ الأَيَّامُ وَهِيَ تَضِيقُ عَلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ فَهَدَّدَ مُوسَى ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّهْدِيدَ لَمْ يَثْنِ مُوسَى عَنْ دَعْوَتِهِ ، حَتَّى أَتَاهُ أَمْرُ اللهِ بِالخُرُوجِ ، فَخَرَجَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الذِينَ آمَنُوا فِي جُنْحِ الظَّلاَمِ ، وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي ، نَظَرَ فِرْعَوْنُ ، فَلَمْ يَجِدْ مُوسَى وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ المُؤْمِنِينَ ، فَجَمَعَ جُنْدَهُ ، وَأَصْدَرَ أَمْرَهُ قَائِلاً ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ) ، ( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ القَاسِيَةِ يَأْتِيهِ الوَحْيُ مِنْ اللهِ ، لَحَظَاتٌ حَرِجَةٌ ، البَحْرُ مِنْ أَمَامِهِمْ بِأَمْوَاجِهِ ، وَفِرْعَونُ مِنْ خَلْفِهِمْ بِجُنُودِهِ وَأَفْوَاجِهِ ، جَاءَ المَدَدُ مِنْ السَّمَاءِ ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أيها المسلمون :
سَقَطَ أَكْبَرُ فِرْعَوْنَ ، وَهَلَكَ أَقْذَرُ طَاغِيَةٍ ، وَنَجَّى اللهُ مُوسَى وَمَن مَعَهُ ، وَأَغْرَقَ فِرْعَونَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ ، إِنَّهُ اليَوْمُ العَاشِرُ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : (( مَا هَذَا اليَوْمُ الذِي تَصُومُونَهُ )) قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ تَعَالَى فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَأَهْلَكَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُكْرًا للهِ تَعَالَى ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ )) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَامَ يَوْمٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ ، وَفِي لَفْظٍ: يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَأِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلَ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَعْنِي: مَعَ العَاشِرِ .
فَفِي الحَدِيثِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءِ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ ))
شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيعَةُ صِيَامٍ وَصَلاَةٍ وَتَوْحِيدٍ وَعِبَادَةٍ وَلَيْسَتْ شَرِيعَةُ لَطْمٍ وَنِيَاحَةٍ وَطُقُوسٍ قُصِدَ مِنْهَا هَدْمُ الإِسْلَامِ وَنَقْضِ أُصُولِ العَقِيدَةِ ، نَسْأُلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ السَّائِرِينَ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
عن عاشوراء
بِعِنْوَانِ
( هَلَاكُ الأَفَّاك )
كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ
إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
أما بعد أيها المسلمون :
فالصِّرَاعُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ ، َوبَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ ، دَيْدَنٌ لاَ يَنْتَهِي ، وَسِجَالٌ لاَ يَنْقَضِي ، وَلَكِنْ مَهْمَا عَلَا البَاطِلُ ، وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ وَأَرْغَى وَأَزْبَدَ ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ زَوَالٍ وَنِهَايَةٍ ، فَالحَقُّ مُنْتَصِرٌ بِمَوْعُودِ اللهِ ، قَالَ تَعَالَى : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ( ، وقَالَ تَعَالَى : ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ( فَالزُّهُوقُ صِفَةٌ مُلَازِمَةٌ لِلْبَاطِلِ ، قَالَ تَعَالَى : ) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ( فَالبَاطِلُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُكْثٍ بَيْنَ النَّاسِ ، أَوَّلًا : لِيَعْلَمُوهُ وَيُمَيِّزُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الحَقِّ إِذَا ظَهَرَ كَمَا مَيَّزَ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ بَيْنَ آيَاتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ سِحْرِهِمْ ، وَكَمَا مَيَّزَ مُشْرِكُوا مَكَّةَ بَيْنَ الشِّعْرِ وَالقُرْآنِ الذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَثَانِيًا : أَنْ يَهْلَكَ فِي البَاطِلِ مَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ الضَّلَالَةَ وَصَرَفَتْهُ نَفْسُهُ عَنْ الهُدَى وَالإِيمَانِ ، وَلَكِنْ مِنْ شُرُوطِ زُهُوقِ البَاطِلِ أَنْ يَدْمَغُهُ حَقٌّ صَادِقٌ نَاصِعٌ نَابِعٌ مِنْ الإِخْلَاصِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ :
مَا أَكْثَرَ قِصَصَ زُهُوقِ البَاطِلِ أَمَاَمَ الحَقِّ ، وَلَعَلَّ مِنْ أَقْرَبِهَا إِلَيْنَا الآنَ ، حَادِثَةُ نَبِيِّ اللهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ الطَّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ ، وَالتِي كَانَتْ نِهَايَتُهَا في مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً تَقْرِيبًا .
لَقَدْ زَادَ هَذاَ الطَّاغِيَةُ لُؤْمًا وَشُؤْمًا فَكَثُرَ حَدِيثُ النَّاسِ وَخُصُوصًا بَيْنَ أَقْبَاطِ مِصْرَ أَنَّهُ فِيمَا أَثَرُوهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يُولَدُ فِي ذُرِّيَتِهِ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ ، وَقِيلَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي المَنَامِ أَنَّ نَاراً تَأْتِي مِنْ المَشْرِقِ فَتَأْكُلُ مُلْكَهُ فَأُوِّلَتْ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ فِرْعَوْنَ ذَلِكَ وَخَشِيَ عَلَى مُلْكِهِ وَتَنَبَّهَ لِلْأَمْرِ وَطَفِقَ يَقْتُلُ كُلَّ ذَكَرٍ يُولَدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَحَمَلَتْ أُمُّ مُوسَى بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَتَمَتْ أَمْرَهَا ، فَلَمَّا وَضَعَتْهُ ذَكَرًا زَادَتْ هَمًّا وَغَمًّا فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهَا ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( 7 القصص ) فَكَانَتْ تَضَعُهُ فِي تَابُوتٍ مِنَ الخَشَبِ تَرْبُطُهُ بِحَبْلٍ وَتُلْقِيهِ فِي النَّهْرِ فَإِذَا حَانَ رَضَاعُهُ سَحَبَتْ الحَبْلَ وَأَرْضَعَتْهُ وَأَعَادَتْهُ ، فَشَاءَ اللهُ إِلَّا أَنْ يَتَرَبَّى هَذَا الغُلَامُ فِي بَيْتِ فِرْعَونَ ، فَانْقَطَعَ الحَبْلُ يَوْمًا وَجَرَى بِهِ النَّهْرُ وَأَلْقَاهُ فِي الجَانِبِ الآخَرِ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) كَبُرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَعَثَهُ اللهُ رَسُولاً وَشَدَّ عَضُدَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ فَقَالَ تَعَالَى (إذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) فَرَدَّ فِرْعَوْنُ عَلَى مُوسَى هَازِئًا مُتَهَكِّمًا (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) فَأَجَابَهُ مُوسَى (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) فَاسْتَشَاطَ فِرْعَوْنُ غَضَبًا وَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) فَقَدْ اسْتَعْبَدَ النَّاسَ ، وَعَثَى فِيهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَطُغْيَانًا ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ) لَعِبَ فِي عُقُولِهِمْ ، وَعَثَى فِي فُهُومِهِمْ ، يَقُولُ لَهُمْ : ( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ، ينادي فيهم ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( زَادَ طُغْيَانُهُ ، وَطَاشَ هَوَسُهُ ، وَالتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ قَائِلًا : ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) سُبْحَانَ اللهِ ! وَمَضَتْ الأَيَّامُ وَهِيَ تَضِيقُ عَلَى هَذَا الطَّاغِيَةِ فَهَدَّدَ مُوسَى ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّهْدِيدَ لَمْ يَثْنِ مُوسَى عَنْ دَعْوَتِهِ ، حَتَّى أَتَاهُ أَمْرُ اللهِ بِالخُرُوجِ ، فَخَرَجَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الذِينَ آمَنُوا فِي جُنْحِ الظَّلاَمِ ، وَفِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي ، نَظَرَ فِرْعَوْنُ ، فَلَمْ يَجِدْ مُوسَى وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ المُؤْمِنِينَ ، فَجَمَعَ جُنْدَهُ ، وَأَصْدَرَ أَمْرَهُ قَائِلاً ( إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ) ، ( فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ القَاسِيَةِ يَأْتِيهِ الوَحْيُ مِنْ اللهِ ، لَحَظَاتٌ حَرِجَةٌ ، البَحْرُ مِنْ أَمَامِهِمْ بِأَمْوَاجِهِ ، وَفِرْعَونُ مِنْ خَلْفِهِمْ بِجُنُودِهِ وَأَفْوَاجِهِ ، جَاءَ المَدَدُ مِنْ السَّمَاءِ ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أيها المسلمون :
سَقَطَ أَكْبَرُ فِرْعَوْنَ ، وَهَلَكَ أَقْذَرُ طَاغِيَةٍ ، وَنَجَّى اللهُ مُوسَى وَمَن مَعَهُ ، وَأَغْرَقَ فِرْعَونَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ ، إِنَّهُ اليَوْمُ العَاشِرُ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ ، فَفِي الحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : (( مَا هَذَا اليَوْمُ الذِي تَصُومُونَهُ )) قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ تَعَالَى فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَأَهْلَكَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُكْرًا للهِ تَعَالَى ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ )) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَامَ يَوْمٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ ، وَفِي لَفْظٍ: يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَأِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلَ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَعْنِي: مَعَ العَاشِرِ .
فَفِي الحَدِيثِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءِ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ ))
شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيعَةُ صِيَامٍ وَصَلاَةٍ وَتَوْحِيدٍ وَعِبَادَةٍ وَلَيْسَتْ شَرِيعَةُ لَطْمٍ وَنِيَاحَةٍ وَطُقُوسٍ قُصِدَ مِنْهَا هَدْمُ الإِسْلَامِ وَنَقْضِ أُصُولِ العَقِيدَةِ ، نَسْأُلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ السَّائِرِينَ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا كَثِيرًا .