محمدالمهوس
04-05-2023, 06:24
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلاَمِ، وَأَكْرَمَنَا بِهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَجَعَلَ لَنَا عُقُولاً تُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ؛ وَحَجَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِ الْمُجْتَمَعِ الإِسْلاَمِيِّ الْمُدْرِكِ لِمَصَالِحِهِ: تَعَاوُنُ أَفْرَادِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَذَا مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الإِسْلاَمُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]، فَفِي تَحْقِيقِ مَبْدَأِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ؛ يَتَحَقَّقُ لِلأُمَّةِ قُوَّتُهَا وَارْتِفَاعُ شَأْنِهَا فِي اجْتِمَاعِ كَلِمَتِهَا، وَوَحْدَةِ صَفِّهَا، وَتَآلُفِ أَفْرَادِهَا، وَاسْتِشْعَارِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [رواه البخاري]، وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ الـمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» [رواه البخاري].
وَمِنَ التَّعَاوُنِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ: قَطْعُ الطُّرُقِ عَلَى أَعْدَائِهِ؛ السَّاعِيَةِ لِتَمْزِيقِ شَمْلِ مُجْتَمَعِهِ وَإِذْلاَلِهِ وَإِفْقَارِهِ، وَخَلْقِ الْفِتَنِ وَالْمَشَاكِلِ فِيهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: سِلاَحُ الْمُخَدِّرَاتِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ أَعْدَاؤُنَا لِتَدْمِيرِ مُجْتَمَعِنَا؛ هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِيِ يَفْتِكُ بِالْعُقُولِ، وَيَزْهَقُ النُّفُوسَ، وَيُشَتِّتُ الأُسَرَ وَيُدَمِّرُهَا، وَيُضِيعُ الأَمْوَالَ وَيُذْهِبُهَا.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَفَشِّي جَرَائِمِ الْعُنْفِ؛ مِنِ اغْتِصَابٍ، وَسَرِقَةٍ، وَقَتْلٍ، وَانْعِدَامِ الأَمْنِ بِعُمُومِهِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الاِنْحِطَاطِ الأَخْلاَقِيِّ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَخُصُوصًا بَيْنَ أَوْسَاطِ الشَّبَابِ مِنَ الْجِنْسَيْنِ.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَدَّدَتْ أَشْكَالُهُ، وَتَنَوَّعَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَشَاعَ خَطَرُهُ، وَكَثُرَ مُتَعَاطُوهُ، وَتَبَيَّنَتْ حُرْمَتُهُ؛ إِذْ هُوَ مُحَرَّمٌ تَحْرِيمًا قَاطِعًا لِشِدَّةِ فَتْكِهِ، وَعِظَمِ ضَرَرَهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ » [رواه مسلم].
وَمِنَ الْمُسَمَّيَاتِ الْغَرِيبَةِ فِي عَالَمِ الْمُخَدِّرَاتِ الْيَوْمَ: مَادَّةُ الشَّبُو الَّتِي انْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِ الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَهِيَ أَقْوَى مَادَّةٍ مُخَدِّرَةٍ فِي الْعَالَمِ، وَهِيَ مَادَّةٌ كِيمْيَائِيَّةٌ مُصَنَّعَةٌ تُسَبِّبُ حَالَةَ الذُّهَانِ الاِنْفِصَامِيَّةَ؛ وَرُبَّمَا مِنْ أَوَّلِ جُرْعَةٍ يَرْتَكِبُ مُتَعَاطِيهَا أَيَّ جَرِيمَةٍ، بِالإِضَافَةِ أَنَّهَا سَبَبٌ فِي كَثْرَةِ الْكَلاَمِ وَالْهَلْوَسَةِ، وَالشُّكُوكِ وَالأَوْهَامِ، وَاضْطِرَابَاتِ سَاعَاتِ النَّوْمِ؛ بَلْ رُبَّمَا يَبْقَى الْمُتَعَاطِي أُسْبُوعًا كَامِلاً بِلاَ أَكْلٍ وَلاَ نَوْمٍ، مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي انْحِطَاطِ الْجِسْمِ، وَالرِّعَاشِ، وَفَقْدِ التَّوَازُنِ، وَالاِضْطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَالاِنْفِصَامِ بِالشَّخْصِيَّةِ ؛ نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافيِةَ .
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَبِلاَدَنَا وَبِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ آفَةٌ خَبِيثَةٌ، لَمْ تَفْشُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ كَمَا فَشَتْ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ؛ فَهَا هِيَ وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ تُطَالِعُنَا صَبَاحَ مَسَاءَ مُظْهِرَةً جُهُودَ رِجَالِ الأَمْنِ -وَفَّقَهُمُ اللهُ تَعَالَى- وَعَارِضَةً كَمِّيَّاتٍ مُخِيفَةً وَعِصَابَاتٍ نَتِنَةً مِنْ جِنْسِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ! الأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُنَا فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ مِنْ تِلْكَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ! لأَنَّ ضَحَايَاهَا مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ شَبَابٌ فِي سِنِّ الزُّهُورِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ.
أَيْضًا وَيَجْعَلُنَا عَلَى يَقَظَةٍ وَحَذَرٍ مِنْ هَذَا الْمُخَطَّطِ الْقَذِرِ الَّذِي يَسْتَهْدِفُ مُجْتَمَعَنَا الْمُحَافِظَ؛ وَذَلِكَ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ رِجَالِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَأَنْ نَكُونَ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مَعَهُمْ فِي مُحَارَبَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَمُرَوِّجِيهَا، وَأَنْ نَتَّخِذَ الْخُطُوَاتِ الصَّحِيحَةَ وَالْجَرِيئَةَ فِي إِبْلاَغِ الْجِهَاتِ الأَمْنِيَّةِ إِنْ وُجِدَ لَدَيْنَا وَمِنْ بَيْنِنَا مُدْمِنُ مُخَدِّرَاتٍ، أَوْ لاَحَظْنَا عَلَى بَعْضِ الأَبْنَاءِ عَلاَمَاتِ التَّعَاطِي؛ لإِخْضَاعِهِ لِبَرَامِجَ عِلاَجِيَّةٍ تَسْتَهْدِفُ إِنْقَاذَهُ مِنْ وَحْلِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِهِ اجْتِمَاعِيًّا وَنَفْسِيًّا وَصِحِّيًّا.
أَيُّهَا الآبَاءُ؛ أَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ، وَتَخَيَّرُوا لَهُمْ أَصْدِقَاءَهُمْ، وَانْصَحُوا لَهُمْ، وَلاَ تُهْمِلُوهُمْ، دُلُّوهُمْ عَلَى مَوَاطِنِ الصَّلاَحِ، وَعَلِّقُوا قُلُوبَهُمْ بِالْمَسَاجِدِ وَالصَّلاَةِ؛ حَذِّرُوهُمْ مِنْ طُرُقِ الْهَلاَكِ وَالضَّيَاعِ، وَامْنَعُوا عَنْ أَبْنَائِكُمُ التَّدْخِينَ، فَهُوَ بِدَايَةُ طَرِيقِ الإِدْمَانِ، امْنَعُوهُمْ مِنْ بَعْضِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الَّتِي تَنْشُرُ الرَّذِيلَةَ، وَتُحَبِّبُ إِلَيْهِمُ الْجَرِيمَةَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوُقُوعُ في الْمُخَدِّرَاتِ، وَالأَخْلاَقِ السَّيِّئَةِ الْغَرِيبَةِ عَلَى مُجْتَمَعَاتِنَا.
اغْرِسُوا فِيهِمْ حُبَّ اللهِ تَعَالَى وَمَخَافَتَهُ، وَأَنَّهُ الرَّقِيبُ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي سِرِّهِمْ وَعَلَنِهِمْ، وَخَلْوَتِهِمْ وَجَلْوَتِهِمْ؛ ثُمَّ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلاَحِ وَالْفَلاَحِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلاَمِ، وَأَكْرَمَنَا بِهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَجَعَلَ لَنَا عُقُولاً تُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ؛ وَحَجَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِ الْمُجْتَمَعِ الإِسْلاَمِيِّ الْمُدْرِكِ لِمَصَالِحِهِ: تَعَاوُنُ أَفْرَادِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَهَذَا مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الإِسْلاَمُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]، فَفِي تَحْقِيقِ مَبْدَأِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ؛ يَتَحَقَّقُ لِلأُمَّةِ قُوَّتُهَا وَارْتِفَاعُ شَأْنِهَا فِي اجْتِمَاعِ كَلِمَتِهَا، وَوَحْدَةِ صَفِّهَا، وَتَآلُفِ أَفْرَادِهَا، وَاسْتِشْعَارِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» [رواه البخاري]، وَقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ الـمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» [رواه البخاري].
وَمِنَ التَّعَاوُنِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ: قَطْعُ الطُّرُقِ عَلَى أَعْدَائِهِ؛ السَّاعِيَةِ لِتَمْزِيقِ شَمْلِ مُجْتَمَعِهِ وَإِذْلاَلِهِ وَإِفْقَارِهِ، وَخَلْقِ الْفِتَنِ وَالْمَشَاكِلِ فِيهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: سِلاَحُ الْمُخَدِّرَاتِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهُ أَعْدَاؤُنَا لِتَدْمِيرِ مُجْتَمَعِنَا؛ هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِيِ يَفْتِكُ بِالْعُقُولِ، وَيَزْهَقُ النُّفُوسَ، وَيُشَتِّتُ الأُسَرَ وَيُدَمِّرُهَا، وَيُضِيعُ الأَمْوَالَ وَيُذْهِبُهَا.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَفَشِّي جَرَائِمِ الْعُنْفِ؛ مِنِ اغْتِصَابٍ، وَسَرِقَةٍ، وَقَتْلٍ، وَانْعِدَامِ الأَمْنِ بِعُمُومِهِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الاِنْحِطَاطِ الأَخْلاَقِيِّ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَخُصُوصًا بَيْنَ أَوْسَاطِ الشَّبَابِ مِنَ الْجِنْسَيْنِ.
هَذَا السِّلَاحُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَدَّدَتْ أَشْكَالُهُ، وَتَنَوَّعَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَشَاعَ خَطَرُهُ، وَكَثُرَ مُتَعَاطُوهُ، وَتَبَيَّنَتْ حُرْمَتُهُ؛ إِذْ هُوَ مُحَرَّمٌ تَحْرِيمًا قَاطِعًا لِشِدَّةِ فَتْكِهِ، وَعِظَمِ ضَرَرَهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ » [رواه مسلم].
وَمِنَ الْمُسَمَّيَاتِ الْغَرِيبَةِ فِي عَالَمِ الْمُخَدِّرَاتِ الْيَوْمَ: مَادَّةُ الشَّبُو الَّتِي انْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِ الْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَهِيَ أَقْوَى مَادَّةٍ مُخَدِّرَةٍ فِي الْعَالَمِ، وَهِيَ مَادَّةٌ كِيمْيَائِيَّةٌ مُصَنَّعَةٌ تُسَبِّبُ حَالَةَ الذُّهَانِ الاِنْفِصَامِيَّةَ؛ وَرُبَّمَا مِنْ أَوَّلِ جُرْعَةٍ يَرْتَكِبُ مُتَعَاطِيهَا أَيَّ جَرِيمَةٍ، بِالإِضَافَةِ أَنَّهَا سَبَبٌ فِي كَثْرَةِ الْكَلاَمِ وَالْهَلْوَسَةِ، وَالشُّكُوكِ وَالأَوْهَامِ، وَاضْطِرَابَاتِ سَاعَاتِ النَّوْمِ؛ بَلْ رُبَّمَا يَبْقَى الْمُتَعَاطِي أُسْبُوعًا كَامِلاً بِلاَ أَكْلٍ وَلاَ نَوْمٍ، مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي انْحِطَاطِ الْجِسْمِ، وَالرِّعَاشِ، وَفَقْدِ التَّوَازُنِ، وَالاِضْطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَالاِنْفِصَامِ بِالشَّخْصِيَّةِ ؛ نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافيِةَ .
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا وَبِلاَدَنَا وَبِلاَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ آفَةٌ خَبِيثَةٌ، لَمْ تَفْشُ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ كَمَا فَشَتْ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ؛ فَهَا هِيَ وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ تُطَالِعُنَا صَبَاحَ مَسَاءَ مُظْهِرَةً جُهُودَ رِجَالِ الأَمْنِ -وَفَّقَهُمُ اللهُ تَعَالَى- وَعَارِضَةً كَمِّيَّاتٍ مُخِيفَةً وَعِصَابَاتٍ نَتِنَةً مِنْ جِنْسِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ! الأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُنَا فِي قَلَقٍ وَخَوْفٍ مِنْ تِلْكَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ! لأَنَّ ضَحَايَاهَا مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ شَبَابٌ فِي سِنِّ الزُّهُورِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ.
أَيْضًا وَيَجْعَلُنَا عَلَى يَقَظَةٍ وَحَذَرٍ مِنْ هَذَا الْمُخَطَّطِ الْقَذِرِ الَّذِي يَسْتَهْدِفُ مُجْتَمَعَنَا الْمُحَافِظَ؛ وَذَلِكَ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ رِجَالِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَأَنْ نَكُونَ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مَعَهُمْ فِي مُحَارَبَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَمُرَوِّجِيهَا، وَأَنْ نَتَّخِذَ الْخُطُوَاتِ الصَّحِيحَةَ وَالْجَرِيئَةَ فِي إِبْلاَغِ الْجِهَاتِ الأَمْنِيَّةِ إِنْ وُجِدَ لَدَيْنَا وَمِنْ بَيْنِنَا مُدْمِنُ مُخَدِّرَاتٍ، أَوْ لاَحَظْنَا عَلَى بَعْضِ الأَبْنَاءِ عَلاَمَاتِ التَّعَاطِي؛ لإِخْضَاعِهِ لِبَرَامِجَ عِلاَجِيَّةٍ تَسْتَهْدِفُ إِنْقَاذَهُ مِنْ وَحْلِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِهِ اجْتِمَاعِيًّا وَنَفْسِيًّا وَصِحِّيًّا.
أَيُّهَا الآبَاءُ؛ أَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَبْنَائِكُمْ، وَتَخَيَّرُوا لَهُمْ أَصْدِقَاءَهُمْ، وَانْصَحُوا لَهُمْ، وَلاَ تُهْمِلُوهُمْ، دُلُّوهُمْ عَلَى مَوَاطِنِ الصَّلاَحِ، وَعَلِّقُوا قُلُوبَهُمْ بِالْمَسَاجِدِ وَالصَّلاَةِ؛ حَذِّرُوهُمْ مِنْ طُرُقِ الْهَلاَكِ وَالضَّيَاعِ، وَامْنَعُوا عَنْ أَبْنَائِكُمُ التَّدْخِينَ، فَهُوَ بِدَايَةُ طَرِيقِ الإِدْمَانِ، امْنَعُوهُمْ مِنْ بَعْضِ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الَّتِي تَنْشُرُ الرَّذِيلَةَ، وَتُحَبِّبُ إِلَيْهِمُ الْجَرِيمَةَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوُقُوعُ في الْمُخَدِّرَاتِ، وَالأَخْلاَقِ السَّيِّئَةِ الْغَرِيبَةِ عَلَى مُجْتَمَعَاتِنَا.
اغْرِسُوا فِيهِمْ حُبَّ اللهِ تَعَالَى وَمَخَافَتَهُ، وَأَنَّهُ الرَّقِيبُ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي سِرِّهِمْ وَعَلَنِهِمْ، وَخَلْوَتِهِمْ وَجَلْوَتِهِمْ؛ ثُمَّ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلاَحِ وَالْفَلاَحِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].