محمدالمهوس
29-03-2023, 11:00
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ" ]
فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَشِّرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ وَهِي بُشْرَى لأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ!
وَكَيْفَ لا يُبَشَّرُ المؤْمِنُ بِهَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ ، وَالَّذِي بُلُوغُهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ بَعْدَهُمْ ، فَرُؤِيَ فِي الْمَنَامِ سَابِقًا لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْجَنَّةِ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»
[ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ]
وَكَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ فِيهِ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وَالْعِتْقُ مِنَ النَّارِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ - : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لَهُ فِيهِ فَرْحَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَفْرَحُهُمَا :
الأُولَى: عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَذَلِكَ لِزَوَالِ جُوعِه وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَذَا فَرَحٌ طَبِيعِيٌّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِصَوْمِهِ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، بِنَيْلِ الْجَزَاءِ، وَالْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ الْبَقَرَةُ : 110 ]
وَقَال تَعَالَى : ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾
[ آلُ عِمْرَانَ : 30 ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لَهُ فِيهِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ قَدْ تَكُونُ فِيهَا سَعَادَتُه فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلاَثٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْـمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» [ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
فَهُنَا أَضَافَ الصِّيَامَ لَهُ سُبْحَانَهُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ ، وَتَفَرَّدَ هُوَ بِالأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي لا يُحْصِيهِ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ.
اللَّهُمَّ كَمَا بَلَّغْتَنَا أَوَّلَ رَمَضَانَ بَلِّغْنَا تَمَامَهُ ، وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْـخُسْرَانِ : أَنْ تُحْرَمَ أَجْرَ وَفَضْلَ وَبَرَكَةَ هَذَا الشَّهْرِ ؛ يُرْفَعُ صِيَامُ الصّائِمِيِنَ ، وَصَلاَةُ الْمُصَلِّيِنَ ، وَصَدَقَاتُ الْمُحْسِنِيِنَ ، وَأَذْكَارُ الذَّاكِرِيِنَ فِيِ هَذَا الشَّهْرِ ، وَتـُحْرَمُ أَنْتَ ؛ قَالَ مَالِكُ ابْنُ الْحُوَيْرِثِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ ...» [ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِي فِي " صَحِيحِ التَّرْغِيبِ " ]
فَاتَّقِ اللهَ يَا مَنْ أَدْرَكْتَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، وَاشْكُرِ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّلَ عَلَيْكَ بِإِدْرَاكِهِ ؛ فَأَنْتَ يَا َعَبْدَ اللهِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَغَيْرُكَ قَدْ وَافَاهُ أَجَلُهُ وَلَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَغَيْرُكَ قَدْ شَخُصَ بَصَرُهُ فِي غُرْفَةِ الْمُسْتَشْفَى لا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَلا يَدْرِي مَكَانَهُ ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَزَالَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ فِي وَطَنِكَ وَبَيْنَ أَوْلادِكَ وَغَيْرُكُ قَدْ فَقَدَ الْوَطَنَ وَالْوَلَدَ ؛ فَاحْمَدُوا اللهَ تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ صِيَامَ الْمُوَدِّعِينَ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقَائِلُ سُبْحَانَه : ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم]
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ" ]
فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَشِّرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ وَهِي بُشْرَى لأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ!
وَكَيْفَ لا يُبَشَّرُ المؤْمِنُ بِهَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ ، وَالَّذِي بُلُوغُهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ بَعْدَهُمْ ، فَرُؤِيَ فِي الْمَنَامِ سَابِقًا لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْجَنَّةِ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»
[ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ]
وَكَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ فِيهِ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وَالْعِتْقُ مِنَ النَّارِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ - : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لَهُ فِيهِ فَرْحَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَفْرَحُهُمَا :
الأُولَى: عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَذَلِكَ لِزَوَالِ جُوعِه وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَذَا فَرَحٌ طَبِيعِيٌّ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَإِنَّهُ يَفْرَحُ بِصَوْمِهِ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، بِنَيْلِ الْجَزَاءِ، وَالْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ الْبَقَرَةُ : 110 ]
وَقَال تَعَالَى : ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾
[ آلُ عِمْرَانَ : 30 ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ لَهُ فِيهِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ قَدْ تَكُونُ فِيهَا سَعَادَتُه فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلاَثٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْـمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» [ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ ]
كَيْفَ لا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ قَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
فَهُنَا أَضَافَ الصِّيَامَ لَهُ سُبْحَانَهُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ ، وَتَفَرَّدَ هُوَ بِالأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي لا يُحْصِيهِ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ.
اللَّهُمَّ كَمَا بَلَّغْتَنَا أَوَّلَ رَمَضَانَ بَلِّغْنَا تَمَامَهُ ، وَأَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمَقْبُولِينَ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْـخُسْرَانِ : أَنْ تُحْرَمَ أَجْرَ وَفَضْلَ وَبَرَكَةَ هَذَا الشَّهْرِ ؛ يُرْفَعُ صِيَامُ الصّائِمِيِنَ ، وَصَلاَةُ الْمُصَلِّيِنَ ، وَصَدَقَاتُ الْمُحْسِنِيِنَ ، وَأَذْكَارُ الذَّاكِرِيِنَ فِيِ هَذَا الشَّهْرِ ، وَتـُحْرَمُ أَنْتَ ؛ قَالَ مَالِكُ ابْنُ الْحُوَيْرِثِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ ...» [ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِي فِي " صَحِيحِ التَّرْغِيبِ " ]
فَاتَّقِ اللهَ يَا مَنْ أَدْرَكْتَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، وَاشْكُرِ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّلَ عَلَيْكَ بِإِدْرَاكِهِ ؛ فَأَنْتَ يَا َعَبْدَ اللهِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَغَيْرُكَ قَدْ وَافَاهُ أَجَلُهُ وَلَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَغَيْرُكَ قَدْ شَخُصَ بَصَرُهُ فِي غُرْفَةِ الْمُسْتَشْفَى لا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَلا يَدْرِي مَكَانَهُ ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَزَالَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ فِي وَطَنِكَ وَبَيْنَ أَوْلادِكَ وَغَيْرُكُ قَدْ فَقَدَ الْوَطَنَ وَالْوَلَدَ ؛ فَاحْمَدُوا اللهَ تَعَالَى حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ صِيَامَ الْمُوَدِّعِينَ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقَائِلُ سُبْحَانَه : ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم]