الشيخ/عبدالله الواكد
12-01-2023, 23:05
خُطْبَةُ جُمُعَةبِعِنْوان
الجمع بين الصلاتين والصلاة في الرحالكتبهاعبدالله بن فهد الواكدإمام وخطيب جامع الواكد بحائل الخطبةُ الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَيُّها المُسْلِمُونَ : جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَينَ الإِسْلَامِ دِيناً مُيَسَّراً ، مَيْسُورَ الفَهْمِ ، سَهْلَ الأَحْكَامِ ، بَيِّنَ المَعَانِي ، عَظِيمَ المَقَاصِدِ ، وَاضِحَ المَعَالِمِ وَالدَّلَالَاتِ ، لأنَّهُ خَاتِمُ الشَّرَائِعِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )(البقرة185) وَالتَّيْسِيرُ يَاعِبَادَ اللهِ لاَ يُقْصَدُ مِنْهُ رَفْعُ الحُكْمِ بِالكُلِّيَةِ عَنِ المُكَلَّفِ كَمَا يَذْهبُ إِلَى ذلكَ بَعْضُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ أَمْثَالُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِم ، إنَّماَ التَّيْسِيرُ هُوَ اسْتِبْدَالُ الحُكْمِ بِحُكْمٍ أَخَفَّ يَتَنَاسَبُ مَعَ قُدْرَةِ المُكَلَّفِ لِيَسْتَطِيعَ القِيَامَ بِذَلِكَ ، وَلَمَّا كَتَبَ اللهُ عَلَى المُسْلِمِينَ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ ، خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ تُؤدَّى فِي أَوْقَاتِهَا جَمَاعَةً فِي المَسَاجِدِ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَبَيْنَ العِشَائَيْنِ فِي السَّفَرِ ، وَأَمَّا فِي الحَضَرِ وَحَالَ الإِقَامَةِ فَيَحْرُمُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا لِسَبَبٍ شَرْعِيِّ وَيَحْرُمُ الجَمْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ عُذْرٍ ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ أَنْ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى المُسْلِمِينَ حَالَ المَشَقَّةِ ، وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الشِّتْوِيَّةِ البَارِدَةِ قَدْ يَتَعَرَّضُ النَّاسُ لِشَيْءٍ مِنَ المَشَقَّةِ كَوُجُودِ المَطَرِ الغَزِيرِ وَالثُّلُوجِ وَالبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالرِّيَاحِ البَارِدَةِ الشَّدِيدَةِ التِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الأَذَى لِلنَّاسِ فِي تَجَمُّعِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ فِي المَسَاجِدِ فَأَحْبَبْتُ بَيَانَ بَعْضِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالوُقُوفَ عِنْدَهاَ وَالإِسْتِنَادَ إِلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا وَفَتَاوَاهُمْ ، وَاسْتِخْلَاصَ القَوْلِ الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمِنْ هَذِهِ الأَحْكَامِ : أَحْكَامُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي المَطَرِ فَهِيَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعاً، ِفي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ) ، وَوَرَدَ : (فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ ) قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ رَحِمَهُ اللهُ : أَرَى ذَلِكَ كَانَ ِفي المَطَرِ ، وَوَافَقَهُ عَلَى كَلَامِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَغَيْرُهُم, وَمِنْهُمُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : فَسَأَلْتُ سَعِيداً لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ : أَرَادَ أَنْ لاَ يُحَرِّجَ أَحَداً مِنْ أُمَّتِهِ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ، مِنْ أَتْبَاعِ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَكَذَلِكَ المُحَدِّثِينَ بِرِوَايَاتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الحَضَرِ بِسَبَبِ المَطَرِ وَالبَرْدِ ، فَإِذَا نَزَلَ المَطَرُ الذِي فِيهِ مَشَقَّةٌ فَإِنَّهُ تُجْمَعُ لِأَجْلِهِ صَلَاةُ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ ، قَالَ العَلَّامَةُ محُمَّدُ بْنُ ابْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللهُ (أَماَّ جَمْعُ العَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ فَالذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدَّعْوَةِ رَحِمَهُمُ اللهُ وَعَلَيْهِ العَمَلُ عَدَمُ الجَمْعِ حَيْثُ أَنَّ المَشَقَّةَ فِي النَّهَارِ أَسْهَلُ مِنَ المَشَقَّةِ فِي اللَّيْلِ ) وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ ( الذِي عَلَيْهِ أَهْلُ هَذَا البَلَدِ مُنْذُ عَشَرَاتِ السِّنِينِ هُوَ عَدَمُ الجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ ) ، وَأَفْتَى أَعْضَاءُ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْإِفْتَاءِ وَعَلَى رَأْسِهِمْ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ ( بِجَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مِنْ أَجْلِ المَطَرِ الذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ وَيَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ مِنْ تِكْرَارِ الذَّهَابِ إِلَى المَسْجِدِ لِصَلَاةِ العِشَاءِ )
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى ، أَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَالعِشَائَيْنِ ، فَمَا دَامَ قَدْ ثَبَتَ الدَّلِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ ,وَكَذَا بَيْنَ المَغْربِ وَالعِشَاءِ ، فَلاَ تَفْرِيقَ بَيْنَهُماَ ،
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : لِنَعْلَمَ جَمِيعاً أَنُّهُ لَا يَكُونُ الجَمْعُ بَيْنَ العِشَائَيْنِ إِلاَّ بِوُجُودِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَالمَطَرِ وَالبَرْدِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيَتَأكَّدُ ذَلِكَ فِي الظُّهْرَيْنِ فَيَحْرُمُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِلَّا بِوُجُودِ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَطَرٍ شَدِيدٍ جِداً أَوْ بَرْدٍ وَرِيَاحٍ شَدِيدَةٍ ، خُرُوجاً مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ ، فِي مَسْأَلَةِ جَمْعِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ .
أَيُّهَا المسْلِمُونَ : وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَبَيْنَ أَيِّ صَلاَةٍ أُخْرَى، وَلَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ ، وَأَمَّا المَطَرُ الذِي يُجْمَعُ لِأَجْلِهِ فَقَالَ العُلَمَاءُ هُوَ المَطَرُ الغَزِيرُ الذِي يَحْمِلُ أَوْسَاطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ رُؤُوسِهِمْ ، وَقَالُوا هُوَ المَطَرُ الذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَقَالُوا هُوَ المَطَرُ المُؤْذِي ، فَلَا يَجُوزُ الجَمْعُ لِلرَّشِّ الخَفِيفِ جِداً الذِي لَا يُؤْذِي وَلاَ يُسَبِّبُ وَحْلاً وَلَا طِيناً وَلَا زَلَقاً ، وَكَذَلِكَ اشْتَرَطُوا اسْتِمْرَارَ نُزُولِ المَطَرِ حَالَ الجَمْعِ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : وَلاَ يُجْمَعُ إِلاَّ وَالمَطَرُ مُقِيمٌ فِي الوَقْتِ الذِي يُجْمَعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ ِفي الطِّينِ, وَالوَحْلِ إِذَا كَانَ فِيهِ خُطُورَةُ الإِنْزِلَاقِ, وَلَوْ كَانَ المَطَرُ وَاقِفاً.
وَمِنَ الأَسْبَابِ التِي يَجُوزُ الجَمْعُ بِسَبَبِهَا الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ البَارِدَةُ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ : يَجُوزُ الجَمْعُ لِلْوَحْلِ الشَّدِيدِ، وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ البَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ المَطَرُ نَازِلاً فِي أَصَحِّ قَوْلَي العُلَمَاءِ, وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ ، وَالأَصْلُ فِي الرُّخْصَةِ أَنَّهاَ تَعُمُّ ، إِذْ يَجُوزُ الجَمْعُ حَتَّى لِمَنْ كَانَ بَابُ بَيْتِهِ قَرِيباً مِنْ المَسْجِدِ, وَمَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى المَسْجِدِ بِالسَّيَّارَةِ , وَمَنْ كَانَ يَمْشِي تَحْتَ سَقْفٍ فِي طَرِيقٍ مُظَلَّلٍ فَيَجُوزُ لَهُ الجَمْعُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ, وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ المُلاَصِقِ لِلْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيَجْمَعُ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَناَ وَإيَّاكُمْ فِي دِينِنَا، وَأَنْ يُعَلِّمَناَ مَا جَهِلْنَا, وَأَنْ يَنْفَعَناَ بِمَا عَلِمْنَا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا, َوأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
------------------------------------------------
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ ، الذِي شَرَعَ التَّيْسِيرَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى ُكلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَأْتِي لِمَوْضُوعٍ آخَرَ أَلاَ وَهُوَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ أَوْ البُيُوتِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الأَحْوَالِ ، فَقَدْ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ وَمَشْرُوعِيَّةِ قَوْلِ المُؤَذِّنِ عِنْدَ المَطَرِ أَوْ الرِّيِحِ أَوْ البَرْدِ:"أَلَا صَلُّوا ِفي رِحَالِكُمْ"، أَوْ " الصَّلَاةُ فِي الرِّحَال" ،
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا : حَدِيثُ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُماَ فِي صَحِيحِ البُخَارِي :" أَنَّهُ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ : " أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ "
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو المَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ الهُذَليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ : " أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ, فَأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيهِ أَنَّ الصَّلاَةَ فِي الرِّحَالِ"
وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ أَنَّهُ قَالَ:" لَقَدْ رَأَيْتَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَأَصَابَتْناَ سَمَاءٌ لَمْ تَبُلْ أَسَافِلَ نِعَالِنَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ "
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ ( لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحِلِهِ )
وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي مَوْضِعِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: "الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ"أَوْ" أَلَا صَلّوا فِي ِرحَالِكُمْ" بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا ، عَلَى ثَلاَثَةِ صِفَاتٍ :
أَوَّلُهاَ : أَنَّهَا تُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الأَذَانِ بَدَلاً مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا تُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الأَذَانِ , وَلَكِنْ يَقُولُهاَ بَعْدَمَا يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ : أَنَّها تُقَالُ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الأَذَانِ كُلِّهِ ، وَالأَمْرُ وَاسِعٌ ، وَلَكِنَّ الأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الأَذَانِ ، وَهُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ الحَنَفِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، لِيَبْقَى نَظْمُ الأَذَانِ عَلَى وَضْعِهِ"
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَإِلَيْكُمْ مُخْتَصَراً لِخُطْبَتِنَا اليَوْمَ .
أَوَّلًا : الجَمْعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مَشْرُوعٌ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ مَشَقَّةٌ مِنَ المَطَرِ أَوْ الرِّيحِ البَارِدَةِ أَوْ البَرْدِ الشَّدِيدِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا .
ثَانِياً : الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ جَائِزٌ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا . وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ المَشَقَّةُ عَظِيمَةً جِدًّا كَالمَطَرِ الغَزِيزِ جِدًّا أَوْ الرِّيحِ البَارِدَةِ الشَّدِيدَةِ جِدًّا أَوِ البَرْدِ الشَّدِيدِ جِدًّا ، وَذَلِكَ خُرُوجاً مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ .
ثَالِثاً : عَدَمُ جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ لِأَنَّ صَلَاةَ الجُمُعَةِ وَخُطْبَتَيْهَا شَعِيرَةٌ أُسْبُوعِيَّةٌ شُرِعَتْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ اليَوْمِيَّةِ لِتُجْمَعَ مَعَ العَصْرِ وَذَلِكَ لِمَنْ صَلَّى الجُمُعَةَ وَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا ظُهْراً كَالمُسَافِرِ وَمَنْ كَانَ فِي البَرِّ وَالخَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ فجَاَئِزٌ ، لِأَنَّهُ جَمَعَ الظُّهْرَ مَعَ العَصْرِ .
رَابِعاً : رُخْصَةُ الجَمْعِ جَائِزَةٌ حَتَّى لِجَارِ المَسْجِدِ يَجْمَعُ مَعَ الإِمَامِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
خَامِساً : إِذَا كَانَ العُذْرُ الذِي جُمِعَتْ لَهُ صَلَاتَيْ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ بَرْدٍ قَائِماً وَقْتَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً الحُضُورُ لِلْجَمَاعَةِ ، فَيُشْرَعُ أَنْ تُصَلَّى فِي البُيُوتِ لحِدِيثِ بْنِ عُمَرَ فِي البُخَارِيِّ وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي مُسْلِمٍ وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا لَكُمْ وَبِالتَّالِي فَيُشْرَعُ أَنْ يَأْمُرَ الإِمَامُ المُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَيَقُولَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ , أَوْ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ ، وَالأَوْلَى أَنْ تُقَالَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْ الأَذَانِ مُبَاشَرَةً .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ البَرِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الجمع بين الصلاتين والصلاة في الرحالكتبهاعبدالله بن فهد الواكدإمام وخطيب جامع الواكد بحائل الخطبةُ الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحَدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
أَيُّها المُسْلِمُونَ : جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَينَ الإِسْلَامِ دِيناً مُيَسَّراً ، مَيْسُورَ الفَهْمِ ، سَهْلَ الأَحْكَامِ ، بَيِّنَ المَعَانِي ، عَظِيمَ المَقَاصِدِ ، وَاضِحَ المَعَالِمِ وَالدَّلَالَاتِ ، لأنَّهُ خَاتِمُ الشَّرَائِعِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )(البقرة185) وَالتَّيْسِيرُ يَاعِبَادَ اللهِ لاَ يُقْصَدُ مِنْهُ رَفْعُ الحُكْمِ بِالكُلِّيَةِ عَنِ المُكَلَّفِ كَمَا يَذْهبُ إِلَى ذلكَ بَعْضُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ أَمْثَالُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِم ، إنَّماَ التَّيْسِيرُ هُوَ اسْتِبْدَالُ الحُكْمِ بِحُكْمٍ أَخَفَّ يَتَنَاسَبُ مَعَ قُدْرَةِ المُكَلَّفِ لِيَسْتَطِيعَ القِيَامَ بِذَلِكَ ، وَلَمَّا كَتَبَ اللهُ عَلَى المُسْلِمِينَ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ ، خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ تُؤدَّى فِي أَوْقَاتِهَا جَمَاعَةً فِي المَسَاجِدِ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَبَيْنَ العِشَائَيْنِ فِي السَّفَرِ ، وَأَمَّا فِي الحَضَرِ وَحَالَ الإِقَامَةِ فَيَحْرُمُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا لِسَبَبٍ شَرْعِيِّ وَيَحْرُمُ الجَمْعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ عُذْرٍ ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ أَنْ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى المُسْلِمِينَ حَالَ المَشَقَّةِ ، وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الشِّتْوِيَّةِ البَارِدَةِ قَدْ يَتَعَرَّضُ النَّاسُ لِشَيْءٍ مِنَ المَشَقَّةِ كَوُجُودِ المَطَرِ الغَزِيرِ وَالثُّلُوجِ وَالبَرْدِ الشَّدِيدِ وَالرِّيَاحِ البَارِدَةِ الشَّدِيدَةِ التِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الأَذَى لِلنَّاسِ فِي تَجَمُّعِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ فِي المَسَاجِدِ فَأَحْبَبْتُ بَيَانَ بَعْضِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالوُقُوفَ عِنْدَهاَ وَالإِسْتِنَادَ إِلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا وَفَتَاوَاهُمْ ، وَاسْتِخْلَاصَ القَوْلِ الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمِنْ هَذِهِ الأَحْكَامِ : أَحْكَامُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي المَطَرِ فَهِيَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعاً، ِفي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ) ، وَوَرَدَ : (فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ ) قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ رَحِمَهُ اللهُ : أَرَى ذَلِكَ كَانَ ِفي المَطَرِ ، وَوَافَقَهُ عَلَى كَلَامِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَغَيْرُهُم, وَمِنْهُمُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : فَسَأَلْتُ سَعِيداً لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ : أَرَادَ أَنْ لاَ يُحَرِّجَ أَحَداً مِنْ أُمَّتِهِ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ، مِنْ أَتْبَاعِ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَكَذَلِكَ المُحَدِّثِينَ بِرِوَايَاتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي الحَضَرِ بِسَبَبِ المَطَرِ وَالبَرْدِ ، فَإِذَا نَزَلَ المَطَرُ الذِي فِيهِ مَشَقَّةٌ فَإِنَّهُ تُجْمَعُ لِأَجْلِهِ صَلَاةُ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ ، قَالَ العَلَّامَةُ محُمَّدُ بْنُ ابْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللهُ (أَماَّ جَمْعُ العَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ فَالذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدَّعْوَةِ رَحِمَهُمُ اللهُ وَعَلَيْهِ العَمَلُ عَدَمُ الجَمْعِ حَيْثُ أَنَّ المَشَقَّةَ فِي النَّهَارِ أَسْهَلُ مِنَ المَشَقَّةِ فِي اللَّيْلِ ) وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ ( الذِي عَلَيْهِ أَهْلُ هَذَا البَلَدِ مُنْذُ عَشَرَاتِ السِّنِينِ هُوَ عَدَمُ الجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ ) ، وَأَفْتَى أَعْضَاءُ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْإِفْتَاءِ وَعَلَى رَأْسِهِمْ بْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ ( بِجَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مِنْ أَجْلِ المَطَرِ الذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ وَيَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ مِنْ تِكْرَارِ الذَّهَابِ إِلَى المَسْجِدِ لِصَلَاةِ العِشَاءِ )
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى ، أَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَالعِشَائَيْنِ ، فَمَا دَامَ قَدْ ثَبَتَ الدَّلِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ ,وَكَذَا بَيْنَ المَغْربِ وَالعِشَاءِ ، فَلاَ تَفْرِيقَ بَيْنَهُماَ ،
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : لِنَعْلَمَ جَمِيعاً أَنُّهُ لَا يَكُونُ الجَمْعُ بَيْنَ العِشَائَيْنِ إِلاَّ بِوُجُودِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَالمَطَرِ وَالبَرْدِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيَتَأكَّدُ ذَلِكَ فِي الظُّهْرَيْنِ فَيَحْرُمُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِلَّا بِوُجُودِ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَعُذْرٍ شَرْعِيٍّ كَمَطَرٍ شَدِيدٍ جِداً أَوْ بَرْدٍ وَرِيَاحٍ شَدِيدَةٍ ، خُرُوجاً مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ ، فِي مَسْأَلَةِ جَمْعِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ .
أَيُّهَا المسْلِمُونَ : وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَبَيْنَ أَيِّ صَلاَةٍ أُخْرَى، وَلَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ ، وَأَمَّا المَطَرُ الذِي يُجْمَعُ لِأَجْلِهِ فَقَالَ العُلَمَاءُ هُوَ المَطَرُ الغَزِيرُ الذِي يَحْمِلُ أَوْسَاطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ رُؤُوسِهِمْ ، وَقَالُوا هُوَ المَطَرُ الذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَقَالُوا هُوَ المَطَرُ المُؤْذِي ، فَلَا يَجُوزُ الجَمْعُ لِلرَّشِّ الخَفِيفِ جِداً الذِي لَا يُؤْذِي وَلاَ يُسَبِّبُ وَحْلاً وَلَا طِيناً وَلَا زَلَقاً ، وَكَذَلِكَ اشْتَرَطُوا اسْتِمْرَارَ نُزُولِ المَطَرِ حَالَ الجَمْعِ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : وَلاَ يُجْمَعُ إِلاَّ وَالمَطَرُ مُقِيمٌ فِي الوَقْتِ الذِي يُجْمَعُ فِيهِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ ِفي الطِّينِ, وَالوَحْلِ إِذَا كَانَ فِيهِ خُطُورَةُ الإِنْزِلَاقِ, وَلَوْ كَانَ المَطَرُ وَاقِفاً.
وَمِنَ الأَسْبَابِ التِي يَجُوزُ الجَمْعُ بِسَبَبِهَا الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ البَارِدَةُ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ : يَجُوزُ الجَمْعُ لِلْوَحْلِ الشَّدِيدِ، وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ البَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ المَطَرُ نَازِلاً فِي أَصَحِّ قَوْلَي العُلَمَاءِ, وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ ، وَالأَصْلُ فِي الرُّخْصَةِ أَنَّهاَ تَعُمُّ ، إِذْ يَجُوزُ الجَمْعُ حَتَّى لِمَنْ كَانَ بَابُ بَيْتِهِ قَرِيباً مِنْ المَسْجِدِ, وَمَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى المَسْجِدِ بِالسَّيَّارَةِ , وَمَنْ كَانَ يَمْشِي تَحْتَ سَقْفٍ فِي طَرِيقٍ مُظَلَّلٍ فَيَجُوزُ لَهُ الجَمْعُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ, وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ المُلاَصِقِ لِلْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيَجْمَعُ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَناَ وَإيَّاكُمْ فِي دِينِنَا، وَأَنْ يُعَلِّمَناَ مَا جَهِلْنَا, وَأَنْ يَنْفَعَناَ بِمَا عَلِمْنَا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا, َوأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
------------------------------------------------
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ ، الذِي شَرَعَ التَّيْسِيرَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى ُكلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : نَأْتِي لِمَوْضُوعٍ آخَرَ أَلاَ وَهُوَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ أَوْ البُيُوتِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الأَحْوَالِ ، فَقَدْ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ وَمَشْرُوعِيَّةِ قَوْلِ المُؤَذِّنِ عِنْدَ المَطَرِ أَوْ الرِّيِحِ أَوْ البَرْدِ:"أَلَا صَلُّوا ِفي رِحَالِكُمْ"، أَوْ " الصَّلَاةُ فِي الرِّحَال" ،
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا : حَدِيثُ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُماَ فِي صَحِيحِ البُخَارِي :" أَنَّهُ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ : " أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ "
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو المَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ الهُذَليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ : " أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ, فَأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيهِ أَنَّ الصَّلاَةَ فِي الرِّحَالِ"
وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانيُّ أَنَّهُ قَالَ:" لَقَدْ رَأَيْتَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَأَصَابَتْناَ سَمَاءٌ لَمْ تَبُلْ أَسَافِلَ نِعَالِنَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ "
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ ( لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحِلِهِ )
وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِي مَوْضِعِ هَذِهِ الجُمْلَةِ: "الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ"أَوْ" أَلَا صَلّوا فِي ِرحَالِكُمْ" بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا ، عَلَى ثَلاَثَةِ صِفَاتٍ :
أَوَّلُهاَ : أَنَّهَا تُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الأَذَانِ بَدَلاً مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهَا تُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الأَذَانِ , وَلَكِنْ يَقُولُهاَ بَعْدَمَا يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ : أَنَّها تُقَالُ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الأَذَانِ كُلِّهِ ، وَالأَمْرُ وَاسِعٌ ، وَلَكِنَّ الأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الأَذَانِ ، وَهُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ الحَنَفِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، لِيَبْقَى نَظْمُ الأَذَانِ عَلَى وَضْعِهِ"
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَإِلَيْكُمْ مُخْتَصَراً لِخُطْبَتِنَا اليَوْمَ .
أَوَّلًا : الجَمْعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مَشْرُوعٌ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ مَشَقَّةٌ مِنَ المَطَرِ أَوْ الرِّيحِ البَارِدَةِ أَوْ البَرْدِ الشَّدِيدِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا .
ثَانِياً : الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ جَائِزٌ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا . وَلَكِنْ إِذَا كَانَتْ المَشَقَّةُ عَظِيمَةً جِدًّا كَالمَطَرِ الغَزِيزِ جِدًّا أَوْ الرِّيحِ البَارِدَةِ الشَّدِيدَةِ جِدًّا أَوِ البَرْدِ الشَّدِيدِ جِدًّا ، وَذَلِكَ خُرُوجاً مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ .
ثَالِثاً : عَدَمُ جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ لِأَنَّ صَلَاةَ الجُمُعَةِ وَخُطْبَتَيْهَا شَعِيرَةٌ أُسْبُوعِيَّةٌ شُرِعَتْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ اليَوْمِيَّةِ لِتُجْمَعَ مَعَ العَصْرِ وَذَلِكَ لِمَنْ صَلَّى الجُمُعَةَ وَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا ظُهْراً كَالمُسَافِرِ وَمَنْ كَانَ فِي البَرِّ وَالخَلَاءِ وَنَحْوِهِمْ فجَاَئِزٌ ، لِأَنَّهُ جَمَعَ الظُّهْرَ مَعَ العَصْرِ .
رَابِعاً : رُخْصَةُ الجَمْعِ جَائِزَةٌ حَتَّى لِجَارِ المَسْجِدِ يَجْمَعُ مَعَ الإِمَامِ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
خَامِساً : إِذَا كَانَ العُذْرُ الذِي جُمِعَتْ لَهُ صَلَاتَيْ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ بَرْدٍ قَائِماً وَقْتَ صَلَاةِ الفَجْرِ وَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً الحُضُورُ لِلْجَمَاعَةِ ، فَيُشْرَعُ أَنْ تُصَلَّى فِي البُيُوتِ لحِدِيثِ بْنِ عُمَرَ فِي البُخَارِيِّ وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي مُسْلِمٍ وَحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا لَكُمْ وَبِالتَّالِي فَيُشْرَعُ أَنْ يَأْمُرَ الإِمَامُ المُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَيَقُولَ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ , أَوْ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ ، وَالأَوْلَى أَنْ تُقَالَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْ الأَذَانِ مُبَاشَرَةً .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ البَرِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ