المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيـــــــــــــه العقول السديدة لأمور مهمـــــــــــة في العقيدة



محمدالمهوس
30-08-2022, 16:56
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَيْقَظَ الْغَافِلِينَ، وَنَفَعَ بِالتَّذْكِرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ عَرَفُوا حَقَّ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَحَقَّ رَسُولِهِ الأَمِينِ، وَتَمَسَّكُوا بِمَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ زَادٍ، وَأَعْظَمُ وَصِيَّةٍ لِلْعِبَادِ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِينَا فَقَالَ : « أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» [صححه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" ، والشاطبي في "الاعتصام"].
وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: «... وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» [حسَّنه العراقي في "تخريج الإحياء" والألباني في "صحيح الترمذي"].
وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الاِخْتِلاَفِ وَالْفُرْقَةِ، وَلَكِنَّنَا كُلِّفْنَا بِالاِعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمُتَمَسِّكَةِ بِالْحَقِّ الَّتِي عَلِمَتِ الْحَقَّ وَعَمِلَتْ بِهِ، وَدَعَتْ إِلَيْهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
فَمِنْ أُصُولِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ وَالطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ:
الإِيمَانُ بِاللهِ ومَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وباِلْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَالإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ.
وَالإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شاءَ اللهُ كانَ ومَا لمْ يشَأْ لمْ يكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ أوْ سُكُونٍ إلاَّ بمَشِيئَةِ اللهِ؛ لاَ يكُونُ في مُلْكِهِ إلاَّ مَا يرِيدُ، وَالْعِبَادُ فاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاللهُ خَالِقُ أفْعَالِهِمْ، وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ علَى أَعْمَالِهِمْ وَإِرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُمْ وخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ، كَمَا قَالَ تعَالَى: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [عبس: 28-29].
وَمِنْ أصُولِهِمْ: أَنَّ الدِّينَ والإِيمَانَ قُوْلٌ واعْتِقَادٌ وعَمَلٌ؛ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بالْجَوَارِحِ، يَزِيدُ بالطَّاعَةِ ويَنقُصُ بالْمَعْصِيَةِ.
وَمِنْ أُصُولِهِمْ: اتِّبَاعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
وَمِنْ أُصُولِهِمْ: سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، وَطَاعَةً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الْقَائِلِ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ» [متفق عليه].
‏وَمِنْ أُصُولِهِمْ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ، وَلاَ يَسُبُّونَهُمْ وَلاَ يَغْتَابُونَهُمْ وَلاَ يُكَفِّرُونَهُمْ، وَلاَ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِمْ؛ عَمَلاً بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59 ] اللَّهُمَّ فَقِّهْنَا فِي الدِّينِ ، وَارْزُقْنَا خَشْيَتَكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ وَالطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ: الْمُحَافَظَةَ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبُعْدَ عَنِ الاِخْتِلاَفِ وَالتَّفَرُّقِ وَالتَّحَزُّبِ لِغَيْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [ الأنعام : 159]، وَقَالَ: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31 -32 ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا مُجْمَلُ أُصُولِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ وَالطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَالَّتِي مِنْ خَصَائِصِهَا وَسِمَاتِهَا: وَحْدَةُ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّةِ، لاَ يُعَارِضُهَا ذَوْقٌ أَوْ عَقْلٌ ، أَوِ اسْتِحْسَانٌ أَوْ هَوًى أَوْ قِيَاسٌ؛ عَمَلاً بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: وَحْدَةُ الْعَقِيدَةِ وَالْمَنْهَجِ؛ فَلَوْ طَالَعْتَ جَمِيعَ كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْمُصَنَّفَةِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ قَدِيمِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ مَعَ اخْتِلاَفِ بُلْدَانِهِمْ وَزَمَانِهِمْ؛ بَلْ لَوْ جمَعْتَ جمِيعَ ما جرَى علَى أَلْسِنَتِهِمْ، ونَقَلُوهُ عنْ سلَفِهِمْ، وجَدْتَهُ كأَنَّهُ جَاءَ مِنْ قَلْبٍ وَاحِدٍ، وَجَرَى عَلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ.
وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: الثُّبُوتُ وَالاِسْتِقْرَارُ، وَأَنَّهَا وَسَطٌ بَيْنَ الْغَالِي فِي الدِّينِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَوَسَطٌ بَيْنَ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ؛ فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَتَفَقَّدُوا أَنْفُسَكُمْ فِي عَقِيدَتِكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيُسَارِعْ فِي التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ، وَالإِقْبَالِ عَلَى رَبِّهِ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].