المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسماء الله الحسنى : المنّــان



محمدالمهوس
02-03-2022, 10:46
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الْكَرِيِمِ الْمَنَّانِ، عَظِيمِ الْإحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالاِمْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيِكَ لَهُ ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى الثَّابِتَةِ بِصَحِيحِ السُّنَّةِ: الْمَنَّانُ، الَّذِي كَثُرَ عَطَاؤُهُ، وَعَظُمَتْ مَوَاهِبُهُ، وَوَسِعَ إِحْسَانُهُ، وَكَرُمَ مَنُّهُ؛ يَدُرُّ بِالْعَطَايَا، وَيَدْفَعُ الْبَلاَيَا، يُجِيبُ دَعَوَاتِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيَكْشِفُ كُرُبَاتِ الْمَكْرُوبِينَ، رَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَبِرُّهُ وَلُطْفُهُ فِي كُلِّ حِيٍّ.
وكَذَلِكَ التَّوَّابُ مِنْ أَوْصَافِهِ وَالتَّوْبُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِذْنٌ بِتوْبَةِ عَبْدِهِ وَقَبُولُها بَعْدَ الْمَتَابِ بِمِنَّةِ المَنَانِ
جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِيِ دَاودَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» [صححه الألباني].
وَمِنْ عَظِيمِ مَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَعَطَائِهِ سُبْحَانَهُ: هِدَايَةُ عِبَادِهِ إِلَى سَبِيلِ دَارِ السَّلاَمِ، وَحِمَايَتُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الآثَامِ؛ حَيْثُ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ؛ هَدَاهُمْ لِهَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ وَأَنْقَذَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الْحُجُرَاتِ: 17].
وَمِنْ عَظِيمِ مَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَعَطَائِهِ سُبْحَانَهُ: مَا مَنَّ بِهِ عَلَى الأُمَمِ بِبَعْثِ الرُّسُلِ لَهُمْ، وَخَصَّ هَذِهِ الأُمَّةَ بِصَفْوَتِهِمْ وَخَيْرِهِمْ وَخَاتَمِهِمْ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عِمْرَانَ: 164].
وَمِنْ عَظِيمِ مَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَعَطَائِهِ سُبْحَانَهُ: مَا مَنَّ ‏بِهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ بِالتَّمْكِينِ ، وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ الْمُبِينِ ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الصافات: 115 – 118].
وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَحَقُّ مَنْ عُبِدَ وَشُكِر وَذُكِرَ، فَنَعِيمُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ دَائِمٌ مُتَوَاصِلٌ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ نَعِيمُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الدُّنْيَا: بِالْهِدَايَةِ وَالْحِفْظِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطُّورِ: 26-28].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الآثارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ اسْمِ اللهِ الْمَنَّانِ: مَحَبَّةَ اللهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ ، وَالتَّعَلُّقَ بِهِ ، وَإِخْلاَصَ الْعِبَادَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ دُونَمَا سِوَاهُ، وَأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا عَلَيْنَا قَدْ هَيَّأَ سُبْحَانَهُ أَسْبَابَهَا، وَأَذِنَ بِحُصُولِهَا وَنَفْعِهَا.
وَمِنَ الآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ اسْمِ اللهِ الْمَنَّانِ: الْبُعْدُ عَنْ صِفَةِ الْمِنَّةِ عَلَى الْخَلْقِ؛ لأَنَّ اللهَ هُوَ الْمَانُّ حَقِيقَةً؛ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 262] قَالَ: يَمْدَحُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ مَنًّا عَلَى مَنْ أَعْطَوْهُ! فَلاَ يَمُنُّونَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ ، وَلاَ يَمُنُّونَ بِهِ لاَ بِقَوْلٍ وَلاَ بِفِعْلٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا أَذًى﴾ أَيْ: لاَ يَفْعَلُونَ مَعَ مَنْ أَحْسَنُوا إِلَيْهِ مَكْرُوهًا، يُحْبِطُونَ بِهِ مَا سَلَفَ مِنَ الإِحْسَانِ، ثُمَّ وَعَدَهُمُ اللهُ تَعَالَى الْجَزَاءَ الْجَزِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: ثَوَابُهُمْ عَلَى اللهِ، لاَ عَلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، قَالَ : ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ : ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أَيْ: عَلَى مَا خَلَّفُوهُ مِنَ الأَوْلاَدِ، وَلاَ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ! لاَ يَأْسَفُونَ عَلَيْهَا؛ لأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى كَلاَمُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَمِنَ الآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ اسْمِ اللهِ الْمَنَّانِ: الاِتِّصَافُ بِصِفَةِ السَّخَاءِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا، وَمَعَ أَصْحَابِ الْعِوَزِ وَالْحَاجَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، وَتَجَنُّبُ الْمَنِّ بِالْعَطِيَّةِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ ، وَالتَّعَالِي عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالْمَنِّ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَعَدَّ مِنْهُمُ الْمَنَّانَ» [ رواه مسلم ].
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْرِفُوا رَبَّكُمْ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، فَبِذَلِكَ يَقْوَى إِيمَانُكُمْ وَيَزْدَادُ يَقِينُكُمْ بِرَبِّكُمْ جَلَّ وَعَلَا، وَتَكُونُوا فِي سَعَادَةٍ وَحَيَاةٍ طَيِّبَّةٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [ الأحزاب: 56 ]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].