المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( الإفتقار إلى الله )



الشيخ/عبدالله الواكد
11-11-2021, 20:54
خطبة جمعة

بعنوان
(خطبة الافتقار إلى الله)
7 / 4 / 1443
منقولة
د. محمد العبيدي جامعة القصيم




الخطبة الأولى
الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعلى آلِه وصحبِه وأَتباعِهِم بإحسان.
أما بعدُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : يَتَبَاهَى العُظَمَاءُ بِعَظَمَتِهِمْ، ويَتَظَاهَرُ المُتَكَبِّرُونَ بِكِبرِيَائِهِمْ، يَستَعرِضُونَ كُلَّ مَعَانِي القُوَّةِ، وَيَفْتَعِلُونَ كُلَّ أَسْبابِ الهَيْبَةِ، وَيَسْتَجْلِبُونَ كُلَّ أَسْبابِ التَّعْظِيمِ ، وَلَكِنْ مَا مِنْ عَظِيمٍ مِنَ النَّاسِ يَعْلُو مُقَامُهُ إِلَّا سَيَضْمَحِلُّ يَوْماً أَمرُهُ ،
فَمَا مُلْكٌ لِمَخلُوقٍ سَيَبقَى... ولا عِزٌّ وسُلطَانٌ يدومُ الكُلُّ يَفنَى ويَبقَى اللهُ مُتَفَرِّدَاً، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. فَالكُلُّ مُفُتَقِرٌ لِلْوَاحِدِ الصَّمَدِ، الذِي قَامَتْ بِأمْرِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، يُدَبِّرُ الأَمْرَ، يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ، لَا مَانِعَ لِماَ أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، إِلهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ غَيرُهُ، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}، هُوَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ، قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، مَا مِنْ دَابَّةٍ ِفي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَودَعَهَا، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، خَضَعَتْ لِعَظَمَتِهِ عَظَائِمُ المَخْلُوقَاتِ، وَسَبَّحَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ وَمَنْ فِيهِنَّ، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُجِيْبَ دَاعِياً، وَأَنْ يُعْطِيَ سَائِلاً، وَأَنْ يَفُكَّ أَسِيرَاً، وَأَنْ يَشْفِيَ مَرِيضَاً، وَأَنْ يَكْشِفَ كَرْباً، وَأَنْ يَغْفِرَ ذَنْبَاً، وَأَنْ يَرفَعَ قَومَاً، وَأَنْ يَخْفِضَ آخَرِينَ. يُدَبِّرُ فِي عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ أَقدَارِهِ، فَهُوَ المَلِكُ المُدَبِّرُ القَدِيرُ، كُلُّ مَخْلُوقٍ وَإِنْ عَظُمَ فَهُوَ مُفتَقِرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الغَنِيُّ المُتَعَالِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَهُوَ القَائِلُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. وَمِمَّا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: « يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ». أخرجه الإمامُ مُسلِمُ في صحيحه.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية
الحمَدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعلى آلِه وصحبِه وأَتباعِهِم بإحسان.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى القَائِلِ (
عباد الله: مَنْ أظْهَرَ فَقرَهُ للهِ أَغنَاهُ، ومَنْ أَظْهَرَ له ضَعْفاً قَوَّاه، ومَنْ أَظْهَرَ لَه حَاجَةً أَعطَاه، ومَن أظْهَرَ لَه تَواضُعَاً رَفَعَه، ومَن أظهرَ لَه رَغبَةً نَفَعَه، ومَن أظهرَ له تَوبَةً رَحِمَه، ومَنْ أَظْهَرَ لَه انكِسَارَاً واضطِرَارَاً أغاثَه، كما قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}. فاللهُ عَظِيمٌ كَرِيمٌ يُغنِي مَن افتقر إليه، قَادِرٌ لا يُعجِزُه شيءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، كَرِيمٌ يُجْزِلُ العَطَاءَ لِلسَّائِلِينَ، حَكِيمٌ بِمَنْعِهِ، حَكِيمٌ بِعَطَائِهِ، رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ، لَطِيفٌ بِقَضَائِهِ.
فَيَا عَبْدَاللهِ: أَسْلِمْ نَفْسَكَ إِلَى رَبِّكَ، وَفَوِّضْ أَمْرَكَ إِلَيْهِ، رَهْبَةً مِنْهُ وَرَغْبَةً إِلَيْهِ، وَافْزَعْ إِلَيْهِ فِي نَوَائِبِكَ، وَاعْتَرِفْ لَهُ بِالفَضْلِ فِي أَيَّامِ رَخَائِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا أَوْجَدَكَ إِلَّا لِأَمْرٍ وَاحِدٍ؛ حَيْثُ قَالَ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. فَأَقِمْ عُبُودِيَّتَكَ للهِ وَحْدَهُ، وَاسْتَقِمْ إِلَيْهِ كَمَا أمَرَكَ، وَالْزَمْ سَبِيلَهُ وَصِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ، وَلاَ تَكُنْ مَعَ المُخَالِفِينَ لِأَمْرِهِ.
ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّكُمْ وَرَسُولِكُمْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتَنَا وولاةَ أمورِنا وولاةَ أمورِ المسلمين، ووفقهم لما تُحِب وتَرضَى، اللهم انصر إخوانَنَا المجاهدين على حدودنا، اللهم إنا نعوذ بك مِن الغلاءِ والبلاءِ والوباءِ والربا والفِتنِ والفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، واغفر لنا ووالدينا وأهلينا والمسلمين.
عباد الله: اذكروا اللهَ يَذكُركُم، واشكُرُوه على نِعَمِه يَزِدكُم، وَلَذِكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يَعلَمُ ما تَصنَعُونَ.