الشيخ/عبدالله الواكد
20-10-2021, 21:03
خطبة جمعة
( الفرقة السرورية أهدافها وخطرها )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا؛ وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ؛ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ المُحَافَظَةَ عَلَىٰ الجَمَاعَةِ مِنْ أعْـظَـمِ أُصُولِ الإسلامِ ، وَهُوَ مِمَّا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَىٰ بِهِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ ، وَعَظُمَ ذَمُّ مَنْ تَرَكَهُ ، إِذْ يَقُولُ جَـلَّ وَعَـلَا :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
والمُحَافَظَةُ عَلَىٰ الجَمَاعَةِ أَصْلٌ عَظُمَتْ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي مَوَاطِنَ عَـامَّـةٍ وَخَـاصَّـةٍ ، مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » رواه الترمذي .
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ ،
وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » رواه مسلم .
أَيُّهَا النَّاسُ : لَقَدْ أَنْـعَـمَ اللهُ علىٰ أهْـلِ هَذِهِ البِلَادِ ؛ بِاجْتِمَاعِهِمْ حَوْلَ قَادَتِهِم عَلَىٰ هَـدْي الـكِـتَـابِ والسُّنَّةِ ، لا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ ، أَوْ يُشَتِّتُ أَمْرَهُمْ تَيَّارَاتٌ وَافِدَةٌ ، أَوْ أحْـزَابٌ وَجَمَاعَاتٌ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ .
فَالإِسْلَامُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : عَقِيدَةٌ وَعَمَلٌ
فَالعَقِيدَةُ هِيَ الإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ وَالعَمَلُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ النُّصُوصِ وَعَدَمُ الإِخْلَالِ بِهَا ، فَمَسَائِلُ الإِعْتِقَادِ أُمُورٌ حَسَّاسَةٌ قَدْ يُولِجُ الإِخْلَالُ بِهَا العَبْدَ النَّارَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَعْظَمُهَا التَّوْحِيدُ وَنَقِيضُهُ الشِّرْكُ ، قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) (48) النساء ، فَفِي الجَانِبِ العَقَدِيِّ قَدْ تَنْشَأُ المُخَالَفَاتُ التِي تُحْبِطُ العَمَلَ كُلَّهُ كَالشِّرْكِ بِاللهِ ، أَوْ تُنْقِصُ العَمَلَ كَالرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا الجَانِبُ العَمَلِيُّ : فَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ المُسْلِمُ مُقْتَدِيًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَعَمَلًا ، مُتَّبِعًا لِسُنَّتِهِ قَالَ تَعَالَى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) الحشر ، وَهَذَا الجَانِبُ العَمَلِيُّ يَشْمَلُ العِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالَّزكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ وَغَيْرِهَا ، وَيَشْمَلُ المُعَامَلَاتِ كَتَعَامُلِ العَبْدِ مَعَ النَّاسِ إِبْتِدَاءً مِنْ وَلِيِّ الأَمْرِ إِلَى تَعَامُلِهِ مَعَ المُسْلِمِينَ وَحَتَّى غَيْرَ المُسْلِمِينَ فَدِينُ اللهِ لَيْسَ بِحَاجَةٍ لِمَنْ يُكَمِّلُهُ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ أَمْرًا إِلَّا بَيَّنَهُ قَالَ تَعَالَى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) (3) المائدة ،
أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : كُلُّ الفِرَقِ التِي نَشَأَتْ فِي غَابِرِ الزَّمَانِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا إِنَّمَا أَنْشَأَهَا دُعَاتُهَا لِتَحْقِيقِ مَآرِبَ دُنْيَوِيَّةً أَوْ إِفْسَادٍ لِلدِّينِ ، فَالفِرَقُ التِي تَتَّفِقُ بَعْضُ مُعْتَقَدَاتِهَا مَعَ مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجمَاَعَةِ وَتُخَالِفُ أُصُولَ العَقِيدَةِ التِي تُؤَكِّدُ عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ وَلُزُومِ البَيْعَةِ وَالتَّسْلِيمِ لِجَمِيعِ النُّصُوصِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ) (59) النساء ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) رواه مسلم ، فَكُلُّ هَذِهِ الفِرَقِ التِي تُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ هِيَ فِرَقٌ تَسْعَى لِلسُّلْطَةِ وَتَفْرِيقِ الكَلِمَةِ وَتَمْزِيقِ الوِحْدَةِ ، وَمِنْ هَذِهِ الجَمَاعَاتِ التِي نَشَأَتْ فِي بِلَادِنَا هِيَ الفِرْقَةُ السُّرُورِيَّةِ التِي نَشَأَتْ عَلَى يَدِ مُعَلِّمٍ كَانَ يَعْمَلُ فَي المَعَاهِدِ العِلْمَيَّةِ سَابِقًا إِسْمُهُ : محُمَّد سُرُور ، جَاءَ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ لِلتَّدْرِيسِ وَكَانَ مُعْتَنِقًا لِلْفِكْرِ الإِخْوَانِي الذِي لَا يَكْتَرِثُ وَلَا يَهْتَمُّ بِالعَقَائِدِ أَصْلاً فَيَدْخُلُ فِي عَبَاءَتِهِ مَا هَبَّ وَدَبَّ مِنَ المُعْتَقَدَاتِ ، فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى بِلَادِنَا وَجَدَ النَّاسَ هُنَا مُعْتَقَدَهُمْ صَلْباً لَا يُمْكِنُهُ مُسَاوَمَتُهُمْ عَلَيْهِ فَبَدَأَ فِي السِّتِّينَاتِ يُزَاوِجُ فِي طَرْحٍ جَدِيدٍ بَيْنَ العَقِيدَةِ وَفِكْرِ الإِخْوَانِ السِّيَاسِي ، وَمُزَاوَجَتُهُ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ حُبًّا فِي وُجُودِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي هَذَا المَنْهَجِ إِذْ أَنَّ بَعْضَ أُصُولِهَا تُصَادِمُهُ ، وَلَكِنْ لِيَجْعَلَ مِنْ العَقِيدَةِ جَسْراً يَصِلُ بِهِ إِلَى قَنَاعَةِ النَّاسِ وَخُصُوصاً الشَّبَاب ، فَوَجَدَتْ تِلْكَ الحَرَكَةُ قُبُولاً مِنْ الشَّبَابِ وَانْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِهِمْ ، وَحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِهَذِهِ الحَرَكَةِ إِلاَّ الجَانِبُ العَقَدِيُّ فَاطْمَأَنَّ لَهُمْ وُلَاةُ الأَمْرِ وَالعُلَمَاءُ وَصَارَ لَهُمْ فِي الثَّمَانِينَاتِ حُرِّيَةٌ فِي الحَرَكَةِ الدَّعَوِيَّةِ حَتَّى جَاءَتْ حَرْبُ الخَلِيجِ فَرَأَوْهَا فُرْصَةً لِظُهُورِهِمْ فَكَشَّرَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ عَنْ أَنْيَابِهَا مِنْ خَلِالِ مُحَاضَرَاتِ وَخِطَابَاتِ رُمُوزِهِمْ فَصَارَتْ إِعْتِصَامَاتٌ وَفَوْضَى فَانْتَبَهَتْ لَهُمْ الدَّوْلَةُ حَفِظَهَا اللهُ وَحَاسَبَتْ رُمُوزَهُمْ وَبَدَأَتْ فِي كَشْفِ السِّتَارِ عَنْ هَذِهِ الفِرْقَةِ السُّرُورِيَّةِ وَعَادَ مِنْ رُمُوزِهَا مَنْ عَادَ إِلَى لُزُومِ البَيْعَةِ فَكَانَتْ الدَّوْلَةُ حَلِيمَةً مَعَهُمْ وَحَاوَلَتْ إِحْتِوَاءَهُمْ وَذَلِكَ بِتَصْحِيحِ مَنْهَجِ مَنْ اغْتَرُّوا بِهَذِهِ الفِرْقَةِ وَعَادَ وَللهِ الحَمْدُ مِنْهُمْ الكَثِيرُونَ وَتَرَكُوا هَذَا الفِكْرَ المُنْحَرِفَ ، فَالسُّرُورِيَّةُ هِي مَزِيجٌ بِيْنَ عَقِيدَةِ السُّنَّةِ وَمَنِهَجِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ فَهِيَ فَرْعٌ عَنْهُ وَمَزِيجٌ بِيْنَ مَا لَا يَمْتَزِجَانِ إِلَّا بِالتَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى الأَفْكَارِ وَالعُقُولِ ، وَلِذَا فَهَذِهِ الفِرْقَةُ تُخِلُّ بِأَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَتِنَا وَمُعْتَقَدِنَا وَهُوَ أَصْلُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ مِمَّا دَفَعَ الإِمَامُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى اعْتِبَارِهِمْ خَوَارِجَ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الجَوَانِبِ ،
فَالسُّرُورِيَّةُ فِرْقَةٌ تُظْهِرُ الجَانِبَ العَقَدِيَّ الذِي لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَنْهَجِهَا وَيَتَّفِقُ مَعَ المُعْتَقَدِ السَّائِدِ فَي المُجْتَمَعِ وَتُخْفِي الجَانِبَ السِّيَاسِيَّ الحَاكِمِيَّ بَلْ إِنَّهَا لَا تُخَالِفُ المُجْتَمَعَ فِي تَعْظِيمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَتُرَكِّزُ فِي خِطَابِهَا عَلَى السُّنَّةِ الشَّكْلِيَّةِ وَالعَاطِفِيَّةِ الجَيَّاشَةِ وَتَتْرُكُ المَضْمُونَ العِلْمِيَّ لِنُصُوصِ السُّنَّةِ وَلاَ تُمَانِعُ فِي الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ وَتُؤَصِّلُهُ سِرَّا وَتَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ فَهِيَ فِرْقَةٌ خَطِيرَةٌ جِدَّا عَلَى دِينِ النَّاسِ وَفِكْرِهِمْ وَمَنْهَجِهِمْ وَأَيُّ مُعْتَقَدٍ يَسْعَى لِهَدْمِ مَا أَصَّلَتْهُ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مُعْتَقَدٌ خَطِيرٌ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ مُنَابَذَتُهُ وَمُحَارَبَتُهُ وَالتَّصَدِّي لَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَهِيَ خَطِيرَةٌ أَيْضاً عَلَى أَمْنِ النَّاسِ وَلُحْمَتِهِمْ وَسَلَامَةِ عَقِيدَتِهِمْ وَخَطِيرَةٌ عَلَى حَيَاتِهِمْ وَاسْتِتْبَابِ مَعَاشِهِمْ ، فَهِيَ فِرْقَةٌ جُذُورُهَا سِيَاسِيَّةٌ حَاكِمِيَّةٌ وَفُرُوعُهَا عَقَدِيَّةٌ مُنْحَرِفَةٌ تَتَحَيَّنُ الفُرَصَ لِلْإِنْقِضَاضِ عَلَى المُسْلِمِينَ وَوِحْدَةِ صَفِّهِمْ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ لِتُفَرِّقَهُمْ وَتُمَزِّقَهُمْ وَتَقُومَ عَلَى أَنْقَاضِ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :« إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَّاتٌ وَهَنَّاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ ؛ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ ، كَائِنًا مَنْ كَانَ » رواه مسلم .
فَعَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنْ الجَمَاعَاتِ الـفِـكْـرِيَّةِ وَالـحِـزْبِـيَّـةِ المُـنْـحَـرِفَـةِ ، إِذِ الأُمَّةُ فِي هَذِهِ البِلادِ جَمَاعَةٌ وَاحِـدَةٌ ؛ مُتَمَسِّكَـةً بِـمَـا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَتَابِعُوهُمْ ، مِنْ لُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، قَـائِـمَـةٌ عَلىٰ الـكِـتَـابِ وَالسُّنَّةِ والبَيْعَةِ والطَّاعَةِ وَلُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، وَالدُّعَاءِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا وَجُنْدَنَا وَأَنْ يَحفَظَكُمْ وَالمُسْلِمِينَ جَمِيعًا
بَاَرَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فَي القُرْآنِ العَظِيمِ .
الخطبة الثانية
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَا عَظُمَتْ الوَصِيَّةُ بِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَوَحْـدَةِ الصَّفِّ ؛ إلَّا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ كُـبْـرَىٰ ، وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ فَقْدِهَا مِنْ مَفَاسِدَ عُـظْـمَىٰ ، يَعْرِفُهَا العُقَلاءُ ، وَلَهَا شَوَاهِدُهَا فِي القَدِيمِ والحَدِيثِ فَنَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ مَنَّ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ قِيَادَةً وَشَعْبًا بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ وَنَسْأَلُ اللهَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ وَالسَّعْيَ فِي مَصَالِحِ العِبَادِ وَالبِلَادِ ، وَنَسْأَلَ اللهَ العَوْنَ وَالتَّوْفِيقَ لِلْقَائِمِينَ عَلَى أَمْنِ هَذِهِ البِلَادِ وَفَقَهُمْ اللهُ وَحَفِظَهُمْ ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِـلَادَنَـا وَبِـلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُـلِّ سُـوءٍ وَمَـكْـرُوهٍ ، وَأَنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَنَا عَلَىٰ الـحَـقِّ ، وَأَنْ يُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَيَـهْـدِيَـنَـا سُـبُـلَ السَّلَامِ ، وَأَنْ يُـرِيَـنَـا الحَـقَّ حَـقًّـا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اتِّـبَـاعَـهُ ، وَيُـرِيَـنَـا الـبَـاطِـلَ بَـاطِـلًا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اجْـتِـنَـابَـهُ ، وَأنْ يَـهْـدِيَ ضَـالَّ المُسْلِمِينَ ، وَهُـوَ المَسْؤُولُ سُبْحَانَهُ ؛ أنْ يُـوَفِّـقَ وُلَاةَ الأَمْــرِ لِـمَـا فِيهِ صَـلَاحُ الـعِـبَـادِ وَالـبِـلَادِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ ،
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
( الفرقة السرورية أهدافها وخطرها )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا؛ وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ؛ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ المُحَافَظَةَ عَلَىٰ الجَمَاعَةِ مِنْ أعْـظَـمِ أُصُولِ الإسلامِ ، وَهُوَ مِمَّا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَىٰ بِهِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ ، وَعَظُمَ ذَمُّ مَنْ تَرَكَهُ ، إِذْ يَقُولُ جَـلَّ وَعَـلَا :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ وَقَالَ سُبْحَانَهُ : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
والمُحَافَظَةُ عَلَىٰ الجَمَاعَةِ أَصْلٌ عَظُمَتْ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي مَوَاطِنَ عَـامَّـةٍ وَخَـاصَّـةٍ ، مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » رواه الترمذي .
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :« مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ ،
وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » رواه مسلم .
أَيُّهَا النَّاسُ : لَقَدْ أَنْـعَـمَ اللهُ علىٰ أهْـلِ هَذِهِ البِلَادِ ؛ بِاجْتِمَاعِهِمْ حَوْلَ قَادَتِهِم عَلَىٰ هَـدْي الـكِـتَـابِ والسُّنَّةِ ، لا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ ، أَوْ يُشَتِّتُ أَمْرَهُمْ تَيَّارَاتٌ وَافِدَةٌ ، أَوْ أحْـزَابٌ وَجَمَاعَاتٌ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ .
فَالإِسْلَامُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : عَقِيدَةٌ وَعَمَلٌ
فَالعَقِيدَةُ هِيَ الإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ بِمَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ وَالعَمَلُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ النُّصُوصِ وَعَدَمُ الإِخْلَالِ بِهَا ، فَمَسَائِلُ الإِعْتِقَادِ أُمُورٌ حَسَّاسَةٌ قَدْ يُولِجُ الإِخْلَالُ بِهَا العَبْدَ النَّارَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَعْظَمُهَا التَّوْحِيدُ وَنَقِيضُهُ الشِّرْكُ ، قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) (48) النساء ، فَفِي الجَانِبِ العَقَدِيِّ قَدْ تَنْشَأُ المُخَالَفَاتُ التِي تُحْبِطُ العَمَلَ كُلَّهُ كَالشِّرْكِ بِاللهِ ، أَوْ تُنْقِصُ العَمَلَ كَالرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ ، وَأَمَّا الجَانِبُ العَمَلِيُّ : فَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ المُسْلِمُ مُقْتَدِيًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَعَمَلًا ، مُتَّبِعًا لِسُنَّتِهِ قَالَ تَعَالَى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) الحشر ، وَهَذَا الجَانِبُ العَمَلِيُّ يَشْمَلُ العِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالَّزكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ وَغَيْرِهَا ، وَيَشْمَلُ المُعَامَلَاتِ كَتَعَامُلِ العَبْدِ مَعَ النَّاسِ إِبْتِدَاءً مِنْ وَلِيِّ الأَمْرِ إِلَى تَعَامُلِهِ مَعَ المُسْلِمِينَ وَحَتَّى غَيْرَ المُسْلِمِينَ فَدِينُ اللهِ لَيْسَ بِحَاجَةٍ لِمَنْ يُكَمِّلُهُ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ أَمْرًا إِلَّا بَيَّنَهُ قَالَ تَعَالَى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ) (3) المائدة ،
أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : كُلُّ الفِرَقِ التِي نَشَأَتْ فِي غَابِرِ الزَّمَانِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا إِنَّمَا أَنْشَأَهَا دُعَاتُهَا لِتَحْقِيقِ مَآرِبَ دُنْيَوِيَّةً أَوْ إِفْسَادٍ لِلدِّينِ ، فَالفِرَقُ التِي تَتَّفِقُ بَعْضُ مُعْتَقَدَاتِهَا مَعَ مُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجمَاَعَةِ وَتُخَالِفُ أُصُولَ العَقِيدَةِ التِي تُؤَكِّدُ عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ وَلُزُومِ البَيْعَةِ وَالتَّسْلِيمِ لِجَمِيعِ النُّصُوصِ الوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ) (59) النساء ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) رواه مسلم ، فَكُلُّ هَذِهِ الفِرَقِ التِي تُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ هِيَ فِرَقٌ تَسْعَى لِلسُّلْطَةِ وَتَفْرِيقِ الكَلِمَةِ وَتَمْزِيقِ الوِحْدَةِ ، وَمِنْ هَذِهِ الجَمَاعَاتِ التِي نَشَأَتْ فِي بِلَادِنَا هِيَ الفِرْقَةُ السُّرُورِيَّةِ التِي نَشَأَتْ عَلَى يَدِ مُعَلِّمٍ كَانَ يَعْمَلُ فَي المَعَاهِدِ العِلْمَيَّةِ سَابِقًا إِسْمُهُ : محُمَّد سُرُور ، جَاءَ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ لِلتَّدْرِيسِ وَكَانَ مُعْتَنِقًا لِلْفِكْرِ الإِخْوَانِي الذِي لَا يَكْتَرِثُ وَلَا يَهْتَمُّ بِالعَقَائِدِ أَصْلاً فَيَدْخُلُ فِي عَبَاءَتِهِ مَا هَبَّ وَدَبَّ مِنَ المُعْتَقَدَاتِ ، فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى بِلَادِنَا وَجَدَ النَّاسَ هُنَا مُعْتَقَدَهُمْ صَلْباً لَا يُمْكِنُهُ مُسَاوَمَتُهُمْ عَلَيْهِ فَبَدَأَ فِي السِّتِّينَاتِ يُزَاوِجُ فِي طَرْحٍ جَدِيدٍ بَيْنَ العَقِيدَةِ وَفِكْرِ الإِخْوَانِ السِّيَاسِي ، وَمُزَاوَجَتُهُ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ حُبًّا فِي وُجُودِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ فِي هَذَا المَنْهَجِ إِذْ أَنَّ بَعْضَ أُصُولِهَا تُصَادِمُهُ ، وَلَكِنْ لِيَجْعَلَ مِنْ العَقِيدَةِ جَسْراً يَصِلُ بِهِ إِلَى قَنَاعَةِ النَّاسِ وَخُصُوصاً الشَّبَاب ، فَوَجَدَتْ تِلْكَ الحَرَكَةُ قُبُولاً مِنْ الشَّبَابِ وَانْتَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِهِمْ ، وَحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لِهَذِهِ الحَرَكَةِ إِلاَّ الجَانِبُ العَقَدِيُّ فَاطْمَأَنَّ لَهُمْ وُلَاةُ الأَمْرِ وَالعُلَمَاءُ وَصَارَ لَهُمْ فِي الثَّمَانِينَاتِ حُرِّيَةٌ فِي الحَرَكَةِ الدَّعَوِيَّةِ حَتَّى جَاءَتْ حَرْبُ الخَلِيجِ فَرَأَوْهَا فُرْصَةً لِظُهُورِهِمْ فَكَشَّرَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ عَنْ أَنْيَابِهَا مِنْ خَلِالِ مُحَاضَرَاتِ وَخِطَابَاتِ رُمُوزِهِمْ فَصَارَتْ إِعْتِصَامَاتٌ وَفَوْضَى فَانْتَبَهَتْ لَهُمْ الدَّوْلَةُ حَفِظَهَا اللهُ وَحَاسَبَتْ رُمُوزَهُمْ وَبَدَأَتْ فِي كَشْفِ السِّتَارِ عَنْ هَذِهِ الفِرْقَةِ السُّرُورِيَّةِ وَعَادَ مِنْ رُمُوزِهَا مَنْ عَادَ إِلَى لُزُومِ البَيْعَةِ فَكَانَتْ الدَّوْلَةُ حَلِيمَةً مَعَهُمْ وَحَاوَلَتْ إِحْتِوَاءَهُمْ وَذَلِكَ بِتَصْحِيحِ مَنْهَجِ مَنْ اغْتَرُّوا بِهَذِهِ الفِرْقَةِ وَعَادَ وَللهِ الحَمْدُ مِنْهُمْ الكَثِيرُونَ وَتَرَكُوا هَذَا الفِكْرَ المُنْحَرِفَ ، فَالسُّرُورِيَّةُ هِي مَزِيجٌ بِيْنَ عَقِيدَةِ السُّنَّةِ وَمَنِهَجِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ فَهِيَ فَرْعٌ عَنْهُ وَمَزِيجٌ بِيْنَ مَا لَا يَمْتَزِجَانِ إِلَّا بِالتَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى الأَفْكَارِ وَالعُقُولِ ، وَلِذَا فَهَذِهِ الفِرْقَةُ تُخِلُّ بِأَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَتِنَا وَمُعْتَقَدِنَا وَهُوَ أَصْلُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ مِمَّا دَفَعَ الإِمَامُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى اعْتِبَارِهِمْ خَوَارِجَ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الجَوَانِبِ ،
فَالسُّرُورِيَّةُ فِرْقَةٌ تُظْهِرُ الجَانِبَ العَقَدِيَّ الذِي لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَنْهَجِهَا وَيَتَّفِقُ مَعَ المُعْتَقَدِ السَّائِدِ فَي المُجْتَمَعِ وَتُخْفِي الجَانِبَ السِّيَاسِيَّ الحَاكِمِيَّ بَلْ إِنَّهَا لَا تُخَالِفُ المُجْتَمَعَ فِي تَعْظِيمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَتُرَكِّزُ فِي خِطَابِهَا عَلَى السُّنَّةِ الشَّكْلِيَّةِ وَالعَاطِفِيَّةِ الجَيَّاشَةِ وَتَتْرُكُ المَضْمُونَ العِلْمِيَّ لِنُصُوصِ السُّنَّةِ وَلاَ تُمَانِعُ فِي الخُرُوجِ عَلَى الحَاكِمِ وَتُؤَصِّلُهُ سِرَّا وَتَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ فَهِيَ فِرْقَةٌ خَطِيرَةٌ جِدَّا عَلَى دِينِ النَّاسِ وَفِكْرِهِمْ وَمَنْهَجِهِمْ وَأَيُّ مُعْتَقَدٍ يَسْعَى لِهَدْمِ مَا أَصَّلَتْهُ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مُعْتَقَدٌ خَطِيرٌ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ مُنَابَذَتُهُ وَمُحَارَبَتُهُ وَالتَّصَدِّي لَهُ قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَهِيَ خَطِيرَةٌ أَيْضاً عَلَى أَمْنِ النَّاسِ وَلُحْمَتِهِمْ وَسَلَامَةِ عَقِيدَتِهِمْ وَخَطِيرَةٌ عَلَى حَيَاتِهِمْ وَاسْتِتْبَابِ مَعَاشِهِمْ ، فَهِيَ فِرْقَةٌ جُذُورُهَا سِيَاسِيَّةٌ حَاكِمِيَّةٌ وَفُرُوعُهَا عَقَدِيَّةٌ مُنْحَرِفَةٌ تَتَحَيَّنُ الفُرَصَ لِلْإِنْقِضَاضِ عَلَى المُسْلِمِينَ وَوِحْدَةِ صَفِّهِمْ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ لِتُفَرِّقَهُمْ وَتُمَزِّقَهُمْ وَتَقُومَ عَلَى أَنْقَاضِ ذَلِكَ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :« إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَّاتٌ وَهَنَّاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ ؛ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ ، كَائِنًا مَنْ كَانَ » رواه مسلم .
فَعَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنْ الجَمَاعَاتِ الـفِـكْـرِيَّةِ وَالـحِـزْبِـيَّـةِ المُـنْـحَـرِفَـةِ ، إِذِ الأُمَّةُ فِي هَذِهِ البِلادِ جَمَاعَةٌ وَاحِـدَةٌ ؛ مُتَمَسِّكَـةً بِـمَـا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَتَابِعُوهُمْ ، مِنْ لُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، قَـائِـمَـةٌ عَلىٰ الـكِـتَـابِ وَالسُّنَّةِ والبَيْعَةِ والطَّاعَةِ وَلُـزُومِ الجَمَاعَةِ ، وَالدُّعَاءِ لِوُلَاةِ الأَمْرِ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا وَجُنْدَنَا وَأَنْ يَحفَظَكُمْ وَالمُسْلِمِينَ جَمِيعًا
بَاَرَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فَي القُرْآنِ العَظِيمِ .
الخطبة الثانية
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَا عَظُمَتْ الوَصِيَّةُ بِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَوَحْـدَةِ الصَّفِّ ؛ إلَّا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ كُـبْـرَىٰ ، وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَىٰ فَقْدِهَا مِنْ مَفَاسِدَ عُـظْـمَىٰ ، يَعْرِفُهَا العُقَلاءُ ، وَلَهَا شَوَاهِدُهَا فِي القَدِيمِ والحَدِيثِ فَنَحْمَدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ مَنَّ عَلَى هَذِهِ البِلَادِ قِيَادَةً وَشَعْبًا بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ وَنَسْأَلُ اللهَ لِوُلَاةِ أَمْرِنَا التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ وَالسَّعْيَ فِي مَصَالِحِ العِبَادِ وَالبِلَادِ ، وَنَسْأَلَ اللهَ العَوْنَ وَالتَّوْفِيقَ لِلْقَائِمِينَ عَلَى أَمْنِ هَذِهِ البِلَادِ وَفَقَهُمْ اللهُ وَحَفِظَهُمْ ، وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِـلَادَنَـا وَبِـلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُـلِّ سُـوءٍ وَمَـكْـرُوهٍ ، وَأَنْ يَجْمَعَ كَلِمَتَنَا عَلَىٰ الـحَـقِّ ، وَأَنْ يُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِنَا ، وَيَـهْـدِيَـنَـا سُـبُـلَ السَّلَامِ ، وَأَنْ يُـرِيَـنَـا الحَـقَّ حَـقًّـا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اتِّـبَـاعَـهُ ، وَيُـرِيَـنَـا الـبَـاطِـلَ بَـاطِـلًا ، وَيَـرْزُقَـنَـا اجْـتِـنَـابَـهُ ، وَأنْ يَـهْـدِيَ ضَـالَّ المُسْلِمِينَ ، وَهُـوَ المَسْؤُولُ سُبْحَانَهُ ؛ أنْ يُـوَفِّـقَ وُلَاةَ الأَمْــرِ لِـمَـا فِيهِ صَـلَاحُ الـعِـبَـادِ وَالـبِـلَادِ ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيْهِ ،
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا