محمدالمهوس
01-09-2021, 11:25
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الآمِرِ بِالتَّوْحِيدِ، النَّاهِي عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَالنَّدِيدِ، الْمُتَنَزِّهِ عَنِ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ، الْمُتَفَرِّدِ بِصِفَاتِ الْجَلاَلِ وَالْكَمَالِ بِلاَ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ ؛ سُبْحَانَهُ هُوَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [ الأنعام : 17 ] فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ دَفْعَ أَيِّ ضُرٍّ وَكَشْفَهُ مَهْمَا كَانَ يَكُونُ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ لِيَتَعَلَّقَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ، فَلاَ يَرْجُو إِلاَّ رَبَّهُ وَلاَ يَرْغَبُ إِلاَّ إِلَيْهِ، وَلاَ يَعْتَمِدُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا إِلاَّ عَلَيْهِ، وَلاَ يَدْعُو إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فِيِ دَفْعِ الأَضْرَارِ وَكَشْفِهَا ؛ فَكَمْ مِنَ الأَضْرَارِ الَّتِي حَدَثَتْ لِلإِنْسَانِ حَتَّى أَوْصَلَتْهُ إِلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ كَشَفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ أُصِيبَ بِمَرَضٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَافَّةِ الْقَبْرِ ثُمَّ شَفَاهُ اللهُ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ أُصِيبَ بِالْفَقْرِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَلاَّ يَجِدَ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَغْنَاهُ اللهُ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ وَحِيدًا فَرَزَقَهُ اللهُ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَغَيْرُهُ مَهْمَا كَانَ ؛ لاَ يَنْفَعُ وَلاَ يَضُرُّ ، وَلاَ يُعْطِي وَلاَ يَمْنَعُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ سُبْحَانَهُ ؛ فَالأَمْرُ كُلُّهُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا، هُوَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَمُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، الْمُتَفَرِّدُ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالْعَطَاءِ ، وَالْمَنْعِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، ﴿مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: 56].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَعَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، عَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ، إِلاَّ أَنَّنَا نَجِدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لاَ يَجْلِبُ نَفْعًا وَلاَ يَدْفَعُ ضَرًّا؛ كَتَعَلُّقِ بَعْضِهِمْ بِمَا يُسَمَّى بِالتَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ؛ مَعَ مُحَارَبَةِ الإِسْلاَمِ لَهَا، وَبَيَانِهِ لِشَرِّهَا، وَعَظِيمِ مَفَاسِدِهَا؛ فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟» قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ! وَالْوَاهِنَةُ: مَرَضٌ يَأْخُذُ فِي الْعَضُدِ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَلِّقُ هَذِهِ الْحَلْقَةَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَنْفَعُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا»؛ فَتَأَمَّلْ هَذَا الإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يُعَلِّقُ التَّمِيمَةَ أَوْ يُعَلِّقُ خَيْطًا أَوْ يُعَلِّقُ حِرْزًا أَوْ يُعَلِّقُ وَدْعَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّ مَنْ يُعَلِّقُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ جَمَعَ لِنَفْسِهِ بَيْنَ خَسَارَتَيْنِ: خَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ أَمَّا خَسَارَةُ الدُّنْيَا فَفِي قَوْلِهِ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا» أَيْ: لاَ تَنْفَعُكَ بَلْ تَضُرُّكَ ، وَأَمَّا خَسَارَةُ الآخِرَةِ فَفِي قَوْلِهِ: «فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا».
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ»، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» تَأَمَّلُوا هَذِهِ الْخَسَارَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ عِنْدَمَا يُوكَلُ الشَّخْصُ إِلَى خَرْزَةٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ حَبْلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَنْفَعُهُ شَيْئًا بَلْ يَضُرُّهُ ضَرَرًا عَظِيمًا.
قَالَ عُرْوَةُ: دَخَلَ حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍ، فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ -أَوِ: انْتَزَعَهُ -ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [ يوسف : 106]
وَمَا أَحْسَنَ مَا فَعَلَ حُذَيْفَةُ! حَيْثُ اسْتَنْقَذَ هَذَا الْمَرِيضَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ الشِّرْكِيِّ الَّذِي كَادَ أَنْ يُوبِقَهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا حَرَصَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بِنَاءِ الْعَقِيدَةِ الصَّافِيَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَخْلِيصِهَا مِنْ آثَارِ الْجَاهِليَّةِ السَّيِّئَةِ، وَمِنَ الْخُرَافَةِ الَّتِي تَتَنَافَى مَعَ الدِّينِ وَمَعَ الْعَقْلِ السَّلِيمِ ؛ تِلْكَ التَّعَلُّقَاتُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي تُخَالِفُ التَّوْحِيدَ وَتُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ؛ فَأَيُّ خَيْرٍ تَجْلِبُهُ هَذِهِ الْحُجُبُ وَالْخَرَزُ ، وَالْخَلاَخِيلُ وَالأَسَاوِرُ وَالْخُيُوطُ ، وَجُلُودُ الْحَيَوَانَاتِ لِلإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِنْ جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ ؟ لاَسِيَّمَا وَأَنَّ كُلَّ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمَرْضَى أَوِ الأَطْفَالِ أَوِ الْبَهَائِمِ أَوِ الْبُيُوتِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ تَعَاوِيذَ لِدَفْعِ الْعَيْنِ أَوِ السِّحْرِ؛ كُلُّهَا تَعَاوِيذُ شَيْطَانِيَّةٌ ، وَرُقًى شِرْكِيَّةٌ ، وَطَلاَسِمُ وَكِتَابَاتٌ لاَ يُفْهَمُ مَعْنَاهَا، وَهِيَ شَرٌّ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ! حَيْثُ إِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ مُتَّخِذُهَا أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ شِرْكٌ أَكْبَرُ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ هُوَ النَّافِعُ وَحْدَهُ، لَكِنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا فِي دَفْعِ الضُّرِّ، فَهُوَ شِرْكٌ أَصْغَرُ، لاِعْتِمَادِهِ عَلَى الأَسْبَابِ، وَلأَنَّهُ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا، وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ خَطِيرٌ، وَلَوْ بَقِيَ الْمُسْلِمُ عَلَى مَرَضِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ فَقْدِ تَوْحِيدِهِ وَعَقِيدَتِهِ.
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَمِتْنَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَحْقِيقَهُ، وَسَلِّمْنَا يَا إِلَهَنَا وَخَالِقَنَا مِنْ كَبِيرِ الشِّرْكِ وَصَغِيرِهِ، دَقِيقِهِ وَجَلِيلِهِ، وَظَاهِرِهِ وَخَفِيِّهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي التَّمَائِمِ مَا يُكْتَبُ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ مِنْ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِي وَرَقَةٍ ثُمَّ تُوضَعُ فِي جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تُعَلَّقُ عَلَى الأَطْفَالِ أَوْ عَلَى بَعْضِ الْمَرْضَى، وَالأَحْوَطُ مَنْعُهَا، لِعِدَّةِ أُمُورٍ، أَهَمُّهَا:
أَوَّلاً: أَنَّ الأَحَادِيثَ جَاءَتْ عَامَّةً فِي النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ، وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا.
ثَانِيًا: أَنَّ تَعْلِيقَ التَّمَائِمِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالأَدْعِيَةِ وَالأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ نَوْعٌ مِنَ الاِسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ، فَهِيَ عَلَى هَذَا عِبَادَةٌ، وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلاَ فِي السُّنَّةِ، وَالأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلاَ يَجُوزُ إِحْدَاثُ عِبَادَةٍ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا.
ثَالِثًا: أَنَّ فِي تَعْلِيقِهَا تَعْرِيضًا لِلْقُرْآنِ وَكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى وَعُمُومِ الأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ لِلإِهَانَةِ؛ إِذْ قَدْ يَدْخُلُ بِالتَّمِيمَةِ أَمَاكِنَ الْخَلاَءِ، وَقَدْ يَنَامُ عَلَيْهَا الأَطْفَالُ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ تُصِيبُهَا بَعْضُ النَّجَاسَاتِ، وَفِي مَنْعِ تَعْلِيقِهَا صِيَانَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الإِهَانَةِ.
أَخِيرًا: فِي مَنْعِهَا: سَدٌّ لِذَرِيعَةِ تَعَلُّقِ الْقُلُوبِ بِهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَطَرِيقٌ يُفْضِي لاِتِّخَاذِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا مِنَ التَّمَائِمِ الشِّرْكِيَّةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْرِصُوا عَلَى تَوْحِيدِكُمْ وَسَلاَمَتِهِ مِنَ الشِّرْكِ؛ فَهُوَ رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَأَثْمَنُ شَيْءٍ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ؛ إِذْ فِيهِ رِبْحُهُ أَوْ خَسَارَتُهُ، وَإِذَا ذَهَبَ تَوْحِيدُ الْعَبْدِ ذَهَبَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
الْحَمْدُ للهِ الآمِرِ بِالتَّوْحِيدِ، النَّاهِي عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَالنَّدِيدِ، الْمُتَنَزِّهِ عَنِ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ، الْمُتَفَرِّدِ بِصِفَاتِ الْجَلاَلِ وَالْكَمَالِ بِلاَ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ ؛ سُبْحَانَهُ هُوَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَالآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [ الأنعام : 17 ] فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ دَفْعَ أَيِّ ضُرٍّ وَكَشْفَهُ مَهْمَا كَانَ يَكُونُ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ لِيَتَعَلَّقَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ، فَلاَ يَرْجُو إِلاَّ رَبَّهُ وَلاَ يَرْغَبُ إِلاَّ إِلَيْهِ، وَلاَ يَعْتَمِدُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا إِلاَّ عَلَيْهِ، وَلاَ يَدْعُو إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فِيِ دَفْعِ الأَضْرَارِ وَكَشْفِهَا ؛ فَكَمْ مِنَ الأَضْرَارِ الَّتِي حَدَثَتْ لِلإِنْسَانِ حَتَّى أَوْصَلَتْهُ إِلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ كَشَفَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ أُصِيبَ بِمَرَضٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى حَافَّةِ الْقَبْرِ ثُمَّ شَفَاهُ اللهُ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ أُصِيبَ بِالْفَقْرِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَلاَّ يَجِدَ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَغْنَاهُ اللهُ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ وَحِيدًا فَرَزَقَهُ اللهُ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَغَيْرُهُ مَهْمَا كَانَ ؛ لاَ يَنْفَعُ وَلاَ يَضُرُّ ، وَلاَ يُعْطِي وَلاَ يَمْنَعُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ سُبْحَانَهُ ؛ فَالأَمْرُ كُلُّهُ للهِ أَوَّلاً وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا، هُوَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَمُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، الْمُتَفَرِّدُ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالْعَطَاءِ ، وَالْمَنْعِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، ﴿مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: 56].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَعَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، عَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ، إِلاَّ أَنَّنَا نَجِدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لاَ يَجْلِبُ نَفْعًا وَلاَ يَدْفَعُ ضَرًّا؛ كَتَعَلُّقِ بَعْضِهِمْ بِمَا يُسَمَّى بِالتَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ؛ مَعَ مُحَارَبَةِ الإِسْلاَمِ لَهَا، وَبَيَانِهِ لِشَرِّهَا، وَعَظِيمِ مَفَاسِدِهَا؛ فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟» قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ! وَالْوَاهِنَةُ: مَرَضٌ يَأْخُذُ فِي الْعَضُدِ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَلِّقُ هَذِهِ الْحَلْقَةَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَنْفَعُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا»؛ فَتَأَمَّلْ هَذَا الإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يُعَلِّقُ التَّمِيمَةَ أَوْ يُعَلِّقُ خَيْطًا أَوْ يُعَلِّقُ حِرْزًا أَوْ يُعَلِّقُ وَدْعَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَنَّ مَنْ يُعَلِّقُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ جَمَعَ لِنَفْسِهِ بَيْنَ خَسَارَتَيْنِ: خَسَارَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ أَمَّا خَسَارَةُ الدُّنْيَا فَفِي قَوْلِهِ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا» أَيْ: لاَ تَنْفَعُكَ بَلْ تَضُرُّكَ ، وَأَمَّا خَسَارَةُ الآخِرَةِ فَفِي قَوْلِهِ: «فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا».
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ»، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» تَأَمَّلُوا هَذِهِ الْخَسَارَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ عِنْدَمَا يُوكَلُ الشَّخْصُ إِلَى خَرْزَةٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ حَبْلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَنْفَعُهُ شَيْئًا بَلْ يَضُرُّهُ ضَرَرًا عَظِيمًا.
قَالَ عُرْوَةُ: دَخَلَ حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍ، فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ -أَوِ: انْتَزَعَهُ -ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [ يوسف : 106]
وَمَا أَحْسَنَ مَا فَعَلَ حُذَيْفَةُ! حَيْثُ اسْتَنْقَذَ هَذَا الْمَرِيضَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ الشِّرْكِيِّ الَّذِي كَادَ أَنْ يُوبِقَهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا حَرَصَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بِنَاءِ الْعَقِيدَةِ الصَّافِيَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَخْلِيصِهَا مِنْ آثَارِ الْجَاهِليَّةِ السَّيِّئَةِ، وَمِنَ الْخُرَافَةِ الَّتِي تَتَنَافَى مَعَ الدِّينِ وَمَعَ الْعَقْلِ السَّلِيمِ ؛ تِلْكَ التَّعَلُّقَاتُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي تُخَالِفُ التَّوْحِيدَ وَتُنَاقِضُ التَّوَكُّلَ؛ فَأَيُّ خَيْرٍ تَجْلِبُهُ هَذِهِ الْحُجُبُ وَالْخَرَزُ ، وَالْخَلاَخِيلُ وَالأَسَاوِرُ وَالْخُيُوطُ ، وَجُلُودُ الْحَيَوَانَاتِ لِلإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِنْ جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ ؟ لاَسِيَّمَا وَأَنَّ كُلَّ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمَرْضَى أَوِ الأَطْفَالِ أَوِ الْبَهَائِمِ أَوِ الْبُيُوتِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ تَعَاوِيذَ لِدَفْعِ الْعَيْنِ أَوِ السِّحْرِ؛ كُلُّهَا تَعَاوِيذُ شَيْطَانِيَّةٌ ، وَرُقًى شِرْكِيَّةٌ ، وَطَلاَسِمُ وَكِتَابَاتٌ لاَ يُفْهَمُ مَعْنَاهَا، وَهِيَ شَرٌّ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ! حَيْثُ إِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ مُتَّخِذُهَا أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ شِرْكٌ أَكْبَرُ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ هُوَ النَّافِعُ وَحْدَهُ، لَكِنْ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا فِي دَفْعِ الضُّرِّ، فَهُوَ شِرْكٌ أَصْغَرُ، لاِعْتِمَادِهِ عَلَى الأَسْبَابِ، وَلأَنَّهُ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا، وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ خَطِيرٌ، وَلَوْ بَقِيَ الْمُسْلِمُ عَلَى مَرَضِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ فَقْدِ تَوْحِيدِهِ وَعَقِيدَتِهِ.
اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَمِتْنَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَحْقِيقَهُ، وَسَلِّمْنَا يَا إِلَهَنَا وَخَالِقَنَا مِنْ كَبِيرِ الشِّرْكِ وَصَغِيرِهِ، دَقِيقِهِ وَجَلِيلِهِ، وَظَاهِرِهِ وَخَفِيِّهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي التَّمَائِمِ مَا يُكْتَبُ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ مِنْ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِي وَرَقَةٍ ثُمَّ تُوضَعُ فِي جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تُعَلَّقُ عَلَى الأَطْفَالِ أَوْ عَلَى بَعْضِ الْمَرْضَى، وَالأَحْوَطُ مَنْعُهَا، لِعِدَّةِ أُمُورٍ، أَهَمُّهَا:
أَوَّلاً: أَنَّ الأَحَادِيثَ جَاءَتْ عَامَّةً فِي النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ، وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا.
ثَانِيًا: أَنَّ تَعْلِيقَ التَّمَائِمِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالأَدْعِيَةِ وَالأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ نَوْعٌ مِنَ الاِسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ، فَهِيَ عَلَى هَذَا عِبَادَةٌ، وَهِيَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلاَ فِي السُّنَّةِ، وَالأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلاَ يَجُوزُ إِحْدَاثُ عِبَادَةٍ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا.
ثَالِثًا: أَنَّ فِي تَعْلِيقِهَا تَعْرِيضًا لِلْقُرْآنِ وَكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى وَعُمُومِ الأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ لِلإِهَانَةِ؛ إِذْ قَدْ يَدْخُلُ بِالتَّمِيمَةِ أَمَاكِنَ الْخَلاَءِ، وَقَدْ يَنَامُ عَلَيْهَا الأَطْفَالُ أَوْ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ تُصِيبُهَا بَعْضُ النَّجَاسَاتِ، وَفِي مَنْعِ تَعْلِيقِهَا صِيَانَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الإِهَانَةِ.
أَخِيرًا: فِي مَنْعِهَا: سَدٌّ لِذَرِيعَةِ تَعَلُّقِ الْقُلُوبِ بِهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَطَرِيقٌ يُفْضِي لاِتِّخَاذِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا مِنَ التَّمَائِمِ الشِّرْكِيَّةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْرِصُوا عَلَى تَوْحِيدِكُمْ وَسَلاَمَتِهِ مِنَ الشِّرْكِ؛ فَهُوَ رَأْسُ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَأَثْمَنُ شَيْءٍ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ؛ إِذْ فِيهِ رِبْحُهُ أَوْ خَسَارَتُهُ، وَإِذَا ذَهَبَ تَوْحِيدُ الْعَبْدِ ذَهَبَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].