الشيخ/عبدالله الواكد
28-05-2021, 07:45
خطبة جمعة
بِعِنْوَان
( خطورة التبرع للجهات المجهولة )
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ
حُبَّ المَالِ فِطْرَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ ، وَجِبِلَّةٌ بَشَرِيَّةٌ ، لَمْ يُنْكِرْهَا الإِسْلَامُ ، وَلَمْ يُغَيِّرْهَا ، وَلَمْ يَنْبِذْهَا ، بَلْ أَقَرَّهَا وَأَكَّدَهَا قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( وَقَالَ تَعَالَى: )لاَيَسْأَمُ الِإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ( أَيْ مِنْ طَلَبِ المَالِ ، وَالإِنْسَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَمْرِ اللهِ فِي تَحْصِيلِ المَالِ وَتَنْمِيَتِهِ وَإِنْفَاقِهِ وَصَرْفِهِ وَتَوْجِيهِهِ دَمَّرَ نَفْسَهُ وَدَمَّرَ الآخَرِينَ ، وَأَفْسَدَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ ، إِمَّا بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، أَوْ بِظُلْمِ الآخَرِينَ وَاسْتِغْلاَلِ حَاجَاتِهِمْ ، أَوْ بِالرِّبَا ، أَوْ بِالإِبْتِزَازِ وَالسَّرِقَةِ ، والمَالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَمْلُوكٌ للهِ ، وَ يَدُ البَشَر عَلَى المَالِ يَدُ اسْتِخْلَافٍ وَتَفْوِيضٍ ، وَيَدُ انْتِفَاعٍ وَلَيْسَتْ يَدُ تَمَلُّكٍ ، فَلَوْ كَانَتْ يَدَ تَمَلُّكٍ لَمَا حُوسِبَ عَلَى مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفقَهُ “ . فَالإِنْسَانُ لَايَمْلِكُ شَيِئاً لِنَفْسِهِ ، يَقُولُ تَعَالَى ( آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وَالمَالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَسِيلَةٌ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ وَلَيْسَ غَايَةً ، وَالمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الإِسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى العَيْشِ فِي الدُّنْيَا وعَلَى طَلَبِ الآخِرَةِ ، قال تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ).
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : كُلُّكُمْ يُحِبُّ الخَيْرَ وَأَهْلَ الخَيْرَ وَيُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيُسَاعِدَ المُحْتَاجِينَ وَالمَنْكُوبِينَ وَالمَعُوزِينَ ، وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَفِي هَذَا الزَّمَانِ مَامِنْ سَبِيلٍ لِلْخَيْرِ سَوَاءً الصَّدَقَاتُ أَوْ الإِعَانَاتُ أَوْ المُبَادَرَاتُ الخَيْرِيَّةُ سَوَاءً كَانَتْ مِنْ الدَّوْلَةِ أَوْ مِنْ مُحِبِّي الخَيْرِ أَمْثَالِكُمْ ، إِلَّا وَاسْتَغَلَّ هَذَا السَّبِيلَ ضِعَافُ النُّفُوسِ وَقَلِيلُوا الذِّمَّةِ وَعَدِيمُوا الأَمَانَةِ ، فَأَفْسَدُوا هَذَا الطَّرِيقَ عَلَى أَهْلِهِ وَالمُسْتَفِيدِينَ مِنْهُ ، فَامْتَلَأَتْ الطُّرُقَاتُ وَالإِشَارَاتُ وَالأَسْوَاقُ بِالمُتَسَوِّلِينَ الذِينَ لَا نَعْلَمُ حَالَهُمْ ، وَاسْتَغَلَّ بَعْضُ الُمحْتَالِينَ بَرَامِجَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ سُجَنَاءِ الدُّيُونَ فَانْضَمُّوا إِلَى رِكَابِهِمْ زُوراً وَبُهْتَانًا ، وَسَلَكَ البَعْضُ الآخَرُ بِحَالِهِمْ مَسَالِكَ الكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ لِيَنَالُوا الإِعَانَاتِ وَالمُسَاعَدَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَنَحْوِهَا وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا ، حَتَّى عَمَدَتْ بَعْضُ الجِهَاتِ المَجْهُولَةِ فِي الدَّاخِلِ أَوْ الخَارِجِ إِلَى إِنْشَاءِ مَنَصَّاتٍ لِجَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ وَتَدْعُوا إِلَيْهَا عَنْ طَرِيقِ الإِنْتَرْنِت وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالإِتِّصَالِ ، وَبَعْضُ هَذِهِ الجِهَاتِ قَدْ تُمَوِّلُ مَا يُزَعْزِعُ أَمْنَنَا وَمَكَانَةَ بِلَادِنَا أَوْ يُدْعَمُ بِهِ الجِهَاتِ المَشْبُوهَةَ فَيُعِينُهُمْ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ ، وَتَرْوِيِعِ الآمِنِينَ ، وَتَدْمِيرِ المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ المُحَرَّمَاتِ التِي حَرَّمَهَا الإِسْلَامُ قَالَ تَعَالَى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ) وَمَعْلُومٌ فِي الشَّرِيعَةِ الِإسْلَامِيَّةِ ، أَنَّ لِلْوَسَائِلِ أَحْكَامَ الغَايَاتِ، وَالدَّوْلَةُ حَفِظَهَا اللهُ فَتَحَتْ لِلنَّاسِ أَبْوَابَ الخَيْرِ الَّتِي تَقَعُ تَحْتَ نَظَرِهَا ، فَأَنْشَأَتْ مَنَصَّاتٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ مَنَصَّةِ إِحْسَانٍ وَغَيْرِهَا حَيْثُ تُشْرِفُ عَلَيْهَا الدَّوْلَةُ وَتَصِلُ التَّبَرُّعَاتُ لِمُسْتَحِقِّيهَا بِأَمْنٍ وَسَلاَمٍ ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ لِلْخَارِجِ فَمَمْنُوعٌ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الجِهَةِ الرَّسْمِيَّةِ الوَحِيدَةِ المُصَرَّحِ لَهَا وَهِيَ مَرْكَزُ المَلِكِ سَلْمَانَ لِلْإِغَاثَةِ وَالأَعْمَالِ الإِنْسَانِيَّةِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَسَائِلُ البَذْلِ الطَّيَّبَةِ ، أَبْوَابُهَا مُشْرَعَةٌ ، وَطُرُقُهَا مُهَيَّأَةٌ ، فَكَيْفَ يُدْلِي الإِنْسَانُ بِجَهْلِهِ إِلَى الجهات المَشْبُوهَةِ ، فجَمْعُ المَالِ وَصَرْفُهُ إِذَا تَمَّ بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَرَفَ الإِنْسَانُ كَيْفَ يَجْمَعُ المَالَ مِنْ حِلِّهِ ، وَكَيْفَ يُنَمِّيهِ ، وَكَيْفَ يُنْفِقُهُ فِيمَا يُرْضِي رَبَّهُ ، حَصَلَ عَلَى سُمْعَةٍ طَيِّبَةٍ وَمَكَانَةٍ فَاضِلَةٍ فِي الدُّنْيَا ، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ فِي الآخِرَةِ ، فَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ السَّلاَمَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ المَالَ الذِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ هُوَ مَالُ اللهِ ، َوأَنَّ اللهَ أَعْطَاكُمْ إِيَّاهُ لِتَبْتَغُوا بِهِ الدُّنْيَا وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، وَقَدْ سَبَقَ وَأَنْ صَرَّحَ المُتَحَدِّثُ الرَّسْمِيُّ بِرِئَاسَةِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ انْطِلَاقًا مِنْ الحِرْصِ عَلَى سَلَامَةِ العَمَلِ الخَيْرِيِّ وَتَنَامِي مَصَادِرِ دَخْلِهِ وَنَظَرًا لِمَا لُوحِظَ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ كَثْرَةِ الرَّسَائِلِ وَالدَّعَوَاتِ فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ مِنْ قِبَلِ جِهَاتٍ خَارِجِيَّةٍ مَجْهُولَةٍ تَقُومُ بِإِنْشَاءِ مَوَاقِعَ عَلَى شَبَكَةِ الإِنْتَرْنِت وَتَدْعُو لِجَمْعِ الأَمْوَالِ أَوْ التَّبَرُّعَاتِ لِغَرَضِ المُسَاهَمَةِ فِي العَمَلِ الخَيْرِيِّ خَارِجِ المَمْلَكَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ رِئَاسَةَ أَمْنِ الدَّوْلَةِ تُحَذِّرُ مِنْ الإِسْتِجَابَةِ لِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ وَالرَّسَائِلِ أَوْ نَشْرِهَا وَتَدَاوُلِهَا أَوْ المُشَارَكَةِ فِيهَا وَتَحُثُّ الجَمِيعَ عَلَى عَدَمِ التَّبَرُّعِ لِتِلْكَ الجِهَاتِ كَوْنُ ذَلِكَ يُعَرِّضُ المُتَبَرِّعَ لِلْمُسَاءَلَةِ وُفْقَ الأَنْظِمَةِ المَعْمُولِ بِهَا فِي المَمْلَكَةِ وَعَلَى مَنْ يَرْغَبُ التَّبَرُّعَ دَاخِلَ المَمْلَكَةِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى القَنَوَاتِ المُصَرَّحِ لَهَا فِي الدَّاخِلِ وَأَمَّا مَنْ يَرْغَبُ التَّبَرُّعَ لِلْخَارِجِ فَإِنَّ الجِهَةَ الوَحِيدَةَ المُصَرَّحَ لَهَا بِإيصَالِ التَّبَرُّعَاتِ خَارِجَ المَمْلَكَةِ هِيَ مَرْكَزُ المَلِكِ سَلْمَانَ لِلْإِغَاثَةِ وَالأَعْمَالِ الإِنْسَانِيَّةِ ) نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا المَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُوَفِّقَنَا إِلَى صَرْفِهِ فِي مَسَالِكِ الخَيْرِ وَمَجَارِي الإِحْسَانِ المَعْرُوفَةِ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَالخَيْرِ وَالإِحْسَانِ ، صَلَّو وَسَلِمُوا على رسول الله محمد..............
بِعِنْوَان
( خطورة التبرع للجهات المجهولة )
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ
حُبَّ المَالِ فِطْرَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ ، وَجِبِلَّةٌ بَشَرِيَّةٌ ، لَمْ يُنْكِرْهَا الإِسْلَامُ ، وَلَمْ يُغَيِّرْهَا ، وَلَمْ يَنْبِذْهَا ، بَلْ أَقَرَّهَا وَأَكَّدَهَا قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ ( وَقَالَ تَعَالَى: )لاَيَسْأَمُ الِإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الخَيْرِ( أَيْ مِنْ طَلَبِ المَالِ ، وَالإِنْسَانُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَمْرِ اللهِ فِي تَحْصِيلِ المَالِ وَتَنْمِيَتِهِ وَإِنْفَاقِهِ وَصَرْفِهِ وَتَوْجِيهِهِ دَمَّرَ نَفْسَهُ وَدَمَّرَ الآخَرِينَ ، وَأَفْسَدَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ ، إِمَّا بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ ، أَوْ بِظُلْمِ الآخَرِينَ وَاسْتِغْلاَلِ حَاجَاتِهِمْ ، أَوْ بِالرِّبَا ، أَوْ بِالإِبْتِزَازِ وَالسَّرِقَةِ ، والمَالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مَمْلُوكٌ للهِ ، وَ يَدُ البَشَر عَلَى المَالِ يَدُ اسْتِخْلَافٍ وَتَفْوِيضٍ ، وَيَدُ انْتِفَاعٍ وَلَيْسَتْ يَدُ تَمَلُّكٍ ، فَلَوْ كَانَتْ يَدَ تَمَلُّكٍ لَمَا حُوسِبَ عَلَى مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفقَهُ “ . فَالإِنْسَانُ لَايَمْلِكُ شَيِئاً لِنَفْسِهِ ، يَقُولُ تَعَالَى ( آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وَالمَالُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَسِيلَةٌ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ وَلَيْسَ غَايَةً ، وَالمَقْصُودُ مِنْهُ هُوَ الإِسْتِعَانَةُ بِهِ عَلَى العَيْشِ فِي الدُّنْيَا وعَلَى طَلَبِ الآخِرَةِ ، قال تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ).
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : كُلُّكُمْ يُحِبُّ الخَيْرَ وَأَهْلَ الخَيْرَ وَيُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيُسَاعِدَ المُحْتَاجِينَ وَالمَنْكُوبِينَ وَالمَعُوزِينَ ، وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَفِي هَذَا الزَّمَانِ مَامِنْ سَبِيلٍ لِلْخَيْرِ سَوَاءً الصَّدَقَاتُ أَوْ الإِعَانَاتُ أَوْ المُبَادَرَاتُ الخَيْرِيَّةُ سَوَاءً كَانَتْ مِنْ الدَّوْلَةِ أَوْ مِنْ مُحِبِّي الخَيْرِ أَمْثَالِكُمْ ، إِلَّا وَاسْتَغَلَّ هَذَا السَّبِيلَ ضِعَافُ النُّفُوسِ وَقَلِيلُوا الذِّمَّةِ وَعَدِيمُوا الأَمَانَةِ ، فَأَفْسَدُوا هَذَا الطَّرِيقَ عَلَى أَهْلِهِ وَالمُسْتَفِيدِينَ مِنْهُ ، فَامْتَلَأَتْ الطُّرُقَاتُ وَالإِشَارَاتُ وَالأَسْوَاقُ بِالمُتَسَوِّلِينَ الذِينَ لَا نَعْلَمُ حَالَهُمْ ، وَاسْتَغَلَّ بَعْضُ الُمحْتَالِينَ بَرَامِجَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ سُجَنَاءِ الدُّيُونَ فَانْضَمُّوا إِلَى رِكَابِهِمْ زُوراً وَبُهْتَانًا ، وَسَلَكَ البَعْضُ الآخَرُ بِحَالِهِمْ مَسَالِكَ الكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ لِيَنَالُوا الإِعَانَاتِ وَالمُسَاعَدَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَنَحْوِهَا وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا ، حَتَّى عَمَدَتْ بَعْضُ الجِهَاتِ المَجْهُولَةِ فِي الدَّاخِلِ أَوْ الخَارِجِ إِلَى إِنْشَاءِ مَنَصَّاتٍ لِجَمْعِ التَّبَرُّعَاتِ وَتَدْعُوا إِلَيْهَا عَنْ طَرِيقِ الإِنْتَرْنِت وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ وَالإِتِّصَالِ ، وَبَعْضُ هَذِهِ الجِهَاتِ قَدْ تُمَوِّلُ مَا يُزَعْزِعُ أَمْنَنَا وَمَكَانَةَ بِلَادِنَا أَوْ يُدْعَمُ بِهِ الجِهَاتِ المَشْبُوهَةَ فَيُعِينُهُمْ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ ، وَتَرْوِيِعِ الآمِنِينَ ، وَتَدْمِيرِ المُمْتَلَكَاتِ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ المُحَرَّمَاتِ التِي حَرَّمَهَا الإِسْلَامُ قَالَ تَعَالَى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ) وَمَعْلُومٌ فِي الشَّرِيعَةِ الِإسْلَامِيَّةِ ، أَنَّ لِلْوَسَائِلِ أَحْكَامَ الغَايَاتِ، وَالدَّوْلَةُ حَفِظَهَا اللهُ فَتَحَتْ لِلنَّاسِ أَبْوَابَ الخَيْرِ الَّتِي تَقَعُ تَحْتَ نَظَرِهَا ، فَأَنْشَأَتْ مَنَصَّاتٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِثْلَ مَنَصَّةِ إِحْسَانٍ وَغَيْرِهَا حَيْثُ تُشْرِفُ عَلَيْهَا الدَّوْلَةُ وَتَصِلُ التَّبَرُّعَاتُ لِمُسْتَحِقِّيهَا بِأَمْنٍ وَسَلاَمٍ ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ لِلْخَارِجِ فَمَمْنُوعٌ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَتْ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الجِهَةِ الرَّسْمِيَّةِ الوَحِيدَةِ المُصَرَّحِ لَهَا وَهِيَ مَرْكَزُ المَلِكِ سَلْمَانَ لِلْإِغَاثَةِ وَالأَعْمَالِ الإِنْسَانِيَّةِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَسَائِلُ البَذْلِ الطَّيَّبَةِ ، أَبْوَابُهَا مُشْرَعَةٌ ، وَطُرُقُهَا مُهَيَّأَةٌ ، فَكَيْفَ يُدْلِي الإِنْسَانُ بِجَهْلِهِ إِلَى الجهات المَشْبُوهَةِ ، فجَمْعُ المَالِ وَصَرْفُهُ إِذَا تَمَّ بِالضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَرَفَ الإِنْسَانُ كَيْفَ يَجْمَعُ المَالَ مِنْ حِلِّهِ ، وَكَيْفَ يُنَمِّيهِ ، وَكَيْفَ يُنْفِقُهُ فِيمَا يُرْضِي رَبَّهُ ، حَصَلَ عَلَى سُمْعَةٍ طَيِّبَةٍ وَمَكَانَةٍ فَاضِلَةٍ فِي الدُّنْيَا ، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ فِي الآخِرَةِ ، فَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ السَّلاَمَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ المَالَ الذِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ هُوَ مَالُ اللهِ ، َوأَنَّ اللهَ أَعْطَاكُمْ إِيَّاهُ لِتَبْتَغُوا بِهِ الدُّنْيَا وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، وَقَدْ سَبَقَ وَأَنْ صَرَّحَ المُتَحَدِّثُ الرَّسْمِيُّ بِرِئَاسَةِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ أَنَّهُ انْطِلَاقًا مِنْ الحِرْصِ عَلَى سَلَامَةِ العَمَلِ الخَيْرِيِّ وَتَنَامِي مَصَادِرِ دَخْلِهِ وَنَظَرًا لِمَا لُوحِظَ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ كَثْرَةِ الرَّسَائِلِ وَالدَّعَوَاتِ فِي مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ مِنْ قِبَلِ جِهَاتٍ خَارِجِيَّةٍ مَجْهُولَةٍ تَقُومُ بِإِنْشَاءِ مَوَاقِعَ عَلَى شَبَكَةِ الإِنْتَرْنِت وَتَدْعُو لِجَمْعِ الأَمْوَالِ أَوْ التَّبَرُّعَاتِ لِغَرَضِ المُسَاهَمَةِ فِي العَمَلِ الخَيْرِيِّ خَارِجِ المَمْلَكَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ رِئَاسَةَ أَمْنِ الدَّوْلَةِ تُحَذِّرُ مِنْ الإِسْتِجَابَةِ لِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ وَالرَّسَائِلِ أَوْ نَشْرِهَا وَتَدَاوُلِهَا أَوْ المُشَارَكَةِ فِيهَا وَتَحُثُّ الجَمِيعَ عَلَى عَدَمِ التَّبَرُّعِ لِتِلْكَ الجِهَاتِ كَوْنُ ذَلِكَ يُعَرِّضُ المُتَبَرِّعَ لِلْمُسَاءَلَةِ وُفْقَ الأَنْظِمَةِ المَعْمُولِ بِهَا فِي المَمْلَكَةِ وَعَلَى مَنْ يَرْغَبُ التَّبَرُّعَ دَاخِلَ المَمْلَكَةِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى القَنَوَاتِ المُصَرَّحِ لَهَا فِي الدَّاخِلِ وَأَمَّا مَنْ يَرْغَبُ التَّبَرُّعَ لِلْخَارِجِ فَإِنَّ الجِهَةَ الوَحِيدَةَ المُصَرَّحَ لَهَا بِإيصَالِ التَّبَرُّعَاتِ خَارِجَ المَمْلَكَةِ هِيَ مَرْكَزُ المَلِكِ سَلْمَانَ لِلْإِغَاثَةِ وَالأَعْمَالِ الإِنْسَانِيَّةِ ) نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا المَالَ مِنْ حِلِّهِ وَيُوَفِّقَنَا إِلَى صَرْفِهِ فِي مَسَالِكِ الخَيْرِ وَمَجَارِي الإِحْسَانِ المَعْرُوفَةِ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَالخَيْرِ وَالإِحْسَانِ ، صَلَّو وَسَلِمُوا على رسول الله محمد..............