الشيخ/عبدالله الواكد
11-02-2021, 17:54
خطبة جمعة
بعنوان
( التحذير من البدع )
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
29/6/1442 هـ
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ :
الإِبْتِدَاعُ فِي الدِّينِ ، ذَنْبٌ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ ، وَالبِدْعَةُ هِيَ الخُطْوَةُ المُوَطِّأَةُ لِلشِّرْكِ ، فَالشَّيْطَانُ يَنْقُلُ المُسْلِمَ بِحَبَائِلِهِ وَشِرَاكِهِ خُطْوَةً خُطْوَةً
حَتَّى يَصِلَ بِهِ إِلَى الشِّرْكِ ، وَالشِّرْكُ مِنْ أَخْطَرِ المُهْلِكَاتِ قَالَ تَعَاَلَى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء (48) فَالشَّيْطَانُ يَجْعَلُ المُسْلِمَ يَتَعَبَّدُ اللهَ بغير شريعة الله ، لِيُضِلَّهُ عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ ، فَيَبْقَى ذَلِكَ الْعَبْدُ المِسْكِينُ يَعْمَلُ طِوَالَ حَيَاتِهِ عَمَلاً يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجِدُ لَهُ ثَوَاباً عِنْدَ اللهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، فَالإِبْتِدَاعُ فِي الدِّينِ أَمْرُهُ خَطِيرٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ عَظِيمَةٌ ، وَلِهَذَا حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
وَمَا مِنْ بِدْعَةٍ تُحْدَثُ إِلاَّ وَيَذْهَبُ مُقَابِلُهاَ سُنَّةٌ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلاَّ نَزَعَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ السُّنَّةِ مِثْلَهَا )) وَالبِدَعُ تَنْشُرُ الجَاهِلِيَّةَ وَالتَّفَرُّقَ وَالتَّمَزُّقَ وَالإِخْتِلَافَ فِي المُجْتَمَعَاتِ ، فَكُلٌّ يَنْتَصِرُ لِبِدْعَتِهِ ، فَتَتَفَرَّقُ الأُمَّةُ الوَاحِدَةُ التِي أَمَرَنَا اللهُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، قَالَ تَعَالَى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون )
أَيُّها المُسْلِمُونَ :
غَداً هُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ شَهْرِ رَجَبَ المُحَرَّمُ فَهُوَ مِنَ الأَشْهُرِ الأَرْبَعَةِ الحُرُمِ وَهِيَ ذُو القِعْدَةَ وَذُو الحِجَّةَ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبُ ، وَمِنَ البِدَعِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، مَا يَفْعَلُهُ الجَهَلَةُ مِنَ النَّاسِ حَيْثُ يَخُصُّونَهُ بِصِيَامِ بَعْضِ أَيَّامِهِ ، وَبِقِيَامِ بَعْضِ لَيَالِيهِ ، وَبِذَبْحِ الذَّبَائِحِ قُرْبَةً إِلَى اللهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِعُمْرَةٍ ، وَيَرَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَشَهْرُ رَجَبَ شَهْرٌ مِنَ الشُّهُورِ ، إِلاَّ أَنَّهُ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ ، لاَ قِتَالَ فِيهِ ، أَمَّا خَصُّهُ بِنَوْعٍ مِنَ العِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ :
وَمِنَ البِدَعِ المُحْدَثَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ ، بِدْعَةُ الإِحْتِفَالِ بِمُنَاسَبَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ ، فَالمُبْتَدِعَةُ يَحْتِفِلُونَ بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنْ رَجَبَ ، إِذْ يَجْتَمِعُونَ فِي المَسَاجِدِ ، وَيُلْقُونَ الخُطَبَ وَالمُحَاضَرَاتِ وَالكَلِمَاتِ وَيُضِيئُونَ المَصَابِيحَ ، وَالإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ ذَكَرَهُماَ اللهُ فِي القُرْآنِ ، وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِمَا ، لَكِنَّ المَحْذُورَ هُوَ الإِحْتِفَالُ بِهِمَا ، فَهَذَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَلَيْلَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ التِي يَحْتَفِلُونَ بِهَا ، أَصْلاً لَمْ تَثْبُتْ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ ، بَلْ لَمْ تَثْبُتْ بِأَنَّهَا حَتَّى فِي شَهْرِ رَجَبَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ ، وَلَا دَلِيلَ وَلَا فَاِئِدَةَ فَي تَعْيينِهَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاحْذَرُوا البِدَعَ وَأَهْلَ البِدَعَ ، وَتَمَسَّكُوا بِكَتَابِ رَبِّكُمْ ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفِيهِمَا النَّجَاةُ وَالفَوْزُ وَالفَلاَحُ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أَيُّهَا الأِخْوَةُ فِي اللهِ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ : (( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ محُمدٍ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهاَ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ )) وَلَا نَشُكُّ إِنْ شَاءَ اللهُ بِأَنَّ مَنْ يَحْتَفِلُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ ، مِنْ إِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ ، لاَ نَشُكُّ فِي حُبِّهِم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ لَمْ يُحِبُّوهُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لَكِنَّ حُبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي هَدْمِ دِينِهِ وَسُنَّتِهِ بِهَذِهِ البِدَعِ إِنَّمَا كَمَالُ حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران(31) نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ وَأَنْ يَنْصُرَ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَنْ يَنْشُرَ دِينَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
بعنوان
( التحذير من البدع )
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
29/6/1442 هـ
الخطبة الأولى
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ :
الإِبْتِدَاعُ فِي الدِّينِ ، ذَنْبٌ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ ، وَالبِدْعَةُ هِيَ الخُطْوَةُ المُوَطِّأَةُ لِلشِّرْكِ ، فَالشَّيْطَانُ يَنْقُلُ المُسْلِمَ بِحَبَائِلِهِ وَشِرَاكِهِ خُطْوَةً خُطْوَةً
حَتَّى يَصِلَ بِهِ إِلَى الشِّرْكِ ، وَالشِّرْكُ مِنْ أَخْطَرِ المُهْلِكَاتِ قَالَ تَعَاَلَى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) النساء (48) فَالشَّيْطَانُ يَجْعَلُ المُسْلِمَ يَتَعَبَّدُ اللهَ بغير شريعة الله ، لِيُضِلَّهُ عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ ، فَيَبْقَى ذَلِكَ الْعَبْدُ المِسْكِينُ يَعْمَلُ طِوَالَ حَيَاتِهِ عَمَلاً يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجِدُ لَهُ ثَوَاباً عِنْدَ اللهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، فَالإِبْتِدَاعُ فِي الدِّينِ أَمْرُهُ خَطِيرٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ عَظِيمَةٌ ، وَلِهَذَا حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
وَمَا مِنْ بِدْعَةٍ تُحْدَثُ إِلاَّ وَيَذْهَبُ مُقَابِلُهاَ سُنَّةٌ ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلاَّ نَزَعَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ السُّنَّةِ مِثْلَهَا )) وَالبِدَعُ تَنْشُرُ الجَاهِلِيَّةَ وَالتَّفَرُّقَ وَالتَّمَزُّقَ وَالإِخْتِلَافَ فِي المُجْتَمَعَاتِ ، فَكُلٌّ يَنْتَصِرُ لِبِدْعَتِهِ ، فَتَتَفَرَّقُ الأُمَّةُ الوَاحِدَةُ التِي أَمَرَنَا اللهُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، قَالَ تَعَالَى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون )
أَيُّها المُسْلِمُونَ :
غَداً هُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ شَهْرِ رَجَبَ المُحَرَّمُ فَهُوَ مِنَ الأَشْهُرِ الأَرْبَعَةِ الحُرُمِ وَهِيَ ذُو القِعْدَةَ وَذُو الحِجَّةَ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبُ ، وَمِنَ البِدَعِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، مَا يَفْعَلُهُ الجَهَلَةُ مِنَ النَّاسِ حَيْثُ يَخُصُّونَهُ بِصِيَامِ بَعْضِ أَيَّامِهِ ، وَبِقِيَامِ بَعْضِ لَيَالِيهِ ، وَبِذَبْحِ الذَّبَائِحِ قُرْبَةً إِلَى اللهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِعُمْرَةٍ ، وَيَرَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَشَهْرُ رَجَبَ شَهْرٌ مِنَ الشُّهُورِ ، إِلاَّ أَنَّهُ مِنَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ ، لاَ قِتَالَ فِيهِ ، أَمَّا خَصُّهُ بِنَوْعٍ مِنَ العِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ :
وَمِنَ البِدَعِ المُحْدَثَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ ، بِدْعَةُ الإِحْتِفَالِ بِمُنَاسَبَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ ، فَالمُبْتَدِعَةُ يَحْتِفِلُونَ بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنْ رَجَبَ ، إِذْ يَجْتَمِعُونَ فِي المَسَاجِدِ ، وَيُلْقُونَ الخُطَبَ وَالمُحَاضَرَاتِ وَالكَلِمَاتِ وَيُضِيئُونَ المَصَابِيحَ ، وَالإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ ذَكَرَهُماَ اللهُ فِي القُرْآنِ ، وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِمَا ، لَكِنَّ المَحْذُورَ هُوَ الإِحْتِفَالُ بِهِمَا ، فَهَذَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَلَيْلَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ التِي يَحْتَفِلُونَ بِهَا ، أَصْلاً لَمْ تَثْبُتْ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ ، بَلْ لَمْ تَثْبُتْ بِأَنَّهَا حَتَّى فِي شَهْرِ رَجَبَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ ، وَلَا دَلِيلَ وَلَا فَاِئِدَةَ فَي تَعْيينِهَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاحْذَرُوا البِدَعَ وَأَهْلَ البِدَعَ ، وَتَمَسَّكُوا بِكَتَابِ رَبِّكُمْ ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفِيهِمَا النَّجَاةُ وَالفَوْزُ وَالفَلاَحُ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أَيُّهَا الأِخْوَةُ فِي اللهِ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ : (( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ محُمدٍ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلمَ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهاَ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ )) وَلَا نَشُكُّ إِنْ شَاءَ اللهُ بِأَنَّ مَنْ يَحْتَفِلُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ ، مِنْ إِخْوَانِنَا المُسْلِمِينَ ، لاَ نَشُكُّ فِي حُبِّهِم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ لَمْ يُحِبُّوهُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لَكِنَّ حُبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي هَدْمِ دِينِهِ وَسُنَّتِهِ بِهَذِهِ البِدَعِ إِنَّمَا كَمَالُ حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران(31) نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ وَأَنْ يَنْصُرَ إِخْوَانَنَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَنْ يَنْشُرَ دِينَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )