الشيخ/عبدالله الواكد
07-01-2021, 22:08
خطبة جمعة
بعنوان
كورونا وتصحيح السلوك
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ الذِي هَذَّبَ الأَخْلَاقَ وَالأَعْرَافَ وَنَهَى عَنْ التَّقْتِيرِ وَالإِسْرَافِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ القَائِلُ ( وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ أجمعينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )
أيُّها المُسْلِمُونَ : لَقَدْ حَذَّرَ الإِسْلاَمُ مِنَ الإِسْرَافِ ، وَنَهَى عَنْهُ وَعَنْ مُسَبِّبَاتِهِ وَدَوَاعِيهِ ، لِأَنَّهُ تَجَاوُزٌ لِلْحَدِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَتَبْدِيدٌ لِلثَّرَوَاتِ وَالأَمْوَالِ مِنْ دُونِ فَائِدَةٍ إِلَّا البَذْخَ وَرِئَاءَ النَّاسِ ، فَالمُسْرِفُونَ لاَ يُحِبُّهُمْ اللهُ تَعَالَى ، لِأَنَّهُمْ عَلَى خَصْلَةٍ مَمْقُوتَةٍ ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِسْرَافِ؛ فَقَالَ ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ
فَلاَ خُيَلاَءَ وَلاَ تَكَبُّرَ ، وَلاَ سَرَفَ وَلاَ تَقْتِيرَ،
عِبَادَ اللهِ: مَرَّتْ كُورُونَا وَلَازَالَتْ تَجُرُّ ذُيُولَهَا بِحَجْرِهَا وَتَبَاعُدِهَا وَاحْتِرَازَاتِهَا فَأَخْرَجَتْ النَّاسَ مِنْ دَوَّامَةٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وَدُولَابٍ جَمَاعِيٍّ عَظِيمٍ زَادَ النَّاسَ رَهَقًا فِي أَوْقَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ تَتَحَرَّكُ عَجَلَةُ هَذِهِ الِمطْحَنَةِ العَظِيمَةِ فَتَهْرُسُ مَا يَقَعُ تَحْتَهَا مِنْ طَاقَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَمْوَالٍ حَتَّى أَصْبَحَ رَبُّ البَيْتِ وَأُسْرَتُهُ عَاجِزِينَ عَنْ الإِنْفِرَادِ بِقَرَارِهِمْ تَحْتَ هَذِهِ الضُّغُوطِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ لِأَنَّهُمْ وَسْطَ تَيَّارٍ عَارِمٍ لَا يُقَدِّرُ ضَعِيفًا وَلَا يَأْخُذُ عَنْ كَوَاهِلِ المُثْقَلِينَ بِأَعْبَاءِ الحَيَاةِ فَصَارَتْ الكُلْفَةُ وَتَجَشُّمُ الدُّيُونِ أَسْتَرَ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَأَحْفَظَ لِمَاءِ وُجُوهِهِمْ مِنْ الوُقُوعِ تَحْتَ طَائِلَةِ النَّظَرَاتِ العَاتِبَةِ وَالكَلِمَاتِ الجَارِحَةِ
كَانَتْ الزَّوَاجَاتُ وَحَفَلَاتُ الأَعْرَاسِ قَبْلَ كُورُونَا فَعَالِيَّاتٌ ضَخْمَةٌ يَتِمُّ الإِعْدَادُ لَهَا وَتُجَنَّدُ لَهَا الطَّاقَاتُ وَتُهْدَرُ لَهَا الأَمْوَالُ وَالأَوْقَاتُ وَوَجَدَتْ فِيهَا بَعْضُ النِّسَاءِ بِيئَةً خَصْبَةً لِلتَّفَاخُرِ وَالخُيَلَاءِ وَأَصْبَحَ الطَّرِيقُ مِنْ بَيْتِ العَرُوسِ إِلَى القَصْرِ يَعُجُّ بِمَنْ يَتَلَقَّفُونَ هَدْرَ هَؤُلَاءِ المُرْغَمِينَ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَبَذَّ هَذِهِ الثَّرَوَاتِ فجَاَءَتْ كُورُونَا جَاثِمَةً عَلَى صُدُورِ هَؤُلَاءِ الجَهَلَةِ المُسْرِفِينَ الذِينَ يُزَبِّرُونَ الكُلْفَةَ وَيَقُوُدُونَ المُجْتَمَعَ إِلَى طَرِيقِ المَشَقَّةِ وَالعَنَتِ وَالدُّيُونِ ، وَعَادَ الزَّوَاجُ عَائِلِيًّا كَمَا كَانَ فِي سَالِفِ الزَّمَانِ يَفُوحُ بِالبَسَاطَةِ وَيَنْضَحُ بِالبَرَكَةِ وَكَادَتْ الزَّوْجَةُ أَنْ تَظْفُرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا الذِي كَانَ نَهْبَ أَثْبَاجِ التَّفَاخُرِ وَالمَخِيلَةِ وَارْتَاحَ النَّاسُ مِنْ عَجِّ الأَعْرَاسِ وَالْتِقَاطِ الأَنْفَاسِ عَلَى مَدَاخِلِ القُصُورِ وَغَابَتْ البِطَاقَاتُ التِي هِي الأُخْرَى زِيدَ فِي أَشْكَالِهَا وَأَنْمَاطِهَا وَأَثْمَانِهَا وَأَصْبَحْنَا لَا نَرَى بِطَاقَاتٍ تُحْذَفُ مِنْ تَحْتِ الأَبْوَابِ المُغْلَقَةِ وَارْتَاحَ مَنْ ابْتُلِي مِنْ النِّسَاءِ بِهَذِهِ المِطْحَنَةِ فَارْتَحْنَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّقْصِيرِ وَالتَّطْوِيلِ ، حَتَّى وَصِلَ الأَذَى إِلَى حَالاَتِ طَلَاقٍ حَدَثَتْ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ ، لَقَدْ كَانَ لِكُورُونَا عَلَى النَّاسِ فَضْلُ الأَطْرِ وَالتَّصْحِيحِ ، لَقَدْ أَدَّبَتْ كُورُونَا فِي المُجْتَمَعَاتِ هَذَا السُّلُوكَ الأَعْوَجَ ، وَمُرُّوا كَذَلِكَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عَلَى العَزَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَوَاطِنِ التَّفْخِيمِ فِي المُجْتَمَعِ كَمَا مَرَرْتُمْ عَلَى الأَعْرَاسِ ، فَوَاللهِ مَا أَضْفَتْ كُلْفَةُ الأَعْرَاسِ شَيْئًا عَلَى العَرِيسَيْنِ وَلاَ زَادَتْ كُلْفَةُ العَزَاءِ أَجْرًا لِلْمَيِّتِينَ ، فَلَمْ تَزِدْ إِلَّا مُخَالَفَةً لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِقْتَصَدَ النَّاسُ فِي عَزَائِهِمْ ، وَاقْتَصَدُوا فِي مُنَاسَبَاتِهِمْ ، وَاقْتَصَدُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَثَابَ المُجْتَمَعُ إِلَى رُشْدِهِ وَصَوَابِهِ ، وَعَلِمَ النَّاسُ جَمِيعًا أَنَّ بِوُسْعِهِمْ أَنْ يُقَرِّرُوا مَا يَتَنَاسَبُ مَعَهُمْ فَقَدْ كَانَ رَبُّ الأُسْرَةِ قَبْلَ كُورُونَا لاَ يَجْرُؤُ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ قَرَارًا مُنْفَرِدًا عَنْ هَذِهِ الدَّوَّامَةِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ وَلَا رَبَّةُ البَيْتِ تَجْرُؤُ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْ كُوُرُونَا النَّاسَ جَمِيعًا أَنَّ بِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا بِمُنَاسَبَاتِهِمْ كَيْفَمَا يُرِيدُونَ ،
فَاحْذَرْ أَيُّهَا المُسْلِمُ الحَصَيفُ : فَإِنَّ اللَّائِمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَعُ عَلَيْكَ فِي تَبْذِيرِكَ وَإِسْرَافِكَ ثُمَّ احْذَرْ أَنْ تَقُودَ النَّاسَ إِلَى مَشَقَّتِهِمْ وَثُقْلِ كَاهِلِهِمْ وَكُنْ أَيُّهَا الوَلِيُّ قُدْوَةً حَسَنَةً يَتَأَسَّى بِكَ النَّاسُ فِي اليُسْرِ وَاللِّينِ ، وَأَخُصُّ بِذَلِكَ القَادِرِينَ ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُجْتَمَعُ فِي اعْتِبَارِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً فله أجرُها، وأجرُ مَنْ عمِل بها مِنْ بعدِه من غيرِ أنْ يَنقُصَ من أجورِهم شيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمِلَ بها من بعدِه من غير أن يَنقُصَ من أوزارِهم شيءٌ». رواه مسلم .
ولَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ المَالِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَهَا وِفْقَ مَا جَاءَ فِي شَرْعِ اللهِ تَعَالَى ، وَنَهَى الإِسْلَامُ عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ
فَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ قَوْلًا وَعَمَلاً وَاحْذَرُوا الإِسْرَافَ وَالتَّبْذِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِ النِّعَمِ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ )
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا محُمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الإِسْرَافَ سُلُوكٌ مَذْمُومٌ وَطَرِيقَةٌ مَمْقُوتَةٌ وَنَهْجٌ أَرْعَنٌ ، يُبَدِّدُ الأَمْوَالَ وَالثَّرَوَاتِ ، وَيَمْحَقُ البَرَكَةَ فِي الرِّزْقِ فَاحْذَرُوهُ يَا عِبَادَ اللهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ ... وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ : فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ . وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالقَصْدُ هُوَ : الوَسَطُ المُعْتَدِلُ، وَهُوَ خِلَافُ الإِفْرَاطِ ،
ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَرَمْيُ النِّعَمِ ، فَمَنْ فَاضَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ وَمَلاَبِسَ وَنَحْوِهَا ، فَلْيَبْحَثْ عَمْنْ هُوَ بِحَاجَتِهَا ، أَوْ يَحْمِلْهَا لِمَقَرِّ فَائِضِ الوَلاَئِمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَلَابِساً فَلْيَبْحَثْ لها عَنْ مُحْتَاجٍ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَناَ مِنْ المُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ،
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رسولِ اللهِ قالَ تَعَالَى( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (
https://sites.google.com/view/www-alwakid-net/%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%88%D9%83?authuser=0
بعنوان
كورونا وتصحيح السلوك
كتبها
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ الذِي هَذَّبَ الأَخْلَاقَ وَالأَعْرَافَ وَنَهَى عَنْ التَّقْتِيرِ وَالإِسْرَافِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ القَائِلُ ( وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ أجمعينَ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )
أيُّها المُسْلِمُونَ : لَقَدْ حَذَّرَ الإِسْلاَمُ مِنَ الإِسْرَافِ ، وَنَهَى عَنْهُ وَعَنْ مُسَبِّبَاتِهِ وَدَوَاعِيهِ ، لِأَنَّهُ تَجَاوُزٌ لِلْحَدِّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَتَبْدِيدٌ لِلثَّرَوَاتِ وَالأَمْوَالِ مِنْ دُونِ فَائِدَةٍ إِلَّا البَذْخَ وَرِئَاءَ النَّاسِ ، فَالمُسْرِفُونَ لاَ يُحِبُّهُمْ اللهُ تَعَالَى ، لِأَنَّهُمْ عَلَى خَصْلَةٍ مَمْقُوتَةٍ ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الإِسْرَافِ؛ فَقَالَ ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفٍ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ
فَلاَ خُيَلاَءَ وَلاَ تَكَبُّرَ ، وَلاَ سَرَفَ وَلاَ تَقْتِيرَ،
عِبَادَ اللهِ: مَرَّتْ كُورُونَا وَلَازَالَتْ تَجُرُّ ذُيُولَهَا بِحَجْرِهَا وَتَبَاعُدِهَا وَاحْتِرَازَاتِهَا فَأَخْرَجَتْ النَّاسَ مِنْ دَوَّامَةٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وَدُولَابٍ جَمَاعِيٍّ عَظِيمٍ زَادَ النَّاسَ رَهَقًا فِي أَوْقَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ تَتَحَرَّكُ عَجَلَةُ هَذِهِ الِمطْحَنَةِ العَظِيمَةِ فَتَهْرُسُ مَا يَقَعُ تَحْتَهَا مِنْ طَاقَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَمْوَالٍ حَتَّى أَصْبَحَ رَبُّ البَيْتِ وَأُسْرَتُهُ عَاجِزِينَ عَنْ الإِنْفِرَادِ بِقَرَارِهِمْ تَحْتَ هَذِهِ الضُّغُوطِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ لِأَنَّهُمْ وَسْطَ تَيَّارٍ عَارِمٍ لَا يُقَدِّرُ ضَعِيفًا وَلَا يَأْخُذُ عَنْ كَوَاهِلِ المُثْقَلِينَ بِأَعْبَاءِ الحَيَاةِ فَصَارَتْ الكُلْفَةُ وَتَجَشُّمُ الدُّيُونِ أَسْتَرَ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَأَحْفَظَ لِمَاءِ وُجُوهِهِمْ مِنْ الوُقُوعِ تَحْتَ طَائِلَةِ النَّظَرَاتِ العَاتِبَةِ وَالكَلِمَاتِ الجَارِحَةِ
كَانَتْ الزَّوَاجَاتُ وَحَفَلَاتُ الأَعْرَاسِ قَبْلَ كُورُونَا فَعَالِيَّاتٌ ضَخْمَةٌ يَتِمُّ الإِعْدَادُ لَهَا وَتُجَنَّدُ لَهَا الطَّاقَاتُ وَتُهْدَرُ لَهَا الأَمْوَالُ وَالأَوْقَاتُ وَوَجَدَتْ فِيهَا بَعْضُ النِّسَاءِ بِيئَةً خَصْبَةً لِلتَّفَاخُرِ وَالخُيَلَاءِ وَأَصْبَحَ الطَّرِيقُ مِنْ بَيْتِ العَرُوسِ إِلَى القَصْرِ يَعُجُّ بِمَنْ يَتَلَقَّفُونَ هَدْرَ هَؤُلَاءِ المُرْغَمِينَ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَبَذَّ هَذِهِ الثَّرَوَاتِ فجَاَءَتْ كُورُونَا جَاثِمَةً عَلَى صُدُورِ هَؤُلَاءِ الجَهَلَةِ المُسْرِفِينَ الذِينَ يُزَبِّرُونَ الكُلْفَةَ وَيَقُوُدُونَ المُجْتَمَعَ إِلَى طَرِيقِ المَشَقَّةِ وَالعَنَتِ وَالدُّيُونِ ، وَعَادَ الزَّوَاجُ عَائِلِيًّا كَمَا كَانَ فِي سَالِفِ الزَّمَانِ يَفُوحُ بِالبَسَاطَةِ وَيَنْضَحُ بِالبَرَكَةِ وَكَادَتْ الزَّوْجَةُ أَنْ تَظْفُرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا الذِي كَانَ نَهْبَ أَثْبَاجِ التَّفَاخُرِ وَالمَخِيلَةِ وَارْتَاحَ النَّاسُ مِنْ عَجِّ الأَعْرَاسِ وَالْتِقَاطِ الأَنْفَاسِ عَلَى مَدَاخِلِ القُصُورِ وَغَابَتْ البِطَاقَاتُ التِي هِي الأُخْرَى زِيدَ فِي أَشْكَالِهَا وَأَنْمَاطِهَا وَأَثْمَانِهَا وَأَصْبَحْنَا لَا نَرَى بِطَاقَاتٍ تُحْذَفُ مِنْ تَحْتِ الأَبْوَابِ المُغْلَقَةِ وَارْتَاحَ مَنْ ابْتُلِي مِنْ النِّسَاءِ بِهَذِهِ المِطْحَنَةِ فَارْتَحْنَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالتَّقْصِيرِ وَالتَّطْوِيلِ ، حَتَّى وَصِلَ الأَذَى إِلَى حَالاَتِ طَلَاقٍ حَدَثَتْ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ ، لَقَدْ كَانَ لِكُورُونَا عَلَى النَّاسِ فَضْلُ الأَطْرِ وَالتَّصْحِيحِ ، لَقَدْ أَدَّبَتْ كُورُونَا فِي المُجْتَمَعَاتِ هَذَا السُّلُوكَ الأَعْوَجَ ، وَمُرُّوا كَذَلِكَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ عَلَى العَزَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَوَاطِنِ التَّفْخِيمِ فِي المُجْتَمَعِ كَمَا مَرَرْتُمْ عَلَى الأَعْرَاسِ ، فَوَاللهِ مَا أَضْفَتْ كُلْفَةُ الأَعْرَاسِ شَيْئًا عَلَى العَرِيسَيْنِ وَلاَ زَادَتْ كُلْفَةُ العَزَاءِ أَجْرًا لِلْمَيِّتِينَ ، فَلَمْ تَزِدْ إِلَّا مُخَالَفَةً لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِقْتَصَدَ النَّاسُ فِي عَزَائِهِمْ ، وَاقْتَصَدُوا فِي مُنَاسَبَاتِهِمْ ، وَاقْتَصَدُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَثَابَ المُجْتَمَعُ إِلَى رُشْدِهِ وَصَوَابِهِ ، وَعَلِمَ النَّاسُ جَمِيعًا أَنَّ بِوُسْعِهِمْ أَنْ يُقَرِّرُوا مَا يَتَنَاسَبُ مَعَهُمْ فَقَدْ كَانَ رَبُّ الأُسْرَةِ قَبْلَ كُورُونَا لاَ يَجْرُؤُ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ قَرَارًا مُنْفَرِدًا عَنْ هَذِهِ الدَّوَّامَةِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ وَلَا رَبَّةُ البَيْتِ تَجْرُؤُ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْ كُوُرُونَا النَّاسَ جَمِيعًا أَنَّ بِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا بِمُنَاسَبَاتِهِمْ كَيْفَمَا يُرِيدُونَ ،
فَاحْذَرْ أَيُّهَا المُسْلِمُ الحَصَيفُ : فَإِنَّ اللَّائِمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ تَقَعُ عَلَيْكَ فِي تَبْذِيرِكَ وَإِسْرَافِكَ ثُمَّ احْذَرْ أَنْ تَقُودَ النَّاسَ إِلَى مَشَقَّتِهِمْ وَثُقْلِ كَاهِلِهِمْ وَكُنْ أَيُّهَا الوَلِيُّ قُدْوَةً حَسَنَةً يَتَأَسَّى بِكَ النَّاسُ فِي اليُسْرِ وَاللِّينِ ، وَأَخُصُّ بِذَلِكَ القَادِرِينَ ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُجْتَمَعُ فِي اعْتِبَارِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً فله أجرُها، وأجرُ مَنْ عمِل بها مِنْ بعدِه من غيرِ أنْ يَنقُصَ من أجورِهم شيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً كان عليه وزرُها ووزرُ من عمِلَ بها من بعدِه من غير أن يَنقُصَ من أوزارِهم شيءٌ». رواه مسلم .
ولَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ المَالِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَهَا وِفْقَ مَا جَاءَ فِي شَرْعِ اللهِ تَعَالَى ، وَنَهَى الإِسْلَامُ عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ فِيمَا لاَ فَائِدَةَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ
فَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ قَوْلًا وَعَمَلاً وَاحْذَرُوا الإِسْرَافَ وَالتَّبْذِيرَ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِ النِّعَمِ ، قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ )
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا محُمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الإِسْرَافَ سُلُوكٌ مَذْمُومٌ وَطَرِيقَةٌ مَمْقُوتَةٌ وَنَهْجٌ أَرْعَنٌ ، يُبَدِّدُ الأَمْوَالَ وَالثَّرَوَاتِ ، وَيَمْحَقُ البَرَكَةَ فِي الرِّزْقِ فَاحْذَرُوهُ يَا عِبَادَ اللهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلاثٌ مُنَجِّيَاتٍ ... وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ : فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ . وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالقَصْدُ هُوَ : الوَسَطُ المُعْتَدِلُ، وَهُوَ خِلَافُ الإِفْرَاطِ ،
ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَرَمْيُ النِّعَمِ ، فَمَنْ فَاضَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ وَمَلاَبِسَ وَنَحْوِهَا ، فَلْيَبْحَثْ عَمْنْ هُوَ بِحَاجَتِهَا ، أَوْ يَحْمِلْهَا لِمَقَرِّ فَائِضِ الوَلاَئِمِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَلَابِساً فَلْيَبْحَثْ لها عَنْ مُحْتَاجٍ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَناَ مِنْ المُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ،
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رسولِ اللهِ قالَ تَعَالَى( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (
https://sites.google.com/view/www-alwakid-net/%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%88%D9%83?authuser=0