محمدالمهوس
02-12-2020, 07:44
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ –بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى– نَتَكَلَّمُ عَنْ خُلُقِ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا أَحْلَى أَنْ يَكُونَ اللِّقَاءُ مَعَهُ! وَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَاتُ عَنْهُ! كَيْفَ لاَ! وَقَدْ زَكَّاهُ رَبُّهُ فِي خُلُقِهِ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلاَ-: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4]
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ قَتَادَةَ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَثِلُ أَوَامِرَ الْقُرْآنِ وَنَوَاهِيَهُ، وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ، وَيَعْتَبِرُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ، وَيَتَدَبَّرُهُ حَقَّ التَّدَبُّرِ، وَهَذَا سَبَبُ وَصْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ.
صَلُّوا عَلَى مَاجِدٍ جَلَّتْ مَآثِرُهُ *** وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ إفْضَالاً وَإِحْسَانَا
أَتَى الْعِبَادَ وَقَدْ ضَلَّتْ مَسَالِكُهُمْ *** فَأَوْضَحَ الْحَقَّ تِبْيَانًا وَبُرْهَانَا
وَبَيَّنَ الدِّينَ بِالتَّذْكِيرِ مُجْتَهِدًا *** وَأَظْهَرَ الشَّرْعَ أَحْكَامًا وَقُرْآنَا
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَمِيلُ خُلُقِهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَاشَرَهُ وَخَالَطَهُ وَجَالَسَهُ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ رَآهُ وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ حَتَّى أَعْدَاؤُهُ شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ؛ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِن قَوْمِهِ، لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قَالَ مُعَاوِيَةُ -وَهَذَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ-: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ ببَعْضِ الشَّأْمِ، فَانْطُلِقَ بي وَبِأَصْحَابِي، حتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ نَسَبًا، قَالَ فَسَأَلَنِي: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.. ».
وَعِنْدَمَا كَانَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَبَّدُ فِي غَارِ حِرَاءٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ يَرْتَعِدُ، وَيُخْبِرُ زَوْجَتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِمَا حَدَثَ لَهُ، وَأَنَّهُ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ تُثَبِّتُهُ وَتُسَلِّيهِ: «كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللهِ، لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» [رواه البخاري].
فَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّحْمَةُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَحُبُّ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ -أَيْ: بِغَيْرِ سَرْجٍ- وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا. ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وجَدْتُهُ بَحْرًا» -يَعْنِي الفَرَسَ- أَيْ: شَبَّهَ الْفَرَسَ بِالْبَحْرِ؛ لِسَعةِ جَرْيِهِ مَعَ انْسِيَابِهِ وَخِفَّتِهِ مِثْلَ الْبَحْرِ. [متفق عليه].
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ، بَلْ كَانَتْ حَيَاتُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَلِيئَةً بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَالسَّمَاحَةِ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْجُودُ وَالْعَطَاءُ وَالْبَذْلُ وَالسَّخَاءُ: فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ، وَلَقَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لاَ يَخْشَى الْفَقْرَ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: التَّوَاضُعُ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]. وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَاضعًا، خَافِضَ الْجَنَاحِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، إِذَا جَلَسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ كَانَ كَأَحَدِهِمْ، وَكَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجَنَازَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ (الرَّقِيقِ) وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ.
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتِرَامَ الْكَبِيرِ وَرَحْمَةَ الصَّغِيرِ؛ وَكَانَ يَقُولُ: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [صححه الألباني].
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفُّ الأَذَى وَتَرْكُ الشَّتْمِ وَالسَّبِّ وَحِفْظُ اللِّسَانِ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ»، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟».
فَاتَّقُوا اللهُ -عِبَادَ اللهِ-، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَعْلُو قَدْرًا عِنْدَ خَالِقِهِ وَعِنْدَ النَّاسِ بِأَخْلاَقِهِ الرَّفِيعَةِ الْعَالِيَةِ، وَبِالتَّأَدُّبِ بِآدَابِ الإِسْلاَمِ السَّامِيَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ –بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى– نَتَكَلَّمُ عَنْ خُلُقِ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا أَحْلَى أَنْ يَكُونَ اللِّقَاءُ مَعَهُ! وَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَاتُ عَنْهُ! كَيْفَ لاَ! وَقَدْ زَكَّاهُ رَبُّهُ فِي خُلُقِهِ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلاَ-: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4]
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ قَتَادَةَ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَثِلُ أَوَامِرَ الْقُرْآنِ وَنَوَاهِيَهُ، وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ، وَيَعْتَبِرُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ، وَيَتَدَبَّرُهُ حَقَّ التَّدَبُّرِ، وَهَذَا سَبَبُ وَصْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ.
صَلُّوا عَلَى مَاجِدٍ جَلَّتْ مَآثِرُهُ *** وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ إفْضَالاً وَإِحْسَانَا
أَتَى الْعِبَادَ وَقَدْ ضَلَّتْ مَسَالِكُهُمْ *** فَأَوْضَحَ الْحَقَّ تِبْيَانًا وَبُرْهَانَا
وَبَيَّنَ الدِّينَ بِالتَّذْكِيرِ مُجْتَهِدًا *** وَأَظْهَرَ الشَّرْعَ أَحْكَامًا وَقُرْآنَا
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَمِيلُ خُلُقِهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَاشَرَهُ وَخَالَطَهُ وَجَالَسَهُ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ رَآهُ وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ حَتَّى أَعْدَاؤُهُ شَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ؛ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِن قَوْمِهِ، لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قَالَ مُعَاوِيَةُ -وَهَذَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ-: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ ببَعْضِ الشَّأْمِ، فَانْطُلِقَ بي وَبِأَصْحَابِي، حتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ نَسَبًا، قَالَ فَسَأَلَنِي: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.. ».
وَعِنْدَمَا كَانَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَبَّدُ فِي غَارِ حِرَاءٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ يَرْتَعِدُ، وَيُخْبِرُ زَوْجَتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بِمَا حَدَثَ لَهُ، وَأَنَّهُ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ تُثَبِّتُهُ وَتُسَلِّيهِ: «كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللهِ، لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» [رواه البخاري].
فَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّحْمَةُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَحُبُّ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ -أَيْ: بِغَيْرِ سَرْجٍ- وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا. ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وجَدْتُهُ بَحْرًا» -يَعْنِي الفَرَسَ- أَيْ: شَبَّهَ الْفَرَسَ بِالْبَحْرِ؛ لِسَعةِ جَرْيِهِ مَعَ انْسِيَابِهِ وَخِفَّتِهِ مِثْلَ الْبَحْرِ. [متفق عليه].
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ، بَلْ كَانَتْ حَيَاتُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَلِيئَةً بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَالسَّمَاحَةِ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْجُودُ وَالْعَطَاءُ وَالْبَذْلُ وَالسَّخَاءُ: فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ، وَلَقَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لاَ يَخْشَى الْفَقْرَ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: التَّوَاضُعُ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 215]. وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَاضعًا، خَافِضَ الْجَنَاحِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، إِذَا جَلَسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ كَانَ كَأَحَدِهِمْ، وَكَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجَنَازَةَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ (الرَّقِيقِ) وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ.
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتِرَامَ الْكَبِيرِ وَرَحْمَةَ الصَّغِيرِ؛ وَكَانَ يَقُولُ: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [صححه الألباني].
وَمِنْ أَخْلاَقِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفُّ الأَذَى وَتَرْكُ الشَّتْمِ وَالسَّبِّ وَحِفْظُ اللِّسَانِ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَلاَ صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ»، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟».
فَاتَّقُوا اللهُ -عِبَادَ اللهِ-، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَعْلُو قَدْرًا عِنْدَ خَالِقِهِ وَعِنْدَ النَّاسِ بِأَخْلاَقِهِ الرَّفِيعَةِ الْعَالِيَةِ، وَبِالتَّأَدُّبِ بِآدَابِ الإِسْلاَمِ السَّامِيَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].