الشيخ/عبدالله الواكد
11-06-2020, 08:36
خطبة جمعة
بعنوان
(الصَّبْرُ عَلَى الوَبَاءِ)
20/11/1441
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الصَّبُورِ الشَّكُورِ، شَمَلَتْ قُدْرَتُهُ كلَّ مَخْلُوقٍ وُمُأمُورٍ ، وَجَرَتْ مَشِيئَتُهُ بِتَصَارِيفِ الأُمُورِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، جَلَّ عَنْ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ ، وَتَعَالَى عَنْ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ،
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ : (يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران 102)
أَيُّهَا النَّاسُ : مَا أَحْوَجَ الإِنْسَانَ إِلَى ذُخْرٍ يَتَّكِأُ عَلَيْهِ فِي النَّائِبَاتِ ، وَسَنَدٍ يَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي المُلِمَّاتِ ، فَالذِي لَدَيْهِ وَالِدٌ أَوْ أَخٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ يَسْتَعِينُ بِهِ بَعْدَ اللهِ فِي عُبُورِ مَضَايِقِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَتَجَاوُزِ عَوَزِهَا أَخَفُّ حَالاً مِمَّنْ خَلَتْ يَدَاهُ مِنْ السَّنَدِ وَالمُعِينِ ، لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ جَعَلَ لِلنَّاسِ سَنَدًا وَمُعِينًا فِي كُلِّ بَيْتٍ وَحَيٍّ ، وَفِي كُلِّ مَدَرٍ وَوَبَرٍ ، وَفِي مُتَنَاوَلِ النَّاسِ جَمِيعًا ، سَنَدًا تَقْصُرُ عَنْ صِفَاتِهِ صِفَاتُ الرِّجَالِ ، وَتَعْجَزُ عَنْ حَمْلِ أَثْقَالِهِ الجِبَالُ ، سَنَدًا لَا يَشِيبُ وَلَا يَهْرَمُ ، وَلاَ يَتْعَبُ وَلاَ يَسْأَمُ ، ، كُلَّمَا سَانَدَكَ وَآزَرَكَ ، إِزْدَادَ بِكَ صَلاَبَةً ، وَازْدَدْتَ بِهِ وَقَارًا وَمَهَابَةً ، ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَبْعِينَ مَوْضِعًا فِي القُرْآنِ ، أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمُلَازَمَتِهِ ، وَبَشَّرَ أَهْلَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالهِدَايَةِ وَالفَرَجِ ، جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ إِخَاءً ، وَيَدَ إِيمَانٍ وَسَخَاءً ، وَمَا أَحْوَجَنَا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ التِي نَمُرُّ بِهَا مَعَ وَبَاءِ كُورُونَا ، إِنَّهُ الصَّبْرُ يَاعِبَادَ اللهِ ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، وَيَعْظُمُ وَيَقِلُّ هَذَا السَّنَدُ مَعَ الإِيمَانِ فَكُلَّمَا زَادَ إِيمَانُ المُسْلِمِ كُلَّمَا عَظُمَ صَبْرُهُ ، فَالصَّبْرُ يَا عِبَادَ اللهِ خُلُقٌ فَاِضلٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّفْسِ ، فَبِهِ صَلَاحُ شَأْنِهَا وَقِوَامُ أَمْرِهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ) ، فَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ أَوَامِرِ اللهِ وَشَرِيعَتِهِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّلاَةِ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(طه132) وَقَالَ تَعَالَى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْر وَالصَّلاَةِ)(البقرة45) وَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ نَوَاهِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالمُسْلِمُ لاَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ إِلاَّ بِالصَّبْرِ عَنْهَا تَعَبُّدًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى قَدَرِ اللهِ الذِي يَجْرِي عَلَيْنَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِنَا كَهَذَا المَرَضِ الذِي يَمُرُّ بِنَا وَهَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ التٍي تَعْصِفُ بِالعَالَمِينَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِهَا وَلَا نَتَسَخَّطَ مِنْهَا ، فَقَدْ يَكُونُ فِي ظِلَالِهَا الخُيرُ لِلْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ نَعْمَلَ عَلَى جَانِبِ الوِقَايَةِ التِي جَاءَتْ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا مَعَ دِينِ اللهِ وَمَعَ أَسْبَابِ سَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ لُقْمانَ (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)(لقمان 17) وَلَا نَنْسَى شُكْرَ النِّعْمَةِ التِي نَحْنُ فِيهَا فَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ المُسْلِمُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هُنَاكَ مِنْ سَيِّءِ الحَالِ التِي سَلَّمَهُ اللهُ مِنْهَا مَا لَوْ أَصَابَهُ لَتَمَنَّى حَالَهُ التِي هُوَ عَلَيْهَا ، فَهَا نَحْنُ أَصِحَّاءُ آمِنُونَ آكِلُونَ شَارِبُونَ أَلَاذَنَا اللهُ بِفَضْلِهِ إِلَيْهِ ، وَهَدَانَا لِلتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فَمَنْ أَدَّى حَقَّ اللهِ فِي شُكْرِ فَضْلِهِ قَوْلاً وَعَمَلاً وَأَقَامَ دِينَ اللهِ أَمِنَ زَوَالَ نِعْمَتِهِ قَالَ تَعَالَى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)(قريش)
أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(هود 9- 11) بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ عسرٍ يسراً ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزّ وَجَلَّ وَالصَّبْرِ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِصَبْرِكُمْ عَلَى أَقْدَارِهِ ، فَالصَّبْرُ مِثُلُ الدَّوَاءِ مُرُّ المَذَاقِ عَظِيمُ الفَائِدَةِ ، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ المُتَّصِفِينَ بِاليَأْسِ عِنْدَ البَلاَءِ ، لأَنَّهُمْ أَجْهَلُ النَّاسِ بِعَظِيمِ رَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ ، وَأَكْثَرُهُمْ هَلَعًا وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِدَاوَمِ مُجَالَسَةِ الْيَائِسِينَ القَانِطِينَ ، قَالَ تَعَالَى (قَالَ وَمَنْ يَقنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالونَ)(الحجر56) وقال عز وجل (إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف87) وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (الكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالأمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَاليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَصَدَقَ اللهُ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ (وَإِذا أذقنَا النَّاسَ رَحْمَة فرحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إذا هُمْ يَقنَطونَ)(الروم36) ويقول سبحانه (لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرّ فَيَئُوسٌ قنُوطٌ)(فصلت 49) وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسا) (الإسراء 83)، وَمِنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ مَنْ يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِهَا وَيُثَرِّبُ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ عَنْ المُصَافَحَةِ أَوْ لَبِسَ كمَاَّمًا أَوْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الوِقَايَةِ التِي تَبْذُلُ الدَّوْلَةُ فِي سَبِيلِهَا وَسَبِيلِ حَثِّ النَّاسِ عَلَيْهَا وَإِلْزَامِهِمْ بِهَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ وَبَصِيرَةٍ ، وَحَسِبَ أَنَّ الأَخْذَ بِأَسْبَابِ الوَقَايَةِ خَوْفًا وَهَلَعًا وَوَسْوَسَةً ، وَهَذَا الحُسْبَانُ مِنْ سُوءِ الفَهْمِ وَالإِدْرَاكِ ، فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ ، وَاتِّقَاءُ الأَسْبَابِ بِالأَسْبَابِ وَالإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ ، لاَ يَنْفَصِمُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ الذِي خَلَقَهَا وَأَمَرَ بِهَا أَعْلَمُ بِالكَوْنِ وَمَا فِيهِ وَأَعْلَمُ بِخَلْقِهِ (أَلَا یَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلخَبِیرُ) (الملك ١٤)
وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الفَرَجَ مَعَ الصَّبْرِ، وَاليُسْرَ مَعَ العُسْرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِصَبْرِكُمْ عَلَى هَذاَ الوَبَاءِ وَغَيْرِهِ ، فِي مَعِيَّةِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَهُ (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)( الأنفال 46) وَقَالَ تَعَالَى فِي الصَّابِرِينَ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة 157) وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الصَّبْرُ لَهُ خُلُقًا ، فَلْيَتَكَلَّفْهُ وَلْيُزَاوِلْهُ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةً وَطَبِيعَةً، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ)
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيرِ هَادٍ وَبَشِير قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزَاب56)
لملف الخطبة وورد و PDF
https://drive.google.com/drive/folders/1i_UpQilczfptHNqPYf0p3Pe91nT9SwbL (https://drive.google.com/drive/folders/1i_UpQilczfptHNqPYf0p3Pe91nT9SwbL)
بعنوان
(الصَّبْرُ عَلَى الوَبَاءِ)
20/11/1441
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الصَّبُورِ الشَّكُورِ، شَمَلَتْ قُدْرَتُهُ كلَّ مَخْلُوقٍ وُمُأمُورٍ ، وَجَرَتْ مَشِيئَتُهُ بِتَصَارِيفِ الأُمُورِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، جَلَّ عَنْ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ ، وَتَعَالَى عَنْ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ محُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ،
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ : (يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران 102)
أَيُّهَا النَّاسُ : مَا أَحْوَجَ الإِنْسَانَ إِلَى ذُخْرٍ يَتَّكِأُ عَلَيْهِ فِي النَّائِبَاتِ ، وَسَنَدٍ يَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي المُلِمَّاتِ ، فَالذِي لَدَيْهِ وَالِدٌ أَوْ أَخٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ يَسْتَعِينُ بِهِ بَعْدَ اللهِ فِي عُبُورِ مَضَايِقِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَتَجَاوُزِ عَوَزِهَا أَخَفُّ حَالاً مِمَّنْ خَلَتْ يَدَاهُ مِنْ السَّنَدِ وَالمُعِينِ ، لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ جَعَلَ لِلنَّاسِ سَنَدًا وَمُعِينًا فِي كُلِّ بَيْتٍ وَحَيٍّ ، وَفِي كُلِّ مَدَرٍ وَوَبَرٍ ، وَفِي مُتَنَاوَلِ النَّاسِ جَمِيعًا ، سَنَدًا تَقْصُرُ عَنْ صِفَاتِهِ صِفَاتُ الرِّجَالِ ، وَتَعْجَزُ عَنْ حَمْلِ أَثْقَالِهِ الجِبَالُ ، سَنَدًا لَا يَشِيبُ وَلَا يَهْرَمُ ، وَلاَ يَتْعَبُ وَلاَ يَسْأَمُ ، ، كُلَّمَا سَانَدَكَ وَآزَرَكَ ، إِزْدَادَ بِكَ صَلاَبَةً ، وَازْدَدْتَ بِهِ وَقَارًا وَمَهَابَةً ، ذَكَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَبْعِينَ مَوْضِعًا فِي القُرْآنِ ، أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمُلَازَمَتِهِ ، وَبَشَّرَ أَهْلَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالهِدَايَةِ وَالفَرَجِ ، جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ إِخَاءً ، وَيَدَ إِيمَانٍ وَسَخَاءً ، وَمَا أَحْوَجَنَا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ التِي نَمُرُّ بِهَا مَعَ وَبَاءِ كُورُونَا ، إِنَّهُ الصَّبْرُ يَاعِبَادَ اللهِ ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، وَيَعْظُمُ وَيَقِلُّ هَذَا السَّنَدُ مَعَ الإِيمَانِ فَكُلَّمَا زَادَ إِيمَانُ المُسْلِمِ كُلَّمَا عَظُمَ صَبْرُهُ ، فَالصَّبْرُ يَا عِبَادَ اللهِ خُلُقٌ فَاِضلٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّفْسِ ، فَبِهِ صَلَاحُ شَأْنِهَا وَقِوَامُ أَمْرِهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ) ، فَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ أَوَامِرِ اللهِ وَشَرِيعَتِهِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّلاَةِ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)(طه132) وَقَالَ تَعَالَى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْر وَالصَّلاَةِ)(البقرة45) وَالصَّبْرُ مَطْلُوبٌ مَعَ نَوَاهِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالمُسْلِمُ لاَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ إِلاَّ بِالصَّبْرِ عَنْهَا تَعَبُّدًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى قَدَرِ اللهِ الذِي يَجْرِي عَلَيْنَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِنَا كَهَذَا المَرَضِ الذِي يَمُرُّ بِنَا وَهَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ التٍي تَعْصِفُ بِالعَالَمِينَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِهَا وَلَا نَتَسَخَّطَ مِنْهَا ، فَقَدْ يَكُونُ فِي ظِلَالِهَا الخُيرُ لِلْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ نَعْمَلَ عَلَى جَانِبِ الوِقَايَةِ التِي جَاءَتْ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا مَعَ دِينِ اللهِ وَمَعَ أَسْبَابِ سَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ لُقْمانَ (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)(لقمان 17) وَلَا نَنْسَى شُكْرَ النِّعْمَةِ التِي نَحْنُ فِيهَا فَعَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ المُسْلِمُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هُنَاكَ مِنْ سَيِّءِ الحَالِ التِي سَلَّمَهُ اللهُ مِنْهَا مَا لَوْ أَصَابَهُ لَتَمَنَّى حَالَهُ التِي هُوَ عَلَيْهَا ، فَهَا نَحْنُ أَصِحَّاءُ آمِنُونَ آكِلُونَ شَارِبُونَ أَلَاذَنَا اللهُ بِفَضْلِهِ إِلَيْهِ ، وَهَدَانَا لِلتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فَمَنْ أَدَّى حَقَّ اللهِ فِي شُكْرِ فَضْلِهِ قَوْلاً وَعَمَلاً وَأَقَامَ دِينَ اللهِ أَمِنَ زَوَالَ نِعْمَتِهِ قَالَ تَعَالَى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)(قريش)
أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)(هود 9- 11) بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ عسرٍ يسراً ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزّ وَجَلَّ وَالصَّبْرِ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ ، وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِصَبْرِكُمْ عَلَى أَقْدَارِهِ ، فَالصَّبْرُ مِثُلُ الدَّوَاءِ مُرُّ المَذَاقِ عَظِيمُ الفَائِدَةِ ، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ المُتَّصِفِينَ بِاليَأْسِ عِنْدَ البَلاَءِ ، لأَنَّهُمْ أَجْهَلُ النَّاسِ بِعَظِيمِ رَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ ، وَأَكْثَرُهُمْ هَلَعًا وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِدَاوَمِ مُجَالَسَةِ الْيَائِسِينَ القَانِطِينَ ، قَالَ تَعَالَى (قَالَ وَمَنْ يَقنَطُ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالونَ)(الحجر56) وقال عز وجل (إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف87) وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (الكَبَائِرُ : الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالأمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَاليَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَصَدَقَ اللهُ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ (وَإِذا أذقنَا النَّاسَ رَحْمَة فرحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إذا هُمْ يَقنَطونَ)(الروم36) ويقول سبحانه (لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرّ فَيَئُوسٌ قنُوطٌ)(فصلت 49) وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسا) (الإسراء 83)، وَمِنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الجَائِحَةِ الكُورُونِيَّةِ مَنْ يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِهَا وَيُثَرِّبُ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ عَنْ المُصَافَحَةِ أَوْ لَبِسَ كمَاَّمًا أَوْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الوِقَايَةِ التِي تَبْذُلُ الدَّوْلَةُ فِي سَبِيلِهَا وَسَبِيلِ حَثِّ النَّاسِ عَلَيْهَا وَإِلْزَامِهِمْ بِهَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ وَبَصِيرَةٍ ، وَحَسِبَ أَنَّ الأَخْذَ بِأَسْبَابِ الوَقَايَةِ خَوْفًا وَهَلَعًا وَوَسْوَسَةً ، وَهَذَا الحُسْبَانُ مِنْ سُوءِ الفَهْمِ وَالإِدْرَاكِ ، فَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ ، وَاتِّقَاءُ الأَسْبَابِ بِالأَسْبَابِ وَالإِيمَانُ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ وَالصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ ، لاَ يَنْفَصِمُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ الذِي خَلَقَهَا وَأَمَرَ بِهَا أَعْلَمُ بِالكَوْنِ وَمَا فِيهِ وَأَعْلَمُ بِخَلْقِهِ (أَلَا یَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلخَبِیرُ) (الملك ١٤)
وَاعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الفَرَجَ مَعَ الصَّبْرِ، وَاليُسْرَ مَعَ العُسْرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِصَبْرِكُمْ عَلَى هَذاَ الوَبَاءِ وَغَيْرِهِ ، فِي مَعِيَّةِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَهُ (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)( الأنفال 46) وَقَالَ تَعَالَى فِي الصَّابِرِينَ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة 157) وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الصَّبْرُ لَهُ خُلُقًا ، فَلْيَتَكَلَّفْهُ وَلْيُزَاوِلْهُ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةً وَطَبِيعَةً، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ)
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيرِ هَادٍ وَبَشِير قَالَ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزَاب56)
لملف الخطبة وورد و PDF
https://drive.google.com/drive/folders/1i_UpQilczfptHNqPYf0p3Pe91nT9SwbL (https://drive.google.com/drive/folders/1i_UpQilczfptHNqPYf0p3Pe91nT9SwbL)